بسمارك العرب – ياسين الهاشمي

ياسين الهاشمي خلال تفتيش القيصر لجبهة غاليسيا عام ١٩١٦

 بسمارك العرب – ياسين الهاشمي

هو ياسين حلمي بن السيد سلمان بن احمد بن السيد علي بن السيد حسن وهو أحد بناة الدولة العراقية الحديثة والمهيمنين على سياستها في عهد نشأتها حيث ترك السيد احمد الموصل واستقر في بغداد وانجب سلمان الذي عاش في محلة البارودية وتزوج من آمنة التي تنتسب الى عائلة متوسطة الحال من عائلاتها فانجبت له شفيقة وهي البنت الكبرى ثم داود وهو الاكبر فياسين وطه وزينب.

ولد ياسين الهاشمي في بغداد في محلة البارودية سنة 1882 يعتقد توفيق السويدي ان اصل الهاشمي من كفري او من جوار طوزخرماتو بينما تؤكد صبيحة ياسين ابنته ان والدها علوي النسب كانت تسمعه يردد امام العائلة انه اقرب الى الامام زين العابدين من الملك فيصل اما عن صلته بكفري فتقول ابنته انها جاءت من زوجته رفيقة عبد المجيد ابنة عائشة خالة ياسين وهي عربية من الموصل متزوجة من كردي من اهل السليمانية كان مديرا للمخبز العسكري العثماني في الموصل وعم زوجته مصطفى افندي الذي تزوج بواحدة من بنات الاغوات وسكن كفري وعاشت عائلته هناك. فيما تقول تقارير الاستخبارات البريطانية ان اسرة ياسين الهاشمي جاءت من جوار كركوك وقد تكون من سلالة تركية سلجوقية.

دخل ياسين مع شقيقه الاكبرداود الكتاتيب وتعلم على يد الشيخ حسن الافغاني وامضى سنتين حفظ خلالهما ايات من القران وبعضا من قواعد اللغة العربية واصول القراءة والكتابة ثم انتقل الى المدارس الحكومية لتكملة دراسته ثم الرشيدية العسكرية ذات الخمسة صفوف متفوقا على اقرانه وكان عمره 18 عاما سافر بعدها الى استنبول والتحق بالكلية العسكرية سنة 1899 امضى فيها ثلاث سنوات تخرج بعدها سنة 1902 برتبة ملازم ثاني ثم دخل كلية الاركان الحربية حيث اتسع افق معرفته وثقافته لاجادته اللغتين الالمانية والانكليزية حيث تخرج فيها سنة 1905 ولما أعلن الدستور العثماني 1908.

تعرف خلال دراسته في كلية الأركان على عدد من الضباط مثل عزيز علي المصري الذي أسس حزب العهد وانضم اليه الهاشمي بل وأسس فرعا له في الموصل كما تعرف على مصطفى كمال أتاتورك وعلي جودة الأيوبي ونوري السعيد وجميل المدفعي وغيرهم.

وهناك برزت مواهبه العسكرية وبراعته في المسائل التعبوية فيقول أخوه طه ان ياسين كان قد كرس اكثر وقته خلال هذه السنين لقراءة المواضيع العسكرية مركزا على تلك المواد التي تضمن له تقدما ملموسا في الحقل الذي تخصص فيه فاصبح ملما في العلوم المالية والاقتصاد ومحيطا بالقانون الدولي والتاريخ الأوروبي وكان مناقشا صعبا وخاصة في موضوع القومية وحركات الاصلاح وحرص على حضور دورات اضافية كانت تنظمها كلية الاركان في موضوعي الهندسة والتكتيك.

بعد تخرج ياسين الهاشمي في كلية الاركان عاد الى العراق فعين في قيادة الجيش السادس وانيطت به مسؤولية ادارة وتنظيم الوحدات العسكرية يرافقه في هذه المهمة سليم الموصلي وعلي جودت الايوبي وقام بجولات تفتيشية في شمال وجنوب بغداد لتنظيم وتنسيق الوحدات العسكرية وقدم بذلك تقارير وافية استحسنتها قيادة الجيش وبقي يمارس عمله هذا حتى عام 1908 وهي السنة التي قامت بها جمعية الاتحاد والترقي بانقلابها ضد السلطان عبد الحميد الثاني حيث استبشر الهاشمي وزملاؤه من ذلك خيرا ونظر الى هذا العهد الجديد بتفاؤل واضح ورفع الى وزارة الحربية التماسا طلب فيه رفع الغبن عنه ومنحه رتبة ركن فجاءه الجواب بدون تاخير من وزارة الحربية بمنحه اللقب وترفيعه الى رتبة ( قول اغاسي) التي تعادل رائد ركن.ولما لم يكن في بغداد منصبا شاغرا لضابط ركن صدرت الاوامر بنقله الى الشام للعمل في الجيش الثامن. الا انه بقي في بغداد بشكل مؤقت لانهاء بعض الاعمال التي وكل اليه انجازها.وحينما وصل ناظم باشا الوالي الجديد في بغداد واعرب له الهاشمي عن رغبته في البقاء في بغداد وتم له ما اراد وبقي مديرا لشعبة الحركات العسكرية في فرع الجيش السادس في بغداد وكلفته قيادة الجيش بمهمة اجراء مسح نهري لتقريب المسافة بين سوريا والعراق عن طريق تكوين اسطول نهري لما له من خبرة هندسية وانجز مهمته ورفع تقريره بعدم صلاحية نهر الفرات للملاحة بشكل مستمر وذلك لكثرة تعاريجه وشدة انحداره. . وفي سنة 1913 نقل الى الفيلق الثاني عشر في الموصل بوظيفة رئيس اركان حرب الفيلق ورفع الى رتبة مقدم. وفي الموصل اظهر ياسين الهاشمي نشاطا بارزا في التنظيم القومي وصار مسؤولا عن فرع جمعية العهد التي اسسها عزيز علي المصري في استنبول ونشاطه السياسي حتى قيام الحرب العالمية الاولى حيث نقل فيلقه الى سوريا وجعل مقره حلب ثم نقل الى دمشق رئيسا لاركان حرب الجيش الرابع ومنها نقل الى استنبول حيث استبسل اثناء الحرب في الحفظ على مضيق الدردنيل..

ثم ارسل الى الجبهة الأوروبية اذ أبدى استبسالا في جبهة غاليسيا رقي بعدها الى رتبة زعيم ركن( عميد ركن) فقد تسلم في منتصف آب 1916 مواضعه الى جانب القوات النمساوية قائدا للفرقة 20 وكان الى يمينه الفرقة 26 النمساوية والى يساره الفرقة 19 التركية وحينما تعرضت الفرقة النمساوية يوم 19 آب لهجوم روسي شديد نجحوا خلاله من اسقاط دفاعاتها الاولى والثانية كانت فرقة الهاشمي الـ 20 تبدي صمودا بوجه القوات الروسية التي اضطرت الى التراجع بخسائر فادحة امام قوات الهاشمي مما أدى بالامبراطور الالماني غليوم الثاني الى تهنئة الهاشمي وتقليده الوسام الحديدي كما كافأته الحكومة النمساوية بتقليده وسام الصليب النمساوي ومنحته قدما ممتازا مرتين فيما قلدته القيادة التركية وسام الكفاية الذهبي.
وفي الثورة العربية التي قادها الشريف حسين وحينما شنت جيوش الجنرال البريطاني ( اللينبي) هجومها الكاسح ارتدت القوات التركية على أعقابها انسحب ياسين الهاشمي الذي كان يقاتل مع القوات التركية الى دمشق لكن الجيش العربي دخل الشام ظافرا في أول تشرين الأول 1918 فاستدعي الهاشمي وعين رئيسا لاركان حرب حاكم سوريا العسكري في حكومة الامير فيصل ثم رئيسا للوزراء
ومن أعمال الهاشمي في الموصل انه اصبح عضوا في المجلس البلدي ولكونه حاصلا على رتبة ركن وله المام بالرسوم الهندسية والتخطيطات المعمارية قام بوضع تصاميم مستشفى الغرباء في باب سنجار وخطط مدرسة الصناعة واشرف على البناء من الناحية الفنية يساعده امين افندي الافغاني.كما انه حصل على مؤازرة بعض العناصر المدنية من اهل الموصل مثل سعيد الحاج ثابت وابراهيم عطار باشي وداود الملاح وحبيب العبيدي وكانت بعض الاجتماعات تعقد في بيت ياسين الهاشمي او مولود مخلص او في دار شريف الفاروقي العمري.
عام 1917 نقل ياسين الهاشمي الى جبهة الشام ليكون مقره فلسطين حيث جدد اتصالاته بالعاملين في الحركة القومية في دمشق التي استقر فيها هو وعائلته. حيث ساهم في نشاط الثورة العربية فقد استقر في سوريا وارسل على اسرته المؤلفة من زوجته وكريماته الثلاث فجاءوا من استنبول عن طريق حلب الى دمشق وسكنوا بيتا مستاجرا في احدى احياء دمشق وهي محلة عرنوس ثم بنى دارا قريبة من هذا البيت في احد البساتين. في آب 1919 وكان على اتصال دائم بعائلته في بغداد. رزق ياسين الهاشمي بولده الوحيد يحيى وكانت فرحته وزوجته لا توصف خاصة وانه جاء بعد ثلاث بنات الا انه توفي سنة 1924 على اثر اصابته بمرض التيفوئيد حسب تشخيص طبيب الملك سندرسن الذي تبين له فيما بعد انه كان مصابا بذات الرئة وليس بالتيفوئيد وان العلاج الذي تناوله لم يكن في صالحه ودفن في مقبرة باب المعظم.وقد سبب وفاة يحيى الكآبة والانطواء لياسين الذي لازمه حتى وفاته في 21 كانون الثاني 1937.

وفي عام 1920عين رئيسا للوزراء اثناء حكم الملك فيصل الاول اسوريا التي استقر فيها مزاولا مهنة التجارة ومتحينا الفرصة للعودة الى العراق التي جاءته سنة 1922 فعاد الى العراق في شهر مايس مع جماعة من الضباط العراقيين حيث طلب اليه الملك فيصل الاول عقب اعتلائه عرش العراق العودة الى ممارسة العمل السياسي؟
وفـي 19 حـزيـران عــام 1919 عـين متصـرفــا( محافظــا) لـــلواء المــنتفك ( الناصرية) ثم استقال من منصبه ثم عين وزيرا للمواصلات والاشغال في وزارة عبد المحسن السعدون الاولى اذ كان قديرا في تسيير امور الوزارة .الا انه استقال عام 1923 ثم انتخب عضوا في المجلس التاسيسي لوضع الدستور .



تزعم ياسين الهاشمي المعارضة مع رشيد عالي الكيلاني ضد وزارة نوري السعيد فالف حزب الاخاء الوطني في سنة 1930 كما اختير عضوا في المجلس النيابي ثم استقال منه مع مجموعة من النواب منهم ناجي السويدي ورشيد عالي وعلي جودت الايوبي كما لعب دورا قياديا في تشجيع الاضراب العام في بغداد سنة 1931 نكاية بحكومة نوري السعيد .
ما كاد المجلس التاسيسي يفرغ من المعاهدة العراقية البريطانية والقانون الاساسي العراقي وتشريع قانون انتخاب النواب حتى شعرت وزارة جعفر العسكري بانها قد انهت مهمتها فقدمت استقالتها الى الملك فيصل الاول في 2 آب 1924 .

وكانت نية الملك قد اتجهت الى اسناد رئاسة الوزارة الى رئيس المعارضة ياسين الهاشمي على أن يؤلف حكومة قومية تضم اكفأ العناصر دون التقيد بالحزبية الضيقة . وبالفعل شكل الهاشمي وزارته على هذا الاساس وضمت اربعة وزراء جدد واثنين :

من ابرز القدماء هما عبد المحسن السعدون رئيس الوزراء الاسبق ورئيس المجلس التاسيسي فانيطت بالسعدون وزارة الداخلية

والاخر هو ساسون حسقيل المالي اليهودي المعروف الذي شغل وزارة المالية فيما شغل رشيد عالي الكيلاني وزارة الداخلية والشيخ محمد رضا الشبيبي للمعارف ومزاحم الباجه جي للاشغال وابراهيم الحيدري للاوقاف.
واحتفظ لنفسه بوزارة الدفاع وكانت المهمة الاولى للوزارة الدفاع عن حقوق العراق في احتفاظه بولاية الموصل وحل الخلافات المتعلقة بشانها بصورة نهائية ومن ابرز اعمال الوزارة انشاء وزارة للخارجية ليستكمل المظهر الشكلي لحكومة العراق وقد تولاها الهاشمي نفسه.وكذلك تاسيس محطة الاذاعة العراقية في الاول من تموز عام 1936 بحضور رئيس الوزراء ياسين الهاشمي اذ كانت الانطلاقة بصوت المذيع عبد الستار فوزي وبآيات من الذكر الحكيم . كما رغبت الوزارة التخلص من بعض الموظفين البريطانيين بتقصير اجل استخدامهم في العراق فلم تفلح . كما نشرت وزارته قانون الانتخابات بل ان من ابرز عملين قامت بهما وزارة الهاشمي اضافة الى تثبيت حق العراق بولاية الموصل ففي 30 ايلول 1924 قررت عصبةالامم تعيين لجنة دولية مؤلفة من شخص مجري واخر سويدي وثالث بلجيكي لدرس مشكلة الموصل حيث وصلت بغداد في 16 كانون الاول 1925 واجرت اتصالات مع حكومة المسؤولين العراقيين ثم توجهت الى الموصل واجرت استطلاعا لاراء ابناء المدينة وبعد شهرين عادت اللجنة وقدمت تقريرا يفيد ان خط بروكسل ( اي الخط الذي قررته لجنة فنية في بروكسل) صالحا لتحديد المنطقة بين العراق وتركيا اي اوصت بضم المنطقة الواقعة جنوب خط بروكسل بكلتيها الى العراق بشرط ان يبقى العراق تحت الانتداب البريطاني لمدة خمسة وعشرين عاما. وان تراعي مصالح الاكراد في الشؤون الادارية وتعتبر اللغة الكردية اللغة الرسمية
لقد نجح ياسين الهاشمي خلال مسيرته السياسية الطويلة ان يحقق للعراق مكاسب كثيرة كانت في ذلك العصر تعتبر انجازات ضخمة وكبيرة فحقق انجازات على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي فنجح في تخليص العراق من الموظفين الاجانب توفيرا للميزانية وتعزيزا للروح الوطنية والقومية. كما نجح في تحميل العراق للمسؤليات الادارية والعسكرية والمالية.كذلك انقذ العراق من الديون العثمانية واسس المصرف الزراعي والصناعي واصدر اول قانون للعمل ونفذ قانون التجنيد الاجباري بعد ان عجزت الحكومات المتعاقبة عن تطبيقه خوفا من التمرد لتنفيذه ووضع قانونا لبورصة التجارة .
اما على الصعيد القومي فقد كان ياسين اسبق من غيره الى الاهتمام بالقضايا العربية فقد مد ثورة فلسطين عام 1936 بالمال والسلاح والرجال
لكن ما يؤخذ على ياسين الهاشمي كما يقال انه قام بوضع قوانين عديدة عندما كان وزيرا للمالية في عدة وزارات خدمت اول ما خدمت مصالح كبار الملاكين والاقطاعيين ابرز هذه القوانين قانون ضريبة الاراضي لسنة 1927 وقانون حقوق وواجبات الفلاحين لعام 1932 الذي ربط الفلاح بالارض وعادت عليه هذه القوانين بفوائد ومكاسب لانه اصبح نفسه ملاكا فقداستولى على اراضي كثيرة نصب فيها عدد من المضخات وشارك اطرافا عديدة اذ يقول عبد الرزاق الحسني ان معظم الاراضي الزراعية في العراق كانت بورا ولم تجد من يزرعها فاعطت حكومة الهاشمي التسهيلات وامتيازات للزراع فاعطت الاراضي لهم بدون مقابل واعفت الفلاحين من الضريبة لمدة اربع سنوات كل ذلك في سبيل اقبال الفلاحين على الزراعة فلا غرابة ان راينا ياسين وغيره يقبلون على امتلاك بعض الاراضي البور لزراعتها.

كما يؤكد ذلك ناجي شوكت ان ظاهرة حصول الهاشمي على الاراضي بطرق مختلفة اذ ان الهاشمي كان يردد انه ليس من الصواب ان يعتمد رجل السياسة او الاشخاص الذين يمارسون العمل السياسي على رواتبهم الشهري وهو دخل محدود ومعرض في كل وقت للحرمان منه بسبب الفصل او الابعاد او غيرها وقد اكد ذلك صديق شنشل فيقول لقد
ا
وفي 16 كانون الاول 1925 قرر مجلس العصبة ان تعيين الحدود بين العراق وتركيا يكون نافذا على شرط ان يتخذ بالاجماع باستثناء الطرفين المتنازعين. ولم تكتف بريطانيا بالشروط السابقة بل انها اشترطت لاحتفاظ العراق بولاية الموصل شرطا ثقيلا اخر هو موافقة الحكومة العراقية على منح امتياز استخراج النفط الى شركة بريطانية.
كما نشرت قانون الانتخابات وكذلك منح امتياز النفط الى شركة النفط التركية.

وزارة الهاشمي الثانية وانقلاب بكر صدقي

منذ بداية تشكيل الوزارة ظهرت الخلافات بين اقطاب السياسة العراقية حينما رفض حكمت سليمان الاشتراك بالوزارة ما دامت وزارة الداخلية قد عهدت الى رشيد عالي الكيلاني واصر على وزارة الداخلية والا يرفض العرض ولن يرضى باية وزارة اخرى بديلا عنها وقد اضطر الهاشمي الى تشكيل وزارته
في 15 اذار 1935 والتي اعتبرت ائتلافية..

وضمت نوري السعيد للدفاع ورشيد عالي للداخلية والشيخ رضا الشبيبي للمعارف وجعفر العسكري للدفاع ورؤوف البحراني للمالية ومحمد زكي البصري للعدلية ومحمد امين زكي للاشغال
حاول الهاشمي في وزارته الثانية استمالة بعض السياسيين الى جانبه بعد ان شعر بوجود تذمر ضد حكومته وحاول اقناع البعض الاخر بانه سيجري تغييرا في وزارته لكنه لم يخطر بباله قيام الجيش الذي كان يطمئن اليه بحركة تطيح بحكومته ويبدأ عهدا جديدا محفوفا بالمخاطر.

فقد قام حكمت سليمان بتحريض شيوخ العشائروالقبائل وكذلك الاحزاب القائمة انذاك ضد حكومة الهاشمي حيث تطور غضب حكمت سليمان الى نقمة ثم ادت الى انفجار حيث قامت ثورات عشائرية في الرميثة وسوق الشيوخ اضطرت الحكومة بسببها الى اعلان الاحكام العرفية كما قامت بحل المجلس النيابي واجراء انتخابات عامة فيما استقال الشيخ محمد رضا الشبيبي من وزارة المعارف حول شؤون المعارف واخرى داخلية مما ادى الى تفاقم الاوضاع التي مهدت لانقلاب بكر صدقي العسكري.

ففي صبيحة 29 تشرين الاول 1936 استيقظ الناس في بغداد ليشاهدوا طائرات ترميهم بمنشورات تخبرهم بحادث خطير هو ان الجيش طلب من الملك غازي اقالة حكومة ياسين الذي استجاب لطلب الملك غازي المغلوب على امره ولم يغادر دست الحكم فقط بل ان الهاشمي غادر العراق الى بيروت.ثم تشكلت الحكومة من قبل حكمت سليمان وكانت جماعة الاهالي وراء الانقلاب المذكور

حيث شغل كل من كامل الجادرجي وجعفر ابو التمن من ابرز جماعة الاهالي في وزارة الانقلاب الذي قاده الفريق بكر صدقي حيث شغل الاول وزارة الاقتصاد والثاني وزارة المالية اذ كان بكر صدقي يرى انه احق من العميد طه الهاشمي بمنصب رئيس اركان الجيش وهكذا سقطت حكومة الهاشمي
يتحدث عبد الرزاق الحسني في سلسلة كتبه الوزارات العراقي الجزء الرابع نقلا عن رشيد عالي الكيلاني الذي التقاه في 17 نيسان 1938 في داره بالصليخ وحدثه عن اصرار بكر صدقي على تصفية الهاشمي والكيلاني فقال ( جاءني العقيد احمد المرافق لجلالة الملك في يوم 30 تشرين الاول 1936 وقال لي ان جلالة الملك يرغب في مغادرتك العراق حالا فلم اتاخر عن فهم الغاية من هذا التكليف ولا سيما بعد ان علمت ان كلا من المرحوم ياسين الهاشمي ونوري السعيد قد بلغا عين الرسالة التي حملها اليّ العقيد احمد.)
وبالفعل فقد غادر مساء يوم الجمعة 30 /10/1936 كل من ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني تصحبهما سيارات الشرطة المسلحة حتى اوصلتهما الى الحدود السورية وقد ارسل معهم حكمة سليمان ابن اخيه جزمي مراد وبعض افراد الشرطة . اما نوري السعيد فقد غادر العاصمة في صباح السبت هو وعائلته ونجله صباح تحملهم طائرة حربية من السلاح البريطاني بعد ان قضوا ليلتين في السفارة المصرية .
وكان ياسين الهاشمي قد شكل حكومته الثانية في عهد الملك غازي عام 1935 التي سقطت عن طريق انقلاب الفريق بكر صدقي اول انقلاب عسكري في تاريخ المنطقة.
ثرت دراسة الكتاتيب على ياسين الهاشمي لما فيه من تاكيد على النواحي الدينية التي انعكست فيما بعد على سلوكه حيث غرست فيه شوقا دينيا حببت اليه حضور حفلات المولد والذكر التي حافظ على حضورها مع والده او بدونه زمنا طويلا والتزم اداء الفرائض الدينية فكان في المجالس قليل الكلام كثير التامل دائم التفكير شديد التحفظ في حواره يضفي عليه صمته الدائم هالة من الغموض كما كان يعتقد ببعض الاوهام والمعتقدات فيحرص على سكب الماء وراءه اذا ركب مسافرا وآمن بالرؤيا والاحلام وعلاقتها بالمستقبل. واشتهر ياسين بغموضه هذا ويقول فيصل الاول عنه في هذا الامر( ان ياسين عرفني اكثر مما اعرف نفسي واما انا فلم اعرف من طواياه شيئا . كما ان المس بيل على الرغم من اعجابها بياسين الهاشمي فانها وجدت فيه غموضا صعب عليها فهمه ولما المحت برايها الى الملك فيصل اجابها ان هذا هو نفس ما يشعر به تجاه ياسين.
وبالرغم من ذلك فانه يبدو من الصعوبة بمكان تحديد ماهية التيار الفكري الذي كان له الاثر المباشر على تفكير الهاشمي في هذه المرحلة من حياته الا انه يمكن استنتاج هذا التيار الفكري من خلال كتاباته ومواقفه اللاحقة حيث يظهر للعسكريين البروسيين والمؤرخين الالمان اعمق الاثر عليه فقد كان استدعاء العثمانيين الضابط الالماني ( الفون درغولتز) الى تركيا سنة 1882 وكلفته باصلاح الجيش التركي فوجد ان ميول اكثر لضباط الاتراك تتجه نحو العسكرية الالمانية كما ان كلية الاركان التركية كانت قد استقدمت عددا من كبار الضباط الالمان لتدريس طلابها كما ان البعض من الطلاب الاتراك اكملوا تعليمهم في مدارس المانيا العسكرية وحضروا دورات كثيرة ومناورات عديدة قام بها الجيش الالماني منهم هادي العمري وجعفر العسكري وسامي العمري ومحمود شوكت .كما ان اهداف بسمارك وسياسته كان لها وقع كبير في نفس ياسين الهاشمي خططه في توحيد المانيا التي صارت نموذجا حيا لاهداف الهاشمي في سياسته القومية عام 1936 بحيث اقترن اسمه ببسمارك فقيل له ( بسمارك العرب).
يقول الطبيب العسكري سامي شوكت احد رجالات الجيش العربي عن الهاشمي انه كان يستقبل الناس وهو قائم وراء مكتبه ولا ياذن في مقابلات كهذه بالجلوس اقتصادا في الوقت وتسريعا في المقابلات.


وفاة الهاشمي

صباح يوم 21 كانون الثاني 1937 وردت من بيروت الى بغداد برقية تنعي وفاة ياسين الهاشمي نتيجة نوبة قلبية شديدة لم تمهله غير لحظات فوقع الخبر وقع الصاعقة المحرقة بل اشد تاثيرا فقد كان الفقيد زعيما كبيرا وسياسيا حكيما وبطلا من ابطال العراق المؤسسين لدولته الحديثة
وعلى اثر هذه الكارثة ابرق العميد طه الهاشمي شقيق الفقيد الى الملك غازي يخبره بالوفاة ويرجوه الموافقة على ارسال الجثمان الى بغداد ليدفن فيها واخبر القنصل العراقي العام في بيروت بذلك الذي اخبر العميد بموافقة بغداد بشرط ان لا يكون طه مع الجثمان ثم اشيع ان حكومة بغداد سوف تجري مراسم الدفن سرا وفي غسق الليل بل ان الحكومة العراقية القت القبض على القائمين بمراسم الاستقبال في بغداد وهم صادق البصام وداود السعدي وصادق حبة في ذلك الوقت ارسلت سوريا وفدا الى بيروت لاستقبال رفاة الهاشمي ودفنه في مرقد صلاح الدين الايوبي في باحة المسجد الاموي بدمشق بناء على رغبة الحكومة السورية ولما رفضت حكومة بغداد استقبال الجثمان اصبح لا مناص من من دفنه في مقبرة صلاح الدين الايوبي حيث جرت له مراسم تشييع مهيب شارك فيه كافة طبقات الشعب وأبنته الصحافة السورية تابينا مؤثرا مشيدة بفضله ومواهبه الكبيرة. اما صحف بغداد فقد تجاهلت الخبر ونشرت خبرا صغيرا عنه متناسية مكانة الفقيد في السياسة العراقية والعربية والاسلامية ما عدا الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي كتب في صحيفته( الانقلاب) قائلا( واذا كان هناك عبرة تفوق عبرة الهاشمي باشا المحزنة فهي موقف زميلة من الزميلات ويقصد الجواهري جريدة البلاد لصاحبها روفائيل بطي الذي كان من اشد المؤيدين للهاشمي والتي كما قال الجواهري لم يجف بعد حبر كتاباتها ولم يضمحل صدى تقديسها وعبادتها للهاشمي موقفا لم يكن بالمتوقع منها بصورة خاصة تابينها المقتضب للرجل فليس معنى موت الرجل او تدهوره ان يذهب الوفاء وينضب معين الانصاف)
وبمناسبة مرور العام الاول على رحيل الهاشمي وزوال حكم بكر صدقي وعودة الحرية الى اصحابها اقيم للفقيد حفل تابيني كبير في بغداد في 18 شباط 1938 حضرته وفود من الدول العربية ومن كافة مناطق العراق القى فيها رئيس الوزراء جميل المدفعي ورجالات العرب كلمات مؤثرة فيما قال رستم حيدر في حق الهاشمي (اننا اضعنا فيصل الاول في وقت كنا فيه اشد ما نكون احتياجا الى نشاطه وذكائه وبدانا نفتش عن الرجل الذي يوحد قوانا فتوجهت الانظار الى ياسين الهاشمي فلم يتسع له القدر لايصال الامة الى هدفها فقد كان رحمه الله كثير التفكير قليل الكلام ولكن ما ان وجد الفرصة سانحة او الضرورة قاضية خاصة عندما يكون لهذه او تلك علاقة بمصلحة عامة او قضية علمية فنية انطلق لسانه كالسيل المنهمر فلا يترك صغيرة الا ويوضحها ولا خفية الا ويكشفها فيبهر السامعين بسعة اطلاعه وسديد بيانه انه كان اكتم رجال السياسة في العراق سرا واعفهم لسانا ومن اوقرهم مجلسا واملأهم مقعدا واعمقهم شعورا بالوطنية وابرهم بالوفاء والصداقة)
رحم الله الهاشمي
يقول عنه مير بصري في كتابه اعلام العراق " كان ياسين الهاشمي عبقريا متعدد السجايا، نشا نشاة عسكرية فكان جنديا المعيا وقائدا ممتازا في ساحات غليسيا وفلسطين وكان سياسيا حكيما قوي الشكيمة صلب العود ، فهو في الحكم منفذ وفعال لا يهن ولا يتردد وهو في المعارضة يقرن الشدة باللين ويقدم المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية والحزبية . كان وطنيا غيورا على استقلال العراق وتقدمه مؤمنا بوحدة الامة العربية وتضامن اقطارها مكافحا في سبيل سوريا وفلسطين وسائر اقطار العروبة، مطالبا بحقوقها معتزا بكرامتها راعيا لعهد ابنائها الوافدين الى العراق.
وكان خطيبا مفوها يأسر الباب السامعين واقعيا وايجابيا في سياسته بالرغم من حماسته واندفاعه، مؤمنا بحرية الصحافة والكلام.يروى عنه انه ذهب ذات مساء وكان رئيسا للوزراء لتفقد صحة سليم حسون صاحب جريدة العالم العربي اذ سمع بتوعك مزاجه فجاء الى دار الصحفي مشيا على الاقدام لا يرافقه احد وطرق الباب ففتحته له سيدة عجوز هي ام سليم حسون وقالت له من انت؟ قال انا ياسين كيف صحة الاستاذ؟ فقالت انه راقد في فراشه بالطابق الاعلى فاصعد اليه وسار الرئيس في ساحة الدار ليصعد السلالم لكن المراة نادته ياسين ياسين خذ هذا المصباح واحمله معك فقد حلّ الظلام وسلمته مصباحا نفطيا مشعلا لان الدار لم تكن منارة بالكهرباء. وراى الصحفي الراقد في فراشه في الطابق العلوي وعواده منظرا عجيبا رأوا رئيس الوزراء يتلمس طريقه الى الغرفة حاملا المصباح وعلى ثغره ابتسامة طبيعية ليسأل عن صحة المريض بلطف جم وتواضع اصيل.
كان ياسين الهاشمي رجلا شعبيا متواضعا يعتمر السدارة الفيصلية المصنوعة من الصوف الوطني الخشن ويجلس في سيارته بجانب السائق ويقدم لزواره التمر بدلا من الشكولاته .
وكان زعيما قويا صلبا فعندما اصبح رئيسا للوزراء للمرة الثانية سنة 1936 قرر تزعم حركة تحرير الاقطار العربية وتوحيدها والتف حوله الشباب الوطني واتخذ من ياسين الهاشمي بيسمارك العرب. فقد ساند ياسين الهاشمي الثورة الفلسطينية وفتح ابواب العراق للزعماء السوريين اللاجئين وفي مقدمتهم شكري القوتلي.
ذكرت المس جرترود بيل السكرتيرة الشرقية لدار الاعتماد البريطاني في رسالة الى ابيها مؤرخة في 31 آب 1922 ان ياسين الهاشمي رجل القدر فهو اشد ذكاءا وحزما من أي عربي اعرفه لعله لا يملك متانة خلق علي السليمان شيخ الدليم لكنه اوسع دراية بالامور والملك فيصل يعرف قوته ويخافها غير ان بغروره الشديد يعتقد انه يستطيع السيطرة على ياسين واستخدامه. اعتقد ان ياسين سوف ينال الحظوة لدى الملك بخضوعه الظاهر حتى اذا ما ثبت مركزه قبض على عنق الملك وارغمه على الانصياع لسياسته، سوف يتلوى الملك كالثعبان ولعل مستقبل العراق سوف يعتمد على انتصار ياسين واذا قدر له الانتصار فان تاريخ العراق سوف يعيد نفسه سيكون ياسين مدير البلاط الذي يحكم ويكون الملك رئيسا رمزيا.
وقالت مس بيل ان له نقاطا سوداء لكنني احب الرجل فله سحره ويعطي شعورا بالقوة . فهو قوة يحسب لها حساب لانه يحظى بتأييد المتطرفين وهو اقل خطرا في داخل الوزارة مما في خارجها.
وقال عنه ناجي شوكت في كتابه ( سيرة وذكريات ثمانين عاما) انه يرى في الهاشمي كل الصفات التي تؤهله للزعامة على الرغم من اختلافه معه بخصوص النظام الاصلح للنواحي الاقتصادية
وقد رثاه محمد بهجت الاثري فقال:

صحيفة من كتاب المجد قد طويت على مفاتن آثار واخبار
زهراء حالية العنوان مشرقة كالنـ جم ليل السرى يهدي بها الساري
ورثاه محمد مهدي الجواهري فقال:
ياسين ان خسارة ان يغتدي ذاك الدماغ الفذ محض رميم
وفجيعة ان نبتغيك فلا ترى لجلاء جو بالبلاد مغيم
يا درع مملكة متين نسيجها وحسام ملك ليس بالمثلوم
انا فقدنا يوم فقدك كوكبا ما ان تعوض عنه غرّ نجوم
كنت الحفيظ على السياسة داعما ركن المفاوض ايما تدعيم
قسطاس حكم كان حلمك وحده نعم الضمان عن انزلاق حلوم

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

498 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع