غبطة الپطريرك والمكون المسيحي

                                                       

                             د. نزار ملاخا

غبطة الپطريرك والمكون المسيحي

المُكَوِّن ingredient : هو جزء من مجموع، ولا يُشترط أن يساوي بقية المكونات بالحجم أو العدد أو الكمية أو يتشابه مع المكونات الأخرى باللون والصفات والطبائع والعادات و... الخ

فالمكون المسيحي يجب أن يكون جزء من مكونات تشكل بأغلبها مجتمعاً معيناً، على سبيل المثال من الناحية الدينية فالشعب العراقي مكون من عدة أديان مثل الإسلام والمسيحية والإيزيدية والصابئة وغيرهم . أما من الناحية القومية فالشعب العراقي مكون من قوميات متعددة مثل العرب والآكراد والكلدان والتركمان والأرمن وغيرهم، ولكل من هذه المكونات عادات وتقاليد وأعراف إجتماعية قد تتلاقى أو تختلف فيما بينها، أما من ناحية المذاهب فالشعب العراقي يتبع عدة مذاهب فعلى سبيل المثال الشيعة والسُّنة والكاثوليك والبروتستانت والآرثوذكس وغيرهم. لذا عند الحديث عن مكون من هذه المكونات يجب أن نحدد التسمية لكي تتناسب مع الفئة. فلا يجوز أن نقول العرب والأكراد والكاثوليك ... الخ حيث كلمة (الكاثوليك) لا تعطي المعنى المطلوب، وذلك لكونها تسمية مذهبية لا تتناسب مع التسميتين القوميتين، أو أن نقول الكلدان والأرمن والشيعة، فكلمة (الشيعة) لا تتناسب هنا، والأصح أن نحدد ونقول العرب أو الكرد، لكون الدين والمذهب لا يتناسب مع التسمية القومية، لذا عندما نقول المكون المسيحي هو أحد مكونات الشعب العراقي فهي تسمية خاطئة ويجب أن تُصحح إلى ( الكلدان والأرمن وغيرهم بإعتبار أن السريان والآثوريين هم من الكلدان أصلاً) لذا يجب الإنتباه في أستخدام التسمية الصحيحة .

نعود إلى أصل الموضوع وهو لماذا أطلق غبطته هذا المصطلح (المكون المسيحي) واستخدمه  لكي يعني به كل المسيحيين العراقيين، فهل المسيحيين العراقيين لا ينتمون إلى أعراق قومية لكي يتم تعريفهم بهويتهم الدينية ؟ ولماذا نعزل المسيحيين العراقيين عن المسلمين العراقيين وعن الصابئة العراقيين وعن ... لماذا ؟ لماذا نعود إلى المربع الأول، بعد أن تجاوزت الشعوب المتقدمة والمتحضرة التسميات الدينية التي تثير مشاعر كثيرة لدى كثيرين من مختلف الإنتماءات، كأن تثير لدى المسلم المتشدد كل المعاني غير الإنسانية مثل ( كافر، جزية، مشرك، نصارى وغير ذلك)، لماذا نؤجج ما هو هادئاً ؟ لماذا ننكأ جراحاً أندملت ؟

الشعوب الأورپية لم تتمكن من أن تخطو خطوة واحدة في طريق التقدم قبل أن تتجاوز الأمور الدينية وولاية الفقيه، فقامت بفصل الدين عن الدولة، حينذاك تقدمت تقدماً سريعاً،

ولاية الفقيه : حسب ما جاء في الوكيبيديا فإن المقصود من ولاية الفقيه في الاصطلاح الفقهي هي: النيابة العامة للفقيه الجامع للشرائط عن الإمام المعصوم في زمان الغيبة لقيادة الأمة الإسلامية وتدبير شؤونها في جميع ما كان للمعصوم عليه ولاية في غير مختصاته وبشرط وجود المصلحة. أي ولاية عامة في جميع شؤون الأمة،

فهل لدى المسيحية ولاية تشبه ولاية الفقيه من ناحية الصلاحيات والمفهوم ؟ وهل عرفت المسيحية هذا المصطلح بمفهوم آخر مشابه له منذ عهد الپاپوات ؟ يقول العلامة السيد محمد علي الحسيني بأن هناك الكثير من أوجه التشابه بين نظرية التفويض الالهية المسيحية وبين نظرية ولاية الفقيه التي ابتدعها الخميني وطبقها بشكل عملي في إيران, ووجه التشابه الرئيسي بينهما أنها تمنح سلطة مطلقة للبابا وللولي الفقيه. نظرية التفويض الالهي، عقيدة مسيحية تقوم على أساس أن الملوك والامراء يعتبرون بعد توليهم سلطاتهم وزراء لله في الارض” أي مفوضين من قبله لحكم رعاياه بمقتضى القوانين الإلهية وبموجب رضا الشعب المسيحي، وتحت إشراف الكنيسة والبابا الذي هوالنائب عن صاحب الشريعة المسيحية على الأرض ومن ثم صاحب الولاية العامة على جميع المسيحيين دينيا وسياسيا، وهوالذي يخلع على الحكام سلطاتهم الزمنية”. نظرية ولاية الفقيه تعتبر ان للولي الفقيه الولاية العامة المطلقة، وبموجب الدستور المعمول به فله أيضا صلاحيات مطلقة في عزل المسؤولين الكبار في النظام, كما حدث مع الخميني عندما عزل الرئيس أبوالحسن بني صدر، وبموجب هذه النظرية وماقد استجد وتداعى عنها, يعتبر من يعارضها اويرفضها محاربا لله تعالى. الله سبحانه وتعالى, خلق الانسان حرا مخيرا ولم يسلط عليه أحدا، ماعدا انه أمره بالتفكر والتدبر، وأن يأخذ قراراته بنفسه وليس أن يفكر نيابة او أصالة عنه أيا كان ليقرر ثم يحكم وينطق باسمه، ذلك أن لكل انسان وجود مستقل وشخصية وكيان قائم بحد ذاته، ومن هنا, فإن الاستبداد باسم الدين واستعباد الناس والتسلط عليهم على ذلك الاساس وبالتالي عبادة الاشخاص واتباعهم وتقليدهم بمثابة حالة من الصنمية وعودة الى الجاهلية ولكن باسم الدين. هذا الامر مرفوض وغير مقبول عقلا وشرعا، إذ ان للدين مكانته وقدسيته، إذن عرفت المسيحية ولاية الفقيه قبل أن يعرفها الإسلام،

على ما أعتقد أنها المرة الأولى على الأقل في عصرنا الحاضر أن يطلق رئيس ديني بدرجة پطريرك تسمية دينية للتداول بدلاً من التسمية القومية،

لماذا التعريف بالتسمية الدينية ؟ هل هي للسيطرة على بقية القوميات الصغيرة ؟ هل هي لإستدرار عطف القوميات الكبيرة بسبب قلة العدد أو الضعف أو عدم القدرة على مسايرة الوضع العام للبلد ؟ إن التسمية الدينية هي تسمية عامة وشاملة، فالمكون المسيحي في العراق حاله حال المكون الإسلامي فكما أن المكون الإسلامي يتكون من الشيعة والسّنة وغيرهم، ولكل من هذه مسؤوليها ولا أعتقد بأن أحداً يجيز لنفسه بأن يستخدمها دون موافقة الجميع، كذلك المسيحيون فيهم الكاثوليكي وفيهم النسطوري والأرثدوكسي وغير ذلك، ولكل فئة لها مسؤولها (پطريرك) ولا يجوز التجاوز على حدود الآخرين، لذا لا يمكن لمسؤول كنسي أن يطلق تسمية ويفرضها على الآخرين، ولنحدد ما نقول مثلا يجب على رؤساء الكنائس المسيحية في العراق الإجتماع وتكوين مكتب يرأسه أحدهم ومن ثم تخويل ناطق رسمي بإسمهم جميعاً لكي يمررون أية تسمية يريدونها وللشعب الحق في رفضها، فهي تسمية فرضها رؤساء الدين وهي غير ملزمة لقبولها من قبل ممثلي الشعب، فالرئيس الديني لا يمثل الشعب، بل المنظمات القومية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وغيرهم هؤلاء هم ممثلوا الشعب . أتمنى من غبطته وقادة كنيستنا والكنائس الأخرى أن لايشعروا بأي حال من الأحوال بأننا ضعفاء، أو ان لايفكروا في مناصب أو كراسي بل يجب أن يتعاونوا مع مثقفي وقادة ومسؤولي التنظيمات القومية والسياسية ومفكري وأكاديميي ومتخصصي الشأن القومي لكي نصل إلى النتيجة التي ينتظرها منا جميعاً ابناء شعبنا الأبي، التعالي والغرور صفات غير حميدة، والتواضع هي صفة لا تسمو عليها أية صفة أخرى، وأنتم الأدرى بذلك ومنكم نستفيد

د. نزار ملاخا

27/06/2017


  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

744 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع