نزار النقيب.. صديق الفقراء


الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل



نزار النقيب.. صديق الفقراء

السيد نزار رؤوف فيض الله النقيب الاعرجي مهندس ومقاول ومُحسن عراقي كبير، وهو نقيب السادة الأشراف في الموصل، وشخصية عراقية معروفة في العالم العربي بسبب أعماله الخيرية، وقد لُقب (صديق الفقراء).

لقد كان والده رؤوف النقيب من المحسنين، وقد أسس هو ومجموعة من الميسورين من رجالات الموصل، منهم: الحاج محمود الزرقي وعبد القادر سيد محمود والشيخ بشير الصقّال وعبد القادر زكريا وآخرون (جمعية البِر الإسلامية) لإيواء الأيتام والعناية بهم وتدريسهم.

ولد نزار النقيب في الموصل عام 1926 وسكن في الخمسينات قرب بيت والده رؤوف النقيب بجوار بيت رؤوف الشهواني في محلة المكّاوي ولغاية سنة 1958 قبل أن ينتقل إلى عمارتهم بمنطقة المستشفى الجمهوري قرب دورة قاسم الخيّاط. وبعد إكمال درسته المدرسية سافر إلى بغداد ودرس في كلية الهندسة جامعة بغداد وتخرج منها عام 1949.

من أوائل أعمال نزار النقيب الخيرية في الموصل قيامه بتعمير جامع الإمام محسن، كما أنشأ قاعة أنيقة للمناسبات الدينية وعمَّر الجامع المجاور للقاعة المُسمى جامع (نزار النقيب) . كما بنى (مُجمَّع النقيب الطبي) بالموصل لمعالجة الفقراء والمحتاجين، وهو وقف خيري. كما كان السيد نزار النقيب هو المهندس المقيم لمشروع السوق العصري في باب الطوب.

ومن أعماله الخيرية الأخرى في الموصل أنه تبرع لشراء وتجهيز مختبر كلية الحدباء الجامعة. كما قدّم مساعدات لعدد من العوائل الموصلية من خلال وكيله في الموصل.

اقترن نزار النقيب بالمربية الفاضلة (فريدة نظيف الشاوي)، وهي ابنة السياسي العراقي نظيف الشاوي الذي شغل منصب وزير الدفاع في فترة خلال عام 1941، وهي أخت الأستاذ الدكتور نزار نظيف الشاوي رئيس جامعة البصرة (1970-1975) ورئيس جامعة الموصل (1969-1970).

لقد تزوج نزار النقيب فريدة نظيف الشاوي وعمره 22 عاما بتشجيع من والده على إتمام مراسيم الزواج قبل أن يغادر الموصل إلى لندن، لإكمال دراسته العليا في الهندسة.. وقد قال له والده بالحرف: "عليك أن تقترن ببنت بلدك، لا أريدك أن ترجع من لندن وبرفقتك زوجة أجنبية".

لقد سكن نزار النقيب وعائلته في منطقة الطيران في الموصل بجوار قصر الدكتور محمود الدبوني زوج الكاتبة صفية الدبوني. وقد رزقهما الله بأربعة أولاد: علي زين ومحمد وحسنين وسحر.

لقد عانت عائلة نزار النقيب من مرض ولده البكر (علي زين) الذي درس الابتدائية في الفتوة النموذجية والمتوسطة في المتوسطة المركزية، حيث كان يعاني من وجود فتحة في القلب. وقد قام والده بنقله إلى لندن لعلاجه، وبذل المستحيل لعلاجه ولكن دون جدوى. وقد توفاه الله وهو في عز شبابه في صيف ١٩٦٨. وكان ذلك حافزا لنزار النقيب للقيام بأعماله الخيرية في داخل العراق وخارجه لعلاج المرضى.

لقد عملت زوجته فريدة الشاوي في مجال التعليم وتولت إدارة ثانوية (الفنون البيتية) في منطقة الدواسة في الموصل، وكانت من المديرات المتميزات القديرات، وقد تميّزت بشخصية إدارية ناجحة وكان لها الفضل الكبير في جعل ثانوية (الفنون البيتية) نموذجا فريدا تَخرّج منها الكثير من الكوادر التعليمية الناجحة.

لقد زارت السيدة الفاضلة فريدة نظيف الشاوي اضرحة شهداء معركة مؤتة قرب الكرك في الأردن واعجبتها روحانية المكان، وأوصت إذا ما توفيت في الغربة بأن تُدفن في مؤتة، وكان لها ما أرادت عندما توفيت رحمها الله في الأردن.

لقد ذكر محمد الخليفة المحامي والقيادي في حزب الاستقلال المغربي وصديق نزار النقيب، إنه تعرف على نزار النقيب بالصدفة سنة 1974 في مؤتمر المحامين العرب، والذي نُظم في بغداد، وقال فيه: "رأيت فيه إنسانا محبا للخير ويبحث عمن يدله على فعله، فكان أن استدعيته لزيارة المغرب، فقرر الاستقرار بمدينة طنجة، معتبرا أنها تلك المدينة التي كان يبحث عنها".

وأضاف الخليفة: "أن النقيب كان مداوما على فعل الخير ومساعدة الضعفاء والمحتاجين، كما كان أحد أكبر الداعمين لمؤسسة (للا سلمى لمحاربة السرطان)، فضلا عن مئات من العمليات الجراحية التي أجراها لمرضى القلب على نفقته، لكنه كان دوما يريد أن تكون أعماله الخيرية في السر وليس في العلن".

ويوثق كتاب (المبتدأ والخبر) الصادر عن (وكالة شراع لخدمات الإعلام والاتصال) جزءا من السيرة الذاتية وبعض مذكرات نزار النقيب، وهو الكتاب الذي أكد فيه أن مجيئه للمغرب كان بدعوة من محمد الخليفة، قبل أن يقرر الاستقرار الدائم في طنجة بعد الاستقبال اللائق الذي تلقاه في المغرب، عكس ما عاشه في ليبيا والجزائر.

لقد غادر نزار النقيب العراق في نهاية الستينات وبداية السبعينات، وتوفيت زوجته السيدة فريدة الشاوي فقال: " الموت، هذا الذي يصفه الله في القرآن الكريم (بالمصيبة)، يأخذ منا أعز الأحباب، ويتركنا أسرى لمشاعر الفقدان، والإحساس بالفاجعة.. فلا يعد لنا سوى الحنين، نحاوره من مسافة الذكريات الجميلة التي تسكننا حتى النخاع.. وما أتمناه من الله تعالى أن يكون رحيلي الأبدي كمثل الأشجار التي تموت وهي واقفة".


لقد زار نزار النقيب مدينة طنجة في المغرب سنة 1974 فأعجبته كثيرا حيث اعتبرها (قطعة من الجنة فوق الأرض) فأقام فيها، وكانت تربطه علاقة طيبة مع الأسرة الحاكمة في المغرب.


وفي المغرب قام نزار النقيب بتغطية تكاليف 200 عملية جراحية للقلب والشرايين، من صمامات ولوازم الجراحة خلال عشر سنوات فقط، علاوة على تكفله بعمليات جراحة العيون في مستشفى برشلونة (إسبانيا)، وكذلك في مستشفيات العاصمة الفرنسة باريس، لفائدة أطفال صغار.


وتبرع المهندس العراقي نزار النقيب سنة 2009 لجمعية (للا سلمى لمحاربة داء السرطان) بمبلغ 5 ملايين و 300 ألف دولار لاقتناء أجهزة للأشعة العلاجية، وتجهيز قاعة العمليات الجراحية والإنعاش بمستشفى (سيدي محمد بن عبد الله) بالرباط، كما تبرع 5 ملايين دولار من أجل إنشاء صندوق نزار النقيب للصدقة الجارية لدعم وشراء الأدوية لمرضى السرطان.


لقد امتدت الأعمال الخيرية لنزار النقيب الى الأردن، ففي العام 2001 قام النقيب بتأسيس (مبنى نزار النقيب للعيادات الخارجية) في (مركز الحسين للسرطان في عمان) بالأردن والذي بسببه منحه الملك عبد الله الثاني بن الحسين وسام الحسين للعطاء المتميز من الدرجة الأولى.


كما خصص النقيب نصف مليون دولار لصندوق معالجة المرضى العراقيين في المركز المذكور. وفي العام 2008 قدّم النقيب تبرعات للمركز بلغت في مجملها ثمانية ملايين دولار.


لقد توفي نزار رؤوف فيض الله النقيب في مدينة طنجة في يوم الجمعة 10 يونيو 2016 عن عمر ناهز 90 عاما بعد أن أنفق جزءا مهما من ثروته المباركة في مشاريع الكفالة الاجتماعية لفائدة الفقراء والمرضى.


وكان قد أوصى بأن يُدفن في مقبرة ال النقيب في الموصل ولكن تعذّر ذلك بسبب احتلال الموصل من قبل داعش، ولذلك ارتأى أولاده أن يُدفن في مؤتة بالأردن إلى جوار زوجته وعدد من أفراد أسرته.


لقد اعلنت سمو الأميرة الأردنية غيداء بنت طلال عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تفاصيل الجنازة المهيبة، وكتبت سموها: "لقد اختار فقيدنا الغالي نزار النقيب أن يكون مثواه الأخير في بلده الثاني الأردن الذي أحبه واحتضنه ملكاً وشعباً وأنعم عليه جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين بوسام العطاء من الدرجة الأولى لكل ما قدمه من دعم وعطاء غير مسبوق لمرضى السرطان في مركز الحسين للسرطان". وقد جرى للفقيد الكبير تشيعا رسميا مهيبا في الأردن ودُفن في مدينة الكرك عند مقام سيدنا جعفر الطيار رضي الله عنه.

تغمد الله نزار رؤوف فيض الله النقيب برحمته الواسعة وجزاه الله خيرا على ما قام به من أعمال خيرية جليلة.

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 274).

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

707 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع