في معرض بغداد الدولي الثالث للكتاب: لهيب أسعار الكتب سببته السياسة واحتراق المنطقة العربية

           

بغداد ـ «القدس العربي»: لم يتوقع كثيرون أن يقام معرض دولي للكتاب في بغداد في مثل هذه الأيام التي يمر بها العراق، فالاحتمالات كانت متواترة حول عدم إمكانية دور النشر العربية من المجيء إلى مكان خطر مثل العراق، الذي تدور فيه معارك في جهات عدَّة.

هذا الأمر هو ما دفع دار الشؤون الثقافية التابعة لوزارة الثقافة العراقية للإعلان عن عدم إقامة معرض بغداد للكتاب، الذي يأتي مع نهاية شهر أبريل/ نيسان من كل عام، وهو الأمر الذي أدى إلى تأجيل المعرض السنوي لدار العارف للمطبوعات لتأخير معرضها الذي يقام في شهر كانون الأول/ ديسمبر أيضاً.
لكن دار العارف، على الرغم من تأخر معرضها، قررت أن تقيمه للسنة الثالثة على التوالي في الموعد المقرر لمعرض دار الشؤون الثقافية، للمدة من 16 إلى 26 من هذا الشهر، «فليس من المعقول أن تمر سنة ونصف السنة من دون أن يكون هناك معرض دولي للكتاب في بغداد، حتى لو كانت الظروف غير مؤاتية.. الكتاب يتقدم وتصدر مطبوعات جديدة كل دقيقة واحدة، ونحن ننظر إلى العالم من فتحة صغيرة في حائط يتهدم كل يوم»، حسبما صرح لنا صاحب دار العارف هاشم الزكي.

أكثر من 200 دار نشر

الدورة الثالثة لمعرض دار العارف جاءت بعناوين تجاوزت الـ100 ألف عنوان، بمشاركة 120 داراً أصيلة، وأكثر من 80 داراً بالوكالة، إذ وصلت دور من بيروت ودمشق وطهران والجزائر ومصر، إضافة إلى المشاركة الأولى لدار الجندي التي جاءت من قلب القدس، والدور العراقية التي تزايدت بشكل مطرد خلال السنوات الماضية، وقدمت عناوين مهمة خلال شهور قليلة، مثل دار ومكتبة عدنان ودار ميزوبوتاميا وغيرهما الكثير. المعرض ضمَّ عناوين متنوعة، منها الأدبية والفكرية والثقافية والقانونية والفنية والطبية والهندسية وغيرها الكثير من العلوم والفنون.
المعرض كان يمتد على مساحة كبيرة في قاعة ضمن أرض معرض بغداد الدولي، غير أن هناك الكثير من الأجنحة كانت فارغة ولم تشغلها أي دار، فضلاً عن أجنحة لم يكن فيها أي كتاب، بل فريمات لصور فارغة وعسل، إضافة إلى فنيات لا علاقة لها بما أقيم المعرض من أجله. هاشم الزكي أقرَّ بذلك، مبيناً أن هناك جناحاً حجزته دار الأزياء العراقية، وبعض الشركات التي أرادت أن تقدم دعايتها ضمن الفعاليات، «لكن هناك رأيا يقول إن معرض الكتاب هو كرنفال للفرح، فإذا صاحبته فعاليات ترفيهية فلا بأس بذلك، وهناك رأي يقول إن المعرض يجب أن يضم كل البضائع، أو دعاية لشركة أو مؤسسة»، إضافة لهذا لوحظ أن أكثر من نصف الأجنحة كانت مخصصة للكتب الدينية، فضلاً عن جناح خاص لمطبوعات ومجلات وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري كانت توزع مجاناً، على الرغم من الطباعة الفاخرة لهذه الكتب، فضلاً عن أجنحة خاصة لبعض المراجع الدينية، يعرضون فيها فتاوى هذه المراجع وكتبهم الفقهية والدعائية، غير أن الزكي أكد أن إدارة المعرض اتصلت بجميع دور النشر المرموقة، لكن عدم مجيئهم هو بسبب الوضع الأمني، و»لا يمكن أن ننكر هذا، وهو ما سبب عدم مجيء بعض الدور المهمة، مثل دار الساقي التي شاركت في أربيل ولم تشارك في بغداد، ومع ذلك أرسلوا كتبهم وكالة لكنهم لم يحضروا». كما لوحظ في المعرض تخصيص أجنحة لمكتبات لها فروع ببغداد عموماً، وشارع المتنبي على وجه الخصوص، تشتري الكتب من دور النشر وتقوم ببيعها كتجار وليسوا ناشرين، وهذا ما أشار إليه الزكي، غير أنه بيَّن أنهم قدموا أوراقهم لحجز أجنحة كدور نشر وليس كمكتبات، إلا أن الأمر لم يكن بهذا السوء الذي تحدث عنها بعض رواد المعرض.

ناشرون ومعاناة

صاحب دار التكوين بدمشق؛ خالد محمود أمين، دمشق، أشار إلى أن الظروف السياسية والمناخية اتحدت لمعاكسة دور النشر السورية في طريقها من دمشق إلى بغداد، فعبروا طرقاً من الثلج والمسالك الوعرة باتجاه بيروت أولاً، ومن ثمَّ وصولاً إلى بغداد كمرحلة ثانية.
وأكد أمين أن موضوع الكتاب شمل كثيراً من الدول، والمشاكل التي تعاني منها كثيرة جداً، منها موافقات نقل الكتب، وآليات الشحن، والفيزا، في الوقت الذي لم تكن هناك أي موانع بين بغداد ودمشق، فسيارة أجرة تخرج من دمشق تصل إلى بغداد بعد أقل من أربع ساعات، غير أنهم الآن يتنقلون بين ثلاثة مطارات ليصلوا إلى أربيل أو بغداد. «حركتنا كانت بطيئة جداً، انطلقنا من دمشق إلى بيروت ومن ثمَّ إلى بغداد.. وكانت الحدود اللبنانية قاسية معنا جداً، فالشرطة الموجودون هناك يعتمدون على شكل المسافر، فإذا أعجبه شكلك أدخلك، وإذا لم يعجبه لا يدخلك مهما قدمت له من وثائق. أما الكتب فقد وصلت عبر شركات شحن لبنانية إلى بغداد، لكن مأساتنا أن الكتب التي تخرج من الشام إلى بغداد لا نستطيع أن نعيد المرتجع منها، فإما أن نبيعها كلها، أو نتركها في الشارع».
دار التكوين تشارك كل عام في معارض بغداد للكتاب، وبيّن أمين أن معرض دار العارف في تطور مع كل عام، «نلاحظ ذلك في تجهيز المعرض وفي آليات تنظيمه، لكن هذه الآلية بحاجة لدقة أكثر، فهناك نواقص كثيرة، على سبيل المثال لا توجد استعلامات في المعرض، ولا يوجد جرد أو إحصائية لعدد الكتب الموجودة في أروقة المعرض، فعلى إدارة المعرض توفير كمبيوترات في زوايا المعرض لكي يتمكن الباحث من إيجاد الكتاب الذي يريده وتعريفه باسم الدار ورقم الجناح الذي يوجد فيه هذا الكتاب، علماً بأن الكثير من الأجنحة لا تحمل رقم الجناح ولا اسم دور النشر… والمسألة الأخرى موضوع الدعاية التي تعد أساسية، فلم أر أي لافتة تشير للمعرض في أماكن مهمة… إضافة إلى دعوة المؤسسات الحكومية والجامعات التي تعد الداعم الأكبر لأي معرض، من خلال الطلبيات التي تقدمها لشراء الكتب، فعلى الجهات المختصة توجيه هذه المؤسسات المعنية بالعلم والمعرفة للإقبال على المعرض، وترتيب سفرات للمدارس والمعاهد والكليات لزيارة المعرض واقتناء مع تحتاج تلك المؤسسات».
أما بخصوص الدور المشاركة؛ فيرى أمين أن هناك تراجعاً واضحاً في بعض الدور المشاركة نسبة للعام الماضي، وذلك لأسباب أمنية، فهناك أجنحة كثيرة في المعرض فارغة حتى الآن ولم تشغلها أي دار معروفة. وكانت الأسباب واضحة، منها صعوبات الشحن لبغداد بسبب أوضاع المنطقة عموماً، والوضع الأمني في بغداد والعراق، وكان يجب أن تكون حركة الكتب في بغداد أفضل بكثير مما نراه الآن.
الشكاوى التي تحدث بها أمين كثيرة، لكن الأهم من هذا محاربة الدول العربية عموماً للكتاب، «الكتاب محارب عربياً وهذا واضح تماماً، في هذا المعرض كان سعر المتر المربع الواحد 70 دولاراً، وبعض الدول تفرض أكثر من 120 إلى 150 دولاراً للمتر، إضافة إلى مبالغ حوامل الكتب «الاستاندات»، وهذا ما يفرض علينا تحميل سعر الكتاب لكي لا تخسر الدار، وهذا يأتي سلباً على القارئ الذي غالباً ما يكون دخله محدوداً، وكان يجب أن يكون الكتاب في متناول يد القارئ بأرخص الأسعار، بمعنى أننا يجب ألا نحمل الكتاب أكثر من 20 إلى 30 في المئة من سعر تكلفة الكتاب، ولكي نقوم بهذه الخطوة يجب تخفيض سعر الأرضيات المؤجرة وسعر الستاندات والإقامة والنقل والشحن والطيران. لهذا نضطر إلى الموافقة وعدم رفع دعاوى على قرصنة الكتاب لأن القارئ يريد الكتاب بأي شكل وبأي ثمن كان».
شركة المطبوعات للتوزيع والنشر من أوائل دور النشر في بيروت، إذ تأسست الدار عام 1967، وتعنى بشتى المواضيع، منها الكتب السياسية والأدبية والتاريخ والاستشراق، حسبما تحدث به مبعوث الدار حسن كمال، الذي أضاف أن مشاركتنا في معرض بغداد لم تنقطع، و»كنا نشارك بأي نشاط ثقافي فيها، وانطباعاتنا مثل ما هي، القارئ العراقي مميز وجيد، لكن تنقصه القدرة الشرائية، لذا نحاول قدر المستطاع أن نقدم له حسومات كبيرة لكي يتمكن من اقتناء الكتب التي يحتاجها، لكي نستطيع أن نوصل له الكتاب بطبعته الأصلية والرسمية، على الرغم من وجود الكتب المزورة والمستنسخة، وهذا ما يجعل الكثير من دور النشر تمتنع عن الحضور إلى بغداد بسبب التزوير الذي يقوم به البعض».
وفي ما إذا كان هناك فرق بين المعرض المعارض السابق والمعرض الحالي، بيَّن كمال أنهم لم يكونوا يتوقعون أن يقام معرض في بغداد في الظروف الحالية، فالكثير من المعارض المهمة ألغيت بسبب الأوضاع الشائكة في المنطقة.
أما المعاناة التي تسهم في عدم إنجاح أي فعالية، فيقول كمال إنهم يتوقعون كل سنة أن يجدوا مساعدة من إدارة المعرض أو أي جهة رسمية تتبنى أجور الستاندات على سبيل المثال، فالمصروفات عالية نتيجة الحسومات التي يعطونها، في بعض المعارض يتجاوز سعر المتر 100 دولار، «لكننا حينها نبيع من دون أي حسومات، غير أننا في بغداد يجب أن نقدم حسومات نسبة للقدرة الشرائية للمواطن العراقي، لهذا كان يجب أن تكون أسعار الأجنحة شبه رمزية، خصوصاً بوجود شارع المتنبي والكتب المستنسخة التي تملأه».
كما شارك في هذا المعرض؛ وللمرة الثالثة، مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية وهيئة أبو ظبي، وهذه المشاركة مهمة، حسب رأي محمد هاشم وكيل هذه الدور الإماراتية، «لأننا نتعرف على القراء عن قرب، والقراء أيضاً يعرفون دورنا ومطبوعاتنا، فلا يستطيع الجميع الوصول إلى كتبنا، كما أن الدور التي لدينا مهمة، إضافة إلى أن أغلبية الدور الخليجية ليس لها وكلاء في بغداد».
وكشف هاشم أن حجم الإقبال متوسط، غير أنهم متفائلون في الأيام المقبلة. الكتب التي يعرضها هاشم كانت أسعارها مرتفعة جداً، وربما لا يستطيع القارئ العراقي دفع مبالغها، غير أن هاشم يؤكد أنهم لم يتلاعبوا بالأسعار المفروضة عليهم، «نبيع على قوائم هيئة أبو ظبي ومركز الإمارات ولا نتلاعب بالأسعار، فضلاً عن أننا لا نستطيع إعطاء تخفيض على الأسعار بسبب ارتفاع تكاليف المشاركة، على سبيل المثال معرض دار الشؤون الثقافية قبل عامين أخذوا بدل إيجار على المتر المربع الواحد 15 ألف دينار عراقي فقط [أي بحدود 12 دولاراً]، لكن في هذا المعرض كان سعر المتر 70 دولاراً»، وأكد هاشم أنهم لم يربحوا قطّ في معرض العام الماضي، «تمكنا فقط من تغطية النفقات، لكننا يجب أن نكرر المشاركة لأن علينا ألا نتوقف، كما أننا يجب أن نحصل على سيولة مادية من أجل الاستمرار».
المعرض كان حافلاً بالفعاليات التي رافقت دور النشر، فقد افتتحت هذه الفعاليات بمسرحية أقيمت تضامناً مع الحشد الشعبي في وسط المعرض، كما أن هناك معرضاً للصور الفوتوغرافية وعرضاً لدار الأزياء العراقية.

صفاء ذياب

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

782 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع