إرجاء حركة نقل وتعيين واسعة للسفراء إلى أجل غير مسمى.
العرب:ما تشهده الآلة الدبلوماسية العراقية من تهالك وفساد وانسداد لسبل الإصلاح ليس سوى صورة للوضع العام في مؤسسات الدولة العراقية وما تعانيه بسبب نظام المحاصصة الذي انتهى إلى عملية تقاسم صريح للمناصب في مختلف المواقع، وإن كانت لا تتاح دائما بيسر وسلاسة بسبب تكافؤ القوى بين المتنافسين وعدم استعداد أي منهم للتنازل.
بغداد- عطلت صراعات شديدة على المناصب القيادية في البعثات الدبلوماسية العراقية بالخارج نشبت بين أبرز القوى الحاكمة في العراق وعلى رأسها أحزاب وفصائل الإطار التنسيقي الشيعي المشكّلة للحكومة العراقية، تعديلات واسعة النطاق كان من المقرّر أن تشمل حركة تعيين ونقل للعشرات من رؤساء وأعضاء تلك البعثات ضمن عملية تنقية للسلك والحدّ من الفساد الكبير الذي اجتاحه وخلّف أسوأ الأثر على أدائه، ووضْعِ حدٍّ لسلسلة الفضائح التي شهدها على مدى السنوات الأخيرة وأثرت على سمعة البلد وصورته في الخارج.
وقالت مصادر سياسية إنّ الخلافات الحادّة بين قياديين في تلك القوى حول اختيار من يشغل مناصب السفراء والعديد من المناصب الأخرى في السفارات أرجأ إلى أجل غير مسمّى تعيين ما يقرب من ثمانين سفيرا، متوقّعة استحالة أن تجري عملية التعيين في عهد حكومة السوداني الحالية، ما يعني إلغاء العملية.
وبغض النظر عن الدوافع المعلنة للتعديلات في طاقم الدبلوماسية العراقية، فإنّ العملية لا يمكن أن تخرج عن إطار المحاصصة التي تقوم عليها تجربة الحكم الحالية في العراق والتي تقضي بتقاسم مناصب الدولة ومنح كل طرف حصته المقررة وإنْ على حساب كفاءة الأجهزة وفاعليتها في أداء مهامها.
وعلى مدى السنوات المنقضية من عمر تجربة الحكم التي قامت في العراق إثر الغزو الأميركي له، تحولت المناصب في السلك الدبلوماسي العراقي إلى أهم الجوائز والمكافآت التي تسعى الأحزاب والفصائل المتحكمة بالمشهد السياسي في البلد للحصول عليها وإسنادها لأعضائها وأفراد أسرهم والمقربين منهم.
وتمّ “تقنين” تقاسم تلك المناصب بآلية لم تُرَاعَ فيها معايير القدرة والكفاءة بقدر ما روعي ضمان حصول القوى النافذة على حصصها.
وتقوم تلك الآلية على أن تتولى وزارة الخارجية ما نسبته خمسة وسبعون في المئة من التعيينات في السلك الدبلوماسي على أن تتولى الكتل السياسية تعيين النسبة المتبقية.
لكن العديد من الدوائر والشخصيات العراقية انتقدت تلك الآلية وقالت إنّها تعني قيام الأحزاب الممثلة أصلا داخل الوزارة، وسائر الأجهزة الحكومية وتحت قبة البرلمان مهمة اختيار السفراء وأطقم سفاراتهم وسائر موظفي الخارجية بنسبة مئة في المئة، وهو ما يفسّر نشوب الخلافات حول تلك المناصب وتعقّدها وعدم إمكانية حسمها، وبالتالي تعطيل أي تعديلات في السلك الدبلوماسي منذ سنوات.
ولإزالة العقبات من أمام التغييرات المنشودة في طاقم الدبلوماسية العراقية، دعا حيدر السلامي عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي وزارة الخارجية لتفعيل دورها بشكل صحيح وأكبر في عملية ترشيح وتعيين السفراء.
وكشف في تصريحات صحافية نقلتها في وقت سابق وسائل إعلام محلية عن قيام السوداني بتشكيل لجنة مشتركة تتكون من ممثلين للوزارة وثلاثة من أعضاء اللجنة البرلمانية للنظر في قائمة المرشحين لتولي منصب سفير، مؤكّدا وجود حاجة خلال الفترة المقبلة لتعيين قرابة ثمانين سفيرا في مختلف البلدان.
وانتقد النائب الآلية المتبعة حاليا في اختيار السفراء معتبرا أنّها تتضمن مخالفة لقانون الخدمة الخارجية مشيرا إلى أنّ القانون ينص على تعيين سفراء من خارج السلك الدبلوماسي بما لا يزيد عن خمسة وعشرين في المئة، في حين أن المتبع حاليا هو خمسون في المئة لوزارة الخارجية ومثلها للقوى السياسية، داعيا الى أن “يتم اختيار الأسماء بناء على معايير مهنية بعيدا عن تأثيرات المحاصصة السياسية”.
كما طالب “وزارة الخارجية بتفعيل دورها فيما يخص قضايا الترشيح والتعيين بشكل صحيح”، محذّرا من أنّ “استمرار المحاصصة سيؤثر بشكل كبير على الأداء الدبلوماسي للعراق على الساحة الدولية”.
ولا تخرج الدبلوماسية العراقية عن سائر مؤسسات الدولة العراقية التي كثيرا ما تسببت الخلافات والصراعات على مناصبها بصعوبات في تشكيلها وأفضت إلى تأخير في ذلك قد يطول مداه، وهو ما حدث في تشكيل حكومة السوداني بحدّ ذاتها، وتكرّر مع عملية تشكيل الحكومات المحلية للمحافظات إثر الانتخابات التي أجريت في ديسمبر الماضي واستغرقت عدّة أشهر حتّى أنه لم يتم تشكيل الحكومتين المحلّيتين لكلّ من ديالى وكركوك إلاّ قبل بضعة أسابيع.
وكان يمكن لشخص رئيس الوزراء بما له من مكانة كقائد للسلطة التنفيذية في البلاد أن يقوم بدور توفيقي في تقريب هوّة الخلافات بين القوى المتصارعة على مناصب الدبلوماسية العراقية، وتذليل الصعوبات من أمام إجراء التغييرات والتعيينات التي باتت ملحة مع طول تهالك الجهاز الدبلوماسي وكثافة الانتقادات الموجهّة لأدائه من داخل البلاد وخارجها، لكّن ما تعرضت له الحكومة مؤخّرا من عثرات أبرزها الكشف عن عملية تجسس على السياسيين والنواب من داخل الدائرة القريبة من رئاسة الوزراء وتطورات سرقة القرن، أضعفت موقف رئيس الحكومة وجعلته غير قادر على الاقتراب من ملف التعيينات الشائك والحساس.
ولم تُستثن وزارة الخارجية العراقية من الصعوبات التي تواجهها الحكومة العراقية ككل. وقد أصبحت الوزارة مؤخّرا في مرمى الانتقادات الحادّة والحملات الإعلامية من قبل قوى ذات نفوذ في السلطة.
وتوجهت تلك الحملات بشكل مباشر نحو الوزير فؤاد حسين الذي أصبح متهما من قبل الأحزاب والميليشيات الشيعية بالمسؤولية عن ضعف أداء الوزارة في الدفاع عن مصالح العراق والحفاظ على سيادته. وشملت التهم وجود فلول حزب البحث ضمن مواقع القرار في الوزارة.
وتتجاهل الدوائر المحرّكة للحملة ضدّ الوزير ووزارته حقيقة أنّ وجود شخصية كردية على رأس الخارجية العراقية لا يمنع من كون القوى الأكثر تغلغلا في مفاصلها وسيطرة على مختلف المصالح والإدارات التابعة لها هي الأحزاب والميليشيات الشيعية ذاتها.
وقال مصدر سياسي إنّ ما يُسمع من حين لآخر بشأن وجود بعثيين في وزارة الخارجية العراقية ليس سوى صدى للصراعات الحادة على مناصب الوزارة من مختلف الدرجات والمستويات وصولا إلى مناصب السفراء الأكثر طلبا من تلك القوى بما توفره من امتيازات كبيرة لمن يشغلها.
ولا يجد منتقدو الخارجية العراقية عناء في العثور عن مساوئ وعثرات كبيرة في عملها تتصل خصوصا بالفساد الكبير الذي يخترقها، لكنّ الإشكال في أنّ إثارة الموضوع يتم في إطار تصفية الحسابات بين القوى المتصارعة بعيدا عن نوايا للتقويم والإصلاح.
وأثار محمد أبوسعيدة رئيس حركة وجود العراق قضية التعيينات في وزارة الخارجية على أساس المحسوبية والمجاملة والمكافأة الحزبية بعيدا عن معايير الكفاءة والمهنية، مشيرا في تصريحات صحافية إلى أنّ الوزارة تضم ضمن كوادرها أشخاصا بعيدين عن التخصص الدقيق حيث يتواجد داخلها مختصون في التربية الرياضية والعلوم الفنية والفن والرسم، وغيرها.
وقال القيادي في تحالف الأنبار المتّحد محمد الدليمي إنّ “وزارة الخارجية سهلت عملية منح جوازات سفر دبلوماسية لأقارب المسؤولين في الوزارة وبعض الشخصيات السياسية والعادية وأصبح هذا الجواز لا قيمة له من قبل دول العالم بسبب منحه لفئات غير مشمولة بحمل هذه الوثيقة التي تمنح للسلك الدبلوماسي والشخصيات المهمة”.
وقضية الجوازات هي إحدى المثالب في عمل الآلة الدبلوماسية العراقية إلى جانب فساد أكبر يخترقها وعثرات شهدتها خلال السنوات الماضية ترتقي إلى مرتبة الفضائح المؤثرة على صورة البلاد من بينها ظهور أحد الدبلوماسيين العراقيين في لبنان بصدد استخدام قاذفة صواريخ محمولة على الكتف خلال رحلة صيد في منطقة البقاع، ورواج شكوك شبه موثقة في صحة شهادة سفير عراقي في إحدى الدول الأوروبية، وتورّط نجلي سفير في دولة أخرى في اعتداء بالعنف الشديد على مواطن من تلك الدولة، وقيام دبلوماسييْن عراقييْن آخرين باستغلال صفتهما الدبلوماسية للمشاركة في نشاط تهريب السجائر، وظهور سفير عراقي سابق لدى إيران وهو يوجه إهانات شديدة لأبناء بلده المقيمين على الأراضي الإيرانية.
877 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع