مليح صالح شكر/ نيويورك
شكاوى القراء وما يطلبه المستمعون!
كثير من صفحات شكاوى المواطنين في الصحف العراقية هي صفحات يروج محرروها لشكاوي في أغلب الأحيان هي شكاوى وهمية لا يوجد دليل وصولها فعلا في رسائل تشتكي من هذه الظاهرة او تلك المشكلة.
الحالة نفسها مع برنامج ما يطلبه المستمعون في إذاعة بغداد او الاذاعات العربية الاخرى أيام زمان لا يوجد دليل على ان البرنامج قد استلم فعلاً رسائل تطلب هذه الأغنية لمطرب أو مطربة .
شكاوى القراء
أنا لا أنكر هنا وصول شكاوى من القراء الى محرر الصفحة لكني أؤكد أنها رسائل محدودة العدد أو عدم وصول كل ذلك العدد من الشكاوى الكثيرة والمتنوعة في عرض الشكوى من الظواهر السلبية ، الاجتماعية او الاقتصادية او الثقافية ،
وسميت في مجلات الستينيات رسائل القراء كما جرى ذلك في مجلة طبيبك الصحية ، ومجلات الموعد والشبكة الفنية المختصتان باخبار الفنانين والفنانات.
كنت في أحد الأيام في زيارة صديق صحفي متعدد المهام في الصحيفة التي يعمل فيها ، ومنها مهمة تحرير بأب شكاوى المواطنين ، وقال لي إن مصمم الصفحة يحتاج لزيادة في مواد باب الشكاوى لكي يتمكن من تصميم الصفحة.
وما حصل أن الصديق الصحفي زاد من عدد الشكاوى التي يدعي أنها وصلت إلى الجريدة من القراء ، وجلس يفبرك شكاوى من زوجة تشتكي من ظلم مطلقها ، ومن مواطن يشتكي من وجود حفرة في شارع يمر أمام بيته في بغداد، وهكذا!!
هذا أيضاً لا ينفي تخصيص محرر مختص فقط بباب شكاوى المواطنين ولكنهم لم يكونوا من كادر الجريدة كما هو الحال مع حسن العلوي الذي حافظ على وظيفته مدرساً لكن إدارة جريدة الجماهير عام 1963 استخدمته محرراً بالقطعة لا يداوم، ويأتيبمواده الى إدارة الجريدة في محلة الصرافية ويسلمها إلى سكرتير التحرير سامي مهدي ويستلم منه رسائل جديدة وصلت الجريدة.
في تلك الفترة كان مكاتبة القراء للصحف كثيرة في كل الشؤون لكنها قلت كثيراً في سنوات لاحقة ، بل إنعدمت نهائياً في السنوات اللاحقة.
وعمل في سنوات الحصار الاقتصادي على العراق أشخاص عملهم كان مقتصراً على باب شكاوى المواطنين فقط ، ولا اعتقد بان مثل هؤلاء يمكن أن يكونوا صحفيين!
ما يطلبه المستمعون
في الجانب الاخر لا آنفي وصول رسائل الى مذيع برنامج ما يطلبه المستمعون بل هي رسائل محدودة العدد، وأحياناً رسائل وهمية لم تصل الى البرنامج بل هي من تأليف المذيع.
حكى لي مذيع في احدى الإذاعات العربية القديمة أنه كان في منتصف عقد الستينيات من القرن الماضي ،يقدم برنامج ما يطلبه المستمعون وتصله رسائل لا تكفي لتغطية فترة الساعة المحددة للبرنامج الأسبوعي.
ويعترف هذا المذيع أنه كان يجلس مفبركاً طلبات تصله من المدن المصرية أو من مدن عربية في لبنان وسوريا والعراق وحتى الجزائر والمغرب ،
ويقول أن كل إهتمامه كان التوازن في أغاني المطربين والمطربات اسبوعياً، فهذا الاسبوع أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفي الأسبوع التالي فريد الأطرش وفائزة احمد وبين هذا وذاك يذيع اغاني معجبين فبرك أسمائهم لنجاة الصغيرة وهدى سلطان وصباح وفيروز.
وتشتكي سامية صادق أشهر من قدم برنامج ما يطلبه المستمعون في إذاعة القاهرة في عقد الخمسينيات من القرن الماضي من أن أحد المطربين الشعبيين كان يرسل هو وافراد فرقته الموسيقية رسالل من كل مدينة يغني فيها وباسماء مستعارة يطلبون فيها من البرنامج اذاعة احدى اغانيه وكانت رسائل كثيرة حتى أكتشفت ان مصدرها ذلك المطرب وفرقته.
وتقول ان المطرب محمد عبد المطلب أشتكى عندها على عدم إذاعة اغانيه في البرنامج قائلاً لها ( هو إن المستمعين لا يحبون سماع أغانيه).
وهنالك قصة في الأدب العربي كتبها توفيق الحكيم سماها ( الخروج من الجنة) اصبحت عام 1967 فيلماً لفريد الاطرش وهند رستم حيث تمثل هند وأسمها عنان في الفيلم دور صحفية تقضي وقتها في الإجابة على رسائل القراء وتلتقي بالقارئات يزرنها في المكتب لتقترح عليهم حلاً.
زمن الرسائل
ومع تقلص عدد المطبوعات والصحافة المكتوبة وإقفال عدد كبير من المجلات ، أو تحويلها إلى مواقع إلكترونية، تغيّرت الاهتمامات والأبواب. وصارت أبواب مشاكل وحلول المجلات من ذكريات زمن الرسائل التي تأخذ وقتها لتصل وتقرأ وليردّ عليها.
اليوم أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تعرض عبر حسابات عدد من الأخصائيين حلولاً حول الكثير من المواضيع، من الأمور الاجتماعية إلى الصحية والنفسية والقانونية والغذائية بشكل إما مكتوب أو مصور.
وأصبحت المعلومات متاحة بشكل واسع، والوصول إليها لا يحتاج إلى خبراء مما جعل عادة العودة إلى المجلات للسؤال عن أي موضوع لا داعي له، وانتفت الحاجة إلى صحفيين يجيبون على شكاوى القراء.
1666 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع