من فتح مكة في الأمس إلى التغيير في العراق اليوم: دروس في القيادة الرحيمة والقيم الإنسانية مقابل الإقصاء والانتقام

 ذو النورين ناصري زاده

من فتح مكة في الأمس إلى التغيير في العراق اليوم:دروس في القيادة الرحيمة والقيم الإنسانية مقابل الإقصاء والانتقام

قطعا ان السياسة هي ليست مجرد صراع على المناصب أو إدارة للأحداث بل هي مرآة حقيقية لأخلاق الأمة وهي تتجسد على الأرض وامتداد لروح قيادتها وفكرها السياسي والاجتماعي ميدانيا فالقيادة الحقّة هي التي تجمع بين القوة والرحمة بين الحق والعدل بين التاريخ والحاضر بين الماضي والمستقبل لتبني مجتمعًا يحترم الإنسان ويحافظ على القيم الإنسانية السامية ويصون كرامته ويحقق العدالة للجميع وعندما يغيب هذا التوازن تتحول السياسة إلى أداة للانتقام والصراع الاجتماعي بدل أن تكون وسيلة لبناء المجتمع وتعزيز الروابط الإنسانية ويصبح الحكم مجرد استغلال للسلطة لا خدمة للناس ولا صيانة للمجتمع التاريخ الإنساني يزخر بالنماذج المضيئة لمن أحسن استخدام القوة والسيطرة بالحكمة والرحمة وجعل من السلطة أداة لخدمة الناس ورفع قيم العدالة والتعاون والتسامح كما يحمل دروسًا قاسية لمن أساء استخدام القوة وحوّل السلطة إلى أداة للقهر والإقصاء والعنصرية السياسية ومن أبرز هذه النماذج فتح مكة على يد الرسول الأكرم ﷺ الذي جسد أسمى معاني القيادة والرحمة والعدل وأثبت أن القوة الحقيقية ليست في الانتقام أو في الهيمنة وإنما في القدرة على المصالحة والصفح والتسامح
وعندما دخل الرسول الأكرم ﷺ مكة ونزلت عليه من رب العزة الآية المباركة إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا كان في أقوى لحظاته وأكثرها تمكينًا وكان بإمكانه أن ينتقم ويثأر ويحاسب كل من أذوه ويحقق نصرة شخصية ومع ذلك لم يفعل لأنه كان رسولًا ونبيًا يسعى إلى الإصلاح والتسامي بالروح الإنسانية والسياسة الحكيمة التي تجمع ولا تفرق وتبني ولا تهدم لقد اختار طريق الرحمة والصفح والمصالحة ورفع المصالح العليا للأمة فوق أي رغبات شخصية أو عقد سياسية وترك درسًا خالدًا في التوازن بين القوة والعفو بين الحق والرحمة وبين تاريخ الأمة ومصالحها المستمرة
في أول نداءاته للمحاصرين من أهل مكة جاء كلامه درسًا خالدًا في احترام الماضي والقيم الإنسانية والأخلاقية عندما قال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن لم يكتف النبي ﷺ بحفظ أمن الناس فحسب بل رفع قيمة رمز الماضي وحافظ على كرامة الإنسان مهما كانت مواقفه السابقة وفتح الطريق أمام المصالحة الاجتماعية ولم يغلقه بغضب الانتقام ولم يجعل من الماضي سببًا للكراهية بل استخدمه لبناء مستقبل من الوحدة والمودة ثم جاء قوله ﷺ أنتم أخ كريم وابن أخ كريم مؤكدًا على صلة القرابة والمروءة ورفع من قيمة الإنسان ولم يصف أحدًا بالمطرود أو المنبوذ أو المعزول بل جمع بين العدالة والرحمة ورفع القيم الإنسانية فوق كل اعتبارات شخصية أو سياسية وبين كيف أن القيادة الرشيدة تقوم على تقدير كرامة البشر واحترام الروابط الاجتماعية والتاريخية
لكن إذا نظرنا اليوم إلى المشهد السياسي في العراق بعد التغيير وما تلاه من احتلال نجد صورة مغايرة تمامًا سياسات الإقصاء والتهميش التي طالت أهل تكريت لم تكن مبنية على العدالة أو الكفاءة أو المصلحة العامة بل على الانتقام الرمزي والعنصرية السياسية والتحامل الاجتماعي حيث تحولت الدولة من مؤسسة للعدل والمساواة إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية وحل الحقد محل الحكمة والضغينة محل العدالة وأصبح الماضي سببًا للعزل والتهميش بدل أن يكون درسًا في الكرامة والتاريخ والقيادة الحكيمة هنا يظهر الفرق الواضح بين القدوة والادعاء بين من استلهم سياسة الرحمة والمصالحة وبين من ادعى أنه وريث الرسول ﷺ ولم يحسن أن يقتدي به بل اختار طريق الانتقام الاجتماعي والسياسي متجاهلًا الدروس العميقة في القيادة الرشيدة فالقيادة الحقيقية هي التي تجمع الناس على أساس العدالة والمساواة وترفع القيم الإنسانية النبيلة بدل أن تهدم المجتمع بسبب انتماءات سياسية أو نسبية
إن التاريخ يعلمنا أن القوة الحقيقية ليست في الانتقام أو الإقصاء بل في الكرامة والحكمة والرحمة ومن ينسى هذا الدرس ويعامل البشر بعين الضغينة لا يخسر الأفراد فحسب بل يخسر المجتمع كله ويهدم تماسكه الاجتماعي ويضيع المستقبل المشترك للأمة ويجعل القيم الإنسانية السامية في حالة انكسار فلنأخذ من فتح مكة درسًا خالدًا القوة لا تكتمل إلا بالرحمة والتمكين لا يتحقق إلا بالعدل والتاريخ لا يُخلد إلا لمن جمع بين الحق والحكمة بين الماضي والحاضر بين الإنسان والسياسة بين القوة والمسؤولية بين العدالة والرحمة إن السياسة الحقّة تقاس بمدى احترامها للكرامة الإنسانية وقدرتها على جمع المجتمع لا تفرق بين أبنائه والعبرة ليست في من يمتلك القوة أو السلطة بل في من يعرف كيف يستخدمها لبناء مجتمع عادل متماسك يقدّر الماضي ويحترم الحاضر ويصون المستقبل ويجعل الرحمة والقيم الإنسانية ميزانًا للحكم والقرار ومن ينسى هذا الدرس فإن ما يحققه من انتصارات سياسية أو سيطرة مؤقتة سرعان ما ينهار أمام اختبار الزمن والمجتمع ويصبح عبثًا لا قيمة له
وفي الختام فإن ما يعلّمنا إياه التاريخ ومن خلال الفتح العظيم لمكة هو أن القيادة الحقّة ليست مجرد امتلاك القوة أو السلطة بل امتلاك القدرة على التمييز بين الحق والباطل والعدل والانتقام بين الرحمة والحقد بين المصالح العامة والمصالح الشخصية إن من يعرف كيف يقود بمثل هذه الرؤية يجمع الأمة ويوحدها ويترك إرثًا خالدًا من القيم والمبادئ الإنسانية التي تبقى صامدة أمام تقلبات الزمن والاختبارات الاجتماعية والسياسية ويجعل من القوة أداة لرفع الناس وليس لخفضهم ومن ينسى هذه الدروس ويختار الانتقام والإقصاء فإن سياساته عاجلة الزوال وستترك المجتمع منكسرًا ومرهقًا وخاليًا من الروح الإنسانية التي تجعل منه أمة قوية وراسخة وأمة تحترم الإنسان وتحافظ على قيمه وتبني مستقبلاً مشرقًا قائمًا على العدالة والرحمة والكرامة

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

646 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك