"من قوالب الامثال الشعبية العراقية التي تعكس بلاغة التشبيه والإيجاز: شريف روما، حاميها حراميها"

سرور ميرزا محمود

"من قوالب الامثال الشعبية العراقية التي تعكس بلاغة التشبيه والإيجاز: شريف روما، حاميها حراميها"

تستمد الامثال الشعبية جذورها من عمق التاريخ ومن أغوار ذاكرة وتجارب الشعوب، فالأمثال الشعبية هي حكم واقوال.. نظمها الأولون في أوزان نثرية تعكس تجاربهم.. تتميز بإيجاز اللفظ وحسن التشبيه وإصابة المعنى.. لتتناقلها الأجيال وتختصر لنا الزمن دون أن نخوض كل تجاربه لندرك بها الكثير من الدروس والعبر.. ولتنير طريقنا في مسيرة الحياة، كنز ثقافي يحمل حكمة، ومواعظ لا تخلو من فكاهة وطرافة الاجداد، هي قصص الحياة ومقياس الثقافة لكل بلد، ترويها الأجيال، صالحة لكل زمان ومكان وان اختلفت اللهجات.
لا تخلو الامثال من بلاغة التشبيه والإيجاز والاستعارات والكلام المسجع، للوصول إلى المقصود من دون قصور، وهي أقوال شفهية متوارثة في بداياتها في سرديات شعبية متواترة، وسياق مدونات مكتوبة في متواليات الزمن المتعاقب بلهجات محلية في مراحل توثيق لاحقة.
اشتهر العراقيون بأمثال شعبية وأقوال قد تبدو غير مفهومة للوهلة الأولى، لكونها مختلطة بلغات وادي الرافدين السومرية والاشورية والاكدية، ولكن إذا تعمقت في الكلام فستجد أن مضمونها يحمل دلالات ومعاني عميقة، تلك الامثال شائعة بين مختلف الشرائح الاجتماعية، تعبيرا عن إبداع وطني صرف، تظافرت في انتاجه عدة عوامل فيما بينها، وتفاعلت جوانب أخرى منها، ما هو اجتماعي، وما هو اقتصادي، وما هو ثقافي، وما هو سياسي، وما هو ديني علاوة على مؤثرات أخرى، تصاهرت فيما بينها داخل بوتقة الإبداع لتشكل بذلك الوازع الأساسي في نشأة المثل الشعبي، عبر محطات تاريخية كبرى، فالعراقيون يخلطون الامثال بالشعر والادب وكثيرا ما يخترعون كلمات وتعابير جديدة مدهشة وجذابة عن طريق الدمج والتأليف والتحريف للمواقف المختلفة، لكي تقدم لهم نموذجاً يُقتدى به في مواقف عديدة.
وجدنا من المفيد تناول عينات من الامثال الشعبية لنرسم من خلالها صورة موجزة عن واقعنا السياسي والاجتماعي، وحال اهل العراق وما حلّ به منذ عام 2003 لاسيما في الظروف الحياتية الحرجة، تدفعهم لتذكر مقولاتهم الشعبية والعودة المحمودة في تجدد ذكرها كنوع من التفكير بصوت مرتفع وتقودهم ذاكرتهم إلى تلخيص تلك الأحداث والوقائع اليومية الملامسة لهمومهم وطموحاتهم، ومن اشهر هذه الامثال: شريف روما، وحاميها حراميها.
شريف روما: 
في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي سافر الممثل المصري جورج أبيض إلى العراق لعرض مسرحية قيصر روما، و توفيراً للتكاليف لم يصطحب معه سوى الفنانين الأساسيين، أما الكومبارس فتركهم في مصر، وعندما وصل ‏جورج إلى بغداد لم يجد مسرح متاح فاختار أن يعرض المسرحية في احد المقاهي وبقيت أمامه مشكلة ‏وهي عدم وجود الكومبارس، فقد كان من الصعب على جورج العثور على من يؤدون هذه الأدوار، لذا نصحه بعض الأصدقاء بالتوجه إلى منطقة الميدان حيث كانت تعج بالسكارى والنشالين المستعدين لعمل أي شيء من أجل المال، وبالفعل توجه جورج إلى هناك وعثر على بغيته وسط هؤلاء
‏أخذ بعضهم ودربهم على مسرحيته "القيصر" ويوم العرض ألبسهم الثياب الرومانية البيضاء وأطواق الياس وجعلهم يبدون كنبلاء روما.
‏وعندما بدأ العرض كانت المنطقة تكتظ بالمتجمهرين لرؤية هذا العرض الجديد من نوعه ‏وكان كل شيء يسير على ما يرام حتى خرج عليهم حاجب الملك وقال جملته الشهيرة: "فليتفضل الآن شرفاء روما لإلقاء التحية على الملك"
ولما رأي الناس شرفاء روما عرفوهم فهم نشالين الحي والمتسكعين، حمودي الأقرع وسعودي المخبل و ... وانفجر الجميع ضاحكاً على شرفاء روما النشالين.
ومن هنا انطلق هذا المثل الشهير "شريف روما" ليعبر عن اللصوص والنشالين ومدعين الشرف والنبل
حاميها حراميها: وهناك روايتان احداهما أيام الحكم العثماني، حيث قرر ثلاثة من طالبي العلم السفر الى بغداد في ولاية العراق آنذاك، لزيارة مقام الشيخ عبد القادر الكيلاني، وأخذا معهما مبلغاً من المال من الليرات العثمانية، لكنهم ظلوا الطريق، وظهر لهم فجاءة احد المخادعين، واوهمهم بان خلاصهم من المأزق الذين هم فيه، فساروا جميعا في الطريق التي رسمها المخادع الطيب بعيونهم ، لكنه اختفى بعد قليل بلمح البصر بعد ان سرق كل أموالهم فطاردوه وأمسكا به، وفي الطريق صادفتهما الشرطة العثمانية، وأخذوهم ثلاثتهم اللص والزائران العثمانيان، إلى الحاكم.
وعندما وصلوا جميعاً، إلى الحاكم، قام الزائران بشرح قصتهما له، وبعد سماعهما، انفرد الحاكم بالسارق لكي يستجوبه، وفي أثناء ذلك كان هناك رجلاً بغدادي أصيل، يشاهد ويتابع عن كسب فصول القصة الحاصلة أمامه، ويراقب ما يحدث.
وبعد ذلك خرج الحاكم ومعه السارق، وصاح بالزائرين قائلا لهما: أنتما كاذبين، وهذا السارق ليس معه شيء من المال، ولم يسرق شيء، عندها انتفض الرجل البغدادي وقال لهم دعوني أتكلم معه، فتحدث بالفعل مع السارق علي انفراد قائلاً: هذان زائران وغريبان عن البلد، أرجع لهما مالهما وأنا سوف أعطيك ليرة ذهبية حلال، وكما تعلم فالحلال أحلى وأبرك من الحرام، فما رأيك ؟؟
فقال له السارق: لا أستطيع أن أفعل ذلك لأن الشرطة قالت لي أنهم سيقتلونني إن أعدت لهم المال الذي سرقت، والحاكم قال لي أنه سوف يعدمني إن اعترفت بالسرقة، لأنهم يريدون المال الذي سرقته لأنفسهم
ومن حينها اشتهر المثل القائل "حاميها حراميها "
والثانية وهي تخص ثلاثة مصريين سافروا الى بغداد في العهد العثماني، صادف هؤلاء الثلاثة رجلاً طيباً، وقد بدت على وجه الرجل علامات الإيمان ورافقهم خلال مسيرهم، ولكن في حين غفلة تمكن هذا الرجل من سرقة هؤلاء الثلاثة والهرب، وبعد ملاحقة دامت لفترة لهذا الرجل، تمكنوا من الإمساك به بمساعدة الحرّاس في بغداد، ولكن لم يتم حل المشكلة في حينها وتم عرض اللص على الحاكم في ذلك الحين ليحقق في القصة في مجلس الحاكم طالب الحاكم المسافرين الثلاثة مغادرة القاعة بهدف استجواب اللص، وبعد حين خرج ومعه اللص، وبدت علامات الغضب على وجه الحاكم، وصرخ على المسافرين الثلاثة وأخبرهم بأنه لم يجد أي شيء مسروق مع هذا اللص.
هنا تدخّل أحد الرجال الذي كان قد سمع بالصدفة ما دار بين الحاكم واللص، وطلب أن يحادث اللص وطلب منه أن يرد المسروقات لأصحابها مقابل أن يعطيه قطعة ذهبية حلال، ولكن السارق أخبره بأنه تعرض للتهديد من الحاكم لو اعترف، أي أن الحاكم قد حصل على جزء مما سرقه اللص وأراد أن يخفي العملية، وهنا كان رد الرجل بأن “حاميها حراميها".
منذ احتلال العراق والى يومنا هذا فان مقولة حاميها حراميها تطبق على عهد النظام القائم بدءاً من أصغر مسؤول إلى أكبر مسؤول الحرامية والمختلسين من أموال الدولة إلا ما رحم ربي وهؤلاء يعرفهم القاصي والداني، وهذا ما بدى واضحا هذا واضحا بل وأصبح مستشريا ومتناميا في جميع دوائر الدولة ومؤسساتها، وصل الكثير لحالة اليأس والتأني والاحراج من قول كلمة الحق امام هذا التيار الهائل من النفاق و الكذب..
العراق العظيم الذي كان رمزا للهوية الوطنية والشموخ والكرامة، اصبح بطبقة "حاميها حراميها"، رمز لواقع استغلال الحكام لمؤسسات الدولة، وكيف أصبحوا يدّعون حماية الوطن بينما يمارسون السرقة والفساد، فأصبح لا حامي ولا واقي ولا رادع ولا وازع لا دين ولا دنيا...
العراق العظيم مقابل كل فلس بناء كان السطو على كذا فلس نهب وعمولات.
العراق العظيم فيه الحرامي نور زهير الذي سرق المليارات يتفق مع الحكومة بتقسيط استرداد المال ويرشح ضمن قائمة رئيس الوزراء.
كم مسؤول وكم معالي من الوزراء وكم سيادة من النواب وكم رجل دين وشيخ ومقاول ينطبق عليهم قول شريف روما..!!
انهب واسرق ما شئت..! ولو كانت شجرة في فناء مجلس النواب، شطارة وشجاعة!.
فقط في العراق العظيم هناك سياسيين عراقيين ممن خدمتهم الصدفة وانتشلتهم الانتخابات ليتربعوا مترفين وسراق، بعد ان كإنو في الحضيض، تراهم يطالبون بمحاسبة الفساد واسترداد الأموال المسروقة!
فقط في العراق العظيم اغلب البنوك يملكها رؤساء الفساد من السياسيين ...!!
أن مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي، وإسقاط النظام الوطني في العراق، إذ أنتجت سياسة الاحتلال المرتبكة في العراق، حالة من الانقسام الطائفي والقومي، ومنحت فرصة كبيرة لدول الجوار العراقي لأن تتنافس على الساحة العراقية وخصوصا ايران. كما جعلت من البيئة العراقية حاضنة للعديد من الجماعات والفصائل المسلحة؛ مما أنتج بدوره حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني في العراق، تلك الفصائل المسلحة ومنها التابعة للأحزاب الدينية والمدعومة من ايران على انها أداة قمع وجزء من منظومة الفساد باتت هي المسيطرة، والتي يفترض بها حماية الناس وممتلكاتهم، اتضحت ان تلك الفصائل المليشياوية هي التي تقوم بسرقة المنشآت ومنها تفكيك مصفاة بيجي "اكبر مصفى بالعراق" ونقله الى ايران كما وقامت بنهب معداته الثقيلة والمكائن واسلاك النحاس إضافة الى ممتلكات المنتسبين، والسطو والاعتداء على الناس والمحتجين بالتظاهرات ونهب ممتلكاتهم وخطفهم وفرض الفدية عليهم وترويعهم وحتى قتلهم بمختلف الوسائل الوحشية البشعة.
فقط في العراق العظيم ضابط كبير أُدين بواحدة من أكبر قضايا تهريب النفط في العراق، وحكم عليه بـ15 عامًا وفق المادة 4 إرهاب وتهريب النفط، افرج عنه لاحقًا بـ"عفو عام" ويستقبل كالأبطال المنتصرين، أي انتصار هذا!!
هل يوجد عاقل يمكن أن يصدًق أن جماعة الحكم المتكلمين بالقيم والخلاق هؤلاء، من الممكن أن يواجهوا الفساد، بل حتى أن يتوقفوا عن ارتكابه؟ وهل هناك امل بانتهاء مرحلة الحرامية وحاميها!، قد يكون هناك مخرجا لهذا المأزق الذي يعيش فيه العراق اليوم، فشعب العراق شعب العزة والبطولة والعنفوان في حراك تشرين التي كانت لحظة تأسيسية في وعي الشباب الذي تظاهر واحتج، وهو الذي مثل رمزا لرفض الفساد والطائفية وسوء الادارة، وعمت انتفاضته العديد من محافظات الجنوب وقلب العاصمة في ساحة التحرير في تشرين اول 2019 لقادر ان يحي حراك تشرين لعملية مقاطعة الانتخابات والتحرك لرياح التغيير، والسعي إيجاد نظام فيه جيش يمثله ويحميه وليس ميليشيات تابعة لإيران، يقدم مصالح العراق ويعمل من أجل رقيه ويعتبر حقوق الإنسان ويتكامل مع غيره على حساب تبادل المصالح لا على أساس التبعية لا لطهران ولا لواشنطن ولا غيرها من الفواعل الإقليمية والدولية، ومن الله التوفيق.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1024 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع