واقع النشر في العراق وتجربة 'سطور' المتميزة

  

                                        شارع المتنبي

يشهد واقع النشر في العراق تراجعا وفوضى وغياب التقاليد وانعدام القوانين الحكومية المُنظمة له، لكن تبرز ظاهرة ملفتة تتمثل في صعود دور نشر فتية وواعدة تحاول تحقيق الحضور الملحوظ في الحياة الثقافية العراقية وفي مجال صناعة الكتاب تحديدا.

العرب محمد حياوي:لقد أدت الفوضى الضاربة أطنابها حالياً على صعيد الثقافة في العراق وانهيار المؤسسات الثقافية المعروفة، إلى ظهور البعض من دور النشر الطارئة التي تفتقد للتقاليد العريقة، وفي الوقت نفسه تراجعت، أو اختفت دور النشر العراقية المعروفة منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي، من مثل دار مكتبة النهضة التي أسسها الناشر والكتبي الراحل عبدالرحمن حيّاوي وأولاده، والمكتبة العالمية التي أسسها الكاتب والمفكّر العراقي جاسم المطير، وغيرهما الكثير من المكتبات ودور النشر العريقة التي لم تستطع مواكبة واقع النشر المختل الذي نشأ في أعقاب الاحتلال وما ترتب عليه من تبعات وظواهر ثقافية شوهاء.

وعلى الرغم من تحول شارع المتنبي العريق، الذي يحتوي على العشرات من المكتبات والمراكز الثقافية، إلى ظاهرة ملفتة في السنوات الأخيرة، والإقبال الجماهيري الواسع الذي بات يشهده الشارع خصوصا أيام الجمعة، إلّا أن هذا الواقع الجديد لم يحل دون انفتاح عالم النشر على ممارسات هجينة تفتقر إلى التقاليد، بل إن هذا الإقبال الجماهيري الواسع دفع بالكثير من الساعين إلى تحقيق الأرباح من بيع الكتب دون الالتفات إلى القيمة المعرفية لتلك الكتب، لتحقيق موطئ قدم في شارع المتنبي العريق، وعلى الرغم من ذلك، ونتيجة لخلفية هؤلاء والبعيدة عن الثقافة وعالم النشر، لم تستطع أغلب دور النشر الجديدة التي تأسست بعد سقوط النظام السابق عام 2003 من تأصيل التجربة وتأسيس دور نشر حقيقية قائمة على رؤى وأهداف واضحة، بل غلب على عملها الطابع التجاري البحت وأسهمت في ترسيخ مفاهيم تجارية قائمة على الربح السريع والترويج للمضامين الهزيلة مقابل الأموال.

وفي المقابل تمكنت دار سطور للنشر والتوزيع الفتية من التحول إلى ظاهرة ثقافية من نوع ما، نتيجة لاعتمادها على مجموعة من الشباب المجتهدين الذين يمتلكون القدرة الجيدة على قراءة أحوال سوق الكتاب وفتح منافذ جديدة للتوزيع في أغلب المحافظات العراقية. لقد تجاوزت ممارسات دار سطور قضية نشر الكتاب وتوزيعه في الحقيقة إلى تنظيم الفعاليات المصاحبة، ولا سيما في المحافظات التي ظلت مهملة ومعزولة على مدى عقود من الزمان، فنظمت مهرجانات القراءة ومعارض الكتاب في الجامعات والشوارع والمنتديات الثقافية، على الرغم من حداثة تأسيسها وقصر تجربتها.

لا أحد ينكر المسعى التجاري وتحقيق الأرباح اللذين تسعى إلى تحقيقهما هذه الدار بالتأكيد، أسوة مع بقية دور النشر في العالم العربي والعالم، لكن تجربتها تبقى ملفتة على صعيد تحقيق الحضور والنجاح في استقطاب القرّاء الشباب وتوظيف طاقاتهم الخلاقة وانفتاحهم على القراءة، وإذا كانت ثمّة ملاحظات تتعلق بمستوى ما ينشر أحيانا من روايات ومجموعات شعرية من دون إحالتها إلى لجنة قراءة لتحديد جودتها الفنية وصلاحيتها للنشر، إلّا أن عمل الدار وسرعة انتشارها ونجاحها في خلق قاعدة واسعة للقراءة قد تغفر لها مثل تلك الزلات التي نأمل أن تتداركها الدار مستقبلاً.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

403 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع