لعنة التقسيم والتجنيس

د. علي محمد فخرو

لعنة التقسيم والتجنيس

لا تنتهي المفاجآت في هذا الجزء من الوطن العربي حتى تعقبها مفاجأة جديدة في ذاك الجزء الآخر. إنها لعنة التدمير الممنهج الذي لحق بالنظام الإقليمي العربي عبر العديد من العقود، إما من قبل نظام حكم عربي جاهل مجنون أو من قبل جهة تآمرية خارجية استعمارية أو صهيونية.
وها هي شبكات التواصل الاجتماعي تفاجئنا بأن ما حدث ويحدث في السودان الشقيق ليس نتيجة أخطاء وخطايا داخلية تلاعبت بمسار وأهداف ثورة سودانية جماهيرية مبهرة فقط، بل هو أيضاً نتيجة تخطيط استعماري شيطاني خارجي لن يطول السودان فقط بل سيمتد ليشمل كل بقعة عربية. فهو أولاً ليس إلا تكملة لأهداف ونتائج اتفاقية سايس – بيكو الإنكليزية - الفرنسية الشهيرة في سبيل تقسيم بلاد العرب إلى نتف ضعيفة مضطربة متخلفة تحتاج دوماً إلى تدخلات الخارج الاستعماري لتعيش مع حثالات ضعفها ولتسكر بخمرة كذبه ومؤامراته وصداقاته الوهمية.
وهو ثانياً ليس إلا تكملة لتفريغ الأرض العربية من سكانها، بتهجيرهم وقتلهم وترويعهم، كما حدث لسكان فلسطين العرب، أو بادخال أجزائها في صراعات دموية في ما بينها، أو في صراعات داخلية تأكل الأخضر واليابس، كما نراه الآن حاصلاً في أجزاء كثيرة من أراضي اليباب العربية، أو بعملية تجنيس مشبوهة متعاظمة كما نراها في العديد من بلدان الخليج العربي.
ما تؤكده الكثير من شبكات مصادر التواصل الاجتماعي وأسرار الاستخبارات المسربة هنا أو هناك هو أن الهدف مما يجري في السودان هو تحقق هذين الأمرين: تجنيس الملايين من الأفارقة الآخرين ليحلوا محل الملايين من السودانيين الذين يجب أن يهجروا إلى جحيم المنافي بسبب الصراعات والحروب، وثانياً الاستمرار في تقسيم السودان إلى نتف متباعدة متصارعة فقيرة مختلفة في ثقافاتها وهوياتها وعروقها ودياناتها، وذلك كتتمة لانفصال الجنوب السوداني المأساوي العبثي الشهير. وهنا ستستعمل نفس الأساليب السابقة من تجييش للخونة إلى حملات إعلامية كاذبة، إلى تسليح هذه القبيلة أو تلك، إلى استعمال انتهازي للدين، إلى تدخلات وضغوط الخارج عندما يحين الوقت وتنضج الفاكهة الضحية.
لننظر إلى ما حدث في سورية وليبيا واليمن والعراق ولبنان وتونس، وإلى ما ينتظر حدوثه في هذا القطر أو ذاك، لنرى نفس المشهد السوداني وهو يتواجد تحت هذه اللافتة الكاذبة أو تلك، ولنرى نفس مسرحية إفقار الشعوب وإغناء الخونة المتعاونين واستباحة الأرض وما عليها، ولنشاهد نفس الابتسامات العاجزة المثيرة للشفقة وهي تملأ وجوه قادة الأحزاب والمجتمعات المدنية المتخاصمين المتفرقين الذين يلغّون من وحل الطائفية والقبلية والمناطقية والحزبية، بينما يقهقه إبليس وهو نائم قرير العين في فراشه.
لكن المأساة الكبرى هي أن هناك بعضاً من المثقفين والسياسيين ورجال الدين وأشكالاً لا تحصى من مؤسسات المجتمعات المدنية العربية لا يزالون يعتقدون، لسذاجة أو بلاهة أو خبث، بأنه بامكان كل قطر عربي مبتلى الوقوف لوحده وبقدراته الذاتية في وجه مصائبه والمفاجآت التي تتلاحق وتأتي بها الأقدار من جهة والتي تتفاعل وتمتزج مع القيح الحضاري العربي الذي يتدفق وينتشر في أرض وسماء العرب من جهة أخرى.
هي لعنة حضارية بامتياز والتعامل معها كصدف أو حوادث مؤقتة وكسحابة صيف هي لعنة أكبر وأعظم. وسيكتشف الجميع أن تلك اللعنة ستبقى وتكبر ما لم يؤسس العرب نظاماً متناسقاً تضامنياً وحدوياً، يشمل السياسة والأمن والاقتصاد والثقافة والعلوم والتكنولوجيا، وإلا فان لعنات أخرى جديدة تنتظرنا.
ويبقى سؤال كبير: أين مؤسسة القمة العربية من كل هذا؟ ألا تستحق كل تلك المآسي للاجتماع والتباحث واتخاذ القرارات ومساعدة المحتاجين؟

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

684 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع