
أسامة الأطلسي
الهدنة في غزة: استراحة مؤقتة أم بداية تغيير حقيقي؟
يبدو أن الهدوء النسبي الذي يسود شوارع غزة هذه الأيام يحمل في طيّاته أكثر من مجرد توقف مؤقت لإطلاق النار؛ إنه انعكاس لرغبةٍ شعبية عارمة في طي صفحةٍ طويلة من الدم والدمار، والبحث عن بداية جديدة تُعيد للغزيين حقهم في الحياة والكرامة.
فبعد سنواتٍ من الحروب المتتالية، والانقسامات الداخلية، بات الشارع الغزي يُجمع اليوم — ربما للمرة الأولى منذ زمن — على ضرورة التمسك بالاتفاق القائم لوقف إطلاق النار، والسير بخطواتٍ جدية نحو إعادة الإعمار، ولكن هذه المرة من دون هيمنة السلاح ولا الوصاية الحزبية التي كبّلَت القطاع لعقود.
كثيرون في غزة يتحدثون بصراحةٍ متزايدة عن رغبتهم في أن تكون مرحلة ما بعد الهدنة مرحلة جديدة كليًا، تُفتح فيها الأبواب أمام دورٍ عربي ودولي فعّال لإعادة بناء ما تهدّم، وإدارة الحياة اليومية بمعايير العدالة والشفافية، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والمصالح السياسية.
يقول أحد الشبان الغزيين: «نريد من يبني لنا مستقبلًا، لا من يبني حولنا الجدران» — وهي عبارة تختصر مزاجًا عامًا بدأ يطفو على السطح، حيث لم يعد الخوف وحده هو الذي يحكم الحديث، بل الإصرار على أن غزة لا يمكن أن تبقى ساحة لتصفية الحسابات.
إلى جانب ذلك، ترتفع أصواتٌ كثيرة تطالب بفتح معبر رفح، ليس فقط كممر إنساني، بل كبوابة نحو الأمل. كثير من العائلات ترى في الخروج المؤقت فرصة للنجاة، أو على الأقل للبحث عن حياةٍ أكثر استقرارًا. يقول أحد المواطنين: «نريد أن نعيش لا أن نموت كل يوم مرتين — مرة بالخوف ومرة بالانتظار».
من جهة أخرى، يرى محللون أن هذا التحوّل في الرأي العام الغزي يعكس نضوجًا سياسيًا واجتماعيًا، ووعيًا متزايدًا بأن استمرار منطق المواجهة لم يعد يجلب سوى المزيد من الخراب. الهدنة بالنسبة لكثيرين ليست نهاية حرب فحسب، بل بداية مراجعة عميقة لكل ما جرى: كيف ولماذا وصلت غزة إلى هذا الحد، ومن يملك حق تقرير مصيرها فعلًا؟
لكن الطريق نحو هذا التحول ليس سهلاً. فهناك من يخشى أن تتحول الهدنة إلى مجرد استراحة قصيرة قبل جولةٍ جديدة من الصراع، وهناك من يحذر من أن إعادة الإعمار بدون إصلاح سياسي حقيقي لن تُثمر سوى عن دورة جديدة من الفساد والانقسام.
ومع ذلك، يبقى الأمل حيًا. فالغزيون، رغم ما فقدوه من بيوتٍ وأحبة، ما زالوا يحلمون بأن تكون هذه الهدنة نقطة تحول تاريخية — لا مجرد هدنةٍ عابرة، بل بداية لمرحلةٍ يعيش فيها الفلسطينيون كغيرهم من شعوب الأرض: بأمانٍ، وبكرامة، وبحقٍ طبيعي في المستقبل.

866 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع