ساركوزي الى السجن

ولاء سعيد السامرائي

ساركوزي الى السجن

حكمت محكمة باريس الجنائية قبل ايام ولأول مرة حكما تاريخيا على رئيس الجمهورية السابق نيكولا ساركوزي بالحبس لمدة خمس سنوات وحرمانه من الحقوق المدنية والعائلية وغرامة مالية قدرها 300 الف يورو، ينفذ في الحال دون تأخير في قضية التمويل الليبي ، وهذه التهمة هي واحدة من عدة تهم رئيسية يتضمنها الملف، وقبل هذا الحكم ، قضى ساركوزي محكومية سابقة في البيت لعام واحد تحت الرقابة بسوار اليكتروني فيما لم تنته المحكمة من دراسة قضايا اخرى تضمنها ملف التمويل الليبي المشهور منذ سنوات، الذي كشف احد لاعبيه زياد تقي الدين، الوسيط اللبناني، اسرارا خطيرة لمجموعة سياسية بطلها الرئيس الفرنسي السابق ومدير مكتبه كلود غيان ومعهم آخرين.
نيكولا ساركوزي هو من استخدم مع مستشاريه من دولة الاحتلال وبالأخص برنار هنري الذي خاطب الجموع الليبية ، بقوله انا هنا لإخطابكم بصفتي يهودي، استخدم حلف الناتو لشن حرب على ليبيا وارسال الطيران الفرنسي خصيصا لاغتيال الرئيس معمر القذافي والتخلص منه كشاهد على تمويل حملته الانتخابية بطريقة غير قانونية، حتى ان الصحافة الإيطالية والاسبانية روتا ان هيلاري كلينتون قد تهكمت هي وغيرها من قادة الغرب وجنرالات الناتو على شن هذه الحرب التي لا يجدون لها سببا وسموها بحرب ساركوزي. هذه هي عصابة المجرمين، التعبير القانوني الصحيح الذي استخدمه القضاء الفرنسي للحكم على ساركوزي، عصابته هي من أدخلت المرتزقة وعملائها تحت مسمى ثوار، تسللوا بين الليبيين لمتابعة وتحديد مكان موكب الرئيس معمر القذافي كي يغتالوه في مدينة سرت، لتصل هذه الاخبار الى الاعلام الفرنسي حيث انتشر "الهمس" فقط بسبب الترهيب الصادر من اعلى لمنع تداول ونشر هذه المعلومات وكواليس ما حدث، والشهادات كثيرة وموثقة.
لكن كيف انكشفت قضية التمويل الليبي، التي سيحاكم فيها ساركوزي) تم اخلاء سراحه بشروط الرقابة القضائية بعد حبسه عشرين يوما، اذ رفع محاموه طلبا بإطلاق سراحه لحين وقت المحاكمة النهائية في القضية التي ستجري في شهر مارس القادم( ومن الذي تصدى للتحقيق فيها ونشر ملفات كاملة استغرقت عشر سنوات من البحث ومحاولات الحصول على الوثائق وشهادات من الجانب الليبي خاصة ممن أطلع على القضية عن كثب ومن يعمل في وزارات او دوائر الداخلية والمالية في حكم الرئيس الراحل معمر القذافي. ان اول من التقط هذه القضية "متأخرا" هي صحيفة ميديابارت المعروف رئيس تحريرها ايدوي بلينل ومنذ خمسين عاما برصد وفضح ما يسيء الى مؤسسة الدولة والى القيم الديمقراطية التي يعتبرها الضامن الوحيد للمحافظة على فرنسا كدولة لها مكانتها العالمية. ألتقط صحفيو الموقع الإعلامي حديث السيد زياد تقي الدين، الوسيط المقرب من بعض شخصيات أحزاب اليمين خلال مقابلة أجريت معه في واحدة من أهم برامج القناة الحكومية الثانية قبل سنوات اذ دعي للحديث عن قضية التمويل الليبي باعتباره اهم اللاعبين والشهود لما حصل بين الرئيس الراحل معمر القذافي وبين نيكولا سركوزي منذ ان كان وزيرا للداخلية أي قبل وصوله للحكم في أيار عام 2007. كشف الوسيط اللبناني في هذا البرنامج عن خدمات "علاقات عامة" قدمها في منتصف التسعينات لحكومة أدوار بلادور التي ضمت الوزير نيكولا سركوزي لتحسين علاقات فرنسا مع المملكة العربية السعودية، وهو ما سمح له فيما بعد بتوثيق علاقاته بعدد من كبار موظفي الدولة وكذلك ليصبح معتمدا من الدولة الليبية لإعادة مياه العلاقات الليبية الفرنسية الى مجاريها بعد اتهام ليبيا بالإرهاب وحكم المحاكم الفرنسية بالمؤبد على الرجل الثاني في الحكومة عبدالله السنوسي زوج اخت القذافي المتهم بتفجير طائرة ركاب عليها عدد من السياح الفرنسين. هذه هي الاحداث التي قادت موقع ميديابارت الى إطلاق تحقيقات صحفية خصوصا انهم استلموا في حينها رسالة اليكترونية تخبرهم عن جلب الوسيط اللبناني لحقائب تحوي أموال كثيرة سلمها لمكتب نيكولا ساركوزي. بداية نشر الموقع وثيقتين تشيران الى تسليم الجانب الليبي مبلغ خمسين مليون يورو لتمويل الحملة الرئاسية لنيكولا ساركوزي عام 2007. هذا المبلغ كما يروي زياد تقي الدين قد قُدم من الراحل القذافي بعد ترتيبه شخصيا لزيارة ولقاء جمع الرجلين في ليبيا، مقابل تطوير العلاقات الاقتصادية والعسكرية وبناء مفاعل نووي؟ وان يتدخل ساركوزي في تخفيف الحكم الجنائي الفرنسي على زوج اخته عبدالله السنوسي. ليس ذلك فحسب بل ان الجانب الليبي قد أرسل بحسب كلام تقي الدين ما يقارب عشرين مليون يورو أخرى جزء منها الى كلود غيان وآخرين من مقربي ساركوزي ، حملها زياد تقي الدين في ثلاث رحلات في حقيبة وادخلها دون أي تعقيدات من المطار الفرنسي ليذهب بها تارة الى مكتب المسؤول عن الملفات الحساسة كلود غيان وأخرى مباشرة الى ساركوزي حسب طلبه في لقاء شخصي في مكتبه. وفي لقاء الوسيط اللبناني مع صحفي موقع ميديابارت في شقته في الدائرة 16 الراقية في العاصمة الفرنسية من اجل الحوار حول هذا التمويل ودوره فيه، اطلع تقي الدين الصحفي على الحقيبة التي استعملها في المرات الثلاث التي احضر فيها الأموال من ليبيا وقد بث التحقيق هذا من القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل. لقد أدى نشر تحقيقات الموقع الصحفي الى استدعاء تقي الدين من الشرطة والقضاء والتحقيق معه ليصبح مفتاح هذه القضية الأساسي منذ عام 2012 ، كي تبدأ صفحات وحلقات جديدة من هذه القصة البوليسية السياسية التي تتمحور حول قبض ملايين أراد من يقبضها كما يبدو منذ البداية عدم الوفاء باي من الوعود التي ابرمهامع الطرف الليبي . لكن فتح الملف من قبل المحاكم الفرنسية واستدعاء الشهود والتحقيق المستمر والحصول على الوثائق والمستمسكات عاما بعد عام وشاهد بعد أخر سيؤدي الى كشف المزيد من الحقائق والاسرار والمخالفات القانونية في الملف من الفساد والعمل مع مجرمين وعدم اعلان الأموال المستلمة، لتتراكم استدعاءات نيكولا ساركوزي امام التحقيق وفي غرف الشرطة الخاصة بمعالجة مثل هذه الملفات الحساسة الخاصة بالدولة والسياسة وبمنصب الرئاسة وهيبة وسمعة فرنسا في العالم. عقب هذه المقالات وفي محاولة لإنكار ما نشره موقع ميديابارت، رفع نيكولا ساركوزي قضية ضد الصحيفة يتهمها بنشر وثيقة مفبركة لكن المحكمة رفضت طلبه.
ومنذ عام 2018 الى اليوم، أتهم القضاء نيكولا ساركوزي بتهمتين من التهم التي يتضمنها ملف التمويل الليبي اولها قضية التنصت والأخرى تنفيذ عملية احتيال وفساد مع مجموعة مجرمين ضد الوسيط زياد تقي الدين الذي تم تهديده والضغط عليه ليرسل الى المحكمة رسالة ينفي كل ما قاله بخصوص التمويل الليبي لساركوزي، وهو ما فعله، لكن ما لبث ان سجل له صحفي من ميديابارت فيديو يكذب ما كتبه للقاضي لأنه جرى تحت التهديد بالقتل. وقبل يومين من صدور الحكم الأخير، وجد زياد تقي الدين ميتا في لبنان، ودخل ساركوزي منتفخا مبتسما الى المحكمة ليكثر كلام الصحفيين الذين ربطوا بين موت الوسيط اللبناني وبين الحكم، بالقول : بالصدفة وقبل يومين مات زياد تقي الدين، مثله مثل وزير المالية الليبي شكري غانم الذي وجد غرقانا في أحد انهار المانيا او مثل مدير البنك المركزي الذي نجا بأعجوبة بعد محاولة اغتيال له عقب لقائه مع صحفي فرنسي آخر تهرب بداية من اطلاعه على هذا الملف في مقابلة جرت في بيته في بريتوريا حيث ذهب هناك ليختفي عن الأنظار، لكنه وبعيدا عن التسجيل قال للصحفي ان الرئيس القذافي قد ارسل فعلا مبلغا كبيرا لتمويل حملة الرئيس نيكولا سركوزي. كما قابل هذا الصحفي أحد كبار موظفي الداخلية الليبية السابقين المتخفي هو أيضا في بلد عربي والذي أكّد له التمويل الليبي لحملة ساركوزي كما شدّد على انهم يسجلون كل شيء ولديهم كل المعلومات وكل ما حدث من تمويل يوجد مسجلا في أقراص متعددة لكل ما يحدث. وفي لقاء برنامج القناة الثانية التلفزيوني مع الوسيط تقي الدين المذكور أعلاه، قال، وربما كانت شطحة خطيرة منه، ان لديه تسجيل كامل للوثائق والزيارات وتسليم الأموال، وربما تكون هذه الجملة سببا في التخلص منه في لبنان بعد هروبه من فرنسا حيث حكمت عليه المحكمة الفرنسية بستة أعوام وغرامة ثلاثة ملايين يورو في قضية مشابهه لنفس المجموعة تسمى قضية كراجي.
وعقب المحاكمة رفع عشرين قاضيا دعوى ضد نيكولا ساركوزي بتهمة إهانة القضاة والمساس بالسلطة القضائية بسبب توجيه هذا كلام مسيئ لهم، ونشرت اغلبية الصحف وأجهزة الاعلام خبر التهديدات بالقتل التي استلمها القضاة الثلاثة للمحكمة بعد اصدارهم الحكم على الجاني، وقال ايدوي بلينل رئيس تحرير ميديابارت السابق في برنامج تلفزيوني ان مشكلة ساركوزي هي القضاء وليس جريدة ميديابارت، انه كل ما فعله في قضية التمويل الليبي وليس ما حكم عليه.

15/11/2025

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

825 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع