سرور ميرزا محمود
"المكتبات ونشؤها، دور الوراقون في اغناء المكتبات في العصر العباسي، المكتبات وشارع المتنبي"/الجزء الاول
تعد الثقافة هي المقياس الحضاري الذي تميز بها بين الشعوب والبلدان، فصناعة الكتاب والمدونات من ابرز تلك العلامات للمفاضلة بينها، الثقافة المكتوبة تعني الابعاد المعرفية التي تنطلق من المخزون. تعد صناعة الكتابة والكتب من اهم الصناعات البشرية، إذ يعتبر زمن اختراع الكتابة هو الحد الفاصل بين العصور التأريخية وعصور ما قبل التأريخ.
الكتابة اوجدها العراقيون، هذا ما بينه البروفسور الدكتور الكسندر ستيتشفيج مؤلف كتاب "تأريخ الكتاب" حيث كتب" ان تأريخ الكتابة بدأ من السومريين"، حين تشير التنقيبات الأثرية إلى أن أقدم المكتبات وجدت في المنطقة العربية، حيث ولدت في بلاد الرافدين ومصر ومنها انتشرت إلى العالم، اخترع العراقيون القدامى في الالف الخامس قبل الميلاد المكتبات وكان هذا والاختراع فتحا حضاريا مهما في تشكيل المعرفة للإنسان وما كانت الحضارة العراقية تزدهر لولا اختراع الكتابة والمكتبات التي تقدم بها الإنسان، التي شملت مئات الآلاف من الألواح الفخارية المعبرة عن أعمالهم وأفكارهم، وقد سميت الاماكن التي تدون بها الكتابات (بيت الرقم) او (بيت الالواح) وكان الترقيم يسمى (دب) ويسمى المكان معبدا ويتألف من حجرة او حجرتين تحتويان على مجموعة من الارقام الطينية، وأهم تلك المكتبات تلك التي وجدت في مدينة <<ماري>> السورية الواقعة على نهر الفرات ومكتبة <<بيت اللوحات الكبير>> التي وجدت في مدينة<<أور>>، وفي اشور وجدت مكتبة في وادي نينوى، اتضح أنها جزء من مكتبة كانت لمعبد نيبو الذي يرجع وجوده لحكم الملك سرجون205-721ق.م.
يعتبر الملك اشور بانيبال (669-627ق.م) والذي سماه المؤرخون بالملك المثقف؛ مؤسس أول مكتبة في العالم القديم في مدينة نينوى. المتفرد من بين الملوك بالسعي والرغبة في المعرفة والتعلم والاطلاع، وانشأ مكتبة عملاقة في عصره والتي وصل عددها الى 30 الف لوح طيني تضمنت الملاحم العراقية الاولى "كملحمة جلجامش وسمير أميس ونزول عشتار الى العالم السفلي"، كما تضمنت مكتبته كتباً عن المعاهدات بين بلاد اشور وبلاد بابل، والحوليات التي ابتكرها الاشوريون حيث قاموا بتدوين النصوص الملكية والتقارير بشكل سنوي، وقد شملت اخبار الملوك وفتوحاتهم وانتصاراتهم واهم الاحداث التي وقعت في البلدان التابعة والتقارير الادارية والعسكرية من القادة والولاة، وهناك ما يقارب الالف رقيم عن مدينة بابل واحوالها وخططها وحصارها من قبل الملك اشور بانيبال، والطب والأساطير والسحر والعلوم والشعر والجغرافيا ومواضيع أخرى متنوعة. أما النص الأكثر شهرة والذي بقي نوعا ما على حالة جيدة من المكتبة الملكية هو "ملحمة جلجامش"، ويعتبر هذا من أقدم الأعمال الأدبية العظيمة الباقية. وقد فتح هذا الاكتشاف الأبواب على مصاريعها أمام فهمنا لأدبيات وثقافة بلاد ما بين النهرين القديمة، وقد لاقت أيضاً القوانين والشرائع الآشورية المكتشفة ضمن الألواح أهمية كبيرة ولفتت أنظار الباحثين فأقبلوا على نشرها ودراستها وخرجوا من ذلك بأثمن النتائج التاريخية، كما أنها أصبحت مع ما قدمتهُ المكتبات القديمة في الوطن العربي من أبحاث علمية ونصوص أدبية وشعائرية في مصر والعراق وسوريا ودول عربية أخرى بمثابة حجر الأساس للعلوم والمعارف ومنارة وصل إشعاعها العلمي إلى العالم كله.
المكتبة او حتى الكتابة لم يكن لها وجود بشكل واسع في العصر الجاهلي، وكان الشاعر عندما ينظم قصيدته يحفظها في ذهنه ومن ثم تنتقل عبر الرواة إلى المجتمع الذي يتناقلها بدوره، فلم يكن لدى العرب من العلوم سوى الشعر، فهو ديوان العرب، وفي ذلك العصر وصل العرب إلى مستوى رفيع جدا من البلاغة والفصاحة والبيان، كانوا يكتبون على العسب (جريد النخل)، وعلى عظام أكتاف الإبل وأضلاعها، وكتبوا على الحجارة البيض الرِّقاق (اللِّخاف)، وعلى الجلد الأحمر أو المدبوغ (الأديم)، حتى إذا جاء عهد الإسلام انصبّ اهتمام المسلمين الأوائل على جمع القرآن وتدوينه على تلك المواد الأساسية، و ان نشأة المكتبات في الإسلام كان مع نشأة المساجد التي لم تكن مكانا خاصا للعبادة فقط بل كانت مركز الحياة الاجتماعية ومقر اجتماع الصحابة والداخلين للإسلام حديثا يتعلمون فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتربون على يديه، وكان هذا يمثل نقطة تشكل مفهوم المكتبات في الإسلام، وقد أمرهم بكتابة القرآن الكريم والحفاظ على الرقاع التي يكتب عليها، حيث كانت تحفظ في البيوت وتصان من التلف والتزوير، وقد جُمِعَت هذه الرقاع والألواح في مكان واحد في خلافة الصديق حين بدأ بجمع القرآن الكريم إثر معركة اليمامة، أوكلت الى الصحابي زيد بن حارثة كاتب الوحي، وهو اول وراق في الإسلام، لم تلق المكتبات المتفرقة ذلك الاهتمام الكبير زمن الراشدين والأمويين نظرا ً لانشغال العرب في فتوحاتهم ونشر رسالتهم، ولاعتماد الناس على السماع بها رواية الأحكام والأحاديث لقرب عهدهم بالرسول الكريم وصحابته.
وفي عهد الفتوحات الإسلامية، كان من بين الأسرى الصينيين من يجيد صناعة الورق فتعلمها العرب، كان لازدهار حركة التأليف والنشر في العصر العباسي في بغداد، وشيوع حركة الترجمة من اللغات اليونانية والفارسية، نشأت إلى جانبهما مهنة أشتُق اسمها من الوَرق الذي عُرِفَ في مدينة سمرقند وصُنِع في بغداد إبّان الخلافة العباسية في العراق، اطلق على هذه المهنة باسم ''الوِرَاقَة''، وعُرِفَ مُتعاطوها باسم ''الورّاقين''، لقد ذكرها ابن خلدون في مقدمته الوِرَاقة بأنّها: ''مُعاناة الكتب بالانتساخ والتصحيح والتجليد وسائر الأمور الكُتُبيّة والدواوين''· بينما عرّفها السمعاني في ''الأنساب'' بقوله: ''الورّاق اسم مَن يكتب المصاحف وكتب الحديث وغيرها، وقد يُقال لِمن يبيع الورق وهو الكاغد ببغداد، الورّاق أيضاً''· إذاً الورّاق حرفة تتعلق بالكتب نسخاً وتصحيحاً وتجليداً وزخرفة واتجاراً، بالإضافة إلى بيع الورق وأدوات الكتابة كالأقلام والمحابر، وهي تقوم مقام الطباعة والنشر في أيامنا هذه، وكان الوراقون عادة يفتحون حوانيتهم أما ملحقة بالجوامع أو دور العلم و المدارس والاسواق في شوارع خاصة، حيث حركة المارة على أشدها، شهدت بغداد ازدهارا ً كبيرا ً وظهور نهضة واسعة في شتى مجالات العلوم و الأدب والتأليف والترجمة، وقد مثلت الوراقة كلّ أنواع النشاط العقلي والفكري في العلوم العربية والإسلامية، وفي العلوم المنقولة التي ترجمت عن الأمم الأخرى كاليونان والرومان من خلال توليف مختلف ثقافات المنطقة وغيرها وصهرها في بوتقة الثقافة العربية، أدى ذلك الى تأسيس المكتبات والعناية بها، ومنها وفي أواخر القرن الثاني للهجرة (الثامن الميلادي) انتشرت صناعة الورق بسرعة فائقة، وامتدت إلى كل أنحاء العالم الإسلامي، فدخلت سوريا ومصر والاندلس، وقد اندفع الناس مقلّدين في ذلك الخلفاء والأمراء في اقتناء الكتب حتى أصبح من النادر أن تجد بيتا ً لا يحتوي على مكتبة أو خزانة كتب، امتلأت شوارع بغداد بحوانيت الوراقين في مطلع القرن الثالث الهجري، لتبلغ أكثر من مئة حانوت، هذا بالإضافة إلى ما كان في شوارع المدن وأسواقها من مكتبات، ومن بغداد كانت الكتب سرعان ما تجد طريقها إلى أبعد المدن في العالم الإسلامي، وعلى ظهور الجمال كانت القوافل تحمل الكتب إلى البلدان، وتعود بالكتب من بيزنطية وسوريا والهند إلى بغداد.
امتهن الوراقة بعض العلماء البارعين في مجالات معرفية شتى وبعض القضاة العاملين في جهاز الدولة آنذاك. منهم محمَّد بن إسحق النديم صاحب المصنف الببليوغرافي الشهير "الفهرست". هذا الفهرست هو أقدم عمل ببليوغرافي (أي عمل يرصد الكتب المؤلفة) عربي يصلنا كاملاً، وكتاب الفهرست يكشف لنا أن ابن النديم لم يكن مجرد ورَّاق، بل كان عالماً موسوعياً ملماً بجوانب شتى من فروع المعرفة في زمانه، وممن مارسوا الوراقة أيضاً النحوي الشهير القاضي أبو سعيد السيرافي ليكسب منها قوت يومه حتى لا يتربح مالاً نظير القضاء أو التدريس. أورد الخطيب البغدادي في كتابه "تأريخ بغداد" أن السيرافي "كان لا يخرج إلى مجلس الحكم ولا إلى مجلس التدريس في كل يوم إلا بعد أن ينسخ عشر ورقات يأخذ أجرتها عشرة دراهم ثم يخرج إلى مجلسه"، ومن المشاهير الذين امتهنوا الوراقة -إن لم يكن أشهرهم فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة أبو حيان التوحيدي، وياقوت الحموي صاحب "معجم الأدباء" و"معجم البلدان" الذي استمد معظم مادة كتابيه من الكتب التي نسخها، وكان يتردد على حوانيت الوراقين نخبة من المثقفين أصحاب المكانة الرفيعة في الثقافة العربية الإسلامية؛ وهذه الحوانيت لم تكن مقصورة على بيع الكتب، ففيها يجتمع رجال المعرفة والادب، وفيها تناقش الموضوعات المختلفة وتنشد الأشعار، وتنشر المعلومات حول المؤلفات الجديدة واعتاد بعضهم أن يعقد مجلس الدرس في حانوته بانتظام، وقد اختار الكثير من المثقفين هذه المهنة لما توفره لهم من فرص للقراءة والاطلاع وكسب العيش أيضا، ف”الجاحظ “كان يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر والبحث والقراءة والاطلاع على ما فيها من كتب متنوعة، حتى انه مات في حب الكتب عندما سقطت عليه فقتلته، وكان “احمد بن أبي طاهر أبو الفضل” في بدايته مؤدب كتاب عامياً ثم تخصص وجلس في سوق الوراقين في الجانب الشرقي من بغداد للتعليم وتصنيف الكتب، وكان حانوت “أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد الصبغي “مجمع الحفاظ والمحدثين، وسمع “علي بن محسن التنوخي” من شيخه “محمد بن أحمد بن عمران” المطرز في دكانه بباب الشعير بالكرخ و”الخطيب البغدادي” سمع وكتب عن “محمد بن إدريس أبي بكر الشعراني” في دكان “أبي العباس بن إسحاق”، وكان “محمد بن محمود البغدادي” يقرا الحديث على “أبي محمد عبد العزيز بن محمود البغدادي” في حانوته ببغداد.
في أواخر القرن الثالث الهجري وبداية الرابع الهجري كثرت المكتبات الخاصة: والتي تتعلق بالأشخاص مثل مكتبات الملوك والخلفاء والوزراء والعلماء ، ومن الخلفاء الذين كانت لهم مكتبات: أبا جعفر المنصور، المعتضد بالله، الراضي بالله، القائم بامر الله، المقتدى بالله، الناصر لدين الله ، المستعصم بالله. واما مكتبات الوزراء فكانت تعود الى: يحي البرمكي، محمد بن عبد الملك الزيات، الفتح بن خاقان، القاسم بن عبد الله، سابور بن ازدشير، الكندري. وبالنسمة للعلماء فاشهرهم : محمد بن عمر ، اسحق الموصلي، يعقوب الكندي، الجاحظ، علي بن يحي، إسماعيل الأزدي، إبراهيم بن اسحق، إبراهيم بن عبيد الله، برهان الدين بن جماعة، سبط بن عبد الطاهر، بابو سعد النيسابوري، وأبناء موسى بن شاكر.
أما المكتبات العامة التي هيي بمثابة معاهد العلم والتي رعاها الخلفاء والحكام من أمثال المأمون ونظام الملك ونور الدين زنكي وسيف الدولة وصلاح الدين الأيوبي فهي: الحكمة ( أول أكاديمية في التاريخ الإنساني).، بن سوار في البصرة، ابن الشاطر في الشام، دار العلم الفاطمية، دار الحكمة في مصر، قرطبة، ودار العلم الموصل,,، ومكتبات المساجد والمدارس مثل: القمرية، المسجد الزيدي، المدرسة المستنصرية والنظامية والكوفة، ومسجد حسن البصري...
بغداد كانت قبلة العالم في المعرفة والعلم، ومكتباتها كانت زاخرة حتى وقع بلاء المغول البرابرة على بغداد سنة (656هـ = 1258م) واسقاطهم الخلافة العباسية، وكان تدمير وحرق مكتبة بيت الحكمة من أشنع الجرائم في تاريخ الفكر الإنساني، حيث أشعلت النيران في عدد كبير من المؤلفات العلمية النادرة ، لكونها أعظم مكتبات الدنيا آنذاك، حيث جمعت فيها مختلف أنواع العلوم والآداب والفنون، كل ذاك الورق والمداد المسخرين لتعميم المعرفة والعلم محي واندثر وحرق القسم الكبير منها، وألقوا بمجهود القرون الماضية بآلاف المخطوطات والكتب في النهر، حتى ساح حبر مخطوطاتها في مياه دجلة، فاصطبغت مياهه باللون الأسود! من أثر مداد الكتب حتى قيل إن المغول كانوا يعبرون فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى ضفة أخرى!!، فقد أورد ابن الساعي أن المغول "بنوا اسطبلات الخيول وطولات المعالف بكتب عوضا عن اللبن"، واكتفى ابن خلدون بالقول: "ألقيت كتب العلم التي كانت بخزائن العباسيين إلى دجلة"، وقال القلقشندي:
" إن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن: إحداها خزانة الخلفاء العباسيين في بغداد، فكان فيها من الكتب ما لا يُحصى كثرة، ولا يقوم عليه نفاسة، ولم تزل على ذلك إلى أن دهمت التتر بغداد، وقتل ملكهم هولاكو المستعصمَ آخر خلفائهم، فذهبت خزانة الكتب فيما ذهبت، وذهبت معالمها وأعفيت آثارها"، وذكر أن المكتبة الفاطمية في القاهرة والمكتبة الأموية بقرطبة الأندلس كانتا من جملة هذه المكتبات الثلاث العظام، ويشير كتاب "المغول بين الانتشار والانكسار"، إلى أن هذه جريمة فى حق الإنسانية، وتكررت عبر التاريخ في الأندلس في مكتبة قرطبة وغرناطة وطليطلة وأشبيلية وبلنسية وسرقسطة وغريها، ناهيك عن الحرائق المتعمدة للقوات الغازية لمكتبات مصر وبلاد فارس والشام، لقد أمعن المغول في الانتقام من مدينة بغداد ومن شواهدها الحضارية وقد قتلوا، بين من قتلوا من السكان، العديد من العلماء المقربين من قصر الخلافة "يقول الفرطي إنهم 14 عالما" منهم النساخ اللامع ابن أبي الفتح البغدادي والفقيه ابن البديع وابن القصاب والأمدي وابن أبي البقاء، ففي أعقاب تلك الفترة شهدت بغداد فترات مظلمة نتيجة الاحتلال وحرق المكتبات وهجرة العلماء، كان هذا الانحدار الطويل والبطيء مجرد مقدمة للهجمات المدمرة التي لم تتعاف منها بغداد حتى منتصف القرن التاسع عشر، فقد غابت مراكز الفكر والمعرفة وفقدت بغداد خزائن المعرفة ومراكز الفكر المتنوع، وما تبع ذلك من انحدار في قيم الدولة وشرذمتها ونكوص في دورها الريادي، مما أدى الى تفتُّت اجتماعي واقتصادي وعلمي ونهضوي، وخلت بغداد من المكتبات، ما عدا بقايا المكاتب ومن بينها بعض المؤلفات والمخطوطات كانت لا تزال في بعض من الجوامع والبيوت، وأن أغلب المساجد وخاصة الهامة منها كانت ولا تزال تمتلك مكتبة خاصة تحتوي على الكتب الدینیة بالإضافة إلیها كتبا فلسفية وعلمية، مكتبة حضرة أبا الجوادين ومكتبة مشهد جامع أبا حنيفة و مكتبة جامع عبد القادر الكيلاني و مكتبة جامع مرجان، ومكتبة جامع الصرة، وبغياب المدارس أصبحت تلك المكتبات مركزا عقلیا من اكبر مراكز التعلم والتدريس جذب إلیه الطلاب، ومريدي العلم.
اتسمت مرحلة القرن التاسع عشر بالإصلاحات الادارية والحد من النزاعات العشائرية وتثبيت سلطة الحكم وانشاء المدارس، والطباعة والصحافة وابتداء الرحلات والمراسلات، والجمعيات العلمية والمنتديات الأدبية، فضلاً عن البعثات التبشيرية التي ساهمت إلى حد كبير في نقل الكثير من مظاهر الثقافة الغربية.، كما تولَّى مهمَّةَ النهوض بواقع الطبقات الفقيرة في العراق وشجَّع التجارةَ، وبدأ تبلور في النهضة الفكرية أسهمت بها جملة من العوامل الثقافية، الفكرية في بلاد الشام ، مما جعلها تحوز على قصب السبق في التأثير في البلدان العربية المجاورة لها لاسيما العراق، في ميدان الفكر والثقافة، شهدت بغداد زيارة عدد من رجال الفكر الشاميين من بينهم ، سليمان البستاني (1856 – 1915)، المحرر في مجلة (الجنان) وصحيفتي (الجنة والجنينة) اللبنانيتين، حيث أقام فيها ثماني سنوات، مثلت وقتاً طويلاً ساعده في تحقيق علاقات مع مثقفيها التي ازدادت بين المثقفين العرب، فأنجز تأليف كتابه (تاريخ العرب اليوم)، كما خطى الانتاج الفكري العراقي خطوة واسعة، وذلك عندما بدأ مثقفو الشام يعيروه اهتماماً في أوساطهم المثقفة، ويتأكد ذلك من خلال الرسائل التي كان يتلقاها مثقفو العراق من نظرائهم الشاميين ، يطلبون فيها نوادر الكتب والمخطوطات، مثل الرسالة التي بعثها أحمد حسن طبارة يطلب فيها من محمود شكري الآلوسي ان يزوده ببعض مؤلفاته ، فضلاً عن ان عدداً من المؤلفات العراقية أخذت طريقها للطبع في مطابع الشام، من جهة أخرى دخول العراق في منطقة الشراكة التجارية مع أوروبا، وحصول القنصلية البريطانية على سلطات واسعة في العراق، وبها تميزت المرحلة بظاهرة الاقتباس من الغرب والتطلع الى ثقافاتهم، ومع بداية القرن العشرين زادت قنوات الاتصال ورفدت النهضة الفكرية لمثقفي العراق بالمطبوعات والمراسلات وهي التي شكلت النواة لبدء انشاء المكتبات في العراق وخاصة في بغداد ومن الله التوفيق.
1205 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع