تأسيس أول مدرسة عربية في الناصرية

مؤيد قاسم محمد نادر

تأسيس أول مدرسة عربية في الناصرية

لم تكن في مدينة الناصرية مدرسة عربية في أواخر أيام الحكم العثماني، وكانت المدرسة الوحيدة في الناصرية حينذاك هي "الرشيدية العثمانية"، التي يدرس فيها الطلاب زمنًا ثم يُرسَلون إلى إسطنبول لمواصلة الدراسة من أجل التخصص.
ولما نشبت الحرب العالمية سنة 1914 ودخل الإنكليز العراق، كانت الناصرية هي المدينة العراقية الثانية التي احتلوها، وذلك في 15 تموز سنة 1915. وعلى أثر هذا الاحتلال أُغلقت المدرسة الرشيدية، ثم تلت ذلك فترة من الركود حتى صيف عام 1916.، وفي هذا التاريخ برزت فكرة تأسيس أول مدرسة عربية في الناصرية، ويعود الفضل فيها إلى والدي المرحوم الأستاذ قاسم محمد نادر، الذي أصبح فيما بعد مؤسسها ومديرها ومعلمها الأول. وفي ذلك قصة نود أن نسجلها للتاريخ:
وُلد والدي في الناصرية سنة 1894، وشهد ظلم الأتراك، والاتحاديين منهم خاصة، لوطنه، حيث انتشر الجهل وغابت المعرفة. وكان والدي يشغل أيام الحكم العثماني وظيفة مأمور أوراق. ولما سقطت الناصرية بأيدي المحتلين من الإنكليز، طلب منه الحاكم الإنجليزي العمل ضمن الإدارة البريطانية، إلا أنه رفض ذلك رغم ظروفه القاسية، فهدده الحاكم العام بالنفي إلى الهند إذا استمر على رفضه.
ولأنه رجل مبادئ وذو تطلعات مستقبلية لوطنه، فقد قرر أن يخدم بلده وأبناء مدينته من خلال التعليم، وإعداد جيل مثقف يأخذ على عاتقه مجابهة المستعمر. ولذلك قرر أن ينشئ مدرسة عربية في الناصرية على أنقاض المدرسة الرشيدية التركية، ولاقى في هذا السبيل الكثير من الصعوبات، إلى أن استطاع إقناع البريطانيين بإعادة فتح المدرسة، لتكون أول مدرسة عربية في لواء المنتفك "محافظة ذي قار الحالية".
ودعا والدي الأهالي إلى إعادة الأثاث الذي سبق أن نهبوه من المدرسة الرشيدية عند غلقها أيام انسحاب العثمانيين، كما دعاهم إلى تسجيل أبنائهم في المدرسة. ونجح في إعادة تأثيث المدرسة وتسجيل الطلاب فيها.
أما الهيئة التعليمية في المدرسة فكانت تتألف من: مدير المدرسة والدي المرحوم قاسم محمد نادر، والسيد موسى العاني، والسيد محمد علي نصر الله معلمي اللغة العربية والتربية الإسلامية، ورئيس طائفة الصابئية “الشيخ دخيل الشيخ عيدان " معلم الديانة الصابئية، والمعلم اليهودي "شاؤول هليل" معلم الديانة اليهودية واللغة الإنكليزية. وهكذا تجمعت هذه النخبة الصالحة من المربين لتجمع أبناء الناصرية بكل دياناتهم، ينهلون من العلم والمعرفة بلا تمييز.
كان الإقبال على المدرسة في أول الأمر قليلاً، بسبب معارضة المتخلفين الذين يرون في المدارس طريقًا للفساد والضلالة، وأيضًا لأن الناس كانوا يخشون من إرسال أبنائهم إلى المدرسة خوفًا من الجندية. لذلك قام والدي بتعيين رؤساء الطوائف الدينية كمعلمين، حتى يتمكنوا من تشجيع أبناء طوائفهم للالتحاق بالمدرسة. وفعلاً نجح المعلم اليهودي شاؤول هليل بنقل الطلبة اليهود من التوراة إلى المدرسة، كما قام الصابئة بتسجيل أبنائهم في المدرسة. ولأن أكثرية سكان الناصرية من المسلمين، فقد تولى والدي تشجيع أهالي المدينة لإلحاق أبنائهم بالمدرسة، وكان يدور على البيوت يحث أولياء الأمور على تسجيل أبنائهم في المدرسة، وأحرز في ذلك نجاحًا كبيرًا.
في أول عملها، كان التعليم في المدرسة مقتصرًا على تدريس اللغة العربية، أي القراءة والكتابة، والديانة، والإنكليزية. أما الزي فلم يكن موحدًا، وكان المعلمون يلبسون ملابسهم التراثية الخاصة؛ فمدير المدرسة مثلاً كان يلبس العقال والكوفية ويتقاضى راتبًا قدره (45 روبية)، ومعلم الدين يلبس العمامة والقفطان، والشيخ دخيل الصابئي يلبس العقال والطوي، أما المعلم شاؤول فكان يلبس الطربوش والقفطان.
كان اسم المدرسة "الناصرية الابتدائية"، ثم قام والدي بعد عدة سنوات بتغيير اسمها إلى "المدرسة المركزية" بعدما فُتحت عدة مدارس في المدينة. وبقيت المدرسة المركزية سنين طويلة على رأس مدارس اللواء، حيث تخرج منها عدد كبير من مثقفي الوطن.
وبعد حوالي نصف قرن من العمل في التعليم، أُحيل والدي إلى التقاعد عام 1960، ثم وافاه الأجل عام 1967. أما المدرسة فقد هُدمت وبُني محلها "مدرسة الزهراء الابتدائية للبنات" الحالية، التي تقع بالقرب من جامع فالح باشا الجديد.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

896 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع