عراقيون: نحن نرفض التقسيم... لكنه واقع!

                      

يناقش العراقيون بعمق هذه الأيام مسألة تقسيم العراق، وحاولت "إيلاف" رصد آراء مختلف الطوائف حول هذا الموضوع، واختارت عينة عشوائية من المواطنين الذين يمثلون النسيج المجتمعي العراقي، فتباينت مواقفهم بشدة وتناقضت حول تقسيم بلدهم أو بقائه موحدًا.

عبد الجبار العتابي من بغداد: يبدو العراقيون وكأنهم في مفترق طرق وحيارى، عندما وجهت لهم "إيلاف" أسئلة بخصوص "تقسيم العراق"، فبعضهم يجيب برأي ثم يغيّره سريعًا، وكأنه لم يستوعب بعدُ المدى الذي انحدرت اليه بلاد الرافدين.

ومنذ ان تناقلت الانباء ما قيل عن أن الادارة الاميركية تسعى الى تقسيم العراق، و"إيلاف" تستجمع الآراء العشوائية من هنا وهناك، من مختلف الطوائف والقوميات حول موضوع التقسيم وتحاول ان تعرف عن كثب ردة فعل العراقيين حول ذلك.

والغريب أن النسبة الاكبر كانوا مع التقسيم، ولكن اغلب هذه النسبة سرعان ما تتراجع وتؤكد أن العراق "واحد موحد".

ويقول عراقيون إنهم مستعدون للتضحية بحياتهم من اجل الدفاع عن وحدة العراق، إلى غير ذلك من الكلام الذي يجعل البعض يمسح عينيه اللتين ترقرق الدمع فيهما.

نسبة اقل تصر على أن التقسيم "افضل للجميع ما داموا غير قادرين على التعايش مع بعضهم، وعليهم ان يحترموا بعضهم ويقرروا مصيرهم بسلام بدل هذه الدماء التي تسيل انهارًا والخسائر الكبيرة"، والاطرف من ذلك أن هناك من يقول رأيًا شفاهيًا وحين يرى مراسل "إيلاف" يدوّن جوابه، يقوم على الفور بتغيير رأيه!

آراء متباينة

"إيلاف" استطلعت آراء 100 شخص من عرب (سنة وشيعة)، 50 شخصًا من كل طائفة، و30 كرديًا و10 تركمان و4 مسيحيين وايزيدي واحد.

الايزيدي قال إن مصيره محكوم بالآخرين كون الايزيدية برأيه لا حول لهم ولا قوة، والاربعة المسيحيون اكدوا انهم ضد التقسيم قلبًا وقالبًا، بل ان أحدهم نعت من يشجع على التقسيم بالخيانة، اما التركمان فقد  اكدوا أنهم ضد أي تقسيم للعراق، وقالوا في المجمل انهم سيضيعون اذا ما جرى تقسيم العراق، فالاكراد والعرب ستكون لهم دولهم فيما هم سيضيعون، ومن ثم "سيتعرضون الى ابادة جماعية"، كما قال احدهم.

لكنهم اجمعوا على قولهم: "نحن التركمان نريد سلاحًا نحمي به انفسنا من دون تقسيم، والا فإنهم سيكونون أول الخاسرين إذا ما نجح مشروع تقسيم العراق"، فيما كانت آراء الاكراد، المستطلعة آراؤهم، متباينة، فالاغلبية منهم يعيشون في بغداد وهؤلاء يرفضون التقسيم، لانهم كما قالوا تعودوا العيش في بغداد ومصالحهم فيها.

وقالوا إن حلم الدولة الكردستانية مستحيل، الا ان ستة منهم تمنّوا ان تكون لهم دولة على الرغم من انهم توقعوا أن الاكراد لن يعيشوا بسلام في دولتهم.

أما العرب، فمن الخمسين شخصًا الذين تم استطلاع آرائهم، كان 38 منهم يريدون التقسيم مؤكدين انه خلال السنوات الاثنتي عشرة ان هناك من لا يريدهم في عراق واحد وان انهار الدماء التي تسيل يوميًا لا معنى لها ولابد ان تتوقف ويجلس كل طرف في دولته معززًا مكرمًا، فيما اعترض الباقون على التقسيم ورفضوه بشدة لأن العراق واحد ولا بد ان يبقى موحدًا رغم انف الطائفيين، كما قال البعض منهم.

واعرب نحو 10 منهم ان العرب (الشيعة والسنة) سيعودون اخوانًا اكثر حميمية اذا ما انفصل الاكراد واقاموا دولتهم، لانهم يعتقدون ان اغلب المشاكل تحدث بسبب طموح الكرد باقامة دولتهم، اما العرب السنة فرفض 32 منهم التقسيم بيد أن الغالبية منهم اكدوا (انه واقع لا محالة)، فيما اراد الـ 18 منهم التقسيم واعتبروه الحل الانسب للمشاكل العالقة والتناحر بين الطائفتين.

وأوضح 13 منهم أن الشيعة والسنة اخوان، ولهم تاريخ ومصير واحد، ولكن لن يكون لهم هذا مع وجود الكرد.

التقسيم لإطفاء نار الطائفية

يؤكد عبد الكريم حسن علوان (عربي شيعي) ويعمل موظفًا في وزارة التعليم العالي، أنه مع التقسيم، ولكنه يشير الى انه ليس في صالح اميركا.

وقال: "أنا مع التقسيم لأسباب خاصة، ولكن من الممكن أن اقول لا يمكن لعراقي اصيل أن يقبل بذلك، لانه سيخون امانة الاجداد والوطن، ولكن حينما يرفضك الآخر ويقسو عليك ويمارس القتل بك لا تجد حلاً مناسبًا الا التقسيم مضطرًا".

يضيف: "بتصوري البسيط، ان في التقسيم اطفاء لنار الطائفية، ولكنه ليس من مصلحة اميركا، لانها ستخسر الكثير وخاصة الجنوب الشيعي الذي سيكون امتدادًا لايران، وهذا ا لن ترتضيه اميركا ابدًا الى يوم يبعثون".

أصله كردي

من جانبه، يؤكد خالد سليمان، كاسب (عربي سني) انه مع استقلال الكرد فقط، وقال: "انا ضد التقسيم، لكن المخطط مستمر بالتقسيم منذ عام 1952، ولكن الرأي الواقعي هو أن العراق في الطريق الى التقسيم ولكن بالاكراه".

وتابع: "السياسيون هم اصل البلاء في التقسيم إن وقع، والغريب أنهم على الشاشات، يرفضون تقسيم العراق، لكنهم على الأرض يقسّمونه ويقدّمونه على طبق من دماء الشعب العراقي، وبصريح العبارة، اقول لك لو أن الاكراد يقيمون دولتهم لما حدثت مشاكل بين العرب، لكن الاكراد يؤججونها لمصلحتهم، وانا مع تقرير المصير للاكراد".

السياسيون يريدون ذلك

ويؤكد جمال عميد، وهو كردي، أنه ضد التقسيم لانه يحب العراق.

وقال: "غالبية الشعب الكردي لا تريد الانفصال عن العراق، هذه هي الحقيقة، لكنّ السياسيين يريدون الانفصال لمصالحهم الخاصة أو للضغط من اجل مكاسب من الحكومة العراقية".

يضيف: "انا اعيش في بغداد ولن افكر في تركها، واذا حصل الانفصال فسوف يطردنا العرب وسوف تحدث مشاكل كثيرة وربما نهاجر الى الخارج".

مشروع الحلم الكردي

الى ذلك، يؤكد الكاتب عدنان الفضلي أن الموقف الكردي واضح في مشروع التقسيم لاعلان دولتهم.

ويتابع: "المنطق يقول، ان الصراع في العراق هو صراع مذهبي أشعلت نيرانه الاجندات الخارجية، وتغذّى من مطامع الساسة الذين يتصارعون على المناصب والمكاسب، وهنا لست مستثنياً لطرف ما، فجميع الكتل السياسية أسهمت وبشكل متباين في تحويل العراق الى اقطاعيات تتبع كتلهم وأحزابهم، وبالتالي كانوا يقولون للجميع إن العراق ليس اولاً في شعاراتهم، بل أن المذهب والمكاسب والمناصب هي اولوياتهم، وهذا الواقع تجسد مرتين، المرة الاولى في احداث  العنف الطائفي، حيث اشتعل العراق عام 2006، بعد تفجير المرقدين العسكريين في سامراء، والثانية بعد اجتياح القوات الامنية لخيام المعتصمين في الانبار، وهي الشرارة الاولى لدخول داعش كطرف في القتال داخل العراق، حين وللاسف الشديد ذهب كثير من الساسة السنة الى احضان الارهاب والارهابيين، مما مكن هذا التنظيم من التوغل في الاراضي العراقية".

يضيف: "المنطق يقول ايضاً إن الكرد كانوا المستفيد الاول من الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة، حيث خلت الساحة لهم ليطلقوا مشروع الحلم الكردي في تأسيس واعلان الدولة الكردية، فالكرد اعلنوها وبصراحة أنهم مع تقسيم العراق، وأن دولتهم الكردية جاهزة للاعلان، وبالتالي يكون الموقف الكردي واضحاً في مشروع التقسيم، على عكس الشيعة والسنة، الذين تتباين مواقفهم من قضية التقسيم، رغم الدعوات المتكررة لتقسيم العراق الى اقاليم، شيعية وسنية وكردية، فالسنة طالبوا باقليمهم السني، والشيعة كانت لهم مطالبات متكررة باقليم شيعي بسبع محافظات، أو من خلال الدعوة القائمة اليوم الى اعلان اقليم البصرة، وهذه الدعوات هي من ضمن اجندات التقسيم اصلاً، كون العراق سيضعف تدريجياً، وبالتالي يمكن ان ينفذ المشروع الاميركي بناء على الدعوات العراقية".

ويتابع: "اعتقد أن علينا أن لا نلوم الاميركيين ابداً، فهم يعلمون أننا منقسمون اصلاً، ومقسمون وفق مذاهبنا وقومياتنا، واحزابنا، وكل ما فعلوه أنهم ابلغونا باستعدادهم لمساعدتنا في مشروع التقسيم، الذي نتبناه نحن العراقيين، وليس غيرنا، فنحن من ترك العراق للغرباء وصرنا في عراك مستمر من اجل تحقيق المصالح الخاصة والشخصية عبر ساسة خدعونا مراراً، ولم نتعظ ابداً من كل تجاربنا مع العملية السياسية التي تدار وفق محاصصة مقيتة تنتمي اصلاً للتقسيم ايضاً".

اليأس يدفعهم للقبول بالتقسيم

يقول الصحافي هادي جلو مرعي، مدير المرصد العراقي للحريات الصحفية: "يرد الناس بإنفعال واضح عن سؤال التقسيم: ولِمَ لا .. مادام الآخر لايرغب في شراكتي، لكن حتى نوع الشراكة غير واضح، دعونا من الأكراد هذه اللحظة، ولنتحدث عن بغداد، وعن السنة والشيعة. السنة الذين حكموا لمئات من السنين، وكانوا قادة الخلافة الإسلامية، التي عاصمتها بغداد، وحكموا منها نصف العالم القديم، يبدو أنهم لا يستطيعون التعاطي مع أسلوب حكم لا يتناسب ورؤيتهم الدينية والقومية، فهم يشعرون أن الأمور تذهب على الدوام بإتجاه إيران الفارسية الشيعية، هم لم يتعودوا التعاطي مع النموذج الديني للشيعة، ولا مع البعد القومي في العلاقة بين العرب والفرس، وكانت المشاكل القومية سابقة للدين حتى في أيام تسنن إيران، وقبل أن تعلن تشيعها الرسمي منذ بضعة قرون، وليس أبعد من ذلك".

يضيف: "صحيح أن إجراءات صدام حسين كانت قاسية، ولكن يبدو أن الفكر الشيعي سواء على مستوى القبيلة، أو على مستوى الحياة الحضرية كان له تأثير مختلف، فنسبة الولادات كانت مرتفعة جدًا أخذ الناس يعوضون القتلى من أبنائهم في الحروب العبثية بمزيد من الأعراس والزيجات، دخل العراق حربه مع إيران بثلاثة عشر مليون إنسان، وخرج منها بثمانية عشر مليونًا، لكن هذا الرقم تصاعد بشكل مخيف خلال سنوات التسعينيات، وبعد سقوط صدام، وعدد سكان العراق قد يصل الأربعين مليونًا، بينما بغداد تكاد تكون مدينة شيعية بالكامل. وقد فسر العديد من سكانها تصريحات بعض مشايخ السنة وسياسييهم عندما هتف البعض منهم بعبارة ( قادمون يا بغداد) على إنها محاولة لتأطير رغبة بإستعادة مدينة مغتصبة، وهذا ما أشار إليه الدكتور عدنان الدليمي، أحد القادة المبرزين قبل سنوات في مؤتمر عقد في تركيا، إن بغداد محتلة من الفرس، ويجب تحريرها، بالطبع المقصود من العبارة ليس الفرس على وجه الحقيقة، بل المجاز الذي يعني وجود كثافة سكانية شيعية وطبقة سياسية، ومثلها طبقة تجار تمتلك الثروة والنفوذ، وهي فئات وطبقات حليفة لإيران".

وختم بالقول: "يأس السنة يدفعهم للقبول بالتقسيم، بينما الكرد الذين لا يعبأون بما يجري كثيرًا يركزون على الناحية الأهم في الصراع، وهي بناء الدولة الكردية الموعودة، فالتقسيم لديهم هو الحل".

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1391 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع