د. اسعد الامارة
التخييل" الأمل دائمًا أكبر من الواقع"" نقول .. الخيال أوسع من الواقع "
في حياتنا اليومية المعاشة نجد التخييل " الخيال " عند الإنسان يأخذ أبعادًا عظيمة في جوانبها الإيجابية إذا ما ورد بأذهاننا صياغة الكلمة التي نتحدث بها للمستمع ، أو لنعبر بها عن وجهة نظرنا ، أو أمام حضور من الجالسين للاستماع عندما أكون أنا المتحدث ، أو المستمع ، يدخل التخييل في تكوين الجملة من كلمات وافكار وصياغة معنى للفهم ، وكذلك عندما أكون أنا المتلقي ، استقبل الكلمات والفكرة لاعالجها في مخيلتي كمثير قبل قبولها كأستجابة بعد أن اخترقت عالمي العقلي الداخلي لمعالجتها ، أما الصورة الأخرى لهذا المفهوم عند بعض من تركوا الأثر في عقول الاجيال ومنهم من أمتهن صورة الكلمة في الشعر ، أو الحديث في الرواية ونسج عمقها ، والمسرحية التي تجد عند المشاهد ذلك الانفعال ليس في النص فحسب ، وإنما في الأداء ، هي الكلمة ، هي الصورة المتخيلة لتتحول للمتلقي رسالة تحمل ما حمله خيال كبير وواسع ، وهو الإبداع الذي يأخذ أحيانًا صورة الإنحراف عن السوية ، وإذا افترضنا أن حالة الاضطراب هو الافراط في الخيال فنجد أنفسنا قد فقدنا معيار الحكم ما بين السوية واللاسوية " الاضطراب".. ويحق لنا أن نقول أنه إنفصال عن الواقع .
نتفق مع مؤسس التحليل النفسي " سيجموند فرويد" حينما استخدم التخييل ليدلل به على الواقع النفسي الداخلي في مقابل الواقع الخارجي.. التخييل " هو نوع من تحقيق رغبات خفية ومقموعة وهو يحمي الأنا من الحصر " القلق " الذي يتمخض عن ذلك التوتر الناتج عن عدم تفريغ الغرائز . وكما ترى " نيفين زيور" التخييل إنما هو نتاج صراع ويمثل تسوية بين هذين النوعين الشعوري – الواعي الواضح واللاشعوري – اللاواعي.
التفكير عند فرويد هو نوعًا من التخييل ، ونقول أنه يخلق نتاج فكري وأدبي وفني وعقلي وبناء أسس لنظريات في مختلف التخصصات ، ولا نغالي إن قلنا أنه الوصل بين نشأة اللغة وتكونها لتعطي الإنسان السمة الأساسية في شخصيته، وبذلك فإن وظيفته أيضًا هي خلق موقف يشبع الرغبة في إثبات الوجود ومؤانسة يشارك فيها الطفل مع أقرانه.
نتفق مع القول الذي يرى أن التخييل هو من يخلق فجوة مع الواقع، والنظام الرمزي هو من يأتي لسد هذه الفجوة. طالما أن النظام الرمزي يحتوي ويضم كل ما هو يتعايش مع الإنسان ويتعلمه من قيم وتقاليد وأعراف ودين وقوانين المجتمع واللغة التي بوساطتها يدخل هذا العالم وبها يثبت وجوده كإنسان ، فالإنسان بما هو إنسان ، بقدر ما هو يتكلم . وخير من أثبت ذلك قول " جاك لاكان" في فكرة العقدة البورمية .. ان دخول الإنسان عالم اللغة ، أعطى تحقيقًا لوجوده ، وهو ما عبر عنه بكلمة " المتكلموجودي" أي الوجود مرهون بالكلام .
إذن اللغة قائمة على فكرة التخييل ، والتخييل هو الذي يجعل الإنسان متكلم واعي ، وبنفس الآن متكلم غير واعي بما يقول ، ليس بفعل المؤثرات الحضارية مثل الخمر وادمانها ، أو المؤثرات الطبيعية مثل النباتات كنبتة الخشخاش كموسعات التفكير .. لا .. أبدًا ، إنما بفعل حلمه وهو نائم ، فهو يسترجع ما كان في يومه السابق ، أو اسبوعه السابق ، أو من فكرة أو رغبة حرم منها بفعل الجانب الرمزي من قيم المجتمع فلاذ بها إلى عالم خفي وهو عالم اللاوعي – اللاشعور ، عاد له في صورة أخرى في الحلم ، وما أعظم التخييل عندما يُكونُ الصور والأفكار ويطلق عنانها في نتاج فكري عظيم بلا رقيب ، ولا رمزية هاربة في كلماتها من قيم الحياة الواقعية .
التخييل " الخيال " عند الإنسان يسعى دائمًا وراء ما لا يستطيع امتلاكه وتحقيقه في الواقع ، وهو يمكننا قوله عن حلم اليقظة وهو في حالة الوعي .. وفي اليقظة . أما التخييل اللاواعي – اللاشعوري هو الطريقة التي يحاول بها بعضنا تنظيم رغباته في مواجهة نقصه ، وهو ما يشكل جزءًا أساسيًا من هويته النفسية كما يقول من درس النفس بعمق ، ولا ننسى إن ما نفتقر إليه هو الذي يدفعنا إلى اللجوء لعالم التخييل على المستوى الواعي ، أو غير الواعي ، اقصد اللاواعي – اللاشعوري.
تطرح " نيفين زيور " في كتابها القيم " التخييل " قول " سيجموند فرويد" أنه من الخطأ أن نظن أن اللاشعور يظل في حالة هدوء على حين أن كل عمل الذهن إنما يقوم به القبشور – وأن اللاشعور شيء انتهى أمر إنجازه وكأنه عضو أثري أو مخلف من مخلفات النمو .
تقول المحللة النفسية " سوز ايزاكس" أن التخييل نشط في السواء ، كما هو نشط في المرض ، والفرق الوحيد إنما يكون في الطريقة التي يتعامل بها الفرد مع التخييلات اللاشعورية – اللاواعية ، وتلك العمليات العقلية الخاصة والتي بوساطتها تعدل التخييلات كما يمكن في درجة الإشباع المباشر ، أو غير المباشر في العالم الواقعي وفي التوافق معه.
ولننتقل إلى رؤية نفسية مختلفة عما طرحناه عن موضوع التخييل وعلاقته بالتفكير وتتسائل " دافيدوف " هل يفكر الناس في شكل كلمات ؟ أو صور عقلية؟ أم يتخذ تفكيرهم أسلوبًا آخر؟ بالطبع لا يستطيع علماء النفس الملاجظة المباشرة لأفكار أي فرد ، إلا أنهم يعالجون هذه المشكلة بطريقة غير مباشرة ، ويبدو أن الصورة العقلية مكون مهم لأفكار كثير من الناس ، حيث غالبًا ما يذكر العلماء والروائيون ، والشعراء أنهم بدأوا أعمالهم من خلال صور في عقولهم.. تخييلات . لقد أكتشف الفيزيائي البرت إينشتاين النسبية بتخيله لنفسه مسافرًا جنبًا إلى جنب مع حزمة من أشعة الضوء عند سرعة 186000 ميل / ثانية . وما رآه إينشتين بعين عقله لا يقابل أي شيء يمكن تفسيره وشرحه بالأفكار النظرية الحالية ، ولم تذهب الكلمات المنطوقة إلى الحد الذي ذكره إنشتين ، أي دور في تفكيره.
تضيف " دافيدوف " كثيرًا ما يصف الناس أفكارهم بأنها مبتورة ، غير كاملة ، وإنها كلام غير مرتب على وفق قواعد اللغة . وتؤكد الملاحظات المعملية فكرة أن الناس يتحدثون بأنفسهم أثناء التفكير ونقول هناك صور متخيلة تدعو صاحبها أن يتكلم بهذاءات وهو في حالة الوعي ، تأخذ صور حركة البدين ، أو إيماءات تظهر على الوجه ، وتقول " دافيدوف" نحن غالبًا نؤدي حركات تشبه الكلام بالشفاه أو البلعوم أثناء القراءة وهي نشاط يتطلب الكثير من التفسير ، ويبدو أن تلك الحركات تساعدنا في فهم ما نقرأه ، ونقول إنما هي صور متخيلة صيغت بأفكار وكلمات أعلنت عن حضورها في الوقت والزمان المناسبين ، ولا نستبعد أن تكون لغة الصم عملية تضم الكثير من الاخاييل لتتحول إلى لغة الإشارة بإيصال فكرة ما أو جملة يريد صاحبها القول.
نستنتج مما تقدم بأن التخييل بشقيه الواعي – الشعوري واللاواعي – اللاشعوري ينحى منحى البنية التي كونها الفرد منذ فجر حياته – أعني طفولته الأولى للدلالة على كل من أساليب التفكير والتخييل ونتاجاته الواقعية كسلوك بعد ذلك ، لأنها تنشأ من أفكاره وتخيلاته .
1195 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع