نكهة كباب الفلوجة تنتشر في بغداد

   

شهرة جديدة للفلوجة في العالم تقترن بمشوياتها التي تحولت إلى سر لغوي هو بمثابة خلاصة لامتزاج الصورة بفكرتها، الطعم بأثره، النكهة بإيقاعها.

العرب - فاروق يوسف:بالرغم من كونها واحدة من أقدم المدن العراقية التي لا تزال مأهولة، غير أن الفلوجة التي تقع على بعد 60 كيلومترا شمال غرب العاصمة بغداد لم تكن تحظى بأي نوع من الشهرة الاستثنائية. يمكنها أن تكون مدينة طريق. كنا نمر بها كلما ذهبنا إلى المنتجع السياحي في بحيرة الحبانية. نمر بها من غير أن نراها. فمدينة المساجد كما تسمى لم تكن مشروعا مفتوحا للفرجة. تتوارى الفلوجة وراء بساتينها كما لو أنها لا ترغب في أن يشق أحد الطريق إلى سلامها الداخلي. جسرها هو الجزء الوحيد الظاهر منها. ذلك الجسر الذي أطلق شهرتها

عالميا كان يسمح برؤية جزء صغير من المدينة التي تجلس بوقار وأبهة على شاطئ الفرات.

غير أن الفلوجة التي كانت دائما عصية على الفاتحين كانت في الوقت نفسه حريصة على أن تمد من نافذة مطبخها يدا كريمة للعابرين بها. لم يكن أحد من أولئك العابرين ليملك القدرة على ألا يقف مسحورا بالرائحة الزكية التي كانت تنبعث من المطاعم التي تصطف على جانبي الطريق، قبل الجسر بمئتي متر. تلك الرائحة التي لا تُقاوم تكفي لتكون سببا لذهاب الفلوجة بيسر وخفة إلى قاموس البداهة العراقية من خلال عبارة واحدة هي “كباب الفلوجة” وهي عبارة يمكنها أن تلخص كل شيء. النكهة والطعم والشكل كل ذلك يترك أثرا من صورته على الحنجرة. وليس من باب المبالغة أن الكثيرين كانوا يقطعون مسافة الستين كيلومترا ذهابا وإيابا من أجل أن يمتعوا أنفسهم بوجبة كباب حقيقي.

ووصف باتريك غراهام، الصحافي الكندي الذي غطى الغزو الأميركي للعراق، كباب حجي حسين في الفلوجة بفرع من “نوفا سكوتيا”، وهي سلسلة مطاعم تقدم كعكة كندية تتمتع بشعبية واسعة.

فالوصفة فلوجية تماما. وهي مزيج من طريقة اختيار اللحم والتوابل المناسبة ودرجة ونوع النار التي يشوى عليها الكباب إضافة إلى النَفَس الفلوجي وهو تعبير تجريدي قد يشير في جزء منه إلى كرم الفلوجيين وهم ينظرون إلى ما يقومون به بأريحية ورغبة في ألا يكون عطاؤهم محايدا. فهم موجودون بقوة في كل ما يقومون به. كبابهم هو صورتهم النقية التي ستذهب بهم إلى بغداد من خلال عدد من مطاعمهم التي افتتحت لها فروعا في العاصمة العراقية. ومثلما كان اللبن الحقيقي قادما من أربيل فقد كان الكباب فلوجي الهوية.

لكن رواد هذه الفروع في بغداد اليوم لا يكفون عن تكرار السؤال نفسه، عما إذا كانت نكهة كباب الفلوجة هي نفسها بعد انتقالها إلى بغداد.

قبل أن تحظى الفلوجة بشهرتها العالمية كونها مدينة مقاومة وهو ما جلب لها الويلات المتتالية كانت قد شقت طريقها إلى بغداد محمولة على روائح كبابها.

كانت مناقل الفلوجيين تجلب بدخانها المسرة إلى الأفواه التي كان لعابها يسيل ما أن تنطق بعبارة “كباب الفلوجة” التي تحولت إلى سر لغوي، هو بمثابة خلاصة لامتزاج الصورة بفكرتها، الطعم بأثره، النكهة بإيقاعها.

لم يكن الفلوجيون حملة سلاح، مثلما دأب الإعلام العالمي على تقديمهم، إلا إذا كان كبابهم هو الذي فتح الطريق أمامهم إلى بغداد ومن ثم انتقل مع العراقيين إلى عمان (الأردن) واحدة من علامات الفتح المبين.

هل كان الفلوجيون وهم يلوحون بمراوحهم اليدوية مداراة لنار مناقلهم يفكرون في أن تلك النار الكريمة سترتد على مدينتهم لتلتهمها بشرا وحجرا ولتضعها بسبب الموت إلى جانب المدن الأسطورية الخالدة؟

كانت مطاعم كباب الفلوجة هي أولى الضحايا التي داستها عربات الغزاة. بدلا من نار المناقل التي كانت تشق طريقها إلى القلوب بعاطفة فلوجية خالصة اشتعلت النار في ثياب الفلوجيين لتأخذ معها إلى العدم تلك الرائحة الزكية التي كان الفلوجيون وحدهم يجيدون تركيب عناصرها.

يوما ما سنمر بذلك الطريق الدولي فلا نرى شيئا. غير أننا سنشم تلك الرائحة التي ستكون مختلفة تماما، بعد أن امتزجت بشواء اللحم البشري.

سيكون “كباب الفلوجة” نوعا قاسيا من الذكرى التي لن تستوعبها الدموع.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

840 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع