العراق ثاني أسوأ بلد عربي تعيش فيه المرأة!
حسين عمران:قبل الدخول إلى تفاصيل هذا التحقيق الذي برزت فكرته من اعتراف زميلة تعرضت للتحرش حين كانت تجري لقاءً صحفياً مع مدير عام إحدى المؤسسات الحكومية حيث قام الرجل في منتصف اللقاء الصحفي بمفاجأتها بضرورة الاكتفاء بهذا القدر من اللقاء داعياً إياها لاستئنافه مساءً في مكتبه، لم يشعر بأي حرج وهو يناولها " كارت " صغيراً كتب عليه بخط ذهبي جميل عنوان ذلك "المكتب"!
نحن إذن نبحث عن ظاهرة التحرش الجنسي الذي تتعرض له المرأة بشكل عام سواء كانت موظفة أو عاملة في القطاع الخاص أو طالبة أو عابرة سبيل في الأسواق التجارية أو حتى " مراجعة " لإحدى دوائر الدولة حيث يتم التحرش بها قبل إكمال معاملاتها وخاصة في بعض المؤسسات مثل الرعاية الاجتماعية حيث تراجع الأرملة والمطلقة تلك الدوائر للحصول على راتب او إعانة اجتماعية لا تحصل عليها إلا بشق الأنفس أو دفع الرشا أو قبول صداقة أحد الموظفين لأجل إنجاز معاملتها بوقت طبيعي ومن دون ذلك فإن عليها الانتظار لشهور طوال وهي تراجع من دون جدوى !
سلوك عدواني
التحرش الجنسي كما يقول الدكتور أمجد هادي أستاذ الاجتماع في كلية الآداب هو "سلوك عدواني يصدر عن شخص بقصد الاعتداء على كرامة وحرية المرأة الضحية من دون رضاها مما يولد لديها مشاعر ارتباك أو انزعاج أو قرف يؤثر على أدائها في الدراسة والعمل ويشوش تفكيرها".
وهو يرى أن "أهم سبب لهذه الظاهرة هو النظرة الدونية للمرأة في مجتمعاتنا العربية - الإسلامية إذ ما زلنا نحمل عقلية وأفكاراً قديمة توارثناها وهي ايضا جزء من العادات والتقاليد البالية إضافة الى الاجتهادات الخاطئة حول ما قيل ويقال عن المرأة ودورها في المجتمع ونعرف جميعاً طبيعة النظرة الدونية للمرأة وتمسكنا ومباركتنا للمجتمع الذكوري الذي نعيش فيه ورفض أية مبادرة لتغيير هذا الواقع الذي يغتصب حقوق المرأة وبحجج واهية جداً لا تمت الى الحقيقة بصلة كالدين والأعراف والتقاليد ومما شجع ايضا على ذلك النظام العشائري المعمول به في العراق والمؤلم أن هذا يشمل أيضاً طبقة المثقفين.
وبما أن الفكرة انبثقت من اعتراف إحدى الزميلات الإعلاميات بتعرضها للتحرش الجنسي كان لابـدَّ من البحث عن هذه الظاهرة في وسط الإعلاميات والصحفيات حيث تمثلت المفاجأة بأن الصحفيات العراقيات أكثر عرضة للتحرش الجنسي بين النساء العاملات، وبرغم ان الكثير منهن يحجمن عن البوح عن تعرضهن للتحرش خلال عملهن الصحفي إلا أن الدكتور أمجد قال إن الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين كانت قد نظمت ندوة عن ظاهرة التحرش بالصحفيات حيث تبين أن الصحفيات يتعرضن للتحرش مرتين، الأولى داخل مؤسستها الإعلامية والأخرى من المسؤولين الذين تلتقي معهم لإجراء حوار او لقاء صحفي، لكن منتدى الإعلاميات العراقيات كان اكثر جرأة حين ناقش هذه الظاهرة من خلال استبيان أجراه وتبين بنتيجته أن 68% من بين 200 صحفية تعرضن للتحرش و42% من هؤلاء الصحفيات واصلن العمل في حين 45% منهن تركن العمل بعد تعرضهن للتحرش، لكن النتيجة الأصعب في هذا الاستبيان هو ان 13% من هؤلاء الصحفيات ُطرِدن من العمل بحجج ضعيفة في حين ان السبب الحقيقي لطردهن هو عدم رضوخهن لرغبات مسؤولها !
شكاوى متعلقة بالتحرش
هنا كان لابـدَّ أن نتساءل عن دور الجهات المسؤولة للحــد من هذه الظاهرة؟ لم يستمر البحث طويلا إذ أن وزارة الدولة لشؤون المرأة كانت قد شخَّصت ظاهرة التحرش الجنسي بالمرأة إلا ان ضعف القوانين حال دون مكافحتها وإيقافها، وفي هذا الصدد قالت وزيرة الدولة لشؤون المرأة: إن الوزارة تتلقى الكثير من الشكاوى المتعلقة بالتحرش الجنسي بالنساء وخاصة المطلقات والأرامل، مشيرة الى تعرض هؤلاء النساء الى المساومة لقاء حصولهن على فرصة عمل او لإنجاز معاملة لهن في هذه المؤسسة او تلك .
وقبل ان يندهش بعضكم من هذه المعلومات ومن الأرقام التي تشير الى زيادة هذه الظاهرة علينا القول إن الدهشة ستصيب الجميع حين يعرفون أن مؤسسة تومسن رويترز الخيرية كانت اعتبرت العراق خلال العام الماضي بأنه ثاني أسوأ مكان في العالم العربي يمكن ان تعيش فيه المرأة، وطبعاً المكان الأول احتلته مصر حيث تنتشر ظاهرة التحرش الجنسي بالنساء بشكل اكبر وأوسع مما يحصل في العراق .
مَن هم المتحرشون؟
لكن .... مَن هم " المتحرشون "؟ سؤال ربما تكون إجابته صادمة حيث تشير المعلومات الى ان اغلب الرجال الكبار في السن هم من " المتحرشين " إلا أن اغلب الدراسات التي اُجريت أكدت ان اغلب " المتحرشين " بالنساء هم من ذوي المناصب الأعلى والأرفع في السُلـَّم الوظيفي، من أصغر مسؤول وصولا الى المدير العام، إذ أجرت منظمة بوينت المتخصصة باستطلاعات الرأي والدراسات الستراتيجية استطلاعاً شمل خمس مدن عراقية أظهر ان ً73% من المشاركات وعددهن (500) امرأة من جميع الأعمار تعرضن فعلاً إلى التحرش الجنسي ضمن نطاق وظائفهن، وأشارت النتائج الى نحو 75% من اللواتي تعرضن للتحرش لم يخبرن أحداً عن تعرضهن له، لكن المتعرضات يواجهن المتحرش بنسبة 68% وان 58% لا يهتمن للتحرش، الأدهى من ذلك ان 85.1 في المائة من المشاركات يعتقدن بأن القانون لن ينصفهن بينما يُسبب لهن الفضيحة اذا قدمن شكوى، غير أن اغرب ما أظهرته الدراسة هو أن الموظفات يتعرضن للتحرش من ذوي المناصب العليا، وان 69% يتعرضن للتحرش والابتزاز الجنسي حين يأتي وقت السلـَّم الوظيفي للترفيع او حين يكون هناك إيفاد الى الخارج او دعوة لحضور مؤتمر في هذه الدولة او تلك .
عواقب وخيمة
وإذا كان الحال كذلك في مؤسسات الدولة ، فماذا عن التحرش بالنساء خارج تلك المؤسسات ؟
يُجيب على التساؤل الدكتور هاشم سلمان أستاذ علم النفس في كلية التربية قائلاً "ان التحرش الجنسي بات من الظواهر الاجتماعية السلبية المتفاقمة في المجتمع العراقي ذات العواقب الوخيمة على الضحايا نساءً كانوا أم أطفالا بسبب قصور القوانين او عدم تفعيلها. وسيادة تقاليد اجتماعية موروثة تلقي اللوم في اغلب الاحيان على المرأة عند حدوث أية حالة تحرش.
واضاف "تتضح صور التحرش الجنسي بصورة جلية في المتنزهات والأسواق والشوارع حيث يتواجد الشباب وهم الفئة الأكثر تحرشاً في هذه الأماكن، إذ أنه في الأماكن التي يزدحم فيها الناس يتعدى التحرش بالعبارات اللفظية الى اللمس حيث أن المرأة التي تتعرض الى التحرش باللمس تحاول الابتعاد عن المتحرش قدر المستطاع وتجنبه لكن بعض المتحرشين يمعنَّ بالتحرش بلمس المناطق الحساسة وسط زحمة الناس ويهرب بسهولة قبل رصده، وهنالك حالات يتم كشف المتحرش ومعرفته وتحدث مشاكل خاصة اذا كانت المرأة بصحبة زوجها او أخيها، كما ان المتنزهات اماكن جاذبة للشباب المنحرف يتصيدون الفتيات!
ويشدد الدكتور هاشم على ان بعض النساء يتسببن بوقوع التحرش بسبب طريقة المكياج والملابس الصارخة والسلوكيات الخارجة عن حدود الكياسة والأدب مما يدفع الوحوش البشرية الى ملاحقة هذا النوع حيث تقع مشاكل كبيرة .
أسباب التحرش
كان لابدَّ بعد تعرفنا على ظاهرة التحرش الجنسي سواء في مؤسسات الدولة او في الشارع والأماكن العامة من البحث عن أسباب هذه الظاهرة، حيث يجيب عن تساؤلاتنا الباحث الاجتماعي عبد الوهاب محمد فيقول "هناك أسباب عــدة لهذا التحرش وهي ليست مقصورة على العراق، بل هي موجودة في كل دول العالم فاذا بحثنا عن اسباب التحرش نجد ان دافع الشباب وحياة المراهقين اضافة الى الانحراف الأخلاقي والانحراف والشذوذ الجنسي هي من الأسباب الشائعة لهذه الظاهرة الموجودة لدى الشباب بصورة كبيرة كنوع من الاعتقاد بالرجولة.
وأضاف "ان الانحراف الأخلاقي والشذوذ الجنسي أشد خطراً من بقية الأسباب ، ففي حالة الشباب نستطيع العلاج من خلال التربية والتهذيب لكن أصحاب الانحراف والشذوذ الجنسي هم الخطر الحقيقي لأنهم مرضى وقد تراهم أسوياء تعتقد أنهم أناس محترمون ذوو ثقة لتتفاجأ في لحظة ما بتحولهم إلى وحوش ضارية تفترس ضحاياها من دون أية رحمة او إنصاف .
عقوبات التحرش
ألا توجد عقوبات رادعة ضد ظاهرة التحرش للحد منها او التقليل منها على اقل تقدير؟
عن سؤالنا هذا أجاب القاضي عبد العزيز باسم في محكمة الكرخ فقال "تعد ظاهرة التحرش الجنسي في العراق جريمة مسكوت عنها بسبب الحياء والضوابط المجتمعية المتشددة التي تحاصر المرأة ، وهي ظاهرة لا تقل خطورتها عن الإرهاب حيث كشفت الوقائع أن التحرش الجنسي كظاهرة تفاقمت حدتها بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية ودخول التكنولوجيا الحديثة كالانترنيت والموبايل، فضلا عن قصور القوانين التي تحــد من الظاهرة ، كما ان دراستها في العراق تواجه صعوبات لعدم وجود إحصائيات لا سيما وأن معظم ضحايا التحرش لا يقدمن بلاغات للجهات الأمنية المعنية خوفاً من محاسبة المجتمع للضحية وليس المجرم ووصمها بالقصور والعــار!
وعن الوضع القانوني لقضية التحرش الجنسي قال القاضي عبد العزيز"يمكن ان نعرِّف ظاهرة التحرش الجنسي بأنها جريمة خدش الحياء من ذكر على أنثى تقع بالقول او الفعل او الإشارة من دون ان تصل حــد الملامسة الجسدية ،وهذا ما جاء في المادة 402 /1ب من قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969 اما اذا كان الفعل المادي المكون للجريمة يتعدى للملامسة الجسدية فيكون عند ذاك جريمة منصوص عليها في المادتين 396، 397 من القانون أعلاه، ومن هنا نعرف ان ظاهرة التحرش الجنسي من الظواهر الخطيرة التي تواجه المجتمعات كافة وهي مصدر قلق كبير لدى العديد من الدول لما تسببه من آثار وتداعيات اجتماعية عديدة".
وعن العقوبة القانونية للمتحرش يقول القاضي عبد العزيز "تم تشريع قوانين رادعة في بعض الدول العربية والأجنبية ، فمثلا في الولايات المتحدة الأمريكية يواجه المُتحرش جنسياً عقوبة تصل إلى السجن مدى الحياة وغرامة قدرها ربع مليون دولار، وفي المملكة العربية السعودية يعاقب المُتحرش بالسجن خمس سنوات وغرامة نصف مليون ريـال، ويحدد الحكم والعقوبة القاضي حسب تفاصيل القضية المعروضة ومجرياتها حسب القانون.
وفي فرنسا، صوتت الجمعية الوطنية على قانون جديد يتعلق بالتحرش الجنسي يتضمن فرض عقوبات أشــد على المدانين به، ويرفع النص الجديد عقوبات التحرش إلى سنتين و30 ألف يورو غرامة، مع إمكانية تشديد العقوبات في بعض الحالات، كأن يمارس التحرش الجنسي على شخص في وضعية حرجة، حيث ترفع العقوبة إلى ثلاث سنوات والغرامة إلى 45 ألف يورو. أما في العراق حيث نادرا ما تتقدم الفتاة بدعوى على شخص ما تدعي انه تحرش بها وذلك نظراً لطبيعة المجتمع الذي نعيش فيه حيث يُعيب على المرأة التقدم بمثل هذه الدعوى، ومع ذلك فان هناك قانوناً قديماً ما زال ساري المفعول حيث تشير المادة 402 الى تغريم المتحرش 75 دينارا فقط لإطلاق سراحه، وهذا يُعد قصوراً في القوانين"، داعياً الى ضرورة تشديد العقوبة على المتحرشين جنسياً .
يكمن الحل في التصدي لظاهرة معقدة كظاهرة التحرش بالنساء التي تتطلب جهوداً كبيرة ومركزة من قبل العديد من الجهات سواء كانت حكومية او غير حكومية أو سلطات موازية او الأسرة نفسها في موقف الدولة وهي صاحبة اليــد الطولى في هذا الأمر إذ يترتب عليها وضع السياسات والتشريعات الكفيلة بالوقوف في وجه الظاهرة والحــد من ازديادها وتشديد العقوبات ضد مرتكبيها إضافة الى تبني خطة طويلة المدى تستهدف تمكين النساء وبناء قدراتهن للدفاع عن أنفسهن تجاه هذه الظاهرة ، كما يجب عدم إغفال دور المؤسسات التربوية والتعليمية في التنبيه لهذه الظاهرة السلبية وتوجيه الجيل الجديد نحو فكر رافض للتجاوز على حرية الآخرين، أما بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني فيتمثل دورها بالتزام نهج يعنى بمكافحة الممارسات اللاأخلاقية ضد المرأة واعتبار أن ذلك يمثل أولوية رئيسة في ستراتيجياتها وبرامجها ومشروعاتها لذلك ينبغي أن تتركز جهودها على تشجيع المبادرات الطوعية الرامية الى معالجة الظاهرة والتنبيه إلى ضرورة وقوف المجتمع ضدها.
773 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع