الفن البيئي في رؤيا الفنانة التونسية دلال صماري


التشكيلية تجرؤ على بعث الحياة فيما أهملناه، ومحو تشوهاته من أجل بلوغ علاقة أرقى بين الإنسان وبيئته.

الأندبيندت عربية/عبدالرحمن جعفر الكناني:قوة بصرية، تتجسد في مفردات الفن البيئي، أبجدية تتعالى جرأتها في بناء جمالي تعلي صرحه دلال صماري، جرأة بعث الحياة فيما أهملناه، ومحو تشوهاته من أجل بلوغ علاقة أرقى بين الإنسان وبيئته.

سبق تشكيلي في معالجة إشكالية معاصرة يعرض في رواق تونسي.. يرصد تشوهات طرأت على حياة راهنة، تبتلع قيما متوارثة، تستبدلها بقيم استهلاكية، تلقي بالفرد في زاوية منعزلة رغم انفتاحه على عالم افتراضي، يدور مع دوران صحون معلقة تلتقط الترددات عن بعد، وترسل ثقل مؤثراتها إلى عقل متلق يعيد ترتيب خارطة وجوده وفق ما يتلقى.

فن بيئي يرتقي إلى الرمزية، الرمزية حاضرة في بناء تشكيلي مادي شغل حيزا في فراغ وله كتلة، أخذ خاماته من واقع "موضوعي" وجودها بديهي "معتاد" لا يراها الرائي رمزا له مغزى قبل أن يعاد تشكيلها برؤية فلسفية حداثية تشخص تأثير المعطى الحياتي الجديد في عالم اتصالي.

أما الرمز الشاخص فأضحى لغة "أبجدية" من الحروف والأرقام والإشارات، لها المغزى الأسطوري في تقادم عصور تركت أثرها في زمن حاضر.

القصد جوهري في فكر دلال صماري، لا شيء بلا قصد، وهي تحيل الترددات غير المرئية إلى مخلوق بصري "مرئي" يدركه العقل عبر محركات الحواس.

دلائل رمزية في رسم تشكيلي يحتضنه صحن هوائي، يطلق أسرار مضامينه في تكوينات هندسية "مربع، مستطيل، دائرة، مثلث" لها جوهر قدسي في تراث عقائدي قديم، تكعيبي في مذاهب فن حديث، دال على بعث مفردات الفكرة بديلا عن مفردات المسمى الواقعي في تقنية التعبير عن شكل خفي لا يدركه الوعي العقلاني دون استفزاز حسي.

المثلث المتناسخ في صحون "ترددات مفقودة" رمزية مطلقة، لا تتغير ثوابتها في قانون رياضي، زوايا ثلاث، أضلاع ثلاثة، تساوت أو اختلفت يبقى مجموع زواياها 180 درجة، كأنها رمزية تعكس أنماط السلوك البشري الثلاثة كما حددها الفيلسوف اليوناني أفلاطون:

الرغبة.. الانفعال.. المعرفة

أضلاع ثلاثة رمزية لحالات ثلاث، في شخصانية "مثالية" ترى الإنسان "الفرد" كائن له قيمة مطلقة بنسخ تعددت أشكالها وحركاتها وأنماط سلوكياتها، جسدتها دلال صماري في تعبيرية شخوص تدور مع دوران صحن هوائي تموقعت على طرفه الدائري.

"الترددات المفقودة" إنذار في رسالة لها أبعاد بصرية تبلغ مدارك المتلقي.

العقل الإنساني لم يغرس الأصل الثابت في محيطه الكوني، هو يراه، فيستوعب تفاصيله، ويدرك تأثيره، فيتسامى بالحقيقة المطلقة إلى شكل بصري محسوس، يحاكي المحيط البيئي، فيشكله قبل أن يضعه رمزا.

الصحن الدائري الحضن اللاقط تلك الترددات الآتية من مكان لا يخطئ مرماه، فقد جاذبية لمعانه، وتآكله الصدأ، حتى بات جزء من كومة نفايات أعادت تدويرها دلال في توظيف بصري مثقل بأبعاده الرمزية، كيانا تشكيليا متكاملا بـ:

موضوع. معنى. إشارة

الرسم على هذا المعدن "الاتصالي" سابقة في طرح منجز إبداعي يتخلى عن خاماته التقليدية، جسد ما رأته دلال صماري في إيحاء حسي يخاطب العقل المتلذذ بسحر الترددات دون التحصن من مساوئ مؤثراتها.

"الفن البيئي" تقنية انتقال الرؤية التشكيلة إلى جوهرها:

الكشف عن الخامة في مادة "انتفت وظيفتها" لها خصائص التأثير في وظائف التشكيل المعاصر.

اشتغال أصعب على فكرة أصعب، تجعل الجماليات علاجا حسيا لإشكاليات ذاتية راهنة نتناسى استفحالها في زمن إغراءات ما نتلقاه.

ترددات أسرع من الصوت، أدركها الفن التشكيلي المعاصر، يمتد أثرها في محور دائري، دائرة الكون المفتوح على فضاء حر، هزمت الكائن الحي، وحاصرته في مرمى تردداتها سابحا في محيط قدرتها الجاذبية، معلقا بأذناب ما يراه حرية في عصر اتصالي باعث لوجود مغاير.

اهتزاز لم يكتشفه مرصد فلكي، أدى مهمته بتقنية فائقة، مستكشفا حركة الأرض والشمس والقمر ودوران الكواكب في سماوات أبعد من مرمى المنظار البشري.

"ذبذبات مفقودة" استكشاف مرصد تشكيلي معاصر يرى الأثر المجهول في زحمة الأشياء، يشخص أثر الاستكشاف البيئي في مكونات كيان إنساني عاقل، يتأثر ذاتيا بحركة توابع محيط خارجي يحكمه قانون "موضوعي" نسبي، يصيغه في كيان بصري، مخلوقا مرئيا في تشكيل يستقي مكوناته من عناصر الوجود وطبيعته.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

790 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع