[أين-بغداد]:تهتز جدران مسرح الرباط، وسط العاصمة العراقية بغداد، بالموسيقى الحية عند بدء عرض الباليه.
ترقص مسا تيسير [16 عاماً]، مع شريكها ميسرة سلام [19 عاماً]، بحفلٍ أقيم في شهر نيسان 2018. معاً تنساب الفتاة والشاب أحدهما في اتجاه الآخر بسلاسةٍ دون أي جهد.
في لفتةٍ سريعة، يقذف ميسرة بمسا إلى أعلى. وبينما تدور حول محورها في الهواء، يتفكك ثوب مسا الأبيض قطعةً تلو الأخرى، ويكشف عن رداءٍ أحمر أقصر بكثير تحته. ووفقاً لوالدتها زينة أكرم فيزي [50 عاماً]، بعدما انتشرت صور للعرض على الشبكات الاجتماعية، وبالتحديد اللحظة التي تطاير فيها ثوب الفتاة في الهواء، تبعت ذلك فضيحةٌ عامة.
وأضافت زينة، وهي مُدرّسة الباليه الوحيدة التي تتلقى أجراً في المدرسة" هؤلاء الناس يعتقدون أنَّنا نعيش في أرض الأنبياء؛ لكنَّ هذا ليس صحيحاً، فالعراق هو أرض الحضارة".
محاولة لنسيان العنف والدمار
يدرس ميسرة سلام ومسا تيسير في مدرسة بغداد للموسيقى والباليه، وهي مؤسسة وطنية مختلطة تتيح للطلاب تعلُّم فن الباليه، والانغماس في عروضٍ -مثل بحيرة البجع لتشايكوفسكي- كوسيلةٍ لنسيان الفوضى والعنف في المدينة. تأسست المدرسة، التي تقع بالقرب من حديقة الزوراء، في عام 1968، على يد مجموعة من الموسيقيين العراقيين؛ وهم عزيز علي، ومنير بشير، وفكري بشير، وزوجته آغنس.
المَدرسة الأولى والوحيدة من نوعها
تقدِّم المَدرسة منهجاً تعليمياً كاملاً، يتضمن الموسيقى والرقص، للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و18 عاماً. وبحسب أحمد سالم غاني مدير المدرسة، فهي المَدرسة الوحيدة من نوعها في العراق. في أثناء السبعينيات، كان العراق يتمتع بطفرة نفطية منحته ازدهاراً بعض الوقت، ما سمح له بالتطور باعتباره مركزاً للثقافة في الشرق الأوسط. في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى فن الباليه على أنَّه فنٌ مرموق وعصري؛ لذا قررت العديد من العائلات إرسال أطفالها إلى المَدرسة. وعلى الرغم من عدم توافر رقم دقيق لعدد التلاميذ الذين حضروا في البداية، تذكر زينة أنَّ المَدرسة كانت تضم نحو 200 طالب في سنواتها الأولى. وقال غاني إنَّ المدرسة لم تُنتج نجوماً دوليين، لكن بعض الراقصين، مثل ميسرة سلام، أصبحوا راقصين محليين مشهورين. اليوم، يقول غاني إنَّ المَدرسة تضم 586 طالباً، وهي زيادة كبيرة على العدد الذي استقبلته المَدرسة قبل بضع سنوات فقط، حين انخفض العدد إلى نحو 100 طالب.
عقوبات الأمم المتحدة والغزو الأميركي
عندما تشعر زينة بالحنين إلى السبعينيات، تتذكّر أنَّها كانت ترتدي ملابس الرقص الملوّنة بينما كانت ترقص إلى جانب ابن عمّها، في أثناء أداءٍ مسرحي مفتوح لعرض شهرزاد. تقول زينة" كان للمَدرسة 3 أستاذات وأستاذ واحد من روسيا. جاءوا من أكاديمية Vaganova المرموقة للباليه الروسي".
وفي عام 1990، فرض مجلس الأمن الدولي عقوباتٍ تجارية على العراق أدت إلى شل اقتصاد البلاد، وكان هذا بسبب غزو النظام البائد للكويت.
فشهدت المَدرسة، التي كانت تمولها وزارة الثقافة، أول أزمة تمويل لها، وفقدت 4 من مدرسيها البولشويين الروس السابقين. ووفقاً لغاني، غادر المدرسون في وقتٍ ما خلال الحرب بين العراق والكويت.
وقال غاني، الذي يعمل مدير المدرسة منذ عام 2012" كان قسم الباليه يعتمد عليهم".
وعصفت أيضاً أعمال العنف الطائفية، إلى جانب وجود فراغٍ أمني كبير. ظلت المَدرسة مفتوحة رغم هذه المخاطر، لكنَّ عدد الطلاب انخفض بشدة.
وتقول ليزان سلام [22 عاماً]، وهي مُدرسة باليه متطوعة في المدرسة ومديرتها" عندما التحقتُ بالمدرسة في عام 2004، كان هناك نحو 100 طالب فقط ملتحقين بقسم الباليه".
وأضافت ليزان" كنتُ في التاسعة من عمري عندما بدأتُ ممارسة الباليه في المدرسة بعد الاحتلال. وكان الأمر سرياً للغاية، لم يعرف ذلك أحد سوى عائلتي المباشرة. كان أبي يخاف من عمليات الخطف".
وتابعت قائلاً إنَّه" في الفترة من عام 2009 إلى عام 2013، لم تكن هناك سوى 3 طالبات وطالبين يتلقون دروساً في الرقص، بالإضافة إلى حضور 10 طلاب فقط من المرحلة الابتدائية فصول الباليه".
وفي عام 2013، قرر غاني إحياء شغف العراق بالرقص، وبدأ في نشر صور لمَدرسة الباليه ببغداد على إنستغرام. وفي حين اكتسبت صفحة المَدرسة شعبيةً بين العراقيين والأشخاص بالخارج ممن كانوا مهتمين بالرقص والثقافة، فقد تلقت أيضاً رسائل عنيفة تشير إلى أنَّ الرقص حرام ولا ينبغي نشره بين الشعب العراقي.
أزمة التمويل
كانت وزارة الثقافة تمول المَدرسة دائماً، لكنَّ تمويلها أصبح محدوداً منذ 2003. والميزانية اليوم لا تكفي سوى لدفع رواتب الموظفين. وبصرف النظر عن هذا، فلا يوجد مالٌ كافٍ لصيانة المباني، أو تقديم العروض، أو تطوير المشروع.
وقال غاني" لدينا رواتبنا فحسب. إذا رغب الطلاب في إعداد عرض أو تقديم أداء مفتوح، فيجب عليهم إما العثور على رعاة، وإما تحمُّل التكاليف على نفقتهم الخاصة".
تعني الميزانية المحدودة الإبقاء على اثنين فقط من أصل 4 استوديوهات للرقص. تخلوا عن الاثنين الآخرين بعدما انهارت أرضية أحدهما جزئياً، في حين تقبع الآلات الموسيقية المتربة على أرضية الآخر دون أن يستخدمها أحد.
664 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع