قصة لقاء عبد الاله بشيوخ عشائر العمارة

    

    قصة لقاء عبد الاله بشيوخ عشائر العمارة

                    

لهذا اللقاء أسبابٌ منها قانون ايجار مقاطعات لواء العمارة لشيوخ العشائر القاطنة في تلك الاراضي والذي رفضه الشيوخ علما ان اللواء المذكور تعتبر اراضيه من الاملاك الخاصة بالسلطان العثماني عبد الحميد ولما خلع سنة 1909 اصبحت الاراضي اميرية صرفة فكانت تؤجر بالمزاد العلني الى ان احتلت الجيوش البريطانية لواء العمارة سنة 1915 ورغبة منها في كسب تاييد شيوخ عشائر العمارة الى جانبها ابطلت طريقة المزايدة في تاجير المقاطعات الزراعية واستمرت هذه الطريقة طوال الحكم الملكي حتى سنة 1952 ..

                        

وكان الملتزمون الاوليون لتلك المقاطعات الواسعة هم الشيوخ والملتزمون الثانويون هم السراكيل اما الفلاحون الذين يعتبرون القاعدة الرئيسية لزراعة تلك الاراضي فانهم متروكون لرحمة الملتزمين وقد شجعت الحكومات المتعاقبة للنظام الملكي طبقة الشيوخ الذين صار يطلق عليهم الاقطاع حتى وصلت في الخمسينات من القرن الماضي الى شكل نظام استطاع ان يبسط نفوذه على ريف العمارة وكانوا يقاومون كل مشروع يحاول ان يمنح قسما من اراضي المقاطعات الى الفلاحين الذين كانوا يقاومون في لواء العمارة (محافظة ميسان) اشد انواع الظلم والاضطهاد من شيوخهم الذين كانوا يسلبون معظم انتاجهم ولا يبقون لهم من ثمرة اتعابهم ما يسد رمقهم ورمق عائلاتهم واطفالهم...

  

مما دفع قسما كبيرا منهم ان يهاجروا الى بغداد طلبا للرزق حتى امتلأت ضواحي العاصمة بهم وكانوا يعيشون في الصرائف بين المستنقعات الآسنة ومساكن بائسة مشيدة من الطين والحصران الخالية من شروط السكن الصحي يعيشون في حالة من الفاقة والعوز...

             

واخيرا في سنة 1951 تقدمت وزارة نوري السعيد بمشروع قانون منح اللزمة في لواء العمارة الى مجلس النواب يذكر الوزير عبد الكريم الأزري وزير المالية في حكومة محمد فاضل الجمالي ما ان قرات المشروع حتى صعقت كيف يكون ونحن مشرفون على سنة 1952 والتذمر في مختلف الأوساط الواعية قد بلغ حدا كبيرا وفلاحو لواء العمارة يملؤون ضواحي العاصمة بغداد ان تتقدم حكومة بمثل هذا المشروع القانوني التي نصت الائحة القانونية لهذا القانون ان يمنح شيخ العشيرة نصف المقاطعة والنصف الاخر الى الملتزمين الثانويين وهم السراكيل والسبب في اهتمامي بلواء العمارة والقول للوزير الازري اكثر من غيره لاني في وقت سابق كنت نائبا في مجلس النواب عن بعض المناطق في لواء العمارة واعرف قسما كبيرا من اهالها ووجهائها وكنت اسمع منهم قصص المظالم التي كانت تقترف بحقهم من قبل الشيوخ مما دفعهم الى ان يهجروا اوطانهم الى مدينة بغداد هربا من التعسف والظلم الذي كانوا يلقونه واخيرا شرعت اللائحة المذكورة واصبحت قانون منح اللزمة في لواء العمارة رقم 42 لسنة 1952 ...

     

يقول الازري وعند تاليف وزارة محمد فاضل الجمالي الاولى اواخر سنة 1953اشتركت فيها وزيرا للمالية واول عمل قمت به استدعاء متصرف لواء العمارة (اي محافظ) الى بغداد مع رؤساء التسوية (اي حكام محاكم تسوية حقوق الاراضي) وتناولت معهم ما اصاب طبقة الفلاحين من الاراضي وحرمانهم من الاراضي علما ان اللائحة دفعت الى مجلس الوزراء من قبل وزير المالية وقد صادق عليها ثم أضيفت بعض المقترحات لصالح الفلاحين وقد تسبب هذا المشروع القانوني باستياء شديد لدى شيوخ العمارة الذين اخذوا يمارسون انواع الضغط عليه. وقد استدعى الوزير عبد الكريم الازري الى البلاط الملكي لمقابلة الوصي عبد الاله وعند وصوله للبلاط اجتمع على الفور مع الوصي في مكتبه واعلمه ان شيوخ عشائر العمارة متواجدون في البلاط وهم يشكون امرهم ويقولون عني اني لا اسمح لهم بشرح وجهة نظرهم حول اللائحة القانونية الخاصة بتوزيع الاراضي وطلب من الوزير الازري ان يحضر معه للاجتماع مع شيوخ العمارة وهم:

             

               الشيخ / جاسم محمد العريبي

الشيخ محمد العريبي والشيخ مجيد الخليفة من شيوخ عشائر البو محمد والشيخ عبد الكريم الشواي والشيخ مطلك السلمان شيوخ عشائر آل زيرج والشيخ عبد الكريم الجوي من شيوخ عشائر بني لام وغيرهم..

فطلب منهم الوصي ان يشرحوا وجهة نظرهم فبدؤوا ينتقدون مواد اللائحة وفقراتها كما اقرها مجلس الوزراء والوصي يستمع اليهم ثم تحدث الوزير الازري موضحا بان اللائحة فائدة لهم ولأبناء عشيرتهم وان اللائحة التي اقرها مجلس الوزراء تتمسك بها الحكومة ولا تتراجع عنها هي نصف الارض للشيوخ والنصف الاخر يوزع للفلاحين وبعد ان انهى الوزير كلامه نهض الشيخ مجيد الخليفة وقال اننا لا نعرف السبب في معاملتنا معاملة تختلف عن بقية الشيوخ في باقي الالوية (المحافظات) اقول ان شيوخ المحافظات كانوا يعاملون فلاحيهم بالحسنى والشفقة عكس شيوخ عشائر العمارة ونوه الشيخ مجيد خليفة في كلامه اننا لا نوافق على المبدأ الذي انطوت عليه اللائحة وهو اعطاء نصف الارض للفلاح واذا اعطي فاننا سنقاوم بكل ما نملك من قوة واننا اشترينا الاكفان والسلاح وننوي ان نموت في سبيل ارضنا..

اقول اي ارض ارضهم فانها ليست مسجلة بالطابو باسمائهم وانها مؤجرة يقول الوزير الازري التفت الى الوصي عبد الاله وقد لاحظت عليه الانزعاج وعدم الرضا من كلام مجيد الخليفة فخرج غاضبا ..

      

وخرجت معه ورجعنا الى مكتبه فقال لي ان هؤلاء الشيوخ ومن ورائهم سوف يقاومون اللائحة القانونية بكل ما يملكون من قوة واني لا ارى مصلحة في إغضابهم يقول فاجبته يا سمو الامير ولكن استمرار الظلم امر في غاية الخطورة ويا ليت سموك تمر مرورا عابرا في السراي لترى بعينك الحشد الهائل من الفلاحين النازحين من لواء العمارة من ظلم وجور هؤلاء الشيوخ وهم ينتظرون بفارغ الصبر حلا عادلا لقضاياهم يزيل الظلم الذي اقترف بحقهم لكن الوصي اعتبر الشيوخ الركيزة التي يعتمد عليها النظام الملكي والوقوف في وجه التيارات التي تريد ان تعصف بامن البلاد.

  

يذكر الوزير الازري بعد ما يقارب اربع سنوات من هذا اللقاء اندلعت ثورة 14/تموز/1958 وجرفت في سيلها الشيخ محمد الخليفة وغيره من الشيوخ وتبين ان هؤلاء الشيوخ لم يكونوا سندا او دعامة للوضع السياسي في العراق وانما كانوا عبئا ثقيلا عليه..
المصدر: حمرين نيوز / خالد خلف داخل

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

555 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع