مذكرات الاستاذ امين المميز - الحلقة الرابعة

                                            

                               د.رعد العنبكي

   

اتذكر بغداد يوم لم يكن فيها سوى خستخانة المجيدية وخستخانة اليهودي( مستشفى مير الياس سابقا) في العلوازية وخستخانة الغرباء في الكرخ...

   

وارى اليوم مدينة الطب وقد قامت مكان المستشفى الاولى كما تاسست عشرات المستشفيات والمستوصفات وهي مجهزة باحدث ماتوصل اليه الطب الحديث من اجهزة وادوات وادوية

اتذكر بغداد يوم لم يكن في بيت من بيوتها تلفون وربما لم يسمع احد من البغداديين يومئذ باختراع مثل هذا الجهاز واليوم ارى عشرات الالاف من
الارقام موزعة على البيوت وعشرات البدالات الاوتوماتيكية تشيد والكابلوات تمد في كل شارع من شوارعها وزقاق من ازقتها واذا ما تعطل التلفون ساعة واحدة اقمنا الدنيا واقعدناها على مصلحة التلفونات لاصلاح العطب فورا

         


اتذكر بغداد يوم كنا ننام بعد صلاة العشاء وليس في بيوتنا راديو اوتلفزيون نقضي السهرة معه سوى القركوز( خيال الظل ) والفوتغراف الذي يعمل بالاسطوانات اللولبية والعاب المنقلة والدومنة والطاولي والاسقنبيل او نقصد المقاهي للاستماع الى ( القصخون)واليوم نشاهد البرامج التلفزيونية تصلنا عبر الاقمار الصناعية من كافة ارجاء الدنيا وتستمر الاذاعة والبث الى مابعد منتصف الليل وقل ما تجد بيتا في بغداد ليس فيه( فيديو )او مسجل او الاثنين معا مع اعدادلاتحصى من الكاسيتات للجهازين..

  

اتذكر بغداد يوم كان المسافرون والزوار والسواح يقيمون في المسافرخانات وحجر الخانات واليوم اشاهدعمارات فنادق شيراتون وفلسطين مريديان
والسدير نوفوتيل وميليا المنصور وبابل والرشيد تناطح السحاب..

             

اتذكر بغداد يوم لم يكن في نهر دجلة غير البلام والكفف والمهيلات والجلاج واشاهد اليوم البواخر السياحية المتلالئة تغدوا وتروح بين شارع ابي نؤاس
وكورنيش الاعظمية والموتورات والقوارب والبلام التي تسيرها المحركات تكاد تغطى على سطح دجلة..

   

اتذكر بغداد يوم كنا نقصد الاسواق ونعود خاليي الوفاض وارى اليوم اسواق بغداد ومخازنها زاخرة بكل ما لذ وطاب من الفواكه والمخضرات والمعلبات
والمرطبات والجرزات وسائر مستلزمات الاكل والشرب والتموين

         

  اتذكر بغداد يوم لم تكن فيها ساحة او حديقة ويوم كنا نلعب بالازقة والدرابين وفي الخرابة المقابلة للقشلة والمجاورة لامانة العاصمة القديمة والتي ليست
الا مزبلة لرمي الانقاض والسيان وسقط المتاع او نلعب في داخل بيوتنا..

 

واشاهد اليوم ملعب الشعب وحديقة الزوراء ومدينة الالعاب ولا اكاد اصدق عيني..!!

          

اتذكر بغداد يوم كنا نقصد سوك حنون او خان الدجاج لشراء الدجاج الذي يقوم رب البيت او احد انجاله البالغين بذبحه وتقوم ربة البيت بسمطه وهلسه
وارى اليوم كارتونات الدجاج المذبوح والمنظف والمجمد والمجهز من حقول دواجن الدولة او حقول القطاع الخاص او المستورد مما وراء البحار والجاهز
للطبخ دون ماعناء ولارخص الاسعار

     

اتذكربغداد يوم كنا نسمد الخس واللهانة والقرنابيط والشلغم والكلم والالمازية وسائر المخضرات من فصيلة(الطرماهي) بالزبل والخنس ومحتويات(الجشمات) التي كان النزاحون يبيعونها للمزارعين وينقلونها على ظهور الحمير التي تتدافع مع المواطنين في الازقة والشوارع حاملة معها ميكروب(الاميبيا) الذي سبب تفشي مرض الزحار (الديزانتري) بين البغداديين واليوم ارى الكيمياوي الناصع البياض المغلف  بالاكياس الانصع بياضا تباع للمزارعين بارخص الاثمان وتؤدي الى افضل النتائج الغذائية والصحية..

    

اتذكر بغداد يوم كان معظم البغداديين محرومين حتى من رؤية الزهرة والوردة واذا ما تكرم على احدهم صديق من الذين فضل الله عليهم وله بستان او حديقة واهدى له شدة ورد او اذا حالفه الحظ والتقى  ب ( كرادي ) يبيع شدات ورد ( الاشرفي والجوري وسلطان الورد ) كان ذلك اليوم من اسعد الايام واليوم اشاهد معارض الزهور منتشرة في بغداد تعرض انفس وازهى انواع الزهور المستوردة بالطائرات من بيروت او من هولندا او من فرنسة كالقرنفل والروز والكاردينيا والاوركد والدفديل وشتى انواع الابصال
اتذكر بغداد يوم كان بعض الموظفين لا يتقاضون رواتبهم الشهرية الا مرة او مرتين في السنة وارى اليوم الموظفين والمتقاعدين يقبضون رواتبهم قبل حلول راس الشهر باسبوع او اكثر...

    

اتذكر بغداد يوم كان الفساد متفشيا والرشوة ضاربة اطنابها في كل مرفق من مرافق الدولة ولا تنجز معاملة الا بالرشوة والقوميسيون واليوم اسمع عن بعض كبار المسؤولين معلقين على اعواد المشانق لاقترافهم جرائم مماثلة
اذكر بغداد يوم ناهزت نفوسها سنة ( 1917) المائتي الف نسمة واشاهدها اليوم وقد قاربت نفوسها الاربعة ملايين نسمة
وبهذا اكتفي ومذكرات المرحوم الاستاذ امين المميز طويلة جدا ولا اريد ان اثقل قارئي الكريم واذا رغبتم بالمزيد فاني على استعداد بمواصلة الكتابة وارجوا ابداء رغبتكم بذلك
ولكم مني اطيب المنى
اخوكم المخلص
الدكتور
رعد العنبكي

    

الگاردينيا: الأخ الدكتور/ رعد.. أستمروا في أرسال المزيد من فقرات كتاب البغدادي والأكاديمي /أمين المميز لكونها مادة بغدادية رائعة ولها قراء كثيرون..

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

933 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع