«إيليت» ملتقى الفنانين والأدباء يصارع للبقاء

    

                  مقهى «إيليت» (الحياة)

  

الحياة/الإسكندرية – سامر سليمان:تطل روح سيدة يونانية جميلة بين جدران خشبية عتيقة ونوافذ زجاج متدثرة بذكريات ماض حافل بمناقشات ومداخلات ولقاءات وكتابات ولوحات وأشعار حيث يتوقف رواد المقهى من أدباء وفنانين وشعراء ومشاهير مصريين وعرب وأوروبيين لتناول أكلات يونانية وشرقية على نغمات أوروبية وموسيقى غربية، أو لاحتساء فنجان من القهوة المغلية في ركوة من النحاس الأصفر مع طبق من حلوى البوكاسا أو الفينيكيا الشهيرة أو لتناول الإفطار، وذلك في مقهى «إيليت» في محطة الرمل بالإسكندرية.

يعد «إيليت» من أشهر الأماكن التراثية في محطة الرمل وسط الإسكندرية (شمال مصر)، ويتخذ شكل الكشك الخشبي وكان طابقاً واحداً تطل نوافذه على ناصيتين، إذ يوفر لمرتاديه رؤية بانورامية لشارع صفية زغلول، أحد أهم الشوارع التجارية في المدينة الساحلية، وكانت تتزين جدرانه بمجموعة من اللوحات لأشهر الفنانين منها للمـــصور الفرنسي العاشق جورج براك ولرائد فن المـــدرسة الوحشية الفرنسي هنري ماتيس ولرائد المدرسة التـــكعيبية بابــــلو بيكاسو وأخرى للفنان اليوناني فافياديس وغيرها، وكلها لوحات قيمة لا تقدر بثمن ومن اللوحات لعظماء الفنانين المصريين منها للفنان سيف وأخيه أدهم وانلي وللسكندري عصمت داوستاشي.

كما حملت جدران المكان أشعاراً لكفافيس الشاعر العظيم الذي قال عنه داريل أنه روح الإسكندرية الخالدة، فقد كان يرتاد هذا المكان لتناول فطوره اليومي. وهناك أيضاً بورتريه له ولوحة لإحدى القصائد التي كتبها كفافيس بخط يده. والتقت «الحياة» نجل السيدة كريستينا كوستانتينو في وقت سابق عام 2005، حين تحدث عن والدته وكيف أنها كانت لا تمل من إعادة سرد حكايتها مع الشاعر كفافيس وكانت تقول: «كان كفافيس يمازحني قائلاً باليونانية يا جميلة الأولمب لا تتركي الإسكندرية».

وقد ارتاد المكان عشرات الفنانين والعظماء والمشاهير منهم داليدا التي كانت تحرص على تناول المعكرونة الإيطالية المميزة، والفنان العالمي ديميس روسوس، كذلك كان المخرج يوسف شاهين من أهم رواد المكان والأديب العالمي نجيب محفوظ ويوسف وهبي وكوكب الشرق أم كلثوم، والملكة ناريمان وزوجها والسيدة جيهان السادات وغيرهم.

تتوقف روح كريستينا كوستانتينو جميلة الأولمب وصديقة الشعراء، في دهشة وحزن وقد يكون غضباً. تبدّل المكان واختفت اللوحات وتلاشت الذكريات وتوارى الزمن الجميل عقب موجات من التغيير والصراع مع المكان والأحداث، إذ أجِّر مطعمها الشهير واقتطع مكان مطبخ «إيليت» ليتحول إلى متجر لبيع العصائر، فيما أجّرت النافذة الخلفية لـ «كنافة على الفحم» وخلفية المطعم أجِّر لـ «مقهى بلدي». وأخيراً، شمع المكان وأغلق وسط أنباء عن هدمه من شركة تسويق عقارية شهيرة هدمت سينما ريالتو الشهيرة وحوّلتها إلى مطعم أكلات شعبية.

طمس الهوية الثقافية

بدأت الحكاية عقب وفاة مالكة المكان كوستانتينو عام 2005 ودار صراع بين الورثة على المكان بين شقيقة كوستانتينو، وهي مسنة تعيش في اليونان وتدعى إيريني افانجليوس لالايتي، وابنة كريستينا وتدعى إيجيلي أرجيرو ماسيوس وابنها أليكس فيليب ماسيوس، وقد وكّل أحد الورثة محامياً لإدارة المكان عام 2008، فشيّد طابقاً فوق المطعم ضم صالة ديسكو. وعلى رغم قيام مسؤولي البلدية بإيقافهم، بدأوا هدم الجدران الداخلية وغير السقف المرسوم باليد، ثم أجّرت الإدارة العام الماضي الجزء الخلفي إلى أحد المقاهي.

ومما تعرض للمكان أنه عام 2011 اتهم نجل كريستينا، أليكس إدارة المطعم بهدم جدران تراثية وإخفاء لوحات نادرة داخل المطعم عددها 15، كانت تضم أعمالًا نادرة لبيكاسو والأخوين سيف وأدهم وانلي ولوحة للفنان الفرنسي «باراك»، إضافة إلى سقف المطعم المرسوم باليد والذي اعتبره هدماً للمعالم وتراث المدينة، وفق الدعوى التي أقامها أليكس على إدارة المطعم.

ووفق وكيل أليكس ميشال شمس، المطعم ليس للبيع وأصحابه ما زالوا يملكونه بالوثائق، وإن ما حدث أضر بسمعة المطعم التراثي إضافة إلى اختفاء اللوحات دون علم الورثة، وأخيراً إغلاق المكان بأمر قضائي.

يقول أحد رواد المقهى أحمد الجراح (71 سنة) وهو طبيب أسنان إن «إيليت كان ملتقى كبار الفنانين العرب والأجانب، والتقيت فيه السيدة فاتن حمامة في ستينات القرن العشرين ورأيت فيه رشدي أباظة وصباح، كما كانت صاحبة المكان تسمح للفنانين بإقامة معارض فنية وكانت تستضيف فرقاً موسيقية لعزف الموسيقى»، معبّراً عن حزنه لطمس هوية المدينة الكوزموبوليتانية وتشويهها فنياً وتراثياً.

«إيليت» أسسه اليوناني فيليب كوستانتينو في أوائل القرن العشرين، واستأجر أرض بنايته من الكنيسة اليونانية المالكة وعمل فيه مع «مدام كريستين» وايريني وكانت تديره كرستينا وزوجها ميخال إلى أن رحلت عام 2005 ودفنت في مقابر الجالية اليونانية في الإسكندرية.

وقبل أن ترحل كريستينا، أوصت ابنها أليكس بألا يترك المقهى

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

798 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع