حرب غامضة بلا نصر ولا هزيمة

علي الكاش

حرب غامضة بلا نصر ولا هزيمة

يقول المفكر العسكري كارل فون كلاوزفيتس " أن المدافع وإن كان ضعيفا ماديا فهو الأقوى، على المدى البعيد، ذلك أن فاعلا مهما يشكل حاضنة للقضية العادلة، وهو الرأي العام محليا، وفي بعض الحالات دوليا أيضا".

التطورات التي جرت في مختلف جوانب الحياة تركت اثرها في تغيير المفاهيم، سيما في الجوانب العسكرية، وانتهاء الحروب التقليدية، وبعد استحداث الحروب الاستخبارية والسيبرانية والتطورات النوعية والتقنية العالية في وسائل الحرب والأسلحة والذخيرة المستخدمة، في السابق كان يمكن الحكم على المنتصر في الحرب والمهزوم فيها بسهولة وبلا اشكالات، على اعتبار ان الخسائر المادية لأي طرف يمكن ان تقدم الفصل بين المنتصر في الحرب والمهزوم، ويمكن اجمالها في النقاط:
ـ الخسائر التي تكبدها الطرفان، ونعني بذلك الخسائر المادية والمعنوية.
ـ الخسائر البشرية من حيث عدد القتلى والجرحى والأسرى والمعوقين.
ـ الطرف الذي استولى على مساحات من أراضي الطرف الآخر بغض النظر عن الجوانب التأريخية لمن تعود تلك الاراضي.
ـ اعتراف احد الطرفين (او اكثر بهزيمته)، وإعلان هزيمته للملأ.
ـ اعلان اتفاق على وقف الحرب او معاهدة سلام من قبل الطرفين، وتوقيع اتفاقية ثنائية او تحت وصاية او اشراف طرف ثالث أممي او إقليمي.
ـ ان يفرض الطرف المنتصر شروطه على الطرف المهزوم ضمن اتفاق مكتوب.
مع أهمية تلك النقاط لكنها لا تكفِ للحكم على الطرف المنتصر، مثلا في الحرب العراقية الإيرانية يفترض ان العراق هو الطرف المنتصر، لكنه لم يملِ شروطه على ايران الطرف المنهزم، بل تنازل عن حقوقه في شط العرب والمدن الحدودية لصالح الطرف المنهزم، ولم تعقد اتفاقية او مدونة بين الطرفين لتحديد مصالح الطرفين. وفي الحرب الروسية الأوكرانية احتلت روسيا مناطق ومدن تعود لأوكرانيا، لكنها لم تتمكن من حسم الحرب لصالحها، وتكبدت روسيا خسائر جسيمة. في حرب غزة لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها في انهاء حركة حماس وتحرير المختطفين، لذلك يمكن ان نتماشى مع قول روبرت مندل في كتابه (مفهوم النصر العسكري) بأن " النصر يعني إشارة الى نقطة تحول ونهاية"، ويمكن ان يخضع الى معايير سياسية وليست عسكرية فقط، وينهي كلامه" بدون فهم ما يعنيه النصر على وجه التحديد، فإن النتيجة يمكن أن تنطوي على جمود سياسي". لذا يمكن ان تقييم النصر والهزيمة من خلال تحقيق أي طرف منهما لهدفه الرئيس من الحرب، عبر الحاق الهزيمة بالطرف المقابل، وسحق قواته العسكرية، واجباره على الاستسلام وإعلان هزيمته.

الحرب الإسرائيلية الإيرانية
احتفلت ايران وإسرائيل بان كلاهما بالنصر الساحق على خصمه، وهذا ما تحدث عنه روبرت مندل أي النصر السياسي، وغالبا ما لا يعكس النصر الحقيقي في المجال العسكري، حيث تختلف الرؤى في وصف النصر لكل طرف، ولو رجعنا الى المعايير التي وضعنا سابقا، لما تجلت الحقيقة، بل زادت من الغموض والإبهام. فلا حديث عن الأهداف المتحققة من الحرب، ولا عن الخسائر المادية والبشرية، ولا يوجد اتفاق على وقف القتال، ولم يفرض أي طرف شروطه على الطرف الآخر، ولم يعلن أي منهما هزيمته واستسلامه، بل يمكن ان نقول ان وقف القتال كان هشا ويمكن ان يعود لاحقا، علما ان انتهاء المعارك القتالية بين ايران وإسرائيل، لا يعني انتهاء الحرب السبرانية والاستخبارية بينهما، فهي هرب وجود كما يعلن الطرفان.

ويبقى السؤال المهم من انتصر في الحرب؟
يمكن تفسير النصر من وجهة نظر النظام الإيراني بأن بقاء النظام واستمرا حكم الملالي مع وجود المرشد الإيراني الخامنئي هو علامة النصر، لذلك احتفل النظام دون حضور المرشد نفسه الحفل، فقد تخلف عن احتفالات نصره المزعوم، دون ان يحفل بالخسائر المادية والبشرية والنووية التي تعرضت لها بلاده.
اثبتت الوقائع ان الأفعى لا تموت بقطع ذيلها بل بسحق رأسها، واظهرت الحرب ضعف ايران، فهي عبارة عن ظاهرة صوتية، ثبت في قتالها مع إسرائيل انها نمر من ورق مع الدول القوية، واسد هصور مع شعبها. الحقيقة ان احتفال المرشد الأعلى بالنصر على إسرائيل، يعني ان نظام الملالي يعاني من ضبابية وأزمة في فهم المصطلحات.
كما احتفلت إسرائيل من جهتها بنصرها على ايران وفق تحقيق أهدافها في تدمير المفاعلات النووية (او تأخيرها على اقل تقدير)، وتدمير المعامل والمنشئات العسكرية، وتحقيق السيادة الجوية، إسرائيل أبعدت شبح النووي الذي يهدد وجودها، بل كشفت ان النظام الإيراني ليس ماردا كما ظن حلفائه.
لذا من الصعب تحديد الطرف المنتصر في القتال وفقا لرؤيتهما المتباينة، فايران تجد النصر ببقاء النظام، وإسرائيل تجده في ابعاد الشبح النووي. مع هذا يمكننا ان نأخذ الجانب العسكري من حيث معايير الخسائر بين الطرفين وفق النظرية التقليدية للنصر والهزيمة، لعله يجد لنا منفذا للحكم على المنتصر والمهزوم.

الجانب الايراني
4% من الصواريخ الإيرانية فقط وصلت أهدافها في إسرائيل من مجموع (525) صاروخا.
40% من منصات الصواريخ البالستية في ايران دمرتها إسرائيل. أي تدمير (200) منصة.
تدمير المفاعلات النووية في فوردو، نطنز، واصفهان، تدميرا كبيرا، وآلاف من أجهزة الطرد المركزي، والبنى التحتية للبرنامج النووي، ومراكز البحوث والدراسات المتعلقة بالبرنامج النووي. تقدر قيمتها (2) بليون دولار. أقرّ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مقابلة مع التلفزيون الرسمي الإيراني" هناك أضرار كثيرة، والأضرار خطيرة، أن صورة الأضرار الكاملة لم تتضح بعد، مشيرًا إلى أن المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية تجري تحقيقًا لتقييم حجم الخسائر".
قُتل من الإيرانيين (627) فردا منهم (263) مدنيا، و(154) عسكريا، والآلاف من الجرحى.
اغتيال (11) من كبار العلماء النوويين، ومن الصعب تعويضهم.
اغتيال ( 60) من قادة كبار في المؤسسة العسكرية والحرس الثوري، تم تشييعهم في 29/6/2025.
تدمير (35) معملا لإنتاج الصواريخ، و(80) منصة أرض جو، و(15) طارة إيرانية جاثمة في المطارات، واستهداف (6) مطارات.
تدمير جزء كبير من (سجن ايفين) سيئ الصيت المخصص للسجناء السياسيين والأصوات الحرة.

الجانب الإسرائيلي
إسرائيل وفق توقعاتها حسبت ان تنفذ أهدافها خلال (14) يوما، لكنها نفذت أهدافها خلال (12) يوما، وتوقعت ان يقتل (400ـ 4000) مدنيا، وكان التقدير خاطئ الى درجة كبيرة..
بلغت خسائر إسرائيل (28) مليار دولار. منها (1.1) مليار دولار كبنى تحتية، وهياكل ارتكازية.
الخسائر البشرية (30) قتيلا. ليس من بينهم ضابطا كبير الرتبة. و(1300) جريحا.
تدمير عدد كبير من المباني والمنشئات العلمية والصناعية مثل ميناء حيفا، ومركز وايزمن للدراسات العلمية، وهو من اهم واكبر مراكز البحث العلمي في إسرائيل.
دخول الملايين من الإسرائيليين الملاجئ يوميا، مما ترك اثرا نفسيا سيئا عند المواطنين.
لم تتمكن إسرائيل من إزالة النظام السياسي في ايران كما زعمت.
بلغت مطالبات الإسرائيليين المتضررين من القتل ما يزيد عن (50000) تعويض عن خسائر بالمباني والمنشئات والممتلكات.
سنترك الحكم للقارئ اللبيب في تحديد الطرف المنتصر من الحرب، على ان يترك اهوائه وميوله جانبا، ليكون حكمه متوافقا مع المنطق والواقع.

من خدع من؟
زعم المسؤولون في النظام الإيراني ان الرئيس الأمريكي ترامب خدعهم، من خلال تمديد مدة التفاوض أسبوعين آخرين، لكنها لم تكن الحقيقة كما زعموا.
بعد المهلة التي قدمها الرئيس الأمريكي ترامب الى نظام الملالي في ايران (60) يوما لحل مشكلة الملف النووي، ولم تلتزم ايران بالمدة، ثبت بما لا يقبل الجدل، ان ايران كانت تتفاوض من اجل التفاوض فقط، بل من أجل كسب الوقت، وليس من اجل إيجاد الحلول. انها تشتري الوقت لغاية معروفة سلفا، وتبيع الكذب، والرئيس الأمريكي اسقط الحجة ولم يخدع ايران كما يزعم الملالي، التزم بتعهده خلال ستين يوما، واصبح في حلٌ من وعده. وتمديده أسبوعين كان لغرض المناورة ومباغتة الخصم، وهذه قاعدة معمول بها في الحروب القديمة والحديثة، المباغتة تحقق نتائج باهرة وتلحق بالعدو خسائر جسيمة.

الخاتمة
جاء في بيان لمستشار الامن القومي (قيادي في منظمة بدر) قاسم الاعرجي خلال استقباله السفير الروسي في بغداد (ايلبروس كوتراشيف) يوم 1/7/2025، أن " الحكومة العراقية بذلت جهودا كبيرة، للحفاظ على الانتصار الايراني، وانهاء الحرب".
أي كذب وافتراء هذا من قبل المرافق السابق للجنرال قاسم سليماني؟ كيف حافظت الحكومة العراقية على الانتصار الإيراني؟ وهل انتصرت ايران فعلا؟ ومن انهى الحرب العراق ام الرئيس ترامب.؟ فعلا حكومة قائمة على الكذب والدجل.

علي الكاش

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1346 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع