العرب/بغداد – حمل كلام المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، الداعي إلى اهتمام العراقيين بخدمة بلدهم، بالتزامن مع التعبير عن صدمته مما يجري في غزة ولبنان، إشارة واضحة تحث على تجنيب العراق مصير غزة ولبنان وتحييده عن الحرب.
وبعث السيستاني، صاحب فتوى الجهاد الكفائي ضد داعش في 2014، رسالة مبطنة إلى ميليشيا الحشد الشيعي، التي تأسست بفعل تلك الفتوى، تدعوها إلى التوقف عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات نحو إسرائيل، في موقف يظهر رغبة في تجنيب الشيعة الموالين لإيران خسارة جديدة بعد خسارات حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان وتصفية الكثير من القادة السياسيين والميدانيين، من بينهم قادة في الحرس الثوري.
وأرسل المرجع الشيعي رسالة ملتبسة بشأن دعوته إلى “تحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات” حتى أنها تبدو كأنها تستهدف التضييق على الحشد والتفافا على الفتوى التي أطلقت أيدي ميليشيات الحشد الشعبي للسيطرة على مختلف مفاصل الدولة في العراق سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
لكن مراقبين يرون أن الغموض مقصود في هذه الرسالة التي تهدف إلى تحييد العراق، الذي تعتبر السيطرة عليه أكبر مكاسب إيران الإقليمية، وإقناع الأميركيين ومن ورائهم إسرائيل بأن العراق ينأى بنفسه عن الحرب، ومستعد لتحجيم دور الميليشيات وإلزامها بأن تعمل ضمن الدولة وتحت سلطتها، وليس كما يبدو الآن أنها دولة في حد ذاتها تتحرك وفق أجندة إيران ومصالحها.
ولم يستبعد المراقبون أن تكون تصريحات السيستاني بشأن التهدئة مطلوبة من إيران التي تبذل كل ما في وسعها لتطويق خسائرها بسبب الضربات الإسرائيلية المتواصلة في أماكن نفوذها إقليميا وداخل أراضيها.
كما أن توقيتها له دلالة؛ فقد صدرت عشية الانتخابات الأميركية ومخاوف طهران من نجاح دونالد ترامب في العودة إلى البيت الأبيض، في ظل توقعات بأن يمنح نجاحه إسرائيل دفعا معنويا هاما يحفزها على توسيع هجماتها، بما في ذلك الهجمات التي تستهدف مواقع حساسة في إيران مثل منشآت النفط والمشاريع النووية.
ويُتوقع أن يلجأ ترامب إلى ممارسة ضغوط كبرى على إيران ومحاصرة نفوذها الإقليمي، وخاصة في العراق وإلزامه بتنفيذ العقوبات المفروضة على طهران على عكس المرونة التي كانت تتعامل بها إدارة جو بايدن ومن قبله إدارة باراك أوباما التي مكنت إيران من جني مليارات الدولارات من تصدير النفط والإنفاق بسخاء على أذرعها وخاصة حزب الله والحوثيين.
وتأتي تصريحات السيستاني الهادفة إلى التهدئة بعد مرور يومين على تحذيرات إسرائيلية من توجيه ضربات إلى العراق إذا استمرت ميليشيات تدعمها إيران في مهاجمة إسرائيل، وفي ظل معلومات استخبارية إسرائيلية تفيد بأن الرد الذي تلوّح به إيران قد يأتي من العراق نظرا إلى محدودية مديات الصواريخ التي تمتلكها طهران في حال أرسلت من الأراضي الإيرانية.
ونقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن مسؤولين لم يتم الكشف عن هوياتهم قولهم إن الأقمار الاصطناعية راقبت عمل طهران لنقل صواريخ باليستية ومعدات ذات صلة من إيران إلى الأراضي العراقية، مع الهدف المفترض لاستخدامها في هجوم وشيك متوقع على إسرائيل.
وأضاف التقرير أن إسرائيل تراقب وتحدد الأهداف ذات الصلة بالميليشيات التي تدعمها إيران بالإضافة إلى أهداف عراقية، وطالبت بغداد بوجوب كبح جماح الميليشيات ومنعها من استخدام أراضيها لشن هجمات.
وتحاول الحكومة العراقية النأي بنفسها عن ضربات متبادلة بين الحليف الإيراني وإسرائيل، خاصة أنها غير قادرة على الفصل بين علاقتها مع الولايات المتحدة واستهداف القوات الأميركية في المنطقة من قبل الميليشيات الولائية التي تعتبر واشنطن طرفا في النزاع.
وأعرب السيستاني الاثنين عن بالغ أسفه إزاء عجز المجتمع الدولي ومؤسساته عن فرض حلول فعّالة لإيقاف المأساة المستمرة في لبنان وغزة.
وعبر السيستاني عن “عميق تألمه للمأساة المستمرة في لبنان وغزة، وبالغ أسفه على عجز المجتمع الدولي ومؤسساته عن فرض حلول ناجعة لإيقافها أو في الحد الأدنى تحييد المدنيين عن مآسي العدوانية الشرسة التي يمارسها الكيان الإسرائيلي”.
ودعا العراقيين، ولاسيما النخب الواعية، إلى أن يأخذوا العبر من التجارب التي مروا بها ويبذلوا قصارى جهدهم لتجاوز إخفاقاتها ويعملوا بجد في سبيل تحقيق مستقبل أفضل لبلدهم ينعم فيه الجميع بالأمن والاستقرار والرقي والازدهار.
وأوضح السيستاني أن “ذلك لا يتسنى من دون إعداد خطط علمية وعملية لإدارة البلد اعتمادا على مبدأ الكفاءة والنزاهة في مواقع المسؤولية، ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها”.
وأضاف “يبدو أن أمام العراقيين مسارا طويلا إلى أن يصلوا إلى تحقيق ذلك فضلا عن التحديات الكبيرة التي يواجهها العراق في الوقت الحاضر وما يعانيه شعبه على أكثر من صعيد”.
وخلال الشهر الماضي أثار تلويح إسرائيل باستهداف السيستاني غضب الميليشيات الموالية لإيران والحكومة العراقية، بعد أن نشرت القناة اليمينية الإسرائيلية “14” في الثامن من أكتوبر الماضي صورة له ضمن قائمة أهداف الاغتيال المحتملة.
وظهرت صورة السيستاني إلى جانب قادة إقليميين مثل زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، ونائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار الذي قتلته إسرائيل في منتصف الشهر الماضي، وقائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، والمرشد الأعلى الإيراني.
712 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع