عائشة سلطان
في الطريق إلى غرناطة
هل تتذكرون كم كتاباً، بحثياً تاريخياً أو غير ذلك، وكم عملاً سردياً بين الرواية والقصة قرأتموه وكان موضوعه (الأندلس) الفردوس المفقود، الذي يبكيه كثير من أبناء العروبة حتى اليوم متأملين استرجاعه والعودة للعيش فيه؟ عشرات الكتب بل المئات، عن نفسي قرأت أكثر من عشرة أعمال روائية بين عربية ومترجمة، تناولت الأندلس بأوجه مختلفة (سقوط غرناطة، وملوك الطوائف، والمورسكيين، والمرابطين ومحاكم التفتيش... الخ) ولعل أجمل وأشهر ما وقع بين يدي: ثلاثية غرناطة للراحلة رضوى عاشور والمخطوط القرمزي للإيطالي أنطونيو غالا!
في نظري فإن الأندلس اليوم هي ماضٍ حضاري عربي وإسلامي عظيم، لا يوجد دليل عقلاني على احتمال عودته، فهو ملف أغلق وإلى الأبد، لكننا جميعاً كأبناء هذه الحضارة العظيمة فخورون بما أنجزه أجدادنا وبما تركوه هناك شاهداً على دور العرب وأثرهم الكبير في حضارة الغرب! المهم في كل هذا ألاّ نضيع البوصلة، ولا نفقد فردوساً آخر، لأن أوطاننا في معظمها جنان حقيقية رغم الخلافات والنزاعات والأطماع!
آخر ما قرأته، رواية للكاتبة والناقدة السورية كنانة عيسى تحت عنوان (في الطريق إلى غرناطة) وهي رواية ذات طابع تأملي وتاريخي معاً، تستخدم غرناطة كرمز حضاري وتاريخي وحلمٍ مفقود عبر حكاية الحبيبة المفقودة أو المقتولة، فتدمج الرواية بين رحلة مادية زمانية يقوم بها بطل الرواية (إلى إحدى مدن إسبانيا أو الأندلس) ورحلة داخلية في ثنايا النص تنحو باتجاه البحث عن الهوية والذات وموقعهما من هذا العالم بالنسبة للفرد العربي المشتت والهارب من جغرافيا الخراب إلى جغرافيا الضياع!
تستخدم الكاتبة «غرناطة» ليست كمكان فقط بل كحالة وجدانية — كحلم مفقود وحضارة سقطت وما تزال تعيش كطيف في المخيلة العربية، كل هذا بأسلوب يمزج بين السرد الحالم واللغة المكثفة، الأمر الذي يحسب للنص ويعطيه عمقاً تأملياً ضمن نص تشويقي مثير، يتخذ من الجريمة الغامضة رافعة لحمل النص إلى وجدان القراء العرب وعقولهم!
اللغة الشعرية المترفة هي أكثر ما يلفت في هذا النص، والتي تجعل القارئ مأخوذاً بمتابعة التأملات والرموز. وربط مسار غرناطة بمصير الحبيبة نظل نلهث خلف مصيرها طيلة الوقت!
720 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع