بقلم : اللواء الملاح الركن المتقاعد فيصل حمادي غضبان
٧ أب ٢٠٢٥
توقفت الحرب بين العراق وإيران وهدنة بلا منتصر
المقدمة: ٨ آب١٩٨٨، توقفت واحدة من أطول الحروب النظامية في القرن العشرين بين العراق وإيران بعد ٨ سنوات دامية. رغم عدم توقيع اتفاق سلام نهائي، إلا أن القرار ٥٩٨ كان قبولا بوقف إطلاق النار يعتبرلحظة مفصلية.تركت سؤالا لم نجد له اجابة هل كان ذلك نصرًا مؤطرًا بالدم لطرف ما أم حلًا وسطًا فرضه الإرهاق المتبادل بين الدولتين . ولكن التعمق في تداعيات الاحداث لاحقاً تعطيناً جواب لتساؤلنا.
٢.المعطيات العسكرية والاستراتيجية قبيل وقف إطلاق النار:
أ.العراق عام ١٩٨٨ :أعاد بناء قواته بكفاءة عالية بعد انتكاسات منتصف الحرب.وشنّ سلسلة من الهجمات المنسقة بدءًا من معارك الفاو (نيسان ١٩٨٨) حتى معارك الشلامجة ومجنون وشرق البصرة، ساهمت في اخراج إيران من معظم الأراضي التي احتلتها. وقد نجح في تحويل ميزان المبادرة لصالحه مع فرض واقعًا عسكريًا جديدًا على الأرض.
ب. إيران عام 1988: كانت تعاني من إنهاك اقتصادي وعسكري متراكم، وانخفاض الروح المعنوية بعد فشل “حرب المدن” وهجماتها الواسعة. وقد أثرت القوة الجوية العراقية في شل الاقتصاد الايراني من خلال مهاجمة الاهداف البحرية المتحركة والثابتة في الخليج العربي بدأت القيادة الإيرانية السعي لايقاف ذلك يصاحبه تحولاً في الموقف أدى الى قبول القرار الاممي ٥٩٨ .
ج . عرقوب أخيل : تحرير الفاو كان اللحظة التي تغيرت فيها مسارات الحرب… لا بالسلاح وحده، بل بتفاوت المعنويات بين الطرفين.وكما أسقط سهم واحد أخيل العظيم، أسقطت الفاو قدرة الاستمرار الإيراني بالحرب، فكان قرار ايقاف الحرب حتميًّا ولا بد منه .
٣. التحليل السياسي للقرار الاممي ٥٩٨:لم يُفسَّر القرار باعتباره نصر صريح لأي طرف، بل رسم صيغة دولية لوقف الحرب تحفظ ماء وجه الجميع ، العراق قبله دون شروط مسبقة رغم انتصاراته الميدانيه، وهذا يدل على رغبة سياسية في إنهاء الحرب، دون التورّط في احتلال أراضٍ إيرانية قد تستنزفه لاحقًا.إيران قبلته مضطرة، بعد سنوات من اصرارها على “استمرار الحرب ما يعني تراجعًا عن أهدافها الأساسية..فكانت نتيجته نصراً للطرفين مؤطراً بالدم ولكنه غير مكتمل سياسياً في حينه.
٤. الأسباب المباشرة لوقف الحرب: أهمها استنزاف الطرفين بشريًا، اقتصاديًا، ونفسيًا.مع تدخل دولي متزايد بعد حرب الناقلات وتهديد أمن الخليج.فقد انكشفت حدود القوة لكل طرف ( لا العراق قادر على إسقاط النظام الإيراني، ولا إيران قادرة على إسقاط نظام بغداد ) مع هاجس دولي تمثل بالخشية من تدويل النزاع بالكامل، خاصة بعد إسقاط الطائرة الإيرانية المدنية من قبل البحرية الأمريكية في الخليج العربي.
٥. كان القرار ٥٩٨ بمثابة توازن ميداني سياسي بين طرفين مرهقين وخاسرين فعليًا بسبب الاستنزاف…فجاء القرار لحفظ التوازن حسب رغبة المجتمع الدولي بعيداً عن كسر الارادات بين العراق وايران القرار لم يُحمّل أحد المسؤولية صراحة، ولم يعطِ مكسبًا سياسيًا لأي طرف. بل جمّد الحرب عند حدودها، مما يعني أن الرابح لم يكن طرفًا مباشرًا في النزاع ..سئل إحد المسؤولين الكبار في الامم المتحدة عن تفسيره للحرب العراقية الايرانية قال نشبت بلا مبرر وانتهت بدون نتيجة. تبين لاحقاً ان الرابح هو الطرف الثالث والذي صنف بثلاث مستويات تتراوح بين الربح الاستراتيجي والاقتصادي والجيوسياسي فكانت ( أمريكا ، إسرائيل ، شركات النفط والسلاح ).
٦. الخلاصة: لم يكن يوم ٨/٨/١٩٨٨ نصرًا ساحقًا، ولا هزيمة مطلقة. كان خروجًا اضطراريًا من نفق دموي طويل، توزّعت فيه المكاسب والخسائر بين الطرفين .العراق أنهى الحرب واقفًا وبيده ورقة القوة.إيران أنهت الحرب صامدة دون أن تسقط . رغم كل شيء كان القرار ٥٩٨ عباره عن حل وسط فرضه الدم والتعب والصحوة السياسية المتأخره لا انتصارًا نقيًّا ولا استسلامًا مشروطًا فقد تم ايقاف النزيف ..
كانت الاستراتيجية والقرار ٥٩٨ لم يُنقذ أحدًا من الخسائر، لكنه أنهى القتال ..نتيجته ان العراق لم ينتصر سياسيًا رغم انتصاره العسكري في النهاية. وكذلك ايران لم تنتصر رغم صمودها واستمرار نظامها.الرابح الحقيقي كان الطرف الثالث يتمثل بعناصره ( من راقب.من سلّح.من انتظر نتائج التآكل الذاتي ثم دخل بعد ذلك لصياغة ترتيباته كما حصل بعد غزو الكويت عام ١٩٩٠ حتى احتلال العراق عام ٢٠٠٣ ) هنالك بديهية تقول ان في حروب الاستنزاف، لا ينتصر من ينزف أقل… بل المنتصر هو من لم ينزف أصلًا. فكانت ( أمريكا، إسرائيل، ولوبيات السلاح ) ..بعد ٨ سنوات من الدم والنار بين العراق وإيران، جاء القرار الاممي بصيغة حل وسط لا يعلن منتصرًا ولا يُدين خاسرًا. لكنه كشف الحقيقة المرّة التي انتجت وضع لا غالب ولا مغلوب فقط أطراف منهكة ومتهالكه ومستنزفه.العراق كسب الحرب عسكريًا لكنه توقف سياسيًا.إيران صمدت لكنها تراجعت عن أهدافها الكبرى. وجهة نظري المتواضعة تفتح بابًا للتأمل العميق في فلسفة الانتصار والهزيمة، خاصة عندما لا تُقاس النتائج بالمعارك فقط، بل بما يليها من تحولات استراتيجية تمس الدولة والهوية والسيادة كما استطيع القول ان العراق ربح المعركة تعبوياً وخسرها أستراتيجيا حيث ساهمت ايران في اسقاط الدولة العراقيه بسلاح غيرها وقد استثمرت ذلك لصالحها حتى يومنا هذا ..مع الاسف لم نستوعب دروس التاريخ التي تقول. قد ينتصر جيش في ساحة المعركة و تنهزم الدولة بعد أن تخلع خوذتها وتضع رأسها على وسادة الغفلة.هذا الذي جرى للعراق عندما ربح معركة السلاح، وخسر معركة البقاء. لأن من لا يحمي دولته بعد النصر، سيسقطها خصمه بعد الحرب بلا رصاصة.
998 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع