تلك هي - رواية للدكتور سعد العبيدي / الجزء السابع

       

      تلك هي - رواية للدكتور سعد العبيدي / الجزء السابع

   

محاكم الميدان

السيقان المتعبة من واقعة المركز تجر أصحابها صوب الشعبة الحزبية، مدفوعين غالبيتهم بحمى الغنائم والانتقام، وبعضهم يفكرون جدياً بالانقضاض على النظام.
الشباب الحاصلون على السلاح من مركز الشرطة يلتفون حول كريم الذي أصبح قائداً لهم، يطالبونه بمزيد من خطوات الاقتحام، يسير أمامهم بحماس شديد، وبجنبه سالم المؤمن بضرورة الانتفاض، يلتفت الى اليسار، الحاجة رضية تسير خلفهم بعدة خطوات، أمرأة كبيرة، مرهقة لا يمكنها مسايرة النشاط المفرط للشباب المتحمسين، يتأخر في خطوته، يخبرها بضرورة العودة الى البيت:
- لقد أخذتِ وأخذنا بثأرك، أمل لوحدها في البيت، الوضع لا يساعد على بقائها وحيدة، قبلّها من رأسها أمام الثوار، واعداً اياها العودة لمشاهدتها، ابناً لها مكان المرحوم وليد، بعد اتمام بعض المهام.
قبل أن تودعه عائدة الى بيتها، كما أراد، أنفجرت باكية، بكاءً قاسياً من النوع الذي يقلل وجع الاحزان على قلبها المليء بالشقاء.
الشعبة الحزبية، تغلق ابوابها، يطوقها الجمهور من كل الجهات، اطلاق نار في الهواء يصدر من داخلها، للتخويف أو بقصد التخفيف عن القلق الكامن في نفوس أعضائها الحزبيين، يقترب كريم من بابها الرئيسية، يطلق رشقة من رشاشه، كانت كافية لفتح الباب، يدخلها منادياً:
- أخرجوا في الحال.
تخطئه رصاصة من أحد الحزبيين، يرد عليها بعشر رصاصات اردت المقابل قتيلاً، يتصاعد الهتاف بموت الرئيس، يزداد الاعجاب بشجاعته والايمان بقيادته، يستسلم باقي الرفاق.
الجمهور المنفعل، لا وقت له لقبول الاستسلام، او لا مجال عنده للتفكير سوى بالانتقام، لكل واحد منهم قصة حزينة مع رفيق بهذه الشعبة الحزبية، يتحين الفرصة للانتقام منه أو من غيره ترويحاً لانفعالات كبتت من صولات الجيش الشعبي أيام الهروب من الخدمة العسكرية، جعلت الانتقام يتجمع بلحظة واحدة قل فيها الزمن عن ثانية، جعلت الرفاق طعماً سهلاً لسلاح المنتفضين.
وهم كذلك يطلقون النار ويرفسون بالاقدام، يأتي صوت من بين الجمهور:
- لا تقتلوا الرفيق جابر، انه لا يشبه باقي البعثيين، لقد انقذني من الاعدام، يندفع نحوه، ليحول دون قتله.
يتدخل كريم، لانصاف صاحب الصوت، منادياً من موقعه:
- توقفوا جميعاً، لم نأت للانتقام، اخرجوا من بقيَّ على قيد الحياة الى خارج البناية، سننقلهم الى الجامع، وهناك سيكون الحساب لمن ظلم.
يخلع جابر بدلته الزيتوني برمشة عين، يفضّل البقاء بالسروال الذي يضعه تحتها للوقاية من البرد، يهتف بسقوط الطاغية، يذهب مع منقذه الى البيت مذعوراً، لا يكلم أحداً من أهل البيت، يدخل في غيبوبة، كأنه لن يصحو منها في القريب.
البناية تُخَربُ بنفس طريقة التخريب الحاصلة في المركز، تُحرق من قبل ذات الشخص الذي أحرق المركز، الفرق بين الموقعين قتيل واحد في المركز، وخمسة قتلى في الشعبة الحزبية، تُركوا على أرضية القاعة المخصصة للاجتماعات نهماً للنار.
المسلحون يزدادون عدداً، سيارتان من موجود الشعبة أصبحت بحوزتهما احداهما نيسان باترول، والاخرى تويوتا نصف طن نقل... توزعَ السلاح سريعاً على المهاجمين بطريقة الغنائم العشوائية، تُنهب المحتويات بنفس الطريقة العشوائية.
الجمع الذي يتكاثر مثل كرة الثلج المتدحرجة، ينشطر على نفسه، أبطال جدد يظهرون قادمين من الاهوار، قادة جدد يشعرون أنهم الاولى والاجدر بالقيادة، عسكريون قلائل يلتحقون بالجمع المنتفض، يعتقد بعضهم أنه الاصلح للقيادة.
سالم الراكب في سيارة أمين سر الشعبة الباترول جنب كريم، يشير:
- علينا التوجه الى مقر الفرع الحزبي في الطريق بين الجمهورية والقوة البحرية، انه رمز سيء لابد من تهديمه في الحال.
يصلونه متأخرين، فالمقر الحزبي قد أحتل، والنساء مع الرجال والاطفال يخرجون منه محملين بالمقتنيات، غنائم حرب كأنهم أحد اطرافها المنتصرين، آخر المغادرين لهذا المقر الذي أخاف المساكين لعقدين من الزمان، قبل ان تشبُ فيه النيران، أمرأة جاوز عمرها الستين عاماً، تحمل شاشة حاسوب، تحسبها تلفازاً.
سألها سالم بدعابته المعهودة:
-هل تعرفين هذا الذي تحملينه يا حاجة؟.
- نعم انه تلفاز.
- لا انها شاشة حاسوب.
- انت تكذب عليّ، تريدني أن أتركه لتسرقه مني.
- أقسم انه كذلك.
ندبت حظها ورمتها على أرض الشارع، لتتهشم قطع متناثرة مثلت في عقلها الباطن عائداً لظالم يراد الانتقام منه، واتجهت صوب القوة البحرية مع آخرين يسيرون بنفس الاتجاه على أمل الفوز بغنيمة من أملاك الظالم لا تكون شاشة حاسوب.
الوقت يمضي سريعا، كل شيء وقعه سريع، حتى الموت يحدث سريعاً، ثوار من أهوار العمارة يدخلون البصرة سريعاً، مدججين بسلاح أبقوه جاهزاً لهذا اليوم الموعود.
المقرات الحزبية تتهاوى بضرباتهم المتوالية، مثل قطع دومينو مرصوفة لأغراض اللهو الطفولي.
كريم وصديقه الجديد سالم، تعارفا وتقاربا خلال الساعتين اللتين مرتا سريعاً، يتعاهدان على المضي الى الامام في مشروعهما لتهديم الرموز الشاخصة للحكومة حتى آخر المشوار.
يشير كريم:
- دعنا نترك مقر الفرع الحزبي، لا فائدة من البقاء، فعضو القيادة القطرية عبد الغني عبد الغفور قد هرب الى بغداد، يعني أنتهاء سلطة الحزب في المحافظة، ويعني من وجهة نظري ضرورة الاسراع بانهاء سلطة الامن الأبشع والاهم من سلطة الحزب.
يرد سالم:
- أنت الأعرف لانك عسكري ولديك الخبرة في هذه الأمور.
- ومع هذا أردت أن أتشاور معك، لاننا تعاهدنا على السير سوية الى النهاية.
- أنا معك الى النهاية، ومهما يكون شكل النهاية.
- ان مهاجمة مركز أمني يحتاج الى مزيد من الشباب المسلحين، وجمهور متحمس ذي حيوية مكبوتة.
- لابد والحالة هذه الذهاب الى الجامع لنرى ما حل بالحزبيين المأسورين، ومنه نحشد الشباب باتجاه هدفنا القادم، استخبارات القوة البحرية.
الشباب يدفعون الحزبيين صوب الجامع، ويتدافعون كأنهم في زفة عرس جماعي، وكأن مأسوريهم جنود عدو كافر. ينادون المؤذن:
- حجي فتحي أفتح الباب بسرعة.
ينزل عند رغبتهم.
- نعم، نعم، دقيقة واحدة لأجلب المفتاح.
يدخلون بهم سبعة، مربوطة أيادي بعضهم بحبال، وآخرين بكوفيات حمراء، كانوا يلفون بها رؤوسهم في نوبات الحراسة، وجوههم مصفرة، مذهولين، لا يقوون على اخراج الكلمات من حناجر ترتجف.
يصعد المنبر شاب غريب، بملابس نظيفة لم تتسخ بوحل الشارع، ولحية سوداء أزيلَ شعر حافاتها من الوجنتين بملقط حاد، حوله اثنان غريبان ايضاً، يصغرانه بالعمر، مسلحان تسليحاً جيداً، توحي وقفتهما الى جنبه باهميته القيادية، وهم حماية قائد كبير، فزادوا بوقفتهم الانطباع بانه الأقوى والأكبر في هذه البقعة من أرض البصرة التي تتقسم محالها وجوامعها ومخلفات عسكرها بين الاقوياء.
حث على الجهاد بلهجة بصرية جنوبية واضحة المعالم قائلاً:
- انه يومنا الذي انتظرناه، لقد انتهى الطاغوت الذي حكمنا وعذبنا بحكمه لعقدين من الزمان، لا بد من الاستمرار بالسير على طريق الجهاد للقضاء عليه في مهده.
يختم خطبته القصيرة بعبارة الله أكبر.
تتعالى من بعده الاصوات مرددة، الله أكبر.
يدخل كريم وزميله المصلى، يلتفت حوله المؤذن، وباقي الشباب، يهتفون باسمه من أسقط مركز الشرطة والشعبة الحزبية.
يرد الغريب:
- بارك الله بالمجاهدين.
يصعد سلمتين من سلالم المنبر، يصعد اليه كريم، يهمس في أذنه بعض كلمات، وينزل ليقف مع الواقفين.
يكمل الغريب خطبته بحدة أشد من الاولى:
- أعمال الجهاد لم تنتهِ بهروب الكافر عبد الغني عبد الغفور، ولا باستسلام بعض الحزبيين هنا وهناك، علينا المواصلة حتى قطع رأس الافعى... الله أكبر.
يعطي الكلام الى كريم صاحب المقترح ليقول:
- أخوان، خطوتنا القادمة ستكون باتجاه الاجهزة الامنية التي تقاوم حتى الان، لا يمكن أن تتحرر البصرة ومنتسبو هذه الاجهزة يتنفسون الهواء، يؤيده الغريب بشدة، ويطلب فتح مكبرات الصوت، قائلاً:
- الجهاد، الجهاد، سيسقط اللعين فقط بالجهاد.
يتداعى الجمهور من جميع الشوارع القريبة، حتى أصبح الجامع مركزاً للحشد والتطويع، وأصبحت احدى غرفه محكمة ميدان شرعية، يُنَصَبْ الغريب نفسه رئيساً لها، يلتفت نحو المؤذن:
- حجي فتحي تعال أجلس الى جانبي أنت العضو الثاني، ثم يومئ لشاب يقف في الصف الاول متحمس في أن يكون العضو الآخر:
- نعم أنت، تفضل ستكون العضو الثالث.
ينزل المؤذن عند رغبته، لانه مرعوب مما يجري في جامعه الذي تعين فيه مؤذنا من قبل وزارة الاوقاف، ووكيلاً للأمن، يزودها بالتقارير الدورية عن المصلين حتى يوم أمس، ختم آخر تقرير له بدخول مصلين الى جامعه من خارج محلة الجمهورية بينهم عسكريين هاربين من جبهة القتال.
تبدأ اولى المحاكم الشرعية للانتفاضة، لاولى وجبات الحزب المتهم كل أفراده بالكفر واضطهاد المواطنين الآمنين، يطلب من أحد مرافقيه:
- ناولني قائمة بأسماء الكفرة.
نادي على الاول، ماجد علي سليم.
- تقدم الى الامام، أذكر اسمك ودرجتك الحزبية.
- نعم، انا ماجد علي سليم أمين سر الفرقة.
ذكر اسمه بفواصل بين الكلمات تؤشر شدة الارتباك، يلتفت رئيس المحكمة صوب الجمهور المرصوف في الداخل، يسألهم كشهود اثبات:
- هل تعرفون هذا الكافر.
يأتيه الجواب من كل الجهات:
- انه مسؤول فرق التطويع الخاصة بالجيش الشعبي في الحرب، هو من قاد المداهمات، وأعتقل، وقتل طوال فترة الحرب، أنه مجرم، كافر، يستحق الموت، يلعن فعلته على الفور، يحمله مسؤولية الموت البائس لآلاف الابرياء في محرقة أفتعلها الحزب شقاً لصفوف الامة.
يحكم باعدامه في الحال.
يتقدم المتبرعون وهم كثر لينفذوا الحكم، يسبقهم حميد جاسم، يطلب أن يكون المنفذ، وأن يكون التنفيذ بطريقته الخاصة، لانه أعدم شقيقه قبل أربع سنوات، تتداول المحكمة بالأمر، يحصل على الموافقة، يجلب مدفأة نفطية علاء الدين الانجليزية القديمة، يتركها مولعة لدقائق، يرش على غطائها قطرات ماء من سبابته اليمنى، ليتأكد بلوغها أعلى درجات الحرارة، يضعها جنب العمود الوسطي لقاعة المصلى، يجلب الرفيق اليها، يربط قدميه، ويديه جيداً، يجلسه عليها، يلف الحبل على جسده والعمود الاسمنتي، باحكم يحول دون قيامه من فوقها، ويخاطبه:
- إبق في مكانك هكذا حتى يحترق قلبك، مثلما حرقت قلب والدتي باعدامك محمود، يتلوى الرفيق من فوقها، يحاول بحركته التخلص من نارها التي طالت اليتيه، فيجد غير حميد، آخرين يشتهون فعل القتل تحت تأثير عدواه الجماعية... يمسكون به من كل جانب، يضغطون من الأعلى ليبقوه جالسا، ينفذ عقوبة الموت ببطئ.
المتهم الثاني يقف في المكان باشارة من الرئيس، يشهد الجمهور عند نطق الاسم انه ضمن فرق القبض على الهاربين من الخدمة العسكرية، يُلعن أيضا، ويُحَمل مسؤولية استشهاد آلاف من ابرياء الامة.
يُحكم بالاعدام.
يتقدم الثالث والرابع ثم السادس، وسط هتاف الجمهور المطالب بمزيد من الانتقام، التهم الموجهة واضحة تشملهم جميعاً، فالحزب في العقدين التي حكم بهما العراق، مثقل باعمال جميعها تستحق الإعدام من وجهة نظرهم.
السابع بدرجة نصير، وقع ارضاً حال نطق الاسم، قضى بالسكتة القلبية، لم يسلم جسده الغض من سبع رصاصات أطلقها احد المتبرعين الساعين الى الانتقام.
كريم وسالم ينشغلون بجمع المتطوعين، هدفهم استخبارات القوة البحرية، السيارتان الوحيدتان لا تكفيان لنقل المتطوعين، يتقدم رجل بلحية غزاها الشيب مبكراً، يطلب الانتظار لدقائق يجلب خلالها سيارة حمل كبيرة تابعة لمصلحة الموانئ، مؤكداً:
- انها سيارة هينو، وهي بعهدتي وانا سائقها الرسمي، وهذا يومها، خدمة للثوار.
يشد الغريب من ازر كريم وسائق السيارة، يخرج من حقيبة كان يحملها علم اخضر، يكلم كريم:
- ضع هذا العلم على السيارة التي تستعملها، لكي يفرق المجاهدون بينك وبين اتباع النظام.
تدخلَ سالم المعروف بانتمائه للمنطقة وكثر معارفه فيها قبل الخروج من الجامع، يسأل الغريب:
- من أنت؟. انك لست من أبناء الجمهورية!.
يضحك الغريب بثقة عالية، يؤكد:
- انا ابن الجمهورية وكذلك ابي، يقدم نفسه بصوت عال تملأه الثقة:
- انا علي بن الحاج مرتضى البقال في شارع عشرين، سُفرنا الى ايران والعائلة عام 1979، وانا في العاشرة من عمري، وقد استقر أهلي بعد التسفير في السيدة زينب بدمشق، وهؤلاء الموجودون معي هم أيضا من ابناء المنطقة، جميعنا مقاتلون تابعون لقوات الفرقان المعارضة للنظام الكافر، نعمل في هور الحمار منذ خمس سنين، لقد دخلنا منه الى البصرة فجر هذا اليوم.
يتعالى التصفيق والهتاف، وكأنه لم يفارقهم كل هذه السنوات.
يسمع المؤذن، القصة كاملة، يتبرع في أن يكون هذه المرة شاهد أثبات، تأمل أن تكون شهادته الميدانية أمضى وقعاً من كتابة التقارير:
- نعم أنه ابن الحاج مرتضى، أنا أعرفه حق المعرفة.
يتعالى التصفيق ثانية يصحبه قدر من التكبير، يلتف حوله الجمع، كأنه من سينجز مهام التحرير.
البداية مريحة، فيها أمل قوي باكمال فعل التحرير، يؤشر الى أحد مرافقيه بتنظيم صفوف المتطوعين المجاهدين، الجامع سيكون المقر التعبوي، حتى ورود التعليمات.
سيارة الحمل تصل المكان مسرعة، تمتلئ باعمار مختلفة قبل وصولها الجامع، يعلق على بابها اليمنى علم أخضر، يصعد مجاهد من جماعة الفرقان جنب سائقها، يستلم سالم قيادة السيارة الثالثة، وكريم في المقدمة بسيارة أمين سرالشعبة الباترول، يتجهون جميعاً الى القوة البحرية.
المنظر غير مألوف، سيارة الحمل لم تعد ملامحها معروفة من كثر المتعلقين بجوانبها، وآخرين لم يسعفهم الحظ بالصعود أو لم يجدوا مكاناً للتعلق، يهرول بعضهم، يمتطى بعضهم الآخر عجلته الهوائية، كأنهم في غارة نهارية على مرابع قبيلة يناصبونها العداء عشرات السنين.
مهدي صاحب العربة الخاصة ببيع النفط، يحضر بها الى الجامع بعد سماعه التكبير والدعوة الى سقوط الديكتاتور، لا يرغب ان يكون بعيداً عن مجرى الاحداث، يحرر الحصان من العربة البطيئة في سيرها المعتاد، يركبه حاسراً دون سرج، يركله بكلتا قدميه، يغير به خبباً ليجاري سيارة الحمل في سيرها غير السريع.
القوة البحرية ليست بعيدة، الامل بغنيمة من اسلحتها ومعداتها كبير.
الحصان هذا اليوم لم يُخلق الى جر العربة، خصصه مهدي للكر وكسب المغانم مثلما يفعل الاجداد.
لا احد يحرس الباب النظامي، ابريق الشاي مازال على المدفأة النفطية، كأن الحراس استشعروا قصد المنتفضين، فتركوا الباب مشرعة، لمن يريد الدخول.
دخولها اسهل من ذاك الذي جرى في مركز الشرطة.
سالم يعرف مقر القيادة ومكان الاستخبارات، يعطي اشارة الانعطاف الى اليمين، يخفف كريم من السرعة، تتبعه سيارة الهينو.
المقر على اليمين، يؤكد سائق الهينو معرفته الجيدة بموقعه، ثم يلتفتُ الى البدن الخلفي ويكمل الحديث:
- لم يتبق معنا سوى القليل، لا يزيد عددهم عن العشرين.
يرد المجاهد الجالس بجنبه:
- لا تشغل بالك، أغلبهم حضر لكسب المغانم، ستجدهم يتكاثرون عندما ندخل المقر، حتى لا يمكنك التعرف عن الاماكن التي يخرجون منها، انهم لا يفكرون مثل كريم، ولا مثل علي وسالم، اليوم عندهم، يوم المغانم.
يرد السائق بثقة:
- لهم بعض الحق، فالغالبية معوزون عاطلون عن العمل، والبحرية كنز لا يستهان به لتعويض المال الذي يُفترض أن يأتي من العمل.
مقر القيادة اخليّ تماما قبل ساعة، لم يبق أحد من ضباطها والجنود، سوى ملابس عليها رتب عسكرية واضحة، تبعثرت بين الغرف والممرات، استبدلها أصحابها بملابس مدنية ليسهلوا على أنفسهم الاختلاط بجمهور ثائر وآخر غازٍ يسيرون معاً في نفس الطريق وان أختلفت الاهداف.
مقر الاستخبارات البحرية يحترق، بفعل أصحابه لطمس أية وثائق تدينهم، ولابقاء سجل الوكلاء والمعتمدين بعيداً عن متناول الجمهور الساعي للانتقام، التفاتة تأتي بوقتها تُنجز تماماً قبل هذا الهجوم بدقائق، لا احد باق في هذا المقر، الجميع يختفون بنفس الطريقة.
توقف كريم ومن بقي معه لالتقاط الانفاس والتفكير بالخطوة القادمة. وقال:
- مديرية امن البصرة قريبة من هنا.
- نعم انها قريبة، أجابه سالم ومن الضروري هدمها صرحاً للظلم والاستعباد.
- المشكلة ياسالم لم يتبق معنا سوى القليل المؤمن بما نؤمن به، ومبنى الامن أكيد محصن، والموقف لا يحتمل الفشل.
- طيب، دعنا نَعود الى الجامع، نتشاور مع الاخ علي، وبالمرة نحاول الحصول على دعم الشباب.

للراغبين الأطلاع على الجزء السادس:

https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/42205-2019-11-18-10-56-11.html

    

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

870 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع