وحان وقت الاستدارة إلى الكويت

                                     

                         وفيق السامرائي

كثيرون من العراقيين يفضلون إطلاق تسمية «يوم النصر العظيم» على موافقة إيران على وقف الحرب بعد ثمانية أعوام من الموت والكراهية والدمار، وليس وصف الحالة بـ«وقف الحرب» التي درجت عليها عن قناعة، لأن مفهوم النصر يعني تحقيق هدف الحرب،

وبما أن حرب السنوات الثماني لم تحقق إعادة إقرار اتفاقية الجزائر ولا غيرها من المطالب العراقية، وبقاء نحو عشرين ألف أسير عراقي في إيران لمدة عشرة أعوام بعد توقف القتال، فإن الحالة الناتجة عن الضغط العسكري العراقي والضغط الدولي وتردي أوضاع إيران العامة، تعتبر وقفا للحرب، مع عدم التقليل من الدور الكبير والحاسم للقوات العراقية.

وبصرف النظر عن التوصيفات التي لم يعد لذكرها طعم حقيقي، بسبب المآسي التي مرت على العراق، فقد كانت نشوة «النصر» دافعا للقيادة العراقية للمبالغة في المعضلات والديون المترتبة على العراق، فبعد أقل من عقدين أصبحت أرقام الديون هامشية ولا قيمة جدية لها، مقارنة بالارتفاع الكبير لأسعار النفط. وكان ممكنا تسوية كل الديون للدول العربية لو جرى تعميق الثقة، بدل محاولة إثارة مخاوف الآخرين من القوة العسكرية العراقية، ومن البرامج النووية التي أوشكت أن تؤدي إلى إنتاج قنبلة نووية، القنبلة التي لن تترك أثرا إيجابيا واحدا على قدرات الدول، لاستحالة استخدامها. وسلاح يصعب استخدامه لا يمكن أن يدخل ضمن عوامل الحسم في فرض الإرادة.

نشوة النصر، وضيق الأفق تجاه مشكلة الديون، وتفاقم التأثر بنظرية المؤامرة، والطمع غير المشروع في ثروات الكويت، واجترار الأقوال السابقة، والتقديرات الخاطئة تجاه ردود الفعل العربية والغربية، وثقافة القرية «ولو أنا قروي النشأة والهوى»، عوامل أدت إلى اتخاذ قرار اجتياح الكويت الكارثي، الذي أقرت قيادة حزب البعث الحالية بأنه كان قرارا خاطئا. وحاول بعض المنظّرين السياسيين الفاشلين تسويق القرار بطريقة تنم عن الجهل، ولسان حالهم يقول: حان وقت الاستدارة إلى الكويت!

وبحكم الاختصاص، لم يكن لي علم بالنيات وخطط اجتياح الكويت، التي بقيت في درجات كتمان عالية جدا، إلا أن الحالة تغيرت بعد أن شعر المعنيون بالمأزق بعد احتلال الكويت، حيث أسندت إليّ مهمة جهد الاستخبارات في الحرب الجديدة المرتقبة، وللأمانة، فإن الاستخبارات لم تقلل من المخاطر المترتبة على البقاء في الكويت، وبقيت تؤكد في تقاريرها على أن الحرب لا مفر منها، إذا لم يجرِ سحب القوات العراقية. ولا تزال وقائع لقائي «التاريخي» مع صدام حسين في 13 يناير (كانون الثاني) 1991، أي قبل أربعة أيام فقط من بدء الحرب، شاخصة أمامي.

فقد استدعيت إلى مكتب الرئيس لمناقشتي حول تقرير استخبارات، يبين عدم وجود مفر من الحرب في حالة البقاء في الكويت ومستوى الدمار الذي سيلحق بالبلد. وقد استمع صدام إلى وجهة نظري تفصيلا ومن دون ملل. وكنت آمل أن يتخذ قرارا بقبول سحب القوات، حتى لو كان هامش الوقت ضيقا، لأن القبول سيسبب حرجا دوليا كبيرا لأي حالة رفض عسكري، غير أنه ختم حديثه بما يدل على البقاء بلا تراجع.

ولا شك في أن التمسك بالبقاء يعود إلى ثلاثة عوامل أساسية؛ أولها ما كان يقوله آخرون من أن الحرب واقعة تحت أي ظرف ومن الأفضل قبول المجابهة، وهذه لغة المنظّرين الفاشلين. وثاني العوامل عدم تكامل القناعة بأن احتمالات الحرب حتمية في حالة رفض الانسحاب، وثالث العوامل يرتبط بتقدير خاطئ في حسابات التوازن العسكري على أساس ما يُطرح من أرقام المقارنة بين أعداد معدات الطرفين من قبل بعض السياسيين. أما رأي الاستخبارات فبقي مخالفا لهذه العوامل وما يماثلها.

وقعت الحرب وانتهت، وذهبنا، الرئيس طالباني وأنا للقاء الرئيس صدام، على هامش زيارة الوفود الكردية للتفاوض مع الحكومة، وأذكر أن صدام تطرق إلى نتائج الحرب، وبتقديره أن العراق سيعيد بناء ما دمر خلال سنتين، وبعد 200 عام لن تكون للناس معلومات تفصيلية عما حدث وسيعدون الحرب مجدا لكم!

وهكذا، فإن التعلق بالتاريخ يدفع أحيانا إلى قرارات مهلكة. وهذا ناتج عن القراءات العسيرة والمملة للتاريخ العربي، فقد ورثنا أوراقا بالية كثيرة، غالبيتها عديمة الفائدة، تنتقل من جيل إلى آخر على المنوال الخاطئ نفسه الذي تسبب في تدمير العلاقات المجتمعية والحضرية والإنسانية.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1002 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع