دور القوة الجوية العراقية في حرب تشرين١٩٧٣

اللواء الطيار الركن دكتور
علوان حسون العبوسي
6 / 10 / 2025

دور القوة الجوية العراقية في حرب تشرين١٩٧٣

عام

تعتبر حرب 6 تشرين 1973 (العاشر من رمضان) من اهم المساهمات التي ساهم بها الجيش العراقي عبر سفره الخالد في تاريخه الحديث .... هذه المساهمة تمت دون إشعار أو تخطيط أو تنسيق مسبق لذلك تعتبر ضرب في البطولة والشعور الوطني والقومي تجاه قضايا ألامه العربية وعدوها التقليدي ( الكيان الصهيوني ).
كنا ضباط أصاغر برتب نقيب ورائد طيار نتساءل لماذا أرسلت أسراب طائرات الهنتر السادس والتاسع والعشرون إلى مصرفي نيسان 1973 وكان الجواب لأغراض التعاون مع القوات الجوية المصرية وكنا مسرورين لذلك ونتوسط من اجل شمول أسراب قوتنا الجوية الأخرى ، بعد مضي الوقت وصادف عودة بعض الطيارين من مصر إلى العراق للتمتع باجازة قصيرة كنا نلتقي بهم ونسألهم نفس السؤال ؟ يكون جوابهم لأغراض التعاون مابين القوتين الجويتين ، في الحقيقة التكتم لبعض الامور صفة جيدة لعدم كشف هذه الامور تحسبا لافشال المهمة او الواجب .
أخيرا أتضح لنا السبب جليا بعد سماعنا من الراديو مساء يوم 6تشرين الاول / اكتوبر1973 خبر هجوم 200 طائرة مصرية ومعها 20 طائرة هنتر عراقية في الساعة 1400 لمواقع العدو الإسرائيلي في شرق القناة والمتمثلة ( بالمطارات في سيناء تماده وراس نصراني والمليز ،ومواقع القيادة والسيطرة وبطريات الصواريخ ارض جو ثم توغل القوات البرية شرق القناة بعمق 15 كلم)، وقد تزامن مع هذا الهجوم هجوم 100 طائرة سورية ضد الأهداف الاسرائيلية في الجولان لاستعادة الأراضي التي احتلها العدو عام 1967.
إجراءات القيادة السياسية العراقية
في مساء نفس اليوم اجتمعت القيادة السياسية والعسكرية العراقية برئاسة رئيس الجمهورية احمد حسن البكر وبعد التشاور مع القيادة السورية أصدرت قرار المشاركة في الحرب ، وتم الايعاز للسربين التاسع والحادي عشر (ميج 21 ) التوجه فورا إلى سوريا كما أوعزت إلى الأسراب الهجوم الأرضي الأول والخامس والثامن سوخوي 7 والسرب السابع ميج 17 التوجه تباعا إلى سوريا كما أوعزت إلى ألفرقة المدرعة الثالثة بقيادة العميد الركن محمد فتحي امين (ألويتها ل مدرع 12 بقياده العقيد الركن سليم شاكر الامام ول مشاة ألي 8 بقيادة العقيد الركن محمود وهيب ول مدرع 6 بقيادة المقدم الركن غازي محمود العمر )، والفرقة المدرعة السادسة بقيادة العقيد الركن دخيل الهلالي التحرك كأسبقية ثانية ألويتها (ل مدرع/30)، بقيادة المقدم الركن وليد محمود سـيرت و(ل مدرع/16) بقيادة المقدم الركن عبد الفتاح أمين المراياتي، و(ل مشاة/15) بقيادة المقدم الركن طارق محمود شكري)، واللواء الآلي من فرقه المشاة الآلي 20 بقياده العقيد الركن سلمان باقر واللواء المشاة5 من الفرقة المشاة الرابعة بقيادة المقدم الركن عبد الجواد ذنون، والفوج الثاني من القوات الخاصة بقيادة الرائد الركن قوات خاصة نزار عبد الكريم الخزرجي.
إعادة العلاقات وإبرام معاهدة عدم اعتداء مع إيران ليتسنى سحب القطعات المتواجدة على الحدود الايرانية، أضافه إلى تامين حصة هولندا النفطية وتقليل حصص دول العدوان وكذلك فعلت الدول العربية النفطية منها المملكة العربية السعودية برئاسة الملك فيصل بن عبد العزيز ال سعود .
الالتحاق إلى سوريا
كنت على التو قد أنهيت دورة في القتال الجوي على الطائرات المقاتلة ومتمتع في أجازه نهاية الدورة وصادف أن أكون مع عائلتي في احد أسواق بغداد عندما سمعت خبر الهجوم بالراديو ،وكان الخبر سعيد بشكل ، قلت لعائلتي اعتبر أن إجازتي انتهت ، في صباح يوم 7 أكتوبر التحقت في قيادة القوة الجوية طالبا تتسيبي لأحد الأسراب المقاتلة وتم تتسيبي إلى السرب الخامس سوخوي 7 في قاعدة كركوك الجوية آمره الرائد الطيار سالم سلطان البصو يعاونه الرائد الطيار (ح ح ق) وكنت أنا آمرا للرف الأول في السرب المذكور، التحقت في السرب مساء بعد ان اقلني اخي الرائد الطيار موفق سعيد عبد بسيارته الخاصة ( شوفرليت موديل 1959 )، كما التحق معنا النقيب الطيار يوسف محمد يوسف وهما كانا في دورة آمري الاسراب الحتمية المفتوحه بجناح الدورات الجوية ، في كركوك وجدت السرب قد هيىء مستلزمات التنقل الى سوريا صباح يوم 8 أكتوبر.
صباح يوم 8/10/1973 ، التحق بالقاعدة الرائد الطيار هشام عطا عجاج مبعوثاً من قيادة القوة الجوية ، حيث اوجزنا بمهمة القوات الجوية العراقية في سوريا موضحاً خط رحلة اسراب الهجوم الارضي المنطلقه من قاعدتي كركوك وابي عبيده واوضح لنا من ان اسراب المتصديات قد تم ارسالها منذ صباح يوم 7 منه ، وقد اوصانا بالصمت الاسلكي كجانب امني مهم لسلامة تشكيلاتنا ، بدأنا بالتنقل إلى سوريا من قاعدة كركوك الجوية في الساعه 1000 من نفس اليوم و على شكل مجموعات رباعية بفاصل خمسة دقائق بينهما ، كان معي بالتشكيل كلا من الملازم الاول الطيار فيصل حبو شعيب والملازم الاول الطيار حسن عبيد والملازم الاول الطيار محمد السعدون ، تسلق التشكيل الى ارتفاع 6000 متر باتجاه قاعدة الوليد الجوية ، بعد مدينة حديثه بدءنا بالانحدار التدريجي تحسباً للكشف الاسرائيلي الممتد عبر الاراضي العراقية لحين وصولنا مدينة الرطبه بارتفاع 100 متر، تم هبوطنا بقاعدة الوليد الجوية التي كانت مزدحمه باسراب السوخوي والميج 21 وبعد تناول وجبة خفيفه اقلعنا مره اخرى باتجاه سوريا على ارتفاع منخفض جداً 30 -50 متر حيث تقرر هبوط السرب الخامس في قاعدة (بلي) الجوية ، قبل وصول القاعده اتصل بنا احد الضباط الجويين العراقيين واعتقد كان المقدم الطيارالركن نجدت النقيب محاولا اعطاء بعض الدلالات لهذه القاعدة وفعلا كانت مفيده لنا ، في اقل من 5 دقائق بعد وصولنا القاعدة هبطت طائراتنا فيها بسلام وادخلت فوراً داخل الملاجىء المحصنة ، اما السرب الأول فهبط في مطار ( دمشق الدولي ) والسرب الثامن في مطار الضمير وسبق أن هبط السربان التاسع والحادي عشر (ميج 21 ) في مطاري سيكال والناصرية أما السرب السابع فهبط ايضاً في مطار الضمير ، في المساء التقى بنا آمر القاعدة واوجزنا بالمنطقة وسياقات العمل المتعارف عليها ، في قاعدة بلي التقينا بالرائد الطيار العراقي سمير زينل حيث كان منسب آمراً لاحد اسراب الميج 17 السورية وقد سبق له ان شارك بالعديد من الطلعات منذ اليوم الاول للمعركه ،كما التقينا بعدد من الطيارين ممن كانوا معنا في الاتحاد السوفيتي عام 1967 منهم عبد الرحمن وكمال وغيرهم لااذكر اسمائهم الان ، المهم جرى توزيع الخرائط علينا وتسليمنا للكلمات الجفرية التي اعتاد السوريين العمل بموجبها في الجو، جرى دراسة المنطقه جيداً وفق هذا الوقت القصر على خرائط مجسمه التي تظهر طبيعتها الجغرافية ، بعد تناول وجبه عشاء خفيفه ولشدة تعبنا هذا اليوم خصصت لنا اسرة للمنام في داخل مقر السرب التعبوي تحت الارض حيث تقرر ان نبدء الطيران ضد الاهداف الاسرائيلية غداً 9/10/1973 انشاء الله .
ساهمت طائرات النقل نوع (انتونوف 12 و 24 ) بنقل مستلزمات كل الأسراب المساهمة رغم ظروف الحرب الصعبة كما ساهمت طائرات الهليكوبتر بأعمال إعادة التمركزات لوسائل الدفاع الجوي والأسراب وفقا للموقف الجديد ، لم يبقى في العراق سوى السرب 14 لحماية بغداد وبعض مفارز من طائرات السوخوي والميج 21 لاعادة تاهيل الطيارين المتواجدين في كلية القوة الجوية وكلية الأركان بغرض زجهم بالمعركة بعد ذلك .
موقف واجراءات تنفيذ القوة الجوية العراقية واجباتها في سوريا
في 10 أكتوبر أصبح موقف القوه الجوية العراقية في سوريا ماياتي: ( 50 طائرة سوخوي/7 هجوم ارضي و36 طائره متصدية/ميج 21 و8طائره ميج 17 ) .... نسبة الطيارين إلى الطائرات 2: 1 للاستعواض ، اما تنفيذ الواجبات فكان كما يلي :
باشر السربان 9 و 11 متصديات الطيران مع الطيران السوري منذ اليوم الأول لوصولهم في 7 أكتوبر واستمر حتى وقف إطلاق النار في 23 أكتوبر واستطاع كلا من الطيارين التالية أسمائهم اسقط 3 طائرات اسرائيلية( المقدم الطيار الركن محمد سلمان حمد والرائد الطيار الشهيد نامق سعد الله والنقيب الطيار شهاب احمد ) .
باشرت أسراب الهجوم الأرضي 1 و 5 و 8 و 7 الطيران منذ 9 أكتوبر وحتى وقف إطلاق النار .
لقد واجهت أسراب الهجوم الأرضي ظروف صعبة بسبب قلة الاستحضارات وعدم التعرف على المنطقة بشكل جيد بعد زجها بشكل مباشر في المعركة أدى إلى وقوع خسائر غير مبررة بالطيارين خاصة وان امكانية الطائرات الروسية القتالية آنذاك لم تكن بالصورة التي عليها ألان فالطائرة تحتاج إلى طيار يقودها إلى الهدف على عكس الطائرات الغربية حيث الطائرة هي التي تساعد الطيار إلى الهدف بواسطة ما تحتويه من أجهزة ملاحية وقصف دقيقة، ولما كانت المعلومات غير متوفرة والطيارين لم يسبق لهم ممارسة الطيران في سوريا قبل هذا الوقت لذلك كانت الخسائر غير مقبولة في المفهوم التعبوي ومع ذلك فقد أعجب الطيارين السوريين بكفاءة الطيار العراقي رغم كل الظروف التي أشرت إليها أنفا وقد أفدناهم في أمور أساليب الاستخدام القتالي أثناء تنفيذ الواجبات مما ساهم في تقليل نسب الخسائر بالطيارين وأصبحوا يقولون لو كنتم معنا قبل هذا الوقت لأبلينا بلاءا حسنا معكم .


ماهية واجبات القوةالجوية السورية
التخطيط للواجبات لم يكن بمستوى تخطيط العدو الإسرائيلي فقد تمكن من كشف الخطط السورية مبكرا ومن ثم نصب كمائن في طريق ذهاب الطائرات إلى أهدافها وإسقاطها بل العدو كان يعلم بالخطة أساسا ،السبب أن خرائط الطيارين كان الدفاع الجوي قد ثبت عليها كل الأهداف المعادية وأسلوب الذهاب والعودة إلى الهدف وعندما يقذف الطيار من الطائرة بسبب اصابة طائرته من قبل الدفاعات الجوية الاسرائيلية يلقى القبض عليه ويستولي العدو على هذه الخرائط يستدل منها على الخطط التعبوية للاستخدام .
اقتصرت ألخطه الجوية على عمليات الإسناد الجوي القريب وبعض أهداف التجريد لمواقع التحشد والتموين وقد خلت الخطة من أهداف الحركات الجوية المقابلة لأهميتها القصوى في المعركة ، بسبب عدم ادراجها في الخطة الجوية.
الأهداف كانت ( القنيطرة ,تل عنتر , سعسع , مجدل شمس , منطقه طبرية , جسر بنات يعقوب , ارتال متقدمة تجمعات , إسناد القوات ألبرية السورية اثناء انسحابها من الأهداف التي احتلتها في بداية الحرب وغير ذلك .
استمر زخم طائرات الهجوم الارضي العراقي حتى يوم 10 أكتوبر، بعدها توجه العدو إلى الجبهة السورية بعد أن احكمت القوات ألمصرية مواقعها في سيناء وذلك لخطورة هذه الجبهة بعد أن استعادت سورية كافة أراضيها في الجولان، ففي الهجوم المقابل الإسرائيلي ، كان العدو يقوم منذ الصباح الباكر واعتبارا من 11 أكتوبر شل كافة القواعد الجوية السورية وتلغيمها بالقنابر الموقوتة لكي تتفرغ في هجومها المقابل تجاه القوات السورية، لذا كنا نعاني من ذلك كثيرا ونحن نسمع من غرف العمليات تقهقر القوات السورية بعد تحقيقها هزيمة للقوات الاسرائيلية في بداية الحرب ، وقد أوعز السوريين ذلك في نقص بالقوات وتأخر وصول الجيش العراقي حتي 11 أكتوبر حيث كانت القوات السورية قد أكملت انسحابها من الاراضي التي احتلتها في بداية المعركه .

قرار القوة الجوية العراقية في سوريا
نتيجة للخسائر الكبيرة بالطائرات والطيارين السوريين والعراقيين اقترحت القيادة العراقية في سوريا المؤلفة من المقدم الطيار محمد جسام الجبوري والمقدم الطيار صباح صالح والمقدم الطيارالركن نجدت النقيب وبعد استشارة قيادة القوة الجوية في بغداد تعديل الخطة الجوية السورية بما ينسجم ومتطلبات الموقف الجديد بعد تقهقر القوات البرية السورية ، وتم وضع خطه تحوي على أهداف استراتيجية مهمة بغرض شل القوه الجوية الاسرائيلية والقيام بهجوم مقابل أخر بالمساهمة مع القوات البرية العراقية التي وصلت على التو سوريا واستكملت تحشدها في 17 أكتوبر ، من حيث المبدأ وافقت القيادة العسكرية العراقية على الخطة ولكن القوة الجوية والدفاع الجوي السوري لم يوافقان عليها ، وعلى أية حال استمرت قوتنا الجوية وفق الخطة السورية حيث زادت نسب خسائرنا بالطائرات والطيارين وكذلك بالنسبة للسوريين تجاه أهداف لم يكن تأثيرها واضح في المعركة .
ملاحظة
من المفيد ذكره اثناء حرب تشرين / اكتوبر 1973 قام الاتحاد السوفيتي تجهيز العراق بطائرات سوخوي/ 20 المتطورة انذاك من حيث السرعة والحمولة ، وتم ارسال عدد من الطيارين العراقيين من السربين الخامس والاول في سوريا الى العراق بغرض جلبها الى سوريا للمساهمة في القتال هناك ، ولكن ايقاف القتال اجل هذا الموضوع الى اشعار اخر.
خسائرنا في سوريا
بلغ إجمالي خسائرنا في سوريا فقط 15 طيار وأسيران و 15 طائرة سوخوي 7 وطائرتان ميج 17 و5 طائرات ميج 21 ،كما بلغت عدد الطلعات ألمنفذه بطائرات الهجوم الأرضي حوالي 200 طلعة وضعف هذا العدد بالنسبة للطائرات المتصدية .
تطور القتال على الجبهة المصرية
في 14 أكتوبر قرر الرئيس المصري أنور السادات تطوير الهجوم شرق قناة السويس إلى المضائق بالرغم من ممانعة القادة العسكريين وعلى راسهم الفريق اركان حرب سعد الدين الشاذلي رئيس الاركان المصري ، مما أدى إلى تحرك القوات المصرية ومعها وسائل الدفاع الجوي باتجاه الشرق سبب ذلك من حدوث ثغره في الكشف الراداري المصري وقد استغل ذلك من قبل إسرائيل تسللت عبرها مجاميع من الطائرات الاسرائيلية باتجاه الغرب وبالتالي إيجاد منفذ لعبور القوات الاسرائيلية غرب القناة في منطقة الدفرسوار وتطويقها الجيشان الثاني والثالث وتهديد منطقة الاسماعيلية والسويس مما أدى وقوع خسائر كبيرة بالجيش المصري.
قررت كلا من مصر وسوريا وقف القتال بناء على قرار مجلس الأمن 338 ، ولكن العراق طلب استمرار المواجهة إلا أن سوريا رفضت ذلك ، عادت القوة الجوية العراقية إلى قواعدها في العراق بعد 23 أكتوبر وهي بذلك تسجل أروع صفحة من صفحات البطولة في تاريخها الحديث المشرف نفتخر به على مر الأجيال ولا يجب أن ننسى هذا الدور لكون الذي حدث في ظروف غير طبيعية من السكون إلى الحركة مباشره وثم الاشتباك مع العدو دون معرفة تفاصيل الخطط وقبلنا بالخسائر من اجل المبادىء وإحياء اللحمة العربية تجاه كيان غاصب متعجرف.
كانت خسائر القوة الجوية العاملة في مصر استشهاد ثلاث طيارين واسر ثلاث ايضاً ، وثمان طائرات هوكر هنتر.
بعض الملاحظات والدروس المستنبطه عند مساهمة القوة الجوية العراقية في حرب تشرين 1973
لقد افرزت حرب تشرين 1973 العديد من الدروس على المستوى الاستراتيجي والتعبوي والتكتيكي اهمها ، ان اشراك الجيش العراقي بهذه الحرب بشكل فجائي دون سابق انذار لها سواء على المستوى التخطيط اوالاستحضارات والتنفيذ واساليب التعاون المحتملة يعتبر ضرب من البطولة والتضحية والمبدئية التي اعتاد عليها جيشنا العراقي عبر سفرتاريخه النضالي ضد الهيمنة والاستعمار، وكان لها ان تحقق اهدافها على الجبهتين السورية والمصرية على السواء لو تم لها ذلك الا انها اراد لها ان تكون حرب تحريك وليس تحريركما اطلق عليها ، كما ان سرعة التحشد والمشاركة من السكون خاصة قوتنا الجوية في وقت يعتبر قصير جداً اجبر العدو على تحويل جهده الاكبر الى الجبهة السورية واستعادة الاراضي التي احتلتها سوريا خلال الايام الاولى للحرب ، لقد دخل الجيش العراقي الحرب على الجبهة السورية في ارض لم يجري استطلاعها مسبقاً ونفذ واجباته من الحركه دون حشد مخطط له ( بمعارك تصادمية ) التي تعتبر من اصعب اشكال الحروب واكثرها تعقيداً ادناه اهم الدروس التي حاولت استذكارها وانا في المهجر : -
كفاءة الدفاع الجوي السوري . لقد اثبتت منظومة الدفاع الجوي السوري كفائتها تجاه الطائرات المعاديه بدءً من نقاط الرصد الارضي ومنظومة الانذار والسيطرة والتصدي سواء بالطائرات او الصواريخ ارض – جو او المدفعية المضادة للطائرات ، اما موضوع التعاون ما بين القوة الجوية والدفاع الجوي فكان مدعاة مفخره واعتزاز ، لقد تسبب الدفاع الجوي السوري في اسقاط العديد من طائرات العدو الاسرائيلي الذي كان يتحسب كثيراً منها ، كانت الطائرات المتصدية ترافق طائرات الضربة مما يعطي حاله من الاطمئنان النسبي لها اثناء الضربات الجوية ( حسب المصادر السوريه اسقاط 249 طائرة اسرائيلية للفتره من 6 -22 /10/1973 ).
مهام الاسناد الجوي القريب. شاركت قوتنا الجوية في حرب تشرين 1973 بتوجيه الضربات الجويه لعمليات الاسناد الجوي القريب فقط ( وهذا الواجب يعتبر من الواجبات الغير رئيسية للقوة الجوية ) بسبب عدم اشراك هذه القوه منذ البداية مع الضربات الجوية الشاملة المشتركة مع القوة الجوية السورية ليومي 6 ،7 تشرين اول ، وقد كانت خسائر قوتنا الجوية والقوة الجوية السورية كبيره جداً في مثل هذه الواجبات ففي معدل 120 طلعه قتاليه مثلا بلغت عدد الطائرات المصابة 35 طائرة والمدمر منها 21 طائرة ، ناهيك ان تاثير هذه الضربات في هذا النوع من المهام لم يكم متناسباً مع هذه الخسائر وذلك بسبب عدم تعرف وتعود طيارينا على المنطقة بشكل جيد ، لقد وصلنا مساء يوم 8 /10/1973 وشاركنا صباح يوم 9 منه وهذا وقت قليل جداً لم يتح لنا فرصة التعود على سياقات عمل القوة الجوية في ظروف الحرب ولا على طبيعة المنطقة ، كما ان مستوى الطيارين السوريين عموماً كان وسط نعم هناك طيارين جيدين لكنهم فقدوا في الحرب منذ الايام الاولى بسبب فوضى سياقات العمل المتبعة في قوتهم الجوية .
المحاور الملاحيه . لقد حددت القوة الجوية السورية المحاور الملاحيه ( خطوط الطيران ) لطائراتها مسبقاً وحددتها بثمان او عشر محاور وكلها مرسومه على الخرائط الملاحية منذ اليوم الاول للحرب لكي يتجنبها الدفاع الجوي السوري دون احتساب المتغيرات التي يمكن حدوثها اثناء سير المعارك ، وقد ادى ذلك الى كشف الخطط السورية من قبل العدو الاسرائيلي وقام بنصب الكمائن على هذه الخطوط واسقاط طائراتنا بسهولة وقد نبهت القيادة الجوية العراقية الى هذا الخطأ القاتل دون اعتبار السوريين لان دفاعهم الجوي رفض التغيير لتسهيل الامر عليه ( شيىء مضحك وغبي المفروض ان يكون لكل طلعة طيران خطة متغيره عن الاخرى وهي لاتاخذ وقت طويل في الحساب التعبوي) .
ضباط الارتباط الارضيين . لم يتم تامين ضباط ارتباط ارضيين في غرف عمليات التشكيلات الجويه سواء للقوة الجوية او الدفاع الجوي ، وقد كنا نشكوا من عدم معرفة الموقف الارضي للقطعات السورية والاسرائيلية وهذا مهم في مهام الاسناد الجوي القريب لكون كلها كانت من هذا النوع ، خط القصف لم يحدد حيث المفروض تحديده في كل طلعة ، خلاصة القول كنا نطير بقدرة قادر ولم تتحقق الاهداف كما تم رسمها لنا ونحن نعلم ذلك لكن الامر ليس بايدينا وقد قبلنا بالخسائر عن مضض وهذا كان راي الطيارين السوريين ايضاً .
التسليح . ظهرت النقاط التاليه في تسليح طائرات الضربه الجويه : -
لم يجري تسليح الطائرات المكلفه بواجبات الاسناد الجوي القريب على ضوء نوعية الاهداف المطلوب معالجتها مما ادى الى قلة تاثير هذه الضربات .
استخدم السوريون خزانات الوقود الاحتياطية في طائرات السوخوي/ 7 في مديات لاتحتاج لها مما قلل حمولتها الى النصف تقريباً .
عاد بعض الطيارين العراقيين بحمولتهم من الاسلحة الى القاعده وذلك لطيرانهم بالطائرات السورية التي يختلف وضع مفاتيح القنابر عنها في الطائرات العراقية ولم يتم ايجازهم بها مسبقاً .
الايجاز قبل الطيران واساليب الرمي . لم تتمكن بعض التشكيلات من تحقيق الدقة المطلوبة في اصابة اهدافها لااسباب اهمها ، عدم ايجاز التشكيل بتفاصيل الطلعة والاحتمالات التي تصادفهم خلال الطلعة ونوع السلاح المحمول واسلوب الرمي ...الخ ، كانت كافة المعلومات عن الهدف تعطى الى قائد التشكيل فقط ويقوم باقي اعضاء التشكيل بالرمي دون تفكير او تركيز على ما يقوم به قائد التشكيل ، ونتيجة لذلك عادت بعض التشكيلات الى قواعدها بعد فقدان قائد التشكيل دون القاء اسلحتها لعدم المامهم بماهية المهمة، كما ان كثافة نيران مقاومة الطائرات في الطريق الى الهدف وفوقه ساعدت على فقدان الدقة في اسلوب التقرب والتسديد الصحيح .
البحث والانقاذ . لايزال موضوع البحث والانقاذ ضعيف لدى السوريين وعدم تمكنهم من انقاذ اي طيار قذف من الطائرة او سقطت طائرته في ارض المعركة سواء كان سوري او عراقي ، كما لم يكن لدى السوريين اسلوب للتخفي قد اوجزونا به وكيف يتم التعامل بمثل هذه الامور ، بينما اسرائيل كانت طائرات البحث والانقاذ تجوب السماء لانقاذ طياريهم وانتشال طيارينا وتعتبرهم اسرى عندها ، والادهى من ذلك كله ان القوات البريه لم تميز بين الطيارين السوريين والعراقيين وكانو يعاملون معامله سيئه واختمال قتل بعضهم حيث اغلب الظن ان الملازم الاول الطيار سلام محمود ايوب قد قتل من قبل القوات العربية ( المغربية ) لكون لونه ابيض وشعره احمر وبدلة طيرانه انكليزيه تختلف عن البدل السورية بعد قذفه من الطائرة .
الدفاع السلبي . نتيجة للدروس المستنبطة من حرب حزيران 1967 فقد قامت القوة الجوية السورية الاهتمام بموضوع الدفاع الجوي السلبي لدرىء المخاطر عن الاشخاص والطائرات والمعدات الاخرى في القواعد الجوية ووسائل الدفاع الجوي الايجابي منها تشييد الملاجىء الكونكريتية للطائرات وتغطيتها بالاشجار كتمويه للملجىء ، ملاجىء كونكريتيه للاشخاص قرب المواقع المهمه واخرى شقيه منتشرة في كل ارجاء القواعد الجوية ، غرف حركات تحت الارض وربطها بشبكة مواصلات كفوءه ، مكبرات صوت للانذار وسماع التوجيهات من القيادة العامة مباشرة للامور المستعجلة والمهمة ، استخدام حجب الدخان اثناء الغارات الجوية المعادية اخلاء المواقع المهمة من العجلات ومرسلات ومستلمات الاجهزة الاسلكيه وغير ذلك .
مفارز فلق القنابر الغير منفلقه . انتشار هذه المفارز المؤلفه من ضابط وعدد من المراتب في عموم القاعدة الجوية باجهزتها ومعداتها للكشف عن القنابر غير المنفلقة وتفجيرها ، لقد قامت هذه المفارز بعمل عظيم في الاسراع باعطاء صلاحية المطار من هذه القنابر التي اعتاد العدو تلغيم القاعده بها لشلها اثناء العمليات اطول فترة ممكنه .
مفارز تصليح المدرج وطرق الدرج .وهي عباره عن مجاميع منتشره حول القاعدة مؤلفة من ( قاشطات وحادلات وعجلات حمل تحوي حجر وحصى وعجلات تحوي اسمنت سريع التصلب وازفلت )يقودهم ضباط تخصص انشاءات للمعالجة الفورية للحفروتاثيرات القنابر المعادية تقوم بعملها بعد التاكد من خلو الموقع منها في فترات قياسية .
الوقاية الكيمياوية . بالرغم عدم استخدام العدوا للاسلحة الكيميائية واسلحة الدمار الشامل الا ان السوريين اخذوا الاحتياطات اللازمه حيال ذلك من خلال توزيع اقنعة الوقاية والادوية المضادة لعوامل الاعصاب والنابالم وغيرها .
الجوانب الادارية والتجهيز . لقد كانت الشؤون و الامور الادارية بمفهومها الواسع ( طبابة ، تجهيزات اداريه وفنيه ، سكن ،طعام ،تنقل ...الخ ) ةالتي قضيناها في سوريا على جانب كبير من الكفاءة والدقة في ظروف تعبوية صعبه اعتباراً من اول يوم لوصولنا وحتى مغادرتنا بعد ايام من وقف اطلاق النار ، فالطعام كان من افضل ما يكون اما المأوى والملبس فهو من افضل ما يكون ،اذكر عندما قصف مقرنا المحصن وفقدان كافة تجهيزاتنا الخاصة والعامة حتى ملابسنا الشخصية قام السوريون فوراً تلبية كل شيىء نحتاجه من ملابس وفرش وبطانيات واسره وموقع سكن وعمل جديد بحيث لم نتاثر كثيراً بما فقدناه ، وعلى العكس من ذلك في قاعدة الوليد الجوية لم تكن جاهزه لاستقبال اي وحده جديدة مما اربك طيراننا الى سوريا واعتقد ذلك بسبب المفاجاة الحاصله بالزخم الذي تحقق للقاعدة .

في الختام
وهكذا أسدل الستار على دور الجيش العراقي في حرب أكتوبر 1973 الذي أعطى درس لكل الأعداء من أن الوطن العربي وطن واحد مهما حدثت من مشاكل بين الأخوة وان العراق يجب أن يبقى عصيا على الأعداء قويا على مدى العصور ومهما حصل ولكل جواد كبوة رحم الله شهداء القوة الجوية العراقية الأبطال وشهداء القوات البرية العراقية الأبطال التي أبلت بلاءا حسنا في هذه الملحمة البطولية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1055 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك