هل تَصُّح تسميَّة عبد الرزاق عبد الواحد شاعراً ... فحسب ؟!!!.
بقلم:رعـد البيدر
( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) هذا هو نص الآية الكريمة (224) من سورة الشُعراء ، وقد توضَّحَت بعدها استثناءات لاحقة - بينتها الآية (227) . بالرغم من كوني لستُ مُختصاً بالشريعة – فقهاً أو تفسيراً ؛ فلا أُزكي على الله شاعر القَرنين الأستاذ عبد الرزاق عبد الواحد؛ فالله يعلم خائنة الأعينِ وما تُخفي الصدور، لكنني كعراقي يشابهني كل العراقيين - أصالةً وليس اكتساباً ( تَجَنُساً ) . نَحسَبُ شاعرنا من بين تلك الاستثناءات في مجال العطاء الشعري ، ولن نخوض في مجالٍ سواه ؛ لأسباب سنبيِّن بعضها.
بموجب أدب التخاطب والذوق يقتضي أن أُخاطب " عملاق الشِعر" منذ ما قبل احتلال العراق عام 2003 ، وما بعده - بصيغة ( الجمع ).لكنني أستسمِحُكَ أُستاذنا أبا خالد ؛ فدعني أُكَّنيكَ تارة ، و تارة أُخرى أُسَّميكَ باسمك الصريح ، وأستخدم صيغة ( المُفرد ) في الوصف ؛ رغم أنك دونَ بَخس الحقوق في مجال الشعر والأدب - تُمَثِل ( الجَمعُ ) بل تُمَثِل صيغة منتهى ( الجموع ) بكل ما توحيه من معنى .
سأختصرُ الوصف بأنك : شاعر الضمير النقي ، والوطنية غير المَشوبة ، الثابت على مواقف الرجولة ، الوفي - وفاء الجَمع بين الفِطرَةِ والثقافة معاً ، والناطقُ بظرفٍ تخَرَّسَت فيه ألسُن الآخرين ، ثم أنكَ العراقي الذي لم يُسَّلِم ( بندقيته ولا عتادها ) لإعداء العراق ، ولم يستسلم لهم . ( البندقية والعتاد ) اللتان أعنيهما - أشبههما ضمنياً ( بالعزيمة والقصيدة ) . نتحَسَسُ صِدق مشاعرك ، ونعرف اللهيب المُستَعِر في قلبك على ما كان ، وما هو كائن ، ومتيقنون أنك لست من بين الكاظمين غيظاً ، لكنك ربما من بين العافين عن الناس..... ولَكَ المزيد من الوصف المُشَّرِف ، يعرفها شرفاء الكلمة، وشرفاء المواقف ؛ فلن أُطيل بوصفٍ على قول مثلنا باللهجة العراقية الدارجة ( العارف مَيتعَّرفْ) .
في أمسيةٍ من أمسيات التغَّرُب ، وبالتحديد يوم 28 شباط / فبراير 2013 في الشارقة - خلال فترة الاستراحة ، ولكي أرى ردة الفعل ؛ تَقَصَّدتُ إثارة شاعرنا الكبير بالقول :
أبا خالد .. كُنتُ أحسبكَ من الشُعراء ؛ ففتح عيناه بوسعيهما مُتسائلاً .. والآن ؟.
قلت: أحسبكَ من الأُمراء ؛ فعانقني ولاحظتُ انهمار مَدمَعيه - بمشاعرٍ غير مُفتعَّلة .
العُمر المُبارك المَديد ، والعافية المُتجددة لصفوة شعرائنا - الذي تَجَذَّرت عروقه بطيبةِ تُراب العراق الحبيب ؛ فأمسى شجرة أدبية " عراقية – عربية – إنسانية " وافرة الظل - يتفيأ تحتها من رَزَمَ الحقائب - متنقلاً بين محطات التغَّرُب في اللا زمان ونحو اللا مكان . نعم أبا الخُلد أنك شجرة كثيرة الأغصان، كلُ غصنٍ منها يَحمِلُ فاكهة شعرية تختلف عن ما يحمله الغصن الآخر .. جميعها طيَّبة المذاق - كطيبة العراقيين ( أيام زمان ) الذين تغيَّر بعضهم ؛ بسبب ما أفسَّدَهُ الاحتلال - منهجاً وسلوكاً وتطبيقاً .
رَغمَ مضي سنوات عديدة على قصيدة ( دَمعٌ لبغداد ) .. فأنني كُلما أسمعها أرى حَجمكَ يَكبر - كجبلٍ من جبال شمال الوطن الحبيب ، وحجم الجبال وفق ظواهر الطبيعة يصيبها النقصان ، ولا تكتسب الزيادة ؛ بسبب ( التعرية، والانهيارات) ، أضافة إلى أنك تزدادُ رُسَّواً في أرض بلدك الحبيب .
تتعثر الكلمات أبا خالد ؛ فتتهاوى خَجَلاً قبل أن تكتمل منها عبارات تُليق بوصفِ رَجُلٍ تجاوز عَقدهُ الثامن، لم تهزُه ريح مثلما هزت سِواه ممن ( دَفَنوا شجاعاتهم السابقة ) تحت جُبنِ سكوتِهم ووقوفِهم على أرض ليس لهم منها إلا مساحة ما تغطيه بُقعة وقوف أقدامهم ، بعد أن كانوا من ( المتبجحين والمتملقين ) بمزايدات ( وطنية – قومية ) لا يسبقهُم لها وطني حقيقي ولا مُقتدر في مجال اختصاصه إلا ( أحرقوا أوراقه - بغيبةٍ أو ببهتانٍ ) وتسَّلقوا بحبال الباطل على كفاءات وأكتاف غيرهم ؛ فنالوا ما لا يستحقون .
إياكم أن تسموا عبد الرزاق عبد الواحد شاعراً فحسب ؛ فتظلِموه شخصياً ، وتظلموا نِتاجَهُ الشعري - أنه أمير شُعراء نهاية الألفية الثانية ، وبدايات الألفية الثالثة ... إلى الآن ، وهو مناضل عراقي شريف ، عفيف ، نظيف ، وِفقَ منهجه الخاص .. وَهَبَ أكثر مما وهِبْ إليه ، على خلافِ من ( نَهبوا أكثر مما وهَبوا ).
تحية من عراقي تغَّرَبَ مُضطَّراً إلى " شيخ الشعر العراقي المعاصر " المتغَرِّب اضطِّراراً ، الذي سلبته قساوة السنيين قوة ( الحيَّلْ) فلَّم يَعُد يقوى حتى على حَملِ حقبة سفره في رَحلِه وترحالِه ؛ لكنها لم تسلب منه إرادة العزيمة؛ فبَقيَّ يحملُ شرفاً عراقياً مُصاناً - لا يُساوم على بيعيهِ ( بقذارة ) أموال بيع الضمائر و الذمم .
في الفيديو المُرفق بعض أبيات من قصيدة " دمعٌ لبغداد " التي قال عنها " شيخ الشعراء وأمير الشعر " عبد الرزاق عبد الواحد بما معناه : حين أقرأ بعض قصائدي أمام الجمهور أتحوَّل إلى ( نائحة أُبكي أهل الضمائر ويُبكونني ) وقد سمى تلك الدموع ( بدمع المروءة لا دمع المساكين) .
لا شك أن هناك شعراء وكُتاب لا يقلون بحُبهم للعراق وتضحياتهم من أجله عن أبا خالد ، فمن غير العدالة أن نبخس بوطنيتهم وعطائهم ؛ لكننا انتقينا شاعراً وصفنا مزاياه ........ يشترك مع غيره في كثيرٍ من الخصائص الطيبة .
وبالعودة إلى نهاية الآية (227) من سورة الشعراء التي أشرنا لها في بداية السطور ... نقرأ وَعدَ الله تعالى وتحذيره للظالمين بقوله تعالى (...وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) .
568 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع