أُسرٌ لها تاريخ سلسلة من المقالات تكتبها جنان النعيمي و تتناول فيها لمحات من تاريخ العوائل العراقية العريقة التي ساهمت في صنع التاريخ الحديث وكان لها دور في بناء العراق ما قبل الأحتلال.
بقلم جنان النعيمي
متخصصة بالتاريخ والآثار
المقال الخامس: من الشخصيات العراقيه العريقه والتي غفل التاريخ عن ذكره وذكر انجازاته هو العقيد الركن عبد الجليل احمد العبيدي.
ولد في مدينة بغداد سنة ١٩٢٦. و هو ينتسب الى عشيرة العبيد الساكنه في منطقة الحويجه .
ادخل في طفولته كتاتيب الاطفال وختم القرأن وهو في سن العاشره من عمره. وبعدها ادخل المدرسه الابتدائيه الاهليه سنة ١٩٣٦ وقبل في الصف الثاني واستمر في الدراسه حتى تخرج من الابتدائيه سنة ١٩٤٠. ثم المتوسطه الغربيه ثم الاعداديه المركزيه الفرع الادبي وتخرج منها سنة ١٩٤٥ثم دخل الكليه العسكريه وتخرج منها سنة ١٩٤٨ برتبة ملازم ثاني في الكتيبه السادسه الجبليه الفرقه الثانيه بمنصب امر فصيل الاول. وقد تدرج في الترفيعات حتى ترشح لدورة ضباط الكتائب في انكلتره وعاد الى بغداد والتحق في كتيبة مقاومة الطائرات.
في هذه الاثناء تم الاتصال به من قبل النقيب وكان يسمى آنئذٍ (الرئيس) كمال مصطفى القره غولي . وعرض عليه الانضمام الى حركة الضباط الاحرار وكان متهيأ لذلك نظراً للظروف العسيره التي كانت تمر بها البلاد. ونظمت خليه بهذا الخصوص وكان من بينهم الرئيس عبد الله السبتي وسليم الامام وعبد المهدي كاظم والمقدم الركن يونس عطا باش والرئيس الاول سليم احمد والمقدم الركن عزيز احمد شهاب والعقيد الركن سعيد الشيخ.
وحدثتني ابنه عن والدها قد ترك مخطوطة مذكرات عن مشاركته في الثورة ودوره ودوافعه الوطنية. ومن مذكراته املت عليّ ما يلي:
ان المرحوم عبد الجليل احمد يكتب:
(في اليوم الثاني عشر من تموز ١٩٥٨دعينا الى اجتماع في النادي العسكري باسم دعوة عشاء وجرى الاتفاق على التعارف بين الضباط الاحرارعلى شكل حوار كما يلي :هل أمنت على حياتك ؟
الجواب اذا كان من الضباط الاحرار يقول نعم
يسأل ثانيه اين امنت على حياتك ؟
الضابط الحر والذي منتمي يقول في الشركه الوطنيه
وبعدها يتصافح الاثنان ويجري التعاون فيما بينهم وكان المجتمعين الذين يذكرهم:
الشهيد ابراهيم جاسم التكريتي (كان في ذلك الوقت رئيس اول )اي الرتبه الحاليه رائد
المرحوم كمال مصطفى القره غولي برتبة \(رئيس) واليوم يقابلها نقيب
وانا كنت برتبة (رئيس) نقيب حاليا
وبعد الانتهاء من العشاء دخل النادي عبد السلام عارف وكان برتبة عقيد ركن ومعه عبد الكريم قاسم
وفي صباح ١٤تموز سيطر هؤلاء الضباط الاحرار مع اتباعهم على كافة المعسكرات ومنابع النفط والمطارات ومراقبة الضباط المناوئين للثوره
اما دوري في ثورة ١٤رمضان فقد كان استلام رعيل دبابات والتوجه الى دار الاذاعه مع بقية الاخوان وتم تنفيذ الخطه يوم ١٤رمضان صباحا في حوالي العاشره والنصف ونفذت الامر وبقي في الاذاعه حتى تولى وزارة الدفاع صالح مهدي عماش بعد ان اخرجناه من سجن رقم ١
واذيع البيان من دار الاذاعه وطلب من كافة الضباط الالتحاق الى دار الاذاعه ).
في عام ١٩٦٥ تمّ انتداب عبد الجليل احمد لمنصب مدير الامن العام في ٢٣/٩/١٩٦٥
قضى في هذا المنصب مده لاتتجاوز العشرة اشهر وهي فتره قصيره بالنسبه للمسؤوليه الكبيره ومن اهم الاعمال التي انجزها:
١)فتح دورات لضباط الامن لاكمال النقص البارز الذي كان موجودا انذاك
٢) انشاء شبكه لاسلكيه بين مدراء امن المحافظات ومديرية الامن العامه وبناء على ذلك تم الاتصال بموسى علي الطيار وكيل شركة تلفونكن الالمانيه وتزويد الامن العامه بأربعين سيارة مرسيدس فيها اجهزه لاسلكيه وتلفون لاسلكي وتم الاتفاق وبكلفة ١٣٠الف دينار
٣) تأسيس شعبه جديده اطلق عليها شعبة المخابرات تتصل مباشرة بمديرية الامن ومعمل صيانة الاجهزه وتدريب كادر خاص من الامن لتشغيل الاجهزه في المانيا على حساب الشركه وقد كلف هذا المشروع حوالي ١٣٨الف دينار عراقي
٤) تأسيس شعبة مخابرات لمكافحة المخابرات الاجنبيه وجمع المعلومات عن الدول المعاديه
5) وانجازات اخرى كثيره كمطاردة مهربي السلاح ومصادرة كميات كبيره وتجدون ملفات القضايا محفوظه في دائرة الامن
ويكتب ايضا في مذكراته:
"بعدها انتدبت للعمل في القصر الجمهوري كمستشار لشؤون الشمال بالنظر لاشتغالي في المنطقه مده طويله منذ تخرجي من الكليه العسكريه حتى بلغت رتبة عقيد ركن
وكان هذا الانتداب الاخير في عهد عبد الرحمن عارف الذي تسلم السلطه بعد اغتيال اخيه عبد السلام في حادثة الطائره المعروفه للجميع".
من القضايا التي يجب ذكرها ولايجب المرور عليها مرور الكرام هي انه في اثناء فتره انتدابه كمدير للامن العام هي قضية النزاع مع الملا مصطفى البرزاني في شمال العراق بشأن حقوق الأكراد ان الدولة كانت تحاول ايجاد سبيل للقضاء على النزاع المسلح الذي كان يهدف الى سفك الدماء وزرع الفتنه.
لذا حاولت الحكومة ايجاد نقاط ضوء وطنيه مواليه للعراق كوطن شامل للجميع. وكان من بين القادة الأكراد البارزين الحاج ابراهيم چرمگا (انتقل الى جوار ربه)الذي كان يرأس عشيرة اسماعيل عزيزي في منطقة قضاء دوكان في محافظة السليمانيه وكان من الرموز المقربين الى الملا مصطفى البارزاني وقد اتصل به عندما كان ضابط ركن الاول للفرقه الثانيه واستمرت علاقته به حتى بعد تسلمه منصب مدير الامن العام.
المرحوم مع أحد الشيوخ الكورد
والكلام على لسان المرحوم عبد الجليل احمد ومن مذكراته الخاصه التي اطلعتنا عليها ابنته وداد عبد الجليل:
" علمت من صدديقي الحاج ابراهيم چرمگا انه كان هناك خلاف بين ملا مصطفى وقد توسط جلال عند الحاج ابراهيم چرمگا للقاء الحكومة في بغداد. فعرضت الفكره على رئيس الجمهوريه فوافق ولذا فقد اخبرت الحاج چرمگا بالامر واخبر هو جلال طلباني بذلك .وحضر عن جلال الى بغداد حلمي شريف الذي يمثل صحافة حزب البارتي الكردستاني انذاك .
صورة نادرة مع جلال طالباني(يسار)
وبعد الاتفاق على البيان حضر جلال الطلباني لمقابلة رئيس الجمهوريه واستكمال المباحثات .
طلب رئيس الجمهوريه في حينه من رئيس الوزراء صياغة البيان باسلوب قانوني لانه من اختصاصه وذهبوا لمقابلة رئيس الوزراء في داره واتفقوا على صيغة البيان على امل اذاعته في اليوم التالي.
وفي تلك الفتره شعر الملا مصطفى بمايدور بين السلطه وجلال فارسل جماعه من طرفه وهم نافذ جلال وصالح اليوسفي ومحسن ده زي يعرضون شروطه واهم شرط طلبوا عدم اذاعة بيان جلال حتى يتم الاتفاق معهم ولكن فوتوا عليهم هذه الفرصه واذيع البيان مما حدى بالملا ان يهاجم جماعة جلال في المناطق الشماليه وحدثت معارك داميه بين الاثنين واغتيالات بعض الاعضاء من كلا الطرفين
وفي تلك الفتره حضر الى بغداد ابراهيم احمد الذي يعتبر رئيس الحزب او العقل المدبر وعبد الرحمن المسؤول عن اقتصاديات الحزب وعمر مصطفى لملقب (دبابه) وغيرهم الذي لايحضرني اسماءهم وبقيت هذه الجماعه في بغداد حتى قيام ثورة ١٧-٣٠ تموز واعتقلت ولا اعلم بعد ذلك بمجريات الامور"
كما كتب في مذكراته ايضا عن الطائفيه ايضا:
"وبعد تسلم عبد الرحمن عارف السلطه ازدادت العلاقات بين السيد محسن الحكيم وبين عبد الرحمن عارف حتى ان السيد محسن الحكيم وجه رساله الى المرحوم عبد الرحمن عارف يخاطبه بكلمة ولدي وتجدون نص الرساله في دوائر القصر.
كما تم القضاء على الحركه الطائفيه بالاتصال سرا بالسيد محسن الحكيم المرجع الديني الاعلى بواسطة توفيق شمسه احد وجهاء النجف انذاك لحل الخلاف بينه وبين السلطه والتحالف معه وقد تم ذلك باصدار قانون العتبات المقدسه وقد جرت محاوله لاجراء لقاء بينه وبين رئيس الجمهوريه الا ان سفرة رئيس الجمهوريه الى البصره حالت دون ذلك."
هذه المسيره البطوليه الرائعه ختمت باعتقال المرحوم عبد الجليل احمد العبيدي عندما تولى حزب البعث السلطه بسبب خلافات سياسيه وتعرض للتعذيب من قبل المجرم السادي ناظم كزار الذي نال عقابه فيما بعد شر عقاب .
ويكمل عبد الجليل : "ثم اطلق سراحي واعتقلت مره اخرى وتم الحكم علي بعشر سنوات سجن مع الا شغال الشاقه ومصادرة اموالي المنقوله وغير المنقوله وقطع الراتب التقاعدي لمده سنه كامله بعد خروجي من السجن بتهمه ملفقه ولكن كل هذا لم يغير من حبي لوطني ولم يقلل منه قيد انمله .
الشئ الوحيد الذي عانيت منه في السجن هو البعد عن زوجتي واطفالي العشره وكانت لي كتابات شعريه كثيره وانا في السجن حيث انني درست الشعر والادب وتعمقت في التاريخ والجغرافيه ودرست اللغه الفرنسيه واتقنتها وانا في سجني
ثم خرجت عام ١٩٧٧بعد قضاء عشر سنوات في سجن ابي غريب سئ الصيت."
تقول ابنته وداد عبد الجليل احمد:
"خرج والدي متعبا محملا باثار السنين والفراق وعاش بيننا الى عام ٢٠٠٣حيث توفاه الله على اثر جلطه دماغيه حاده عند سماعه بدخول الجيش الامريكي الى بغداد."
في السجن كانت له اشعار حول كل الاشخاص الذين مروا في حياته والاحداث التي مرت على البلاد والوطن العربي وكان ناويا ان يجمعها وينشرها في ديوان شعري ولكن الموت لم يمهله وانا ابنته بصدد جمعها والله الموفق.
ومن اشعاره الحره ساذكر سطور كتبها لي من داخل السجن اذكر منها وهي بعنوان
وداد لاتبكي
لاتبكي فقلبي لعذابك لايصبر
لاتبكي فدمعك نار تحرق
لاتبكي فمن للحياة بعدك يغني ويغرد
ان شكوت اليوم فالروض لحزنك لايزهر
...........
وداد انتِ لحن ولد على شفتي
انتِ صوت كتمتهُ في صدري
انتِ عبره في صدر تتكسر
انتي دمعه حرى على خدي تنحدر
انتي لوعة الاباء
ان كان للاباء كبد بالحنان يتفجر
..........
نحل جسمي وقد شفه الاسى والكل يلوم ويزجر
لاتعذليهم فالكل يعرف الحق وينكر
دعيني في صمتي ولاتحركي ساكنا
فجرحي لايزال نديا بالدما يقطر
ابنتي
لاتستسلمي للحزن ابدا
فحزنك ابد الدهر لايحسر
قومي وارفعي القيد عني
كاد ظهري من ثقل الحديد يكسر
وابتسمي للحياة وكوني صلبه
وقولي غدا ننال الجزاء
وبنا يسعد المعشر
أوسمة ونياشين المرحوم
كان عبد الجليل أحمد يمثل النزوع الوطني العراقي ومثّل مرحلته وأنغرس فيها. شارك في تأسيس الفكرة العراقيه ولذلك ستبقى ذكراه مع باقي الرموز الوطنيه التي خلدت العراق ونحن لإي أمس الحاجة لذكرهم.
صور متفرقة:
مع الرئيس عبد السلام عارف وإبراهيم فيصل الأنصاري رحمه الله عليهم
مع الرئيس عبدالرحمن عارف و أمير الكويت
الگاردينيا: بعض الأخوة لاتزال لديهم مشاكل في أرسال التعليقات، لذلك يرسلوها الى بريدنا الألكتروني و نحن بدورنا ننشرها بأسمائهم..فقط للعلم لاغير..
579 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع