البيان:تُعد قصة "الرجل الذي باع برج إيفل مرتين" واحدة من أغرب وأذكى عمليات الاحتيال في التاريخ. بطلها هو فيكتور لوستيج (VictorLustig)، رجل نمساوي المولد احترف النصب والاحتيال في أوائل القرن العشرين، واشتهر بذكائه ودهائه وقدرته الفائقة على إقناع الآخرين، حتى أنه خدع بعض أذكى رجال الأعمال والبنوك، بما في ذلك محاولة ناجحة للاحتيال على آل كابوني، أحد أخطر زعماء الجريمة المنظمة في أمريكا.
من هو فيكتور لوستيج؟
ولد فيكتور لوستيج عام 1890 في النمسا-المجر (تحديدا في ما يُعرف اليوم بجمهورية التشيك)، ونشأ في بيئة مثقفة. كان ذكيا، متعدد اللغات، لبقا، ويتقن التحدث والكتابة بالفرنسية والإنجليزية والألمانية بطلاقة. بدأ مسيرته الإجرامية في شبابه، عندما احترف الاحتيال على ركاب السفن العابرة للمحيط الأطلسي بين أوروبا وأمريكا، مدعيًا أنه رجل أعمال أو مخترع.
باريس بعد الحرب العالمية الأولى
في عام 1925، كانت باريس تمر بفترة من التوترات الاقتصادية والسياسية. وكانت الحكومة الفرنسية تكافح من أجل ترميم الاقتصاد الوطني بعد الحرب العالمية الأولى. في هذا السياق، بدأت تظهر تقارير في الصحف الفرنسية عن تكلفة صيانة برج إيفل، وأن الحكومة تفكر في إزالته نظرًا إلى التكاليف المرتفعة وعدم فائدته العملية.
كان برج إيفل قد بُني عام 1889 بمناسبة المعرض العالمي، وكان من المفترض أن يتم تفكيكه بعد 20 عاماً، ولكن تم الإبقاء عليه. ومع مرور الوقت، بدأت الحكومة تواجه انتقادات من بعض الجهات حول تكاليف صيانته.
الخطة الجريئة
استغل لوستيج هذه الأجواء العامة، ووضع خطة جريئة، سيقنع أحد رجال الأعمال الفرنسيين بأنه ممثل رسمي عن الحكومة، وأن الدولة تنوي بيع برج إيفل "خردة"، أي لتفكيكه وبيع حديده.
قام لوستيج بتزوير أوراق رسمية وجعل نفسه "نائب وزير البريد والاتصالات"، واستأجر جناحاً في أحد الفنادق الفاخرة، ثم دعا مجموعة من كبار تجار المعادن في باريس لاجتماع سري للغاية، مدعيًا أن الحكومة لا تريد إعلان هذه الصفقة على العلن تجنبًا للغضب الشعبي.
خلال الاجتماع، شرح لهم أن برج إيفل سيُفكك قريبًا وأن الدولة تبحث عن شركة تشتري الحديد وتتكفل بإزالته، وأنهم من بين مجموعة مختارة للنظر في العرض.
الضحية الأولى
من بين الحاضرين، كان رجل الأعمال أندريه بواسون (André Poisson) الأكثر اهتماما. كان جديدا في عالم الأعمال وكان يسعى لإثبات نفسه.
وقع فيكتور لوستيج في اختياره كضحية أولى، وعمل على كسب ثقته من خلال المجاملات والاستعراضات الرسمية.
شعر بواسون ببعض الشك، لكن لوستيج كان ذكيا بما فيه الكفاية ليزرع في ذهنه أن هذه الصفقة "شبه سرية"، وأنه من الطبيعي أن لا تكون هناك تغطية إعلامية أو وثائق رسمية منشورة. كما أرسل لوستيج "مساعدا مزيفا" للقيام بجولة ميدانية مع بواسون في البرج، مما أعطى انطباعا بأن الأمر حقيقي.
أخيرا، دفع بواسون مبلغا كبيرا من المال، إضافة إلى "رشوة" صغيرة للوستيج كي يضمن له الفوز بالعقد. بمجرد حصوله على المال، فر لوستيج إلى فيينا، ومعه ثروة جمعها من الاحتيال.
المفاجأة: بواسون لم يبلغ الشرطة
المثير في الأمر أن أندريه بواسون لم يُبلغ الشرطة! إذ شعر بالإحراج الشديد من وقوعه في هذا الفخ، وفضل أن يتحمل الخسارة بدلاً من أن يصبح أضحوكة في الصحافة الفرنسية.
عملية الاحتيال الثانية
بعد عدة أشهر، عاد لوستيج إلى باريس، وكرر الخدعة نفسها مرة ثانية. استأجر الفندق نفسه، وزوّر الوثائق نفسها، ودعا مجموعة جديدة من تجار المعادن. لكن هذه المرة لم يكن محظوظا بالقدر نفسه. إذ شك أحد التجار في الأمر وأبلغ الشرطة، إلا أن لوستيج تمكن من الهرب مرة أخرى قبل القبض عليه.
مغامرات لاحقة ونهايته
بعد مغادرته فرنسا، توجه لوستيج إلى الولايات المتحدة، حيث واصل حياته كمحتال محترف. اشتهر هناك بجهاز مزيف لطباعة النقود، خدع به عدة بنوك وأثرياء.
احتياله على أشهر زعيم عصابات في شيكاغو
في عام 1927 تقريباً، قرر لوستيج أن يكسب ثقة آل كابوني، أشهر زعيم عصابات في شيكاغو، لكنه لم يجرؤ على الاحتيال عليه مباشرة، لأن ذلك كان يعني الموت المحقق.
ففكر بطريقة ماكرة، ذهب إلى آل كابوني وطلب 50,000 دولار ليستثمرها في "صفقة كبرى".
احتفظ لوستيج بالمال لمدة شهرين كاملين دون أن يلمسه.
ثم عاد إلى كابوني وقال: "آسف يا مستر كابوني، الصفقة فشلت، وهذا هو مالك كاملاً."
كابوني، اندهش من أمانة رجل في عالم مليء بالمحتالين، ثم أعطاه خمسة آلاف دولار كمكافأة على أمانته! وهكذا حصل لوستيج على المال الذي أراده دون أن يخاطر بخداع أخطر رجل في أمريكا!
في نهاية المطاف، تم القبض على فيكتور لوستيج في الولايات المتحدة عام 1935 بعد مطاردة دامت سنوات، وتمت محاكمته بتهم متعددة من الاحتيال والتزوير. حُكم عليه بالسجن لمدة 20 عاما، وقضى بقية حياته في سجن الكاتراز، حيث توفي عام 1947 بسبب الالتهاب الرئوي، وفقا لموقع "newyorkalmanack.".
يعد لوستيج اليوم واحداً من أعظم المحتالين في التاريخ، ليس فقط بسبب ما فعله، بل بسبب الطريقة الذكية والجرأة التي نفذ بها عملياته. لُقّب بـ "الرجل الذي باع برج إيفل مرتين"، وهي جملة تلخّص مدى براعة هذا الشخص في عالم الخداع والإقناع.
848 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع