موقفان متناقضان في حياة نوري السعيد ..!!

           

          موقفان متناقضان في حياة نوري السعيد...!!
                        بقلم:زهير خضير ياسين

          

أولا / موقفه ليلة وفاة الملك فيصل الاول

في الاول من ايلول عام 1933 وصل الملك فيصل الاول الى مدينة برن في سويسرا لغرض الاستشفاء السنوي وكان بمعيته وفد ضم فيما ضم الملك علي ونوري السعيد ورستم حيدر وتحسين قدري وفي الساعة 11،45 من مساء وم الخميس 7 ايلول توفي الملك فيصل الاول وقد اعلنت الحكومة العراقية نبأ نعيه بيان صدر في 8 ايلول جاء فيه :

  

فجعت الامة عند منتصف ليلة الجمعة بوفاة سيدها وباني مجدها جلالة الملك فيصل الاول وذلك نتيجة نوبة قلبية وشاءت الاقدار الالهية ان تحرم البلاد في اشد ساعاتها من قيادة مؤسس الدولة وزعيمها المحبوب كان الله في عون الجميع على هذا المصاب الجلل سيعلن الحداد والتتويج ببيان اخر..

واذ تثير حادثة الوفاة العديد من التساؤلات وتحيطها الشكوك فان اصابع الاتهام توجه لعدة جهات كانت وراء مقتل فيصل الاول ومنها نوري السعيد الذي كانت علاقته جيدة بالملك حتى تشكيلة اول وزارة عام 1930 بعدها اخذ يتصرف من مركز قوة وهذا ما كان يثير فيصل الاول وينظر اليه بحذر وترقب وقد تفجر الصراع بينهما بسبب قضية تتعلق  باضراب عام 1931 حين كان مزاحم الباجه جي وكيلا لرئيس الوزراء نوري السعيد الذي كان خارج العراق ا كان الباجه جي قد اقدم على اتخاذ تدابير قسرية ادت الى توجيه انتقادات ضده في الوقت الذي التزمه وسانده نوري السعيد عند عودته مما ادى الى اصطدامه مع الملك الذي عارض اجراءات الباجه جي.
نعود الى موقف نوري السعيد ليلة وفاة الملك فيصل الاول كما يرويها موسى محمود الشابندر الذي سبق ان شغل منصب وزير الخارجية وكان من ضمن اعضاء الوفد المرافق للملك فبعد وصولهم (برن) حل الملك وحاشيته في فندق (بللفو) وقبل وفاته بيوم واحد وبعد العشاء كان الجميع مجتمعين حسب العادة في بهو الفندق وكان الملك علي يتحدث مع  الامير شكيب ارسلان في احدى زوايا البهو في الوقت الذي انشغل فيه الملك فيصل الاول وعادل ارسلان في حديث عميق اما بقية اعضاء الحاشية فقد كانوا منشغلين بمتابعة مباراة بكرة المنضدة بين سيدة انكليزية واحد رجال الوفد وفي هذه اللحظة نادى الملك فيصل على موسى الشابندر وقال له تعال يا ابا شرارة قل الحق من اكبر انا ام عادل وقبل ان يرد الشابندر واصل الملك كلامه عادل كان مبوعوثا عندما كنت انا لم ازل ادرس في استنبول قل بالله عليك يا ابا شرارة من الاكبر هو ام انا؟ وبالفطنة والذكاء الذي عرف بها الشابندر اجاب(جلالتك اكبر وان كان الامير عادل قد ولد قبلك) وهنا ادرك فيصل نباهةالشابندر وحسن اجابته فضحك فرحا كالطفل.
وبعد ان انفض الجميع واوى كل الى غرفته في الفندق حدث ما لم يكن يخطر على بال احد . لقد مات الملك ويبدو ان هول الصدمة وعظيم المفاجاة لم تدع قدرا من الشجاعة لاحد ان يتحرك او يعمل شيئا باستثناء نوري السعيد الذي تذكر انه وزير الخارجية وعليه ان يقوم باتخاذ الاجراءات اللازمة في مثل هذه المناسبة مثل ارسال البرقيات الى بغداد والاتصال بالجهات الرسمية السويسرية لترتيب اجراء نقل الجثمان وكل هذه الامور تبدو طبيعية باستثناء مهمة واحدة اصر نوري السعيد على تنفيذها وهي ايفاد احد اعضاء الوفد المرافق الى دائرة المفوضية البريطانية لابلاغها وفاة الملك وكانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وقد اختير موسى محمود الشابندر لهذه المهمة ولم تفلح جهود البعض من اعضاء الوفد قناع نوري السعيد بتاجيل هذه المهمة الى الصباح ولم يكن هناك بد سوى تحرك الشابندر صوب دار المفوضية البريطانية وعند وصوله اليها ودق الباب وبعد انتظار طويل خرج رجل مخمور جهد الشابندر في افهامه طبيعة المهمة التي جاء بسببها في هذا الوقت المتاخر من الليل. ولم يدرك الرجل المهمة الا بعد جهد طويل واخبر الشابندر ان الوزير البريطاني في هذا الوقت يسكن فيلا خارج المدينة وانه بوضعه هذا لايستطيع اخباره باسم الشارع او رقم الدار  وانه يعرف فقط الطريق الموصل اليها ولم يكن بيد الشابندر من حل سوى السير في الطريق الذي اشار اليه الرجل المخمورفي محاولة لبلوغ سكن الوزير البريطاني وبعد طول عناء استطاع معرفة الفيلا وكانت الساعة الرابعة صباحا وحين قرع الباب اطلت امراة بملابس النوم من النافذة وسالت عن القادم وما هي حاجته وبلا مقدمات صاح الشابندر لقد مات الملك ...! وهنا صرخت المراة باعلى صوتها اواه ونزلت مهرولة وحدث هرج مرج في الدار حيث انيرت الاضواء وخرج من بها الى الخارج ولما اخبرهم الشابندر ان المقصود هو الملك فيصل الاول قالت المراة (اسفة كنت اظنه جورج الخامس)وبعدها قابل الشابندر الوزير البريطاني واعتذر له عن الازعاج الذي سببه في مثل هذه الساعة المتاخرة من الليل وابلغه ان ذلك كان مصدره اصرار نوري السعيد على ضرورة ابلاغه خبر وفاة فيصل الاول ورجع الشابندر الى الفندق وهو لا يدري ما وراء هذه المهمة الغامضة التي اصر على القيام بها نوري السعيد.
ومن جهة اخرى يذكر تقرير المفوض البريطاني في برن بان جثة الملك فيصل قد حنطت بسرعة مريبة وعند ملاحظة موقف نوري السعيد نجد انه كان قد اصر على تحنط الجثة حالا وتنقل الى العراق برفقة الملك علي وكان السعيد قد استفسر من الوكيل المفوض البريطاني في برن فيما اذا كانت السفن الحربية البريطانية جاهزة لنقل الجثمان الى مصر او فلسطين وان لم يكن بالامكان ذلك فان نوري مستعد لاتخاذ ما يلزم من الاجراءات لنقل الجثمان ليلة الحادث على ظهر سفينة تجارية ويبدو ان اصرار السعيد على تحنيط الجثة بسرعة ونقلها كانت في محاولة منه لاخفاء شئ ما يمكن ان يوضحه اي فحص طبي للجثة لاسيما وان العديد من الشكوك كانت ولا زالت مثارة حول وفاة فيصل الاول وانه قد قتل مسموما وان احد مدبري حادث القتل هو نوري السعيد.

   

ثانيا / موقفه ليلة 13/14 تموز 1958
كان نوري السعيد بصورة خاصة وبقية اركان النظام الملكي بصفة عامة قد وقفوا على جملة معلومات استخباراتية وامنية من داخل العراق وخارجه عن تحركات الضباط الاحرار واحتمال قيام ثورة في البلاد وقد قابل نوري السعيد جميع هذه المعلومات الامنية بعدم الاهتمام..

     

وحتى عندما اراد عبد الاله التاكد منها او اجراء تحقيق بشانها نجد ان نوري السعيد يقف حائلا دون تحقيق هذه المهمة وهذه الحالة تعود الى الثقة المطلقة في نفس السعيد في اجهزة الدولة المدنية والعسكرية وعدم شكه في ولائها للنظام من ناحية اضافة الى الخطة المحكمة التي كان يتحرك بها تنظيم الضباط الاحرار والتي لم تكن تثير اي مجال في حركتهم .

      

ففي يوم الاحد 13 تموز 1958 عاد نوري السعيد الى منزله واوى الى فراشه مبكرا اذ كان عليه ان  يكون صباح اليوم التالي الاثنين 14 تموز 1958 المطار لمصاحبة الملك فيصل الثاني في سفرته الى تركيا لحضور اجتماع حلف بغداد . ونام مطمئنا على الرغم من علمه ان اللوائين 19 و20 سيمران ببغداد في طريق حركتهما الى الاردن ويبدو ان الساعات القليلة من ليلة 13/14 تموز 1958 وبالذات حتى الساعة 5.30 من صباح يوم الاثنين 14 تموز 1958 حين طرقت الخبازة عمشة باب دار نوري السعيد لتخبره  بتقدم الجيش نحو قصره قد كانت حبلى بالاحداث التي طرق القسم منها مسامع نوري السعيد والخاصة بتحرك الجيش واحتمال قيام ثورة ولكنه اي نوري لم يتخذ اي جراء بصددها...

          

يقول توفيق السويدي في مذكراته بان احدهم ممن يثق بهم قال :

انه ذهب الى دار نوري السعيد في الساعة الحادية عشرة مساءا واخبره بان التدابير المعتادة في حالة تحرك القطعات العسكرية اي الانذار لم تتخذ بمناسبة تحرك اللوائين 19 و20 ، وقد اخذ نوري سماعة الهاتف

                      

واتصل برئيس الاركان رفيق عارف الذي اكد له سلامة الاجراءات العسكرية التي تم اتخاذها وطمان السعيد متمنيا ليلة هانئة لاسيما وانه على اهبة الاستعداد للسفر صباحا الى انقرة بمعية الملك وقد تبين فيما بعد بان امرا بالانذار العسكري لم يتخذ ليلة 13/14 تموز بمناسبة حركة اللوائين 19 و20 كما يقضي بذلك العرف العسكري .

من ناحية اخرى يؤكد (كاراكتا كرس) في كتابة(ثورة العراق) من انه قيل فيما بعد ان نوري قد حذر العائلة المالكة بصورة عامة من البقاء في القصر الملكي في الليل . عندما تمر القوات العسكرية بالمدينة ولكن هذه الرواية ان صحت فلا تعني شيئا اذ ان السعيد نفسه لم يتخذ الحيطة التي اشار اليها وظل في بيته الذي يبعد قليلا عن القصر باتجاه ضفة النهر . لقد كانت ثقة نوري لا حدود لها ولكن هذه الثقة غير المحدودة والمستندة الى تصورات خاطئة قادته فيما بعد الى حتفه.

                               
وفي جانب اخر ذكر بان مدير الامن العام تحدث اليه في الهاتف في المساء وفي الليل ليقول له ان هناك شيئا ما في حركات الجنود ولكن نوري تجاهل هذه التحذيرات وعندما تحدث هذا الرجل بالهاتف للمرة الثالثة ابلغ نوري ان القصر قد اصبح مطوقا وان صحت هذه الرواية فان مدير الامن العام قد برهن على عجزه اذ لم يحاول استنفار رجاله واعدادهم ولا اعتقد شخصيا بصحة هذه الروايات وانها  لا تعدو ان تكون من ضمن الروايات التي شاعت فيما بعد لان تحذير نوري السعيد للعائلة المالكة - فيما لو سلمنا بصحة الرواية- من البقاء بقصر الرحاب ليلة 14 تموز ما كان ليبرره الى سبب موضوعي وان كانت لدى السعيد مخاوف من تحرك اللوائين 19 و20 تلك الليلة فكان الاجدر به اصدار الاوامر اى السلطات المختصة لاتخاذ اللازم حسبما يقضي به العرف العسكري في مثل هذه الحالات. ان الدلائل التاريخيةعلى الرغم تجعلنا نقف عند استنتاج قد يكون بجانب الحقيقة هو ان موقف السعيد ليلة الثورة كان يبعث في نفسه الاحساس بهدوء الحالة في بغداد وانه تلقى بعض التحذيرات من هذه الجهة اوتلك بان ثمة شيئا غير عادي يجري الاعداد لتنفيذه هذه الليلة غير ان ثقته المطلقة باجهزة النظام جعلته اكثر اطمانانا بان دار السيد مامونة وان شيئا لا يمكن له ان يعكر صفو الامن والنظام وظل هذا الاطمئنان ملازما له وابعده عن شكوك المحذرين حتى الصباح حين باتت اصوات الرصاص تقترب من داره حينها اقر واقع ما يجري وعجل بالهرب فكانت نهايته يوم 15 تموز 1958  وبذلك طويت صفحة لاحد ابرز لشخصيات السياسية التي كان لها حضور فاعلاً في السياسية العراقية قبل 1958

              

 

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

939 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع