قصة قصيرة لعبة الموت - الجزء الاول

                                                       

                               بقلم أحمد فخري

         


قصة قصيرة لعبة الموت - الجزء الاول 

24 ديسمبر كانون الاول

ركب الدكتور ستيفن ادامز الحافلة متجهاً الى محل عمله بمجمع برث الطبي الخاص لامراض القلب الواقع بمدينة دندي في سكوتلندا. كان الجو شديد البرودة والوفر يهطل ببطئ كبير. الارض والاشجار والسيارات الواقفة والناس كل شيء مغطى بالثلج مما يبعث بالاكتئاب خاصةً وان الدكتور كان حزيناً لان خاض جدلاً كبيراً مع زوجته كلير هذا الصباح بسبب عودته متأخراً من العمل كل يوم. كذلك عانى كثيراً من جراء غيرتها التي لا تطاق بالاخص من مساعدته ويده اليمنى الممرضة سارة. طلبت منه الطلاق، الا انه اقترح عليها ان تتريث وان تفكر ملياً كي لا تمحي السنين الثلاثة التي عاشوها سوياً منذ ان تزوجا وانتقلا للعيش بدندي. كان ستيفن يحب زوجته ولم يكن يتخيل يوماً انه سينفصل عنها لولا جلسات التحقيق التي كان يخضع اليها كل يوم عندما يعود من عمله ومهما شرح وبرر الاسباب الا انها لم تكن لتتفهم مهنة الطبيب ومتطلبات تلك المهنة. ومما زاد في الطين بلة هو العُطل الذي اصاب سيارته الهوندا المسنة ذات التسع سنوات، فاليوم رفضت ان تستيقظ وتعمل رفضاً قاطعاً. حاول التفاوض معها كثيراً لكنها اصرت بعنادها وفظاظتها فتركها مغشيةً بالثلوج واستسلم لرحلة مملة مهينة بالحافلة خوفاً من التأخر عن العمل. كان جالساً على مقعد بالقرب من الشباك يغوص بافكاره ومشاكله الزوجية ويستمع الى قرقرة معدته من اثر الجوع لانه خرج مرة اخرى دون ان يتناول افطاره. لكن ذلك اصبح امراً روتينياً اعتيادياً كل يوم. يبدأ بصباح الخير يا حبيبتي وينتهي بصفع الباب ورائه وخروجه دون تناول وجبة الافطار. ورغم كل تلك الصعاب، كان ستيفن يرفض ان يدع مشاكله تؤثر على كفائته الطبية وحسن ادائه واختياره للحلول الانسب بعمله. فور وصوله الكلينيك اسرع بمشيه كي يدخل من الباب الزجاجي الرئيسي تمام الساعة التاسعة وخمس دقائق فقابلته ممرضته سارة قائلة،
سارة : استعجل يا دكتور، اسرع فالمدير جورج قد اوقف سيارته للتو في المراب وهو في طريقه الى هنا.
د. ستيفن : اجل، اجل انا ذاهبٌ الى عيادتي لا تقلقي. هل هناك حالات تنتظرني؟
سارة : كلا.
د. ستيفن : جيد جداً اراكِ فيما بعد يا سارة، شكراً.
سارة : لا تنسى موعدك مع الطبيب النفسي بخصوص زوجتك على الساعة 11.45.
د. ستيفن : ارجوك اتصلي به واجّلي الموعد فالامور بالبيت تعقدت كثيراً. كذلك سيكون عملنا اليوم حافلاً بالمواعيد.
دخل عيادته وارتدى الصدرية البيضاء، وضع السماعة فوق رقبته ثم فتح الحاسوب وجلس امامه. بعد ربع ساعة سمع طرقاً على الباب فاذن للطارق واذا به مديره جورج اتكنز، نظر اليه وقال،
ستيفن : اهلاً جورج تفضل.
جورج : كيف حالك يا ستيفن، وكيف حال كلير؟
ستيفن : لسنا بخير ابداً يا جورج. كل يوم مشاكل وشجار وصراخ، تخيل انها بدأت تتحدث عن الطلاق الآن وليس لها سيرة غيره.
جورج : انه شيء طبيعي يا صديقي. من منا لا يعاني من هذه المشكلة المستعصية التي نسميها مرض الاطباء المزمن. فالتأخر بالرجوع بعد انتهاء العمل وعدم التواجد في البيت بانتظام هو السبب الرئيسي لكل هذه المشاكل.
ستيفن : وماذا اعمل يا جورج، هل اترك عملي واغير مهنتي كي اصبح محاسباً او نجاراً او سائق حافلة مثلاً؟
جورج : انا لم اقل ذلك. لكن عليك ان تحل الامور بشكل ذكي وتعوضها وقتما تسنح لك الفرصة. فالنساء رقيقات ويريدونك ان تمنحهن الكثير من الاهتمام.
ستيفن : انظر عزيزي، انا اخرج معها وقتما تشاء لكنك تعلم بالطقس هذه الايام فنحن الآن بفصل الشتاء ودرجات الحرارة منخفضة جداً مما لا يسمح لنا الخروج كل يوم للتنزه او ماشابه.
جورج : انا اقترح عليك ان تقوم بحجز رحلة...
قاطعت حديثهما الممرضة سارة وقالت،
سارة : لقد حضرت السيدة جونسون يا دكتور ولديها موعد معك الآن.
ستيفن : ادخليها لو سمحتِ.
جورج : دعني استأذن الآن يا ستيفن يجب ان اتركك مع مرضاك. نتحدث بالموضوع لاحقاً.
ستيفن : طيب جورج اراك لاحقاً.
خرج المدير من عيادة ستيفن وعاد الى عيادته. انهمك الجميع باعمالهم، فالكلينيك يعمل بشكل مكثف منذ ان افتتح ابوابه قبل اربع سنوات اما اليوم فهو يوم خاص ومميز لانه يصادف 24 من ديسمبر وهذا يعني ان غداً ستبدأ عطلة عيد الميلاد ولمدة يومين متتاليين. وعندما صارت الساعة تشير الى السادسة مساءاً خلع ستيفن صدريته ولبس معطفه الثخين المصنوع من جلد البقر وصار يلملم اوراقه ويضعها في حقيبته اليدوية استعداداً للرجوع الى البيت. فجأة سمع الباب ينفتح وتدخل الممرضة سارة دون ان تستأذن فنظر اليها ستيفن وقال،
ستيفن : ما الامر يا سارة؟ لست بالعادة ان تقتحمي الغرفة قبل ان اذن لكِ.
سارة : جائت للتو مكالمة هاتفية من المشفى القريب منا ولديهم حالة مستعجلة يا دكتور.
ستيفن : انا آسف لا استطيع ان اتأخر عن الدار اليوم، وبالاخص هذا اليوم لان زوجتي ستنفجر لو تأخرت من جديد. ارجوكِ اخبري الدكتور جورج او الدكتورة رابيكا.
سارة : الدكتورة رابكا والدكتور جورج خرجا فعلاً قبل نصف ساعة ولم يبقى في العيادة غيرك انت يا دكتور.
ستيفن : لا بأس إذاً، حولي المكالمة ودعيني اتحدث معهم. انا متأكد انها مجرد حالة بسيطة استطيع حلها على الهاتف.
حولت المكالمة لهاتفه فقال،
ستيفن : انا الدكتور ستيفن ادامز ما الامر؟
الطالب : حضرة الدكتور انا موظف الطوارئ بمشفى دندي.
ستيفن : تفضل، ما الامر؟
موظف الطوارئ : لدينا حالة طارئة سيدي: هناك سيدة تعاني من ازمة قلبية وليس لدينا اي اخصائي للقلب. انها سيدة مسنة. قمنا بطلبك لان ذلك هو من اختصاصك.
ستيفن : اين المريضة؟ هل هي عندكم بالمشفى؟
موظف الطوارئ : كلا سيدي انها في بيتها.
ستيفن : باي منطقة تسكن؟
موظف الطوارئ : انها بقرية فورتر.
ستيفن : يا الهي، فورتر بعيدة جداً واغلب الطرق مغلقة اليوم بسبب العاصفة الثلجية. لا يمكن لاي مركبة الوصول اليها الآن.
موظف الطوارئ : لا تقلق سيدي بامكاننا ان ننقلك بالسيكورسكي وسيكون معك طاقم اسعاف كامل.
ستيفن : وماذا عن الطريق من هنا الى المشفى؟ كيف سأتي اليكم؟ فانا لا املك سيارة.
موظف الطوارئ : لو نظرت خارج الكلينيك من الشباك الآن ستجد سيارة اسعاف تقف على اهبة الاستعداد تنتظرك لتنقلك للمشفى عندنا سيدي.
ستيفن : حسناً ساكون جاهزاً خلال دقائق.
بدأ يجمع المعدات التي سيحتاجها ويضعها بحقيبته ثم توجه الى الخارج. ركب الاسعاف فانطلقت به باقصى سرعتها لتأخذه الى المشفى ومن هناك سيركب الطائرة السمتية. وفي الطريق اتصل بزوجته على هاتفه النقال فسمعها ترد بالطرف الآخر وتقول،
كلير : الو ستيف؟
ستيفن : اجل حبيبتي. اردت ان اقول لكِ اني اشتقت اليك، سامحيني حبيبتي.
كلير : هل ستتأخر اليوم ايضاً؟
ستيفن : لدي حالة مستعجلة. اسمعي مني، انها سيدة مسنة تعاني من ازمة قلبية ويجب ان استجيب على جناح السرعة والا فانها ستموت لا محال.
كلير : اتعلم ما هو التاريخ اليوم؟ انه 24 ديسمبر اي انها ليلة عيد الميلاد، وللعلم فانت طبيب قلب وكل حالاتك هي حالات مستعجلة فما الجديد في ذلك؟ وما دخلك انت بالمشفى؟ انت لا تعمل لديهم بل تعمل بالكلينيك. انه كلينيك خاص. والمشفى عمومي.
ستيفن : انا آسف يا عمري. ارجوكِ سامحيني. انا طبيب ويجب علي ان استجيب. اعدك باني ساعوضك عن ذلك.
كلير : ماذا ستفعل وكيف ستعوضني؟ هل ستطلب لي عيداً جديداً من موقع الامازون؟ وداعاً.
ستيفن : لكن يا كلير انا اريد ان...
اغلقت زوجته الخط وهي غاضبة منه بشكل كبير الا انه اتخذ قراراً جادّاً كي يعوضها تلك الايام باقرب فرصة ممكنة عله يتمكن من ان ينقذ زواجه مع المرأة التي يحبها كثيراً. وصلت سيارة الاسعاف وعلى متنها الدكتور ستيفن، استدارت نحو الباحة الخلفية لبناية المشفى حيث وقفت طائرة هليكوبتر من نوع سيكورسكي على اهبة الاستعداد ومروحتها تدور بسرعة عالية. ركض ستيفن نحوها وركب في الخلف مع طاقم الاسعاف العشرة وما ان ربط حزام الامان وانغلقت الباب الا واقلعت الطائرة عامودياً ثم غيرت اتجاهها نحو الغرب وصارت تتسلق في السماء حتى بلغت 5000 قدم. دامت الرحلة ربع ساعة فقط ثم بدأت تهبط. وعندما حطت على الارض نزل ستيفن منها ومعه اثنان من رجال الاسعاف فقط حاملين معهم عدتهم وحقائبهم. وبعد ان ساروا بضع خطوات اقلعت الطائرة من جديد لتختفي خلف الاشجار فسأل،
ستيفن : اين ذهبت الطائرة؟
المسعف : حملت باقي الفريق ليسعفوا حالات اخرى يا دكتور.
ستيفن : وماذا عنا؟ كيف سنعود؟
المسعف : سنتصل بهم فور انتهائنا من معالجة المصابة فيأتون لارجاعنا للمشفى بدندي. لا تقلق سيدي.
سار الرجال الثلاثة نحو المنزل وقرعوا الجرس فلم يسمعوا الرد لذا جربوا دفع الباب ليجدوه غير موصد. دخلوا فرأوا سيدة كبيرة مسنة بوسط الصالة ملقاة ارضاً على ظهرها تتألم بشكل كبير والتلفاز يلقي الاخبار بصوت مرتفع. اغلق التلفزيون احد المسعفين بينما امسك ستيفن يد المصابة وقال لها،
ستيفن : انا الدكتور ستيفن ادامز ماذا وقع لكِ سيدتي؟
فتحت عينيها بصعوبة وتحدثت ببطئ شديد قالت،
المريضة : اسمي برندا رامزي. كنت جالسة اتفرج على التلفاز وفجأة قررت ان اغلي الماء كي اعمل قدحاً من الشاي. وما ان وصلت الى المطبخ حتى بدأت اشعر بحرقة وضيق في صدري وشعرت بالم شديد في يدي اليسرى وضيق في التنفس والم في الحلق والرقبة والمعدة والفك. ثم بدأت اتعرق وشعرت بالغثيان. دامت حالتي اكثر من 10 دقائق، رجعت الى الصالة لكن الحالة لم تتحسن لذلك اتصلت بالطوارئ فوعدوني انهم سيبعثون بالاسعاف فوراً لكنكم تأخرتم كثيراً. ثم لا اعرف ماذا حصل بعد ذلك. يبدو انني فقدت الوعي.
ستيفن : الطرق كلها مغلقة هذه الليلة بسبب الثلوج لذلك جئنا اليكِ بطائرة سمتية ولكن لا عليك سيدتي سنساعدك الآن. ارجوك استرخي ونحن سنقوم باللازم.
بدأ ستيفن يفحص المريضة بسماعته وقاس نبضها ثم نظر الى المسعفين وقال، "هيئوا لي ابرة ادرينالين. وجهزوا جهاز الـ AED" فبدأ المسعفان يعملان بشكل آلي واحترافي كبير. اعد الاول ابرة الادرينالين فسأل الدكتور مريضتة وقال،
ستيفن : سيدة رامزي، هل تعانين من مشاكل بالقلب؟
برندا : اجل يا دكتور.
ستيفن : لا عليك حبيبتي ستتحسن ظروفك الآن.
فجأة فتحت عينيها ثم اغمضتها وفقدت الوعي فوضع سماعته على صدرها وصرخ،
ستيفن : لقد توقف القلب. اعطني الابرة.
اعطاه احد المسعفون ابرة فغرسها بصدر المريضة بموقع القلب ثم نظر الى جهاز المراقبة الذي جهزه المسعف الثاني لكن القلب لا زال واقفاً فقال، "اسرعوا بجهاز الصدمات". احضر المسعف الثاني جهاز الـ AED وضغط على مفاتيحه كي يشحن فقال له الدكتور.
ستيفن : اعطني 200 فولت.
ففعل المسعف، فقال الدكتور، "ابتعدوا" ثم وضع القطبين على صدر المريضة واطلق الشحنة فانتفض جسدها الى الاعلى لكن جهاز المراقبة لم يسجل اي نبض للقلب فصرخ الدكتور،
ستيفن : ارفع الجهد الى 250 فولت.
رفع المسعف من قيمة الجهد واطلق الشحنة الثانية فانتفض جسد المريضة ثانية لكن الجهاز لم يسجل اي نبض للقلب فصرخ الدكتور،
ستيفن : اننا نفقدها. اسرع واعطني 300 فولت.
فعادوا الكرة لكن هذه المرة بدأ قلب المريضة بالاستجابة وصار الجهاز يسجل نبضاً ضعيفاً بالبداية ثم ازداد شيئاً فشيئاً حتى صار نبضها 110 وضغطها يقرأ 135/85 ونسبة الاوكسجين بلغت 87. ابتسم ستيفن وقال، حمداً لله لقد رجعت المريضة. يجب نقلها الى المشفى. اتصلوا بهم كي يعملوا التدبيرات اللازمة. لكن المسعف قال،
المسعف : الهواتف النقالة لا تعمل يا دكتور، ليس هناك تغطية بهذه المنطقة.
ستيفن : إذاً استعمل الهاتف الارضي ذاك يا رجل، هيا اسرع.
رفع المسعف سماعة الهاتف الارضي واتصل بالمشفى فاخبرهم بنتائج اسعاف السيدة رامزي ليعلموه ان السمتية ستتاخر لانها تنقل مريضاً آخر للمشفى ثم ستتزود بالوقود وتأتي اليهم فيما بعد. سألهم عن الوقت الذي ستستغرقه، فقالوا حوالي ساعتين. رجع المسعف وقال للدكتور،
المسعف : يا دكتور، سوف تتأخر الطائرة حوالي ساعتين او ربما اكثر بقليل.
ستيفن : هذا ليس بالامر السيء. سننتظر ونراقب حالة المريضة هنا حتى تأتي الطائرة. والآن دعني اجري مكالمة هاتفية.
رفع سماعة الهاتف الارضي وطلب هاتف زوجته الا انه كان مشغولاً فقرر ان يتصل بها لاحقاً. رجع للمسعفين وقال،
ستيفن : ساخرج خارج المنزل قليلاً لادخن سيجارة. تابعوا مراقبة المريضة.
المسعف : متابعة المريضة لا يتطلب شخصين. سأتي معك يا دكتور لان نسبة النيكوتين قد هبطت بدمي انا ايضاً.
لبس الرجلان معطفيهما ثم خرجا خارج الدار ووقفا بالشرفة كي يدخنا السجائر. قال المسعف،
المسعف : الجو بارد جداً اليوم يبدو ان الحرارة قد هبطت تحت الصفر بكثير. ربما هي -10 او -12.
ستيفن : مما يجعل التدخين بمثل هذا الجو ضرورة ملحة، اليس كذلك؟
المسعف : انت محق يا دكتور.
ستيفن : كذلك تعتبر السيجارة بديلاً للكحول خصوصاً باوقات الازمات.
المسعف : وهل لديك ازمة كبيرة؟
ستيفن : اجل، زوجتي طلبت مني الطلاق اليوم. لا عليك عزيزي ستمضي المشاكل بشكل او بآخر.
المسعف : من المزعج ان ندخن السجائر وسط هذه الرائحة النتنة لروث الحيوانات.
ستيفن : انا لا اعتقد انها رائحة فضلات الحيوانات.
المسعف : وماذا تعتقد إذاً؟
ستيفن : يبدو لي انها رائحة حيوان نافق ولكنها قوية جداً. ربما نفق بالقرب من المنزل.
المسعف : ربما انت على حق يا دكتور.
ستيفن : ولكن توقف قليلاً، كيف تتعفن جثة بمثل هذا البرد يا صديقي؟ انه امر عجيب. دعنا نتمشى بهذا الاتجاه علنا نجد مصدر الرائحة. هل لديك ضوء كاشف؟
المسعف : اجل تفضل.
اخرج الضوء من جيبه واعطاه للدكتور فصارا يسيران باتجاه المنزل لكنهما لم يجدا مصدر الرائحة حتى وصلا الى الجهة الشرقية من المنزل فصارت الرائحة نفاذة اكثر.
ستيفن : الرائحة تأتي من داخل ذلك المنزل هناك. انا ذاهب لاستقصي الامر.
المسعف : خذني معك يا دكتور.
ستيفن : ما اسمك؟
المسعف : اسمي دافيد.
ستيفن : وانت نادني ستيفن.
دافيد : هذا البيت يبعد مئة متر او اكثر عن المنزل لكن الرائحة تمكنت من الوصول الينا يبدوا ان هناك شيء غير طبيعي.
ستيفن : ها قد وصلنا البيت. الرائحة قوية جداً. ساطرق على الباب واستفسر من ساكنيه.
طرق ستيفن الباب لكن احداً لم يستجيب. اعاد الكرة وطرق على الباب دون جدوى. قال،
ستيفن : دعنا نقرع الجرس.
دافيد : لدي شعور ان البيت فارغ.
وضع ستيفن اصبعه على زر الجرس وضغط ضغطة قصيرة فسمع صوت الجرس من مكانه الا ان احداً لم يجبه. عاد فضغط على الزر مرة اخرى. هذه المرة كانت اطول من سابقتها ومع ذلك لم يجبه احد.
دافيد : ماذا نعمل يا ستيفن؟
ستيفن : دعنا نلف حول المنزل علنا نجد باباً مفتوحاً او منفذاً نستطيع الدخول من خلاله.
لف ستيفن ودافيد حول المنزل محاولين النظر من شبابيكه فلم يجدا اي شيء ولم يبقى سوى شباكاً اخيراً يطل على غرفة الصالة. نظر ستيفن من خلاله فشاهد اقدام انساناً ملقياً على الارض وباقي الجسد متوارِ خلف الحائط. كانت الاقدام تارة تظهر وتارة تختفي بفعل الاضواء التي تزين شجرة عيد الميلاد.
ستيفن : انظر يا دافيد، هناك اقدام شخص على الارض.
دافيد : اجل اراه يا ستيفن. ماذا نعمل؟
ستيفن : دعنا نكسر زجاج الشباك وندخل لنسعفه.
دافيد : فكرة صائبة هيا قم بكسره.
بحث ستيفن حوله فلم يجد سوى قطعة حجر على الارض فالتقطها وضربها على الشباك ليكسر الزجاج. صار يزيل بقايا الزجاج العالق بالاطار حتى نظفه تماماً ثم دس يده فيه وفتح الشباك ليدخل بساقه الايسر اولاً تبعه بباقي جسده. الا ان ديفد تخلّف وقال ان حجمه البدين لا يسمح له اداء مثل هذا العمل البهلواني لذا فهو سيعود الى منزل السيدة برندا للاطمئنان على حالتها الصحية. دخل ستيفن وحده فصدمته رائحة قوية جداً كادت ترغمه على الخروج ثانية. الا انه اصر بمواصلة السير بعد ان غطى انفه بمنديله وواصل باتجاه الاقدام الممدودة على الارض ولما صار بالقرب منها علم انها لشخص مستلقياً على وجهه في وسط الظلام. اشعل الضوء فانار المكان وعاد فنظر الى الشخص الممدود على الارض واذا بها سيدة مسنة بشعرها الابيض محاطة ببركة كبيرة من الدم المتجمد. وضع ستيفن اصبعيه على رقبتها ثم رفع رأسه الى الاعلى وقال،
"يا الهي، انها ميتة، يا ترى من تكون؟ ولماذا ماتت بهذا الشكل؟" صار يتجول بالمنزل وينادي "هل هناك احد؟" ضل يستكشف المكان لكنه لم يجد اي شخص آخر بالمنزل. "يجب علي ان اتصل بالشرطة فالامر خرج من يدي. لا اريد ان الوث المكان إن كانت جريمة قد ارتكبت او ما شابه". بحث عن هاتف ارضي في غرفة الصالة فعثر عليه بزاوية بالقرب من الاريكة. رفع السماعة ثم ضغط على الرقم 999. ردت عليه بدالة الطوارئ. طلب منها الشرطة فاجابه شرطي الطوارئ قائلاَ،
شرطة الطوارئ : ما الامر وما هي الحالة؟
ستيفن : انا الدكتور ستيفن، لقد دخلت منزلاً غير مأهولاً وعثرت على جثة. يجب عليكم ان تبعثوا بالنجدة.
شرطة الطوارئ : سنبعث لك سيارة شرطة وسيارة اسعاف فوراً. اخرج من المنزل ولا تلمس اي شيئ. والآن اعطني العنوان.
قام باعطائه العنوان ثم اعاد سماعة الهاتف وارتدى قفازه الطبي. سار نحو الباب الرئيسي وخرج منه. وقف على شرفة الدار بضع دقائق حتى جائته سيارة شرطة فنزل منها شرطيان. سأل احدهما،
الشرطي : اين الجثة؟
ستيفن : انها بالداخل في غرفة الصالة.
الشرطي : ابقى انت هنا وسوف نلقي نظرة.
وقف ستيفن لبضع دقائق حتى شاهد احد الشرطيين يخرج من جديد فسال،
الشرطي : ماذا كنت تعمل بهذا المنزل؟
ستيفن : جئت لاسعف السيدة برندا رامزي بالبيت المجاور هناك، جئت مع مسعفين بطائرة سمتية اثر نداء استغاثة. وبعد ان اسعفناها وقفت خارجاً ادخن سيجارة وانتظر الطائرة التي سترجعنا الى دندي ثم بدأت اشم رائحة نفاذة من هذا المنزل فتجولت حول الدار وحاولت ان استقصي الامر حتى لاحظت قدم المتوفاة من خلف الشباك فقمت بكسر الزجاج ودخلت كي احاول اسعافها لكنها كانت قد توفت مسبقاً.
الشرطي : الم تحاول قرع الجرس؟
ستيفن : حاولت عدة مرات ولكن احداً لم يفتح الباب.
عاد الشرطي الى سيارته وبدأ باجراء اتصالاته عبر جهاز اللاسلكي من داخل السيارة ثم عاد وقال،
الشرطي : انا اسمي العريف براندون اعمل كشرطي محلي بهذه القرية لقد اتصلت بمركز شرطة دندي واخبرتهم بالامر فقالوا بانهم سيبعثون فريق من قسم الطب الجنائي ومعهم محقق شرطة.
ستيفن : الا زلت تحتاج الي لانني يجب ان ارجع الى البيت المجاور فهي مصابة بازمة قلبية وعلينا ارجاعها الى دندي.
العريف براندون : رجاءاً انتظر قليلاً حتى يأخذوا عينة من بصماتك كي يزيلوها من قائمة المشتبه بهم، إذا كانت هناك جريمة قد وقعت.
ستيفن : لا استطيع ذلك. بامكاني ان اذهب للمركز غداً صباحاً فالطائرة السمتية ستأتي قريباً لتأخذنا مع المريضة وترجع بنا الى مشفى دندي.
العريف براندون : حسناً اعطني هويتك لو سمحت ودعني ادون بياناتك ثم ساتركك تذهب.
اعطى ديفد هويته الطبية فاخذ منها المعلومات ثم ارجعها اليه وعاد الى منزل السيدة برندا رامزي. قابله المسعف دافيد وسأله،
دافيد : ماذا حصل يا دكتور؟
ستيفن : لقد كانت الاقدام التي رأيناها من الشباك لسيدة مسنة متوفية منذ فترة طويلة لذلك اتصلت برقم الاسعاف فجائت سيارة شرطة وحققوا بالامر ثم طلبوا العون من دندي كي يبعثوا لهم فريق تحقيق واخلوا سبيلي طالبين مني الذهاب الى مركز الشرطة بالغد. والآن اخبرني كيف حال بالسيدة برندا؟
دافيد : ان حالتها مستقرة الآن لكنها تعاني من مشكلة الـ (ارثميا).
ستيفن : سيقومون بمعالجتها بالمشفى.
دافيد : الست انت الذي ستعالجها هناك؟
ستيفن : كلا، انا جئت فقط كاعارة. لان المشفى لم يكن لديهم طبيب كارديولوجي بوقت حرج. انا اعمل بكلينيك برث وليس بالمشفى.
وما ان اكمل حديثه حتى سمعا من بعيد صوت طبطبة مراوح الطائرة السمتية تقترب منهم فقال،
ستيفن : دعنا نسرع ونخرج المريضة لان الطائرة قادمة.
دخل الدار ثانية وابتسم للسيدة برندا وقال،
ستيفن : لا تقلقي سيدتي، لقد حضرت الطائرة الآن وسوف ننقلك للمشفى.
اومأت برأسها من خلف كمامة الاوكسجين وابتسمت له معربة عن شكرها. رفع رجلا الاسعاف النقالة وعليها المريضة وخرجا بها من الدار فصاحت،
برندا : رجاءاً اقفلوا باب بيتي واعطوني المفتاح.
فاغلق ستيفن الباب واعطاها المفتاح ثم حملوها بالطائرة فاقلعت بهم باتجاه مشفى دندي. وبعد 14 دقيقة هبطت الطائرة على منصة الهبوط بالمشفى وانزلت السيدة برندا على نقالة ثم ادخلوها المشفى فاستقبلتهم احدى الممرضات. امر الدكتور ستيفن،
ستيفن : ادخلوها الى غرفة الانعاش فوراً.
الممرضة : غرفة الانعاش جاهزة يا دكتور تعالوا معي.
سار المسعفان مع المريضة والدكتور ستيفن خلف الممرضة التي قادتهم جميعاً الى غرفة كتب عليها ICU. نقلت من النقالة الى سرير اعتيادي وبدأ طاقم طبي كامل يعتني بها ويركب الاسلاك والمستشعرات والكمامة الشفافة فوق انفها وفمها. بينما قامت الممرضة بمحاولة غرس يدها اليسرى بالقُنيّة التي تستعمل لحقن المواد الطبية والأدوية داخل مجرى الدم لكنها قالت،
الممرضة : لا استطيع ان اجد الوريد ساحاول باليد الثانية.
وبعد ان وخزتها عدة مرات باليد الثانية بحثاً عن الوريد قالت،
الممرضة : لا زلت غير قادرة ان اعثر على الوريد بهذه اليد ايضاُ ساحاول غرسها بكفها.
ادخلت القنية بكف المريضة وصاحت،
الممرضة : اخيراً، حصلت على جائزة اللوتو. وصلت الى الوريد.
وضعت شريطاً لاصقاً فوق القنية كي تمنعها من الانزلاق والخروج ثم البست المريضة قفازاً قطنياً مشبكاً لتؤمن على بقائه بمكانه ثم خرجت وبقي ستيفن مع المريضة. صار يقوم باجرائاته وفحوصاته الاحترازية ثم اعطى تعليماته كي تراقب احدى الممرضات مريضته بشكل مستمر ثم قال،
ستيفن : انا ذاهبٌ الى البيت الآن، دعوا الطبيب المناوب يتابع حالة المريضة.
الممرضة : ليس لدينا طبيب كارديولوجي مناوب بالمشفى اليوم فالجميع بالخارج يستجيبون لحالات الطوارئ او نزلوا باجازاتهم واغلقوا هواتفهم النقالة. ليس لدينا غيرك انت يا دكتور ستيفن.
ستيفن : انا لا اعمل بهذا المشفى، اليس هناك اي مجال من ان تستدعوا طبيباً آخر غيري؟
الممرضة : كلا يا دكتور، انا آسفة جداً يجب ان تبقى معنا هذه الليلة. لكني ساجعل ليلتك تستأهل معنا.
ستيفن : وكيف ذلك يا... يا ...
نظر الى صدرها فوجد اسمها مدون على شارتها المثبتة فوق نهديها الكبيرين فقال، "يا ممرضة نانسي"
نانسي : انتظر قليلاً، ساعود فوراً. لا تذهب بعيداً.
ذهبت نانسي وعادت بعد قليل تحمل كوباً كبيراً من القهوة وقطعة دسمة من الكيك المغطى بالشوكولاتة وقالت،
نانسي : ما رأيك؟ هل الامر يستحق البقاء؟
ستيفن : فعلاً كنت احتاج لمثل هذه الوليمة.
ضحك الاثنان واقتادته نحو غرفة الاستراحة التي يجلس فيها الاطباء والممرضات وقت المناوبة. كانت الغرفة فارغة فدخلا وجلسا متقابلين على طاولة بوسط الغرفة. صار يأكل قطعة الكيك ويترشف القهوة حتى فرغ منها. نظر الى ساعته فاصابه الهلع،
ستيفن : يا الهي، انها الثانية صباحاً. لم اكن اتوقع ان يكون الوقت قد تأخر بهذا القدر.
نانسي : ما الامر يا دكتور؟ هل لديك موعد غرامي مهم؟
ضحك الاثنان من جديد وقال لنفسه، "يجب ان اتصل بكلير الآن" اخرج هاتفه النقال وطلب زوجته فرن الهاتف كثيراً لكنها لم ترد. فكر قليلاً وقال لنفسه، "لم يعد بالامكان ان اتصل بزوجتي كلير فمن الارجح ان تكون نائمة الآن لذلك هي لا ترد على مكالماتي". اغلق هاتفه ووضعه بجيبه. فجأة شعر بيد الممرضة تمسك بيده فسحب يده منها بسرعة وقال،
ستيفن : ماذا تفعلين يا نانسي، انا رجل متزوج. هذا لا يليق بك.
نانسي : وهل تظن انني كنت ساغتصبك؟ اردت فقط ان اقرأ كفك. استرخي.
ستيفن : وهل تؤمنين بهذه الخزعبلات؟
نانسي : سوف ترى يا دكتور. ما رأيك، هل ستسمح لي بقرائة كفك؟ نحن جالسون هنا طوال الليل. ماذا ستخسر؟
ستيفن : طيب، دعنا نتسلى، هيا إذاً، تفضلي واقرأي.
امسكت نانسي بيديه وقلبت راحتيها الى الاعلى ثم صارت تقرأها وبدأت تعابير وجهها تتغير سألها بتهكم،
ستيفن : ما الامر هل ساموت قريباً. هاهاها
نانسي : كلا ولكنك تعاني من مشكلة كبيرة مع زوجتك. هي ستتطلق منك قريباً.
ستيفن : هاهاها، ربما سمعتِ ذلك من احد المسعفين زملائك.
نانسي : المسعفون ليسوا زملائي لانهم يقومون بخدمة الاسعاف الجوي لكل المشافي بالمدينة وقد غادروا من هنا فور ايصالكم الى المشفى.
ستيفن : وكيف عرفت إذاً عن مشاكلي مع زوجتي؟
نانسي : الم اقل لك انني اجيد قرائة الكف؟ والآن هل تريد مني ان اواصل؟
ستيفن : تفضلي يا نانسي. اعتذر عن المقاطعة. واصلي حديثك وتشخيصك لزوجتي.
نانسي : زوجتك عقيمة، ولديها مشاكل نفسية كثيرة، هي تكره الاغراب وتحب ان تكون معك فقط، زوجتك لها طبع حاد جداً وهي تحب الاهتمام الزائد، هل اصبت؟
ستيفن : اجل اصبت. ولكن كيف عرفت كل ذلك؟
نانسي : ستتصل بك هاتفياً بعد قليل.
نظر الى هاتفه ثم نظر الى وجهها وابتسم وكأنه يقول لها اخطأتِ هذه المرة. وما هي الا بضع ثوانِ ورن هاتفه النقال. وضعه على صدغه ورد عليه،
ستيفن : حبيبتي كلير، الا زلت صاحية؟
كلير: بل كنت نائمة طوال السنين الثلاثة الماضية. لقد فكرت ملياً بعلاقتنا المهترئة وزواجنا الفاشل. الآن يجب ان نتطلق وهذا قراري القاطع.
ستيفن : ما هذا الهراء لماذا نتطلق؟ لمجرد تأخري بضع ساعات تريدين الطلاق؟ انا احبك واريدك ان...
قاطعته وقالت،
كلير: ليس هناك مجال للنقاش. قراري نهائي. انا لم اعد احبك. انتهى الامر.
اغلقت الهاتف بوجهه. وضع ستيفن هاتفه على الطاولة واصيب بحزن كبير، بقي مشدوهاً لما قالته زوجته كلير. "يبدو ان الامر اصبح بغاية الجدية. انها مصرة على مسألة الطلاق".
نانسي : انا آسفة يا دكتور. انسانة مثل كلير لا تستحق ان تكون زوجة لانسان عظيم مثلك لانها تخونك.
نظر الى الممرضة نانسي والشرر يتطاير من عينيه، صرخ بغضب كبير،
ستيفن : يا لك من سافلة، من سمح لك ان تقولي مثل هذا الكلام عن زوجتي؟ كيف تتجرئين اهانتها امامي؟ كيف تعرفين ذلك؟
نانسي : انا اعرف كل شيء عنك من خلال كف يدك. ارجوك اهدأ وستعرف الكثير عنها. فهناك رجل بحياتها.
ستيفن : انا اتخبط بمشاكلي وانت تداعبيني بخزعبلاتك وترهاتك. ارجوك اتركيني بحالي. اذهبي بعيداً.
نانسي : انا لا اريدك ان تبقى اعمى وزوجتك كلير تخونك مع رجل آخر.
ستيفن : إذا كنت صادقة بكلامك فهل تعرفين اسم ذلك الرجل؟
نانسي : بالتأكيد اعرف، اسمه بيتر فريزر. يعمل بنفس الشركة التي تعمل بها زوجتك. انه مهندس صيانة.
ستيفن : لا، لا، لا انت غير معقولة يا نانسي. من اين اختلقت هذا الاسم؟ هل قرأت اسمه ومهنته ومحل عمله بالكف؟
نانسي : إن كنت لا تصدقني، اتصل بها الآن واسألها عنه. هيا اتصل. اليس لديك هاتف؟ اتصل إن كانت لك الجرأة لمعرفة الحقيقة. ربما ستجيبك هذه المرة! او ربما سيجيبك عشيقها هذه المرة.
ستيفن : سوف لن انزل نفسي لهذا المستوى الهابط من الخرافات. انت تكذبين.
نانسي : زوجتك طلبت منك الطلاق وزواجك سينهار قريباً بكل الاحوال فماذا ستخسر اكثر من ذلك؟ هيا اطلبها.
حسناً ساتصل بها الآن. التقط هاتفه من على الطاولة وطلب زوجته فرفعت السماعة هذه المرة وقالت،
كلير : هل اتصلت لتخبرني بانك وافقت على الطلاق؟
ستيفن : بل اتصلت لاسألك. عن بيتر؟
كلير : ما... ما... ماذا؟ من هو هذا الشخص؟ انا لا اعرف احداً بهذا الاسم. تقول بورتر او بارنر او بيتر.
ستيفن : انا اتحدث عن بيتر فريزر يا زوجتي العزيزة. هل ستنكرين الآن؟
كلير : ليس هناك اي شخص بهذا الاسم. انت جننت بالتأكيد يا ستيفن. انا لا اعرف اي احد بهذا الاسم.
ستيفن : انه بيتر فريزر الذي يعمل بنفس الشركة التي تعملين بها انه مهندس صيانة.
فجأة اغلقت كلير الخط. فنظر ستيفن للممرضة نانسي وقال،
ستيفن : لقد اغلقت الخط. ماذا اعمل؟
نانسي : طبعاً انها في حالة صدمة شديدة الآن لانك كشفت سرها. سوف تتصل بك بعد قليل، انتظر قليلاً.
وبعد دقيقتين من الترقب والتوتر رن الهاتف فاجابها وقال،
ستيفن : ما الامر يا كلير؟ هل اصبت بالدهشة لانني اعرف بخيانتك؟
كلير : كيف عرفت ذلك؟ هل تتجسس عليّ وتراقبني؟ ام ربما قمت بارسال محقق مأجور يتابع خطواتي. هل تحدثت مع احدى زميلاتي بالعمل؟
ستيفن : من اخبرني ومتى وكيف هذا لا يهم، المهم هو هل لديك علاقة مع ابن الزانية هذا؟
كلير : اجل انا اعرفه منذ شهرين وهو انسان رقيق يحبني جداً ولا يتركني ولو للحظة واحدة. ليس كما هو الحال عندك. فانت تتركني وحدي كل يوم وانا اشعر بالوحدة والخوف.
ستيفن : سيكون لنا حديث آخر عندما نتواجه.
كلير : ليس لدي ما اقوله لك بعد الآن. سوف تعود للبيت لكنك سوف لن تجدني. لانني سارحل فوراً.
اغلقت الخط بوجهه. وضع رأسه بين يديه وصار يبكي. تركت نانسي كرسيها وجائت الى عنده وضمته الى صدرها فاحتضنها وصار يجهش بالبكاء. فجأة صمت آذانهم صوت انذار من احدى الاجهزة فركضوا الى لوحة التحكم ليجدوا ان الانذار يأتي من غرفة العناية المركزة. هرع الاثنان الى الغرفة ودخلا هناك ليجدا رجلاً بالثمانين من عمره قد فارق الحياة. صار ستيفت يدلك قلبه ويصرخ.
ستيفن : جهزي ابرة الادرينالين.
نظر الى نانسي ثانية وقال،
ستيفن : احضري جهاز الصدمة الكهربائية ايضاً.
ناولته نانسي الابرة فحقنها بصدر المريض ثم اخذ قطبي الجهاز من يدها وصار يدعكهما ببعضهما ثم صاح، "ابتعدي" حط القطبين على صدر المريض ثم اطلق صدمة كهربائية فانتفض المريض لكن نبض القلب كان ساكناً. صاح ستيفن، "300" فاجابته نانسي، "300 جاهز" فاطلق صدمة جديدة ونظر الى جهاز المراقبة دون جدوى. صاح ستيفن، "400" فاجابته نانسي، "400 جاهز" فاطلق صدمة جديدة ونظر الى جهاز المراقبة دون جدوى. قالت له نانسي،
نانسي : لا فائدة من ذلك يا دكتور. انه لا يستجيب.
ستيفن : وقت الوفاة 2:52.
نانسي : اذهب انت الى غرفة الاستراحة يا دكتور، ساتولى انا كل شيء هنا.
خرج ستيفن من الغرفة وهو يجرجر اقدامه، اختلطت احزانه مابين موت المريض وبين مسألة طلاقه التي نزلت على رأسه كالصاعقة دون سابق انذار. جلس على اريكة خشبية طويلة ثم مال بجسده ووضع راسه على راحة يده واستلقى عليها فنام نوماً عميقاً. لمست نانسي ذراعه بحنان وقالت،
نانسي : استيقظ يا دكتور.
ستيفن : ماذا، ماذا، هل هناك حالة طوارئ جديدة؟
نانسي : كلا، كلا، استرخي. اردت فقط ان اقول لك عيد ميلاد مجيد.
25 ديسمبر
ستيفن : عيد ميلاد مجيد يا نانسي. ما الامر؟
نانسي : لقد جاء اثنان من المحققين يريدان التحدث معك.
ستيفن : كم الساعة الآن؟
نانسي : انها الثامنة والنصف صباحاً.
ستيفن : يا الهي نمت كل هذه الفترة؟ كيف ذلك؟
نانسي : كنت متعباً جداً يا دكتور فتركتك تأخذ قليلاً من الراحة. لا عليك. اغسل وجهك الآن واذهب للتحدث معهم. انهم في غرفة الطبيب المناوب.
دخل ستيفن الحمام وشطف وجهه بالماء البارد فشعر بانتعاشة مريحة للاعصاب ثم اخذ محرمة ورقية جفف بها وجهه ويده وذهب ليتحدث مع المحققين.
المحقق الاول : انا المحقق بيتر مالكولم وهذا هو المحقق جون كلايد من شرطة دندي. عيد ميلاد مجيد.
ستيفن : عيد ميلاد مجيد يا محققين.
مالكولم : جئنا لنتحدث معك بخصوص السيدة المتوفاة تريسي بورتر بقرية فورتر.
ستيفن : ليس هناك المزيد من المعلومات استطيع ان ازودكما بها. لقد اخبرت الشرطي المحلي بالامس كل ما اعرفه.
مالكولم : نريد ان نسألك عن بعض التفاصيل الدقيقة لو سمحت. كيف علمت بوفاة السيدة تريسي بورتر؟ احكي لنا القصة من جديد لو سمحت.
ستيفن : بتلك الليلة استجبنا لنداء استغاثة من جارتها السيدة برندا رامزي. فتوجهنا اليها بطائرة سمتية لان الطرق كانت اغلبها مغلقة بسبب العاصفة الثلجية. كانت المريضة مصابة بازمة قلبية حادة فقمنا باسعافها. وبينما نحن ننتظر مجيء الطائرة الينا كي ترجعنا مع المريضة الى دندي شممنا رائحة قوية نفاذة. فاستقصينا الامر...
قاطعه المحقق كلايد وقال،
كلايد : تتحدث بصيغة الجمع. من كان معك؟
ستيفن : كان معي احد المسعفين اسمه دافيد. خرجنا انا ودافيد لندخن سيجارة فشممنا الرائحة كريهة. بدانا نتتبعها حتى تيقنا ان الرائحة آتية من البيت المجاور. لذا بدأنا ندور حول الدار كي نستقصي الامر. وبينما نحن ندور شاهدنا بداخل الدار اقدام شخص ممدودة على الارض من خلال احدى الشبابيك فقررنا كسر الشباك والدخول علنا نستطيع اسعافه. كسرت زجاج الشباك بحجرة التقطتها من على الارض ودخلت الى الصالة...
قاطعه المحقق كلايد سائلاً،
كلايد : لماذا دخلت وحدك؟
ستيفن : لان المسعف دافيد كان بديناً وكان من الصعب عليه التسلق والدخول من الشباك لذا دخلت وحدي. كبست على زر الكهرباء فانرت الغرفة. علمت وقتها ان الشخص الملقي على الارض كانت سيدة وكانت سابحة ببركة من الدم المتخثر. وضعت اصبعي على شريانها فلم احصل على نبض فعلمت وقتها انها كانت قد فارقت الحياة. لبست قفازي وذهبت ابحث عن هاتف ثابت كي اتصل بالطوارئ. وهذا كل ما لدي.
مالكولم : ماذا قال لك الشرطي عندما وصل؟
ستيفن : قال بامكاننا انا والمسعف العودة كي نصطحب مريضتنا ونعود معها بالطائرة السمتية.
مالكولم : خلال وجودك بداخل دار السيدة المتوفاة تريسي، هل شعرت بوجود شخص ثاني بالبيت؟
ستيفن : كلا.
مالكولم : حسناً هذا يبدو مطابقاً تماماً لما قاله لنا الشرطي عن اقوالك. والآن اريد ان اتحدث مع مريضتك السيدة برندا رامزي.
ستيفن : هذا غير ممكن بالوقت الحالي لانها بغرفة العناية المركزة. تستطيع التحدث معها متى ما نقلت الى غرفة اعتيادية.
كلايد : حسناً. هذه هي بطاقاتنا وعليها ارقام هواتفنا. نرجوكما الاتصال بنا متى ما تنتقل السيدة رامزي وتتمكن من التحدث الينا.
استلم ستيفن البطاقتين واعطى واحدة منها للممرضة نانسي بلاك. وشاهد المحققين وهما يغادران الردهة.
نانسي : هذين المحققين يبدوان دقيقين جداً بعملهما.
ستيفن : انت ادرى يا غجرية. هاهاها
ضحكت الممرضة وقالت،
نانسي : هل ستبقى معنا يا دكتور؟
ستيفن : كلا، اريد ان اذهب الى بيتي واغتسل ثم اخذ قسطاً من الراحة.
نانسي : سوف لن ترتاح ببيتك يا دكتور لانك ستخوض معركة حامية الوطيس مع زوجتك. لدينا هنا حمامات رائعة مزودة بدوش ساخن. علاوة على ذلك، بامكاني ان اعطيك شوطاً من التدليك الاحترافي، ما رأيك؟
ستيفن : لا يا نانسي. علي ان احسم الامر مع زوجتي كلير، فالامور متأزمة كما تعلمين.
نانسي : حسناً كما تشاء.
خرج المحققين مالكولم وكلايد وعادا الى مركز شرطة دندي. وبالطريق قال مالكولم لزميله،
مالكولم : يجب علينا ان نتحدث مع السيدة برندا فور تحسن حالتها لانها قد تزودنا بمعلومات مهمة عن القتيلة.
كلايد : ويجب علينا ايضاً ان نزور الطبيب الجنائي كي يخبرنا المزيد عن الجثة وسبب الوفاة ووقته بالتحديد.
مالكولم : سوف لن تجد احداً في التحقيق الجنائي اليوم. دعنا نزوره بيوم آخر.
رجع الدكتور ستيفن الى منزله فوجد زوجته كلير تستجمع ملابسها وتضعها بالحقيبة. فسألها،
ستيفن : هل انت بهذه العجلة كي ترتمين باحضان عشيقك بيتر فريزر؟
كلير : بالتأكيد. على الاقل هو سيهتم بي وسيبقى معي كل الوقت.
ستيفن : الم اهتم بك يا كلير في السابق؟
كلير : انت كنت دائماً بعيداً عني لانك متزوج من مهنتك. فالمهنة اولاً.
ستيفن : طيب، طيب، يا كلير. دعينا نفترق بشكل حضاري ولا نعمل شوشرة وجلبة كبيرة. خذي ما تريدينه من ملابسك الآن وسوف اجهز لك باقي امتعتك كي تأتين وتأخذيها بوقت لاحق.
كلير : كم انت لطيف ورقيق القلب يا ستيف. تريد ان تتخلص مني باسرع وقت.
ستيفن : وهل تريدين مني ان اتمسك بك بعد ان عرفت ان لك عشيق يا ساقطة.
كلير : سوف لن ارد على كلامك البذيء هذا. انا ذاهبة الى من سيحبني ويعتني بي ويقدر جمالي.
خرجت كلير من الباب الخارجي ولم تغلق الباب ورائها. ذهب خلفها واغلق الباب ثم رجع الى غرفة النوم وارتمى على السرير.
26 ديسمبر
دخل المحققان المشرحة فوجدا الطبيب جون دوكلاس وهو يشرح الجثة فسأله،
كلايد : هل اتضح معك سبب الوفاة؟
الطبيب جون دوكلاس : كلا ليس بعد انا مازلت اشرح الجثة.
كلايد : وماذا عن وقت الوفاة؟
الطبيب جون دوكلاس يبدو انها توفت قبل 6 ايام اي يوم 20. لكن باقي المعلومات ستجهز فيما بعد.
مالكولم : إذاً اخبرنا وقتما يكون تقريرك جاهزاً.
خرج المحققان مالكولم وكلايد وعادا الى مكتبيهما.

    

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

482 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع