الشرق الأوسط على شفير أزمة جديدة: من أين قد تبدأ؟

المنطقة على صفيح ساخن

العرب/واشنطن- يشهد الشرق الأوسط حالياً مرحلة حرجة على شفير أزمة إقليمية جديدة، تتركز جذورها في تداخل النزاعات المستمرة بين إسرائيل وإيران ووكيلتها حزب الله، بالإضافة إلى التحديات التي تمثلها حركة حماس في غزة والحوثيون في اليمن، وسط شبكة معقدة من القوى المحلية والإقليمية.

ولم تعد الأزمات التي تتطور في ساحات مختلفة من المنطقة منفصلة، بل باتت مترابطة بحيث يمكن لأي تصعيد في مكان واحد أن يخلق سلسلة من الردود في أماكن أخرى، ما يزيد من احتمالية اندلاع صراع متعدد الساحات يهدد الاستقرار الإقليمي.

وفي لبنان، يمثل حزب الله القوة العسكرية الأكثر قدرة ضمن الفصائل الموالية لإيران، وهو يرفض نزع سلاحه بالرغم من قرارات الأمم المتحدة، ما يجعل الدولة اللبنانية عاجزة عن تنفيذ القرار 1701 وإخضاعه للسلطة الحكومية.

ويعقد هذا المأزق الجهود الإسرائيلية لتأمين حدودها الشمالية ويجعل أي تهاون في التعامل مع الحزب محفوفاً بالمخاطر، خصوصاً في ظل استمرار محاولات إيران تعزيز قدراتها الصاروخية وإمداد حزب الله بالأسلحة والتمويل.

وأما في غزة، فحركة حماس تستمر في الاحتفاظ بقدراتها العسكرية، رغم العمليات الإسرائيلية المستمرة والوساطات الدولية، وترفض نزع السلاح كشرط لأي اتفاق مستقبلي لوقف النار.

ويجعل غياب آلية تنفيذ فعالة لفرض نزع السلاح في المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار أي ترتيبات مؤقتة غير قادرة على منع الهجمات المستقبلية، ويزيد من احتمالية التصعيد المتسلسل بين غزة ولبنان، وصولاً إلى إيران واليمن عبر وكلائها الحوثيين.

وترى الباحثة غيداء ريناوي زعبي في تقرير نشره معهد واشنطن أن ما يميز اللحظة الحالية هو الترابط الواضح بين مختلف ساحات النزاع.

وتشير ريناوي زعبي إلى أن أي تصعيد عسكري في غزة يمكن أن يؤدي إلى تصعيد على الحدود اللبنانية، بما يرفع احتمال مواجهة مباشرة أو غير مباشرة مع إيران.

كما أن أي ضربة إيرانية أو إسرائيلية قد تحفز الحوثيين لاستهداف شحنات البحر الأحمر أو إطلاق صواريخ نحو إسرائيل، كما حدث سابقاً في أعقاب الأعمال العسكرية الإقليمية.

ويعكس هذا التداخل أن أي سياسات أمنية أو عسكرية جزئية لن تكون كافية، وأن الردع يجب أن يكون متعدد الأبعاد ومتصلاً بمختلف الأطراف لضمان عدم وقوع خطأ تكتيكي يؤدي إلى انفجار شامل.

وفي هذا السياق، تبرز أهمية دور الولايات المتحدة والحلفاء في ضبط مسار الأحداث. فالسياسة الأميركية يجب أن تركز على استعادة الردع الإقليمي، وليس الاكتفاء بالتخفيف المؤقت للتصعيد، من خلال تعزيز القدرات الدفاعية، حماية التجارة البحرية، وضمان توجيه رسائل واضحة لإيران ووكلائها بأن أي تصعيد سيكلفهم بشكل مباشر وتراكمي.

كما يجب أن تشمل السياسة ترتيبات أمنية قابلة للتنفيذ، بما في ذلك قنوات اتصال للأزمات، تنسيق عسكري إقليمي، ودبلوماسية نشطة لمنع سوء التقدير، بدل الاعتماد على اتفاقيات وقف النار المؤقتة التي لا تتضمن آليات نزع السلاح الفعالة.

ويشير الواقع الراهن إلى أن الشرق الأوسط يعيش مرحلة حرجة يتقاطع فيها النزاع التقليدي مع الأزمات الإقليمية المتشابكة، ما يقلص هامش الخطأ ويجعل أي استجابة ضعيفة أو متأخرة محفوفة بالعواقب.

وقد يتحول التصعيد في أي ساحة من ساحات النزاع، سواء غزة، لبنان، أو اليمن، بسرعة إلى مواجهة إقليمية أوسع تشمل إيران وإسرائيل وحلفاءهما، مع آثار مباشرة على الاستقرار الإقليمي.

ولذلك، فإن أي استجابة فعالة تتطلب معالجة المحفزات الفورية وتصحيح هياكل الردع التي سمحت بحدوث هذه التصعيدات، مع تكامل سياسي ودبلوماسي وعسكري يشمل جميع الأطراف المعنية لضمان استقرار طويل الأمد للمنطقة.

وفي المحصلة، فإن المنطقة ليست فقط على شفير أزمة، بل تواجه اختباراً حقيقياً لقدرة اللاعبين الإقليميين والدوليين على إدارة تصعيد متشابك ومتصاعد.

وقد يؤدي الفشل في التنسيق وإعادة بناء آليات الردع والنزاهة التنفيذية إلى انفجار شامل يعيد الشرق الأوسط إلى دائرة الصراعات الواسعة التي امتدت لعقود، بينما النجاح في اعتماد مقاربة شاملة ومتعددة المستويات يمكن أن يحقق استقراراً نسبياً ويخلق أرضية لإعادة بناء الثقة بين الأطراف، وتقليل المخاطر المتسلسلة التي تهدد المنطقة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

832 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع