فنون الإخفاء القسري: أحياء يعودون جثثاً لعوائلهم بعد ساعات!

                                          

التصريحات الخطيرة التي أدلى بها رئيس البرلمان العراقي السابق، د أياد السامرائي، لجريدة الزمان (عدد 25 سبتمبر الجاري) والتي كشف فيها أن هناك (عراقيون أعيدوا إلى عوائلهم جثثاً بعد ساعات من اعتقالهم!)، تستدعي فتح التحقيق المحلي والدولي بشأن إنتهاكات حقوق الإنسان في العراق وحالات الإختفاء القسري التي تمارس في العراق بحق الأبرياء بقصد الأبتزاز أو بقصد الإنتقام أو التطهير العرقي والطائفي ومن قبل رجال السلطة أو منتحليها،

وفي كلتا الحالتين سواء كان الفاعل من الأجهزة الأمنية أو من منتحلي صفتها من الميليشيات المختلفة، تبقى مسؤولية الدولة قائمة لأن من أول مهمات أي دولة تحترم نفسها أن تبسط الأمن والنظام وتقمع الإجرام، وتعاقب من يرتكبون الجرائم بحق المواطنين. ولا أعتقد أن المسؤول الأول عن وزارة الداخلية أو عن الأجهزة الأمنية الأخرى يرتضي أن تحصل مثل هذه الإنتهاكات أو تمر من دون معاقبة ولا حساب.
الدكتور السامرائي في حديثه الخطير للزمان، أعرب عن قلقه بشأن ما يجري داخل السجون في بلاده من عمليات تعذيب تصل حد الوفاة. وقال السامرائي لـ الزمان ان تعذيب المعتقلين في السجون العراقية اصبح ممارسة يومية شائعة وأن عددا من المطلوبين الذين اعتقلتهم الاجهزة الامنية سلمتهم الى عوائلهم جثثا بعد الاعتقال بساعات من دون ان يذكر مزيدا من التفاصيل. وانتقد السامرائي في تصريحاته موقف البرلمان وقال ان مجلس النواب لم يستدع اي مسؤول امني حول التعذيب والانتهاكات في السجون او مسؤولين في وزارة حقوق الانسان رغم الشكاوى المتكررة من التعذيب في السجون. وشدد السامرائي على ان الاعتقالات تجري لأهداف سياسية ولا يجري التعامل مع ملفات المعتقلين وفق الاطار القانوني.

وقال رئيس مجلس النواب السابق (وهو مسؤول عن كلامه) بأن سلوك الاجهزة الامنية اصبح أسوأ مما كان عليه قبل 3 سنوات. وأضاف ان انتزاع الاعترافات تحت التعذيب من المعتقلين انتهاك للدستور العراقي الذي يحرم هذه الممارسات. ودعا البرلمان الى محاسبة المسؤولين الامنيين المسؤولين عن التعذيب في السجون والمعتقلات. وردا على سؤال لـ الزمان حول اعادة معتقلين جثثا الى عوائلهم بعد ساعات من اعتقالهم قال السامرائي ان المسؤولين عن مثل هذه الانتهاكات يجب ان توجه تهمة القتل اليهم. واضاف ان هناك معتقلين آخرين توفوا في المعتقلات بسبب تردي اوضاع السجون وانعدام الشروط الصحية فيها خاصة ان معتقلين يعانون من امراض خطيرة يجري اعتقالهم لفترات طويلة من دون ان توجه أية تهمة اليهم مع غياب الرعاية الصحية.
وحذر السامرائي من أن عمليات الاعتقال ستخلق ردة فعل كبيرة من قبل الاهالي، حين يتفاجأ أهل المعتقل بوفاة ولدهم بعد ساعات من الاعتقال، مما يولد ردود فعل الانتقام تجاه الاجهزة الامنية، وهذا ماكنا نحذر منه. واضاف انه بعد ان تم القضاء على الحواظن التي كان يلجأ اليها الارهاب نلاحظ أن أجهزة الدولة بدأت تعتقل من أسهم في القضاء على الارهاب في بعض المناطق، جراء اعتماد الدولة على عناصر غير موثوق بها، لذا لابد من اعادة النظر تجاه هذه الممارسات الضارة ضد المواطنين. وقال ان من اهم ركائز الاستقرار وجود حسن علاقة بين الاجهزة الامنية والمواطن فاذا فقدت هذه العلاقة سيلجأ المواطن الى ان يحتمي بالإرهاب بدلا من الاجهزة الامنية، وهذا خطأ كبير لذا لابد من تحسين العلاقة بين الاجهزة الامنية والمواطن للقضاء على الارهاب.
وكانت الايام القليلة الماضية قد شهدت وفاة معتقلين داخل السجون العراقية جراء عمليات التعذيب، الذي يبدو أنه قد أصبح (ممنهجاً) وأسلوباً ثابتاً في التحقيقات التي تجرى في المعتقلات ومراكز الإحتجاز الحكومية (المعلنة وغير المعلنة).
إن كلاماً خطيراً صادراً عن رئيس مجلس النواب العراقي السابق، وهو رجل مطلع ومسؤول ويقدّر نتائج تصريحاته، لايمكن أن يمر دون تحقيق، ويفترض بمجلس النواب، وبالمجلس الأعلى للقضاء، أن يتخذ إجراءات فاعلة بأسرع وقت ودون أي تسويف أو إطالة. فالبرلمان يجب أن يستضيف المسؤولين عن الملف الأمني في البلاد لمناقشة الظاهرة الخطيرة التي أشار لها رئيس البرلمان العراقي. وبذات الوقت يجب أن يفتح القضاء العراقي ملفات التحقيق والتحري في هذه الوقائع التي لا أعتقد أن رجلا حصيفا ومسؤولا مثل د أياد السامرائي رئيس البرلمان السابق، وأمين عام الحزب الإسلامي العراقي المشارك في العملية السياسية، لا يمكن أن يطلق الإتهامات جزافاً مالم يكن متيقناً ومطلعاً على التفاصيل.
إن السكوت والتستر من قبل الحكومة، أديا إلى استمرار تطاول ((أبطال)) التعذيب وتفننهم في أنواع التعذيب الوحشي ضد المعتقلين، لغايات لا صلة لها باتهامات قانونية واقعية، بل بوقائع مفبركة أو بقصد الإبتزاز أو بهدف الانتقام الطائفي ليس إلا..
كما أن عمليات الاحتجاز العشوائي التعسفي للمواطنين الابرياء وعدم إطلاق سراحهم إلا بعد دفع المبالغ الطائلة، لمحتجزيهم، مازالت تشكل حالة موصوفة ومستمرة، وكل يوم نسمع من أصدقائنا وأقاربنا، روايات عن أشخاص دفعوا مبالغ طائلة لقاء إطلاق سراحهم من الاحتجاز التعسفي، كما أن فناني الابتزاز والتعذيب باتوا يتفننون في أساليب الابتزاز وصاروا يستخدمون اسلوب الاستعانة بمحامين (لا يمثلون شرف المهنة ولا يصلحون لأداء دور المحامي الشريف) في جعلهم وسطاء مع عوائل المحتجزين من أجل دفع المبالغ التي يطلبها أبطال الابتزاز والتعذيب، ويحتفظ الشارع العراقي بالكثير من القصص المأساوية عن مثل هذه الحالات، التي تسئ إلى سمعة الأجهزة الأمنية والقضائية والمحاماة التي يفترض بها أنها تشكل مثلث العدالة في البلاد.
الاحتجاز التعسفي، خارج نطاق القضاء، هو جريمة في عداد (الإختفاء القسري) الذي تجرمه الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي الإنساني، ويشكل جريمة ضد الإنسانية توجب معاقبة مرتكبيها دوليا وهي جريمة لا تسقط بالتقادم. ويحدث الإخفاء القسري إذا ما قُبض على شخص أو احتُجز أو اختُطف على أيدي عناصر تابعة للدولة أو تعمل لحساب الدولة، ثم تنفي الدولة بعد ذلك أن الشخص محتجز لديها أو لا تفصح عن مكانه، مما يجعله خارج نطاق الحماية التي يوفرها القانون وكثيراً ما يختفي أشخاص ولا يُطلق سراحهم على الإطلاق، ومن ثم يظل مصيرهم في طي المجهول، وقد لا يعرف الأقارب والأصدقاء ما حدث لهؤلاء الأشخاص.
إلا إن الأشخاص المختفين لا يتلاشون تماماً، فهناك بالتأكيد في مكان ما من يعرف حقيقة ما حدث لهم، وهناك بالتالي من يتحمل المسؤولية. ويُعد الإخفاء القسري جريمةً بموجب القانون الدولي، إلا إن الجناة لا يُقدمون إلى ساحة العدالة في كثير من الأحيان.
وتمثل كل حالة من حالات الإخفاء القسري انتهاكاً لعدد من حقوق الإنسان، بما في ذلك:
الحق في أمن الشخص وكرامته.
الحق في عدم التعرض للتعذيب أو غيره من صنوف المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
الحق في الاحتجاز في ظروف إنسانية.
الحق في إحترام الشخصية القانونية والاعتراف بها.
الحق في محاكمة عادلة
الحق في حياة عائلية.
الحق في الحياة، إذا ما تعرض الشخص المختفي للقتل.
ويُعتبر الإخفاء القسري انتهاكاً قاسياً لحقوق الإنسان على وجه الخصوص، إذ لا يقتصر أثره على الشخص المختفي بل يمتد ليطال أفراد عائلته. وفي كثير من الأحيان يتعرض الشخص المختفي للتعذيب ويظل في خوف دائم على حياته، ويُستبعد من نطاق حماية القانون، ويُحرم من كل الحقوق ويصبح تحت رحمة سجانيه. ويُعد هذا انتهاكاً متواصلاً قد يستمر لسنوات عدة بعد اختطاف الشخص أو اعتقاله. وإذا قُدر للشخص المختفي أن يظل على قيد الحياة وأن يُطلق سراحه في نهاية المطاف، فقد يظل يعاني بقية حياته من العواقب الجسدية والنفسية لهذا الشكل من أشكال التجرد من الإنسانية وكذلك مما يصاحبه في أحيان كثيرة من وحشية وتعذيب.  أما أهل الشخص المختفي، الذين لا يدرون شيئاً عن مصيره، فيظلون في انتظار أية أخبار عنه، وقد لا تأتي هذه الأخبار على الإطلاق، وقد يستمر انتظارهم سنوات وسنوات. ولا يعرف هؤلاء الأهل إن كان قريبهم المختفي سوف يعود يوماً، ومن ثم لا يمكنهم أن يتأكدوا من موته فينعونه ويواصلون حياتهم استناداً إلى هذه الحقيقة المرة. وكثيراً ما تتفاقم محنتهم ومعاناتهم من جراء الحرمان المادي، إذا كان الشخص المفقود هو العائل الأساسي للأسرة. وفي بعض الأحيان لا يستطيع الأهل أن يحصلوا على معاش أو أي شكل آخر من أشكال الدعم نظراً لعدم وجود شهادة وفاة للشخص المختفي.
لقد توصل المجتمع الدولي إلى إتفاقية دولية بهذا الشأن تدعى ((الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري )) والتي اعتمدت ونشرت على الملأ وفتحت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61/177 المؤرخ في 20 كانون الأول/ديسمبر 2006، وهي تجرم وتمنع  أي تعريض لشخص للاختفاء القسري مهما كانت الاسباب، ولايجوز التذرع بأي ظرف استثنائي أو حالة طوارئ أو مكافحة إرهاب وماإليها من ذرائع للتحجج باستخدام هذا الاسلوب الوحشي من التعامل.
ولأغراض هذه الاتفاقية، يقصد ب‍ ”الاختفاء القسري“ الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون.
قد يظن مرتكبو الجرائم ضد الانسانية من تعذيب واخفاء قسري وقتل خارج نطاق القضاء، أنهم في حل من المسائلة، أو أن من يدفعوهم لإرتكاب تلك الجرائم يمكن أن يوفروا لهم مظلة دائمية للحماية والتهرب من المسائلة والعقاب، فليفهموا جيدا ان قواعد القانون الدولي الانساني، سوف تظل تطاردهم ولن تسقط تلك الجرائم بالتقادم ولا بمضي المدة ولا يمكن ان يسقطها عفو حكومي معلن او غير معلن.. فدماء الابرياء لن تذهب سدى...

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1082 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع