إبراهيم فاضل الناصري
(الأوذيسة الناصرية) البو ناصر أزمة تقرير وجود وإشكالية إقرار نفوذ
وضوّع هوميروس تكريت بتغريدته (الاوذيسة الناصرية)، التي أطلقها بعد تغريدته الالياذة الناصرية قائلا: الــــــبو ناصـــــــــــــــــــــــــــــــر هذا الاسم القبلي الذي يوحي للبعض عنوانا للقسوة وشدة المراس والثورة وللبعض الاخر عنوانا للنبل والسيادة والقيادة، ان هو في أصل حاله الا عنوانا لسربة حمائلية عراقية عربية مسلمة، قاعدة تركزها تكريت العصية. رأس حربتها عشيرة ليست متحيرة الاصل ولا مشكولة الفصل وعشيرة ليست خاملة الذكر ولا قاصرة الاثر، بل ان اسمها الشهير قد تكرر في طوامير المآثر والوقائع والمفاخر للقبائل والعمائر، وعشيرة ليست قلقة او فاقدة الصيت بل ان صيتها الجليل مشهودا له من قبل الغرباء قبل الاقرباء ومن قبل الاعداء قبل الأصدقاء، وعشيرة ليست دخيلة على تكريت او حديثة التوطن فيها وانما توطنت تلاعها العلية منذ عام 1534م /945هـ زمان توطن جدها الجامع المير ناصر. وهي كحمولة قرائبية في مقامها الاعتباري تشكل عنوان سيادي، قد بزغت وشبت وبرزت وتشيخت وحكمت فأخرجت رؤساء واخرجت وزراء واخرجت علماء واخرجت حكماء واخرجت نبلاء. كما وهي في بذرتها انما تعد غصنا صلبا رطيب الفصل ونقي الاصل، وعنصرا قرائبيا لم يعرف الاستكانة ولا الراحة ولا الكسل، منذ تكونه كأسرة حتى تشكله كعشيرة ثم صيرورته كسربة نسبية كبيرة، بل كانت على مر مراحل نمو شجرته عترة مقدامة تلاوي الرزايا وتتحدى المنايا وتقهر عجف البلايا. وهي في حمولتها اللامة الجامعة التامة انما تعد عنوانا مجلجلا بالعزة والفخر لمكون قرائبي قد اعتاد على التعرض للظلم من المتسلطين والمتغلبين وعلى المطاردة والاجلاء من المحتلين والغزاة ذلك لان افرادها طالما كانوا مجبولون على رفض الذل والخنوع، اصحاب قضية، لا ينامون على ضيم، لا يقبلون بالمهانة، اذ ان العزة والكرامة تقطر من انوفهم والكبرياء يتلبسهم وشده المراس دائما هي مظهرهم، وصيت (المهابة والاقدام) هو سمعة سربتهم. ولقد عاصرت في سفرها الكفاحي والنضالي الصعب والمرير كعصبة قرائبية جملة من الاحتلالات والغزوات، ولكنها ما كانت ولا صارت تبعا او ذيلا لاحد ولا كان ولا صار وصيا عليها ثمة أحد. بل انها على العكس، اذ انها عنوانا قبليا مهيبا، صيته فذا عذيبا، وطالما كانت شوكة في عيون الحاقدين، وقلقا موجعا لصدور الحاسدين، اذ يخشى منها المتربصين من الاجناب ويحسب لأمرها الاعداء ألف حساب.
إذن ما الذي حصل لهذه العشيرة المثيرة حتى
يتزعزع نفوذها ويخفت تأثيرها ويتأثر طود وجودها؟
وعلى حسب ما يقول البيت الشعري (ما خطبهم بنو الاسياد عافوا ضهور الخيل هل ملو الطراد). الجواب هو: ان السبب الأساس في خفت دور سربة البو ناصر وضعف حضورها وتقيد نفوذها واهتزاز طودها وتأزم وجودها، وهي التي كانت وكانت فما تعانت في حال ومآل ولا توانت: هو ان ابناءها المؤهلين من السراة المؤثرين، ومنذ العام الف وتسعمائة وثمانية وستين حيث استلامهم لحكم ولقيادة الدولة، انما قد تحولوا في تطلعهم وسلكهم وتوسلهم من رجال عشيرة الى رجال دولة، مما جعل خيمتهم العشائرية عنوان هويتهم الشخصية يخفت منقلها ويهمل محفلها مدة ثلاث عقود ونصف من السنين لصالح ولمصلحة مشعل وسلم ومحفل إدارة الدولة التي اخذتهم مناصبها ومراتبها معاليها ومراقيها والتي كانت تتطلب منهم وتستوجب فيهم أدوار ومكانات اعم واشمل واكبر وهذه هي نواميس الحكم التي ارتقوا مدارجها وامتطوا اجيادها، بيد انهم وبعد انهيار دولتهم التي اخذتهم كراسيها وتقوضها وقرارهم العودة للعشيرة ككنف لا بديل عنه لحفظ وجودهم، وجدوها قد ارتخت حبال خيمتها وقد اعتل جسدها من طول القطيعة والترك والإهمال لها. اذن فان المسالة بأصلها انما كان مسببها ومبعث نصلها هو غمرة الانشغالات التي كانت فرضتها مراقي الدولة ومراتب الحكم وما صارت تقتضيه من متطلبات، وليست هي كما بات يظن بعض الواهمين المتشائمين من دواعي الحظوظ العواثر ولا هي أيضا من صروف الليالي الدوائر.
بيد ان سر الوجود الأمدي الذي يقضي بناموس العود الابدي له كلمته الفصل بما كان قد حصل، بمعنى ان الموجودات الحية على مر العهود ممكن ان تضعف حينا او ان تخفت حينا لكنها لا تموت او تندثر ما دامت هناك بقية منها يحتويها نبض وجود. وعليه فإنما هي مرحلة او منعطف يواجه النخب النبيلة الجريرة في سربة البو ناصر التكريتية هويتها، ولابد وان يعود الدم متدفقا في نسغ وريدها، فيعلن للواقع من جديد نشور قيامتها. وإذا حصل وانسلت من منسوجها القويم ذي الحبك بعض الخيوط وإذا ما تثلمت من مزيجها الخرساني الصلب بعض حبات الرمل، فإن هي الا ضريبة الوجود وان هو الا قانون البقاء الموعود الذي يستلزم الفقد، لكنها كهوية اجتماعية ولحمة عنصرية فهي عائدة بناموس العود.
اذ لَابُدَّ أَنْ يَنْهَضَ مِنْ بَيْنِ أَكْوَامِ اَلوجود
فِينِيقَهَا اَلرُّخُّ اَلْعَتِيدُ
فَتَعُودُ تَصْدَح بالمهابة مِنْ جَدِيد
863 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع