بقلم: سالم إيليا
أيها السياسيون: هذا هو وفائهم . . . فأين وفاء الأغلبية الغالبة منكم؟!!
"الشيء الوحيد الضروري لإنتصار الشر . . . هو أن لا يفعل الرجال الجيدين شيء"!!!، هذه المقولة للمفكر السياسي الإيرلندي إدموند بيرك (من روّاد الفكر المحافظ الحديث، عاش ما بين 1729-1797م، وقد نُسبَ اليه إطلاقه لمصطلح السلطة الرابعة)، وكم ينطبق قوله هذا على الحالة العراقية منذ زمنٍ بعيدٍ.
وسأورد مقدمة قصيرة (لتبرير) مقالتي هذه التي وضعتني في موضع الدفاع عن مكونات وشرائح عراقية معينة أصيلة دون غيرها لما أصابها من إضطهاد وتهجير أوصَلَ البعض منها الى نقطة محو مكوّنها من على الخارطة الديموغرافية للعراق وبنسب قد تصل الى المئة بالمئة من مكوّنها العددي!!، وحيثُ لم يبقى منها حتى مواطن واحد أوعدد قليل بعدد أصابع اليد أو عدّة آلاف لا غير!!!، وإنّ البقية من المكونات التي أعنيها في طريقها الى الزوالِ السريعِ!!!.
وبما إنني أمقت لا بل أعادي كل من يتكلم ويدعم طائفته أو مكونه فقط على حساب المكونات الأخرى دون الكلام عن شعب موحد حمل إسم العراق متباهياً ومتفاخراً بتاريخ مشرّف سعينا جميعنا الى إخماد بريق حضارته السالفة التي شعّت بالإتجاهات الأربع للبسيطة وحاضر مظلم أصبح مضرباً للأمثال السيئة بين دول المنطقة والعالم عموماً ومستقبل مجهول يتأرجح على كف عفريت!!!، لذا أتمنى على من يقرأ المقالة أن يكون قاضياً وطنياً عادلاً غير منحازاً لإنتماءاته الشخصية ومتمسكاً بالإنتماء الوطني الأسمى ليصل في حكمه على المقالة الى ما أبغيه من طرح الحقائق المؤلمة فيها.
وما دفعني الى الكتابة وبجرأة القلم الحر عن هذا الموضوع هو أملي في إستنهاض الهِمم للغالبية الوطنية الساحقة من المكوّن الذي صنفه المصنفون على أنه (الأكثرية) دينياً وعِرْقياً، وعسى أن تكون هنالك صحوة وطنية خالصة بعيدة عن دهاليز السياسة ومؤامراتها!!.
نعم إنها مقالة قد يصنّفها البعض في خانة المقالات (الإستفزازية) القاسية التي تضع النقاط على الحروف، لكن الغرض منها ليس لوضع هذا المكوّن العريق بشقيه في قفص الإتهام بكل تاريخه وتضحياته الكبيرة، لكنها بكل تأكيد هزّة عنيفة لمحاولة صحوة الوطنين الأحرار المغيبين من هذا المكوّن والمستكينين تحت وابل التبعية الدينية/المذهبية والعٍرْقية التي يقودها السياسيين العنصريين المحسوبين عليهم والمنضوين تحت مظلة الدول الطامعة بالعراق والمتسابقين لنيل رضاها!!، وهي دعوة أيضاً للوقوف بوجه توجهاتهم التي حان الوقت فيها الى إستئصالها من جذورها و"عدم ترك الحبل على الغارب" بعد الآن!!.
والسبب الآخر لكتابتي عن هذا الموضوع هو تنامي ظاهرة "اللاوطنية" المشفوعة بالمبررات "اللامنطقية" للدفاع عن التواجدات الأجنبية من الدول الإقليمية أو القوى الدولية البعيدة والتي تصل وبشكلٍ لا يقبل الشك أو الجدل الى إعتبارها خيانات مذلّة لأصحابها المباركين لها بأعدادهم التي لا يستهان بها من هذه الطائفة أو تلك تحت ذريعة "نصرة المذهب أو الدين أو العِرْق" على حساب "نصرة الوطن والإنتماء الوطني".
وسوف لن أعود بمحاججتي هذه الى العصور الأولى لأجدادنا الذين بنوا حضاراتنا السالفة وهم في أغلبهم من تلك المكونات المهمشة والمطرودة من جنة عدن!!!، لكنني سأبدأ مع بداية الدولة العراقية الحديثة سنة 1921م والذي يحاول البعض (الكثير) وللأسف الشديد تدميرها وتقسيمها لتتوزع كغنائم مع مواطنيها على بقايا إمبراطوريات زالت وإندثرت ولم يتبقى منها إلاّ رماداً متطايراً يذر في عيون مَنْ حيّدوا بصرهم وبصيرتهم فتشبثوا (بالنازيين) الجدد المتعصبين لعِرْقهم من تلك الدول الإقليمية للإتحاد معهم تحت يافطة الإنتماء الديني/المذهبي أو العِرْقي الذي يستخدمه هؤلاء المتصيدين النازيين كطُعْمٍ للسيطرة على العراق.
وأنني في هذه المقالة أخاطب مَنْ ظلموا تلك المكونات بدافع التمييز المتعدد الأوجه، وحيثُ أطلقوا عليهم تسمية (الأقلية) العددية تصغيراً لدورهم الوطني الكبير في بناء العراق الموحد قبل وبعد نشوء الدولة العراقية الحديثة، وحيثُ ضلّلوا ونكروا عليهم دورهم الوطني وإيثارهم لبلدهم وصبابتهم له وهم منفيون قسراً عنه.
فهل جرّبَ أحد مواطني (الأكثرية) يوماً ما شعور الأسى لأحد مواطني (الأقليات) بحجب منصب إحدى الرئاسات الثلاث (التشريعية، التنفيذية والقضائية) عنه أو منصبي وزيري الدفاع والداخلية أو غيرها من المناصب السيادية المهمة في حالة رغبته في تبؤء أحدها والمحظورة عليه كونه من (الأقليات) وليس بسبب عدم كفائته أو عدم ولائه لوطنه أو الشك في أصالته أو إفتقاره للشهادات الأكاديمية التي تؤهله لإشغال هذه المناصب؟؟؟!!!، وإنما حُجِبَ المنصب عنه بسبب معتقده الديني أو العِرْقي!!، وحيثُ أنّ هذا الإستحقاق حقاً مشروعاً وواجباً لكل من يحمل الجنسية العراقية؟!!، وهل جرّبَ أحدهم يوماً شعوره عندما يُسأله سائل بمغزى طائفي عن دينه أو قوميته ليرسل السائل رسالة تحذير وربما شماتة الى المتلقي على أنه من (الأقليات) لكي لا يتعدى حدوده للمطالبة بنفس حقوق مواطنه من (الأكثرية)!!، وربما هنالك مَنْ لم يدرك المعنى الإعتباري لما ذكرته حتى من تلك المكونات ويستسخف هذا الطرح الوطني ويقول "هي بقت على الرئاسات الثلاث"!!.
وأرجو أن لا يقفز أحدهم على المنصّة مدافعاً ومبرراً ليقول لي أنّ الجميع متساوون في العراق ولا وجود للتفرقة أو الغبن على (الأقليات) في هذا الزمن أو الأزمان التي سبقته وغير ذلك من الكلام المعسول بالمفردات الرنانة وإعطاء أمثلة بسيطة عن هذا الوزير أو ذاك المدير العام من (الأقليات) لتبرير التفرقة المدعومة بالقوانين الوضعية والمبررة خطأ وظلماً بغطاء االتوصيات الإلهية!!!!، فبمجرد رفع البطاقة الحمراء بوجه أحد مواطني (الأقليات) لمنعه من التمتع بنفس إمتيازات وحقوق مواطنه الآخر الكاملة والغير منقوصة من (الأكثرية) بسبب دينه أو عِرْقه هو تمييز وإنتهاك صارخ لمواطنته وإنتمائه حسب كل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية وإعتباره مواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة!!.
ومن المفارقات المزعجة والمؤلمة أن هؤلاء المتعصبون المَذهبيون/العِرْقيون هم أنفسهم الذين تآمروا على العراق على مدار مراحل وفترات نشأة الدولة العراقية ووضعوا أياديهم بيد المحتل الأجنبي الإقليمي والدولي، وهم أنفسهم الذين وضعوا العراق في سوق المزايدات السياسية محاولين بيعه لهذا الطرف أو ذاك متجردين من عراقيتهم ومبررين خياناتهم بأغطية مُهَلْهَلة من أسمال التبعية المذهبية الدينية أو العِرْقية، علماً بأنّ مَن ْشرّدوهم من يهود ومسيحيين وصابئة مندائيين ويزيديين أو غيرهم هُم من ذرية الأصلاء الأولين الساكنين على هذه البقعة الطيبة ممن يختلفون مع الأكثرية الساحقة من أبناء الوطن أما بالدين أو العِرْق أو الإثنين معاً والذين أصبحوا (أقلّية) في نظر العنصريين بعد أن فعل السيف فعله في إبادتهم أو تغيير معتقداتهم ثمّ تلاه التهجير القسري بسوط القوانين الجائرة وأبرزها قوانين الأحوال المدنية التي فرضت تغيير المُعتقد المُكتسب للقاصرين عنوة في حالات معينة وقوانين أخرى باركتها البرلمانات الشكلية على أمتداد مراحلها الزمنية، ثمّ إعتداءات و(غزوات) المتشددين على مناطق تواجد تلك (الأقليات) بتساهل وتقاعس واضح من الحكومة الفدرالية ومؤسساتها الأمنية، مروراً بقوانين تحريم ما هو مسموح به في المعتقد الديني للبعض منهم والداخل في ليتورجيات طقوسهم الدينية (الأفخارستيا) وأعني به الخمر كرمز ديني، تاركين المشرّعين لتلك القوانين القسرية الأهم في تحريم السرقات للمال العام والفساد المالي والإداري والمجتمعي!!!.
وأسأل هنا غالبية السياسيين ممن تظاهروا بنصرتهم لدينهم أو مذهبهم أو عِرْقهم سؤالاً محدداً: مَنْ هم التابعون الآن لإيران أو لتركيا أو للسعودية أو للمحتل الأمريكي أو غيرهم من الطامعين؟؟؟، ومَنْ هم الذين تآمروا مع بعض الدول العربية والإقليمية والدولية ما قبل سقوط الملكية وبعدها ولحد الآن على العراق والذين أوصلوه الى ما هو عليه الآن؟؟؟، هل هم من أولئك المنتمون الى (الأقليات) كما أطلقتم عليهم والذين شرّدتموهم بلا هوادة من ديارهم وأبحتم أعراضهم وحلالهم وممتلكاتهم ونكرتم عليهم إنتمائهم الوطني الذي لم يتخلى معظمهم عنه وهم في العراءِ ـ ـ ولم يتخلوا عنه وهم في طريقهم عبر اليَم القاتل الى الضفة الأخرى حتى وصل مَنْ وصل اليها بكسوة جلدهِ فقط ـ ـ ولم يتخلوا عنه وهم في (جنتهم) الحقيقية في دول المهجر والتي أعطتهم من الحرية في ممارسة طقوسهم وبناء حياتهم الإجتماعية أكثر مما أعطاهم بلدهم الأم وللأسف الشديد؟؟؟!!!، لكنهم ومع هذا لم يشعروا بإنتمائهم الى موطنهم الجديد على الرغم من تقديرهم العالي لإحتضانه لهم!!!!، فلم يتركوا فرصة فرح لهم في مَهَاجِرُهُم إلاّ وصدحت حناجرحم بحُبِ العراق ـ ـ وجنة جنة جنة والله يا وطنّا!!!، وكأنّ لسان حالهم يردد أمنياتهم التي لم تتحقق في ظلِ وطنهم العراق وجنته الحالمين بها!!، وقد تحدّوا حتى الدول المضيفة لهم حين تحالفت ضد العراق في حربي الخليج الثانية والثالثة فكانوا يفتتحون حفلاتهم الشخصية والعامة بأغنية "يا گاع ترابچ كافوري" وهم في عقر دار (العدو)!!!.
أما مَنْ هُجّروا من اليهود العراقيين فلهم قصصهم المأساوية المقرونة بالحقائق والتسجيلات الصورية والسمعية لِما تؤكد لحد الآن إخلاصهم بمعظمهم لإنتمائهم العراقي الذي نقلوه الى أبنائهم المولودين في المنافي خارج وطنهم العراق، ومع كل هذا فقد كانوا يصرخون وبكائهم وعويلهم يشق عنان السماء مستذكرين عراقيتهم وإنتمائهم الوطني في نفس اللحظة التي كان البعض من السياسيين المحسوبين على (الأكثرية) يتآمرون فيها على العراق مع هذه الدولة الإقليمية أو تلك الدولة العربية ويتسابقون في عرض ولائهم لها وعارضين خدماتهم لتقسيم العراق الى مناطق وأقاليم طائفية ولغايات شخصية زائلة، متظاهرين نصرتهم لإنتمائهم الديني/المذهبي أو العِرقي ظلماً؟؟؟.
فمَنْ أحَب وأوفى لجذوره ومسقط رأسه العراق أكثر من البروفيسور د.اليهودي سامي (شموئيل) موريه ومواطنه الشاعر أبراهيم عوبديا حين نقل لنا عنه البروفيسور د.سامي موريه مناداته ودعائه للعراق وهو على فراش الموت بعيداً عنه ومناجياً ربّه:
يا رب نجِّ العراق اليوم من محنتِهِ وإجعله يزهو كما كان في زمنهِ ـ ـ
يا رب وانعم عليه بالسلام، فقد آن الأوان لينجوّ اليوم من شجنهِ ـ ـ
دعْ الرخاء يعمّ الشعب أجمعه والخير في ريفهِ يجري وفي مُدُنِهِ ـ ـ
كما كتب د. سامي موريه إحدى قصائده سنة 2006م وعنونها الى سياسيي (الأكثرية) في العراق "كفاك ضياعاً يا عراق"، يقول المقطع الأخير منها:
أصيحُ بالعراق، يا عراقْ ـ ـ
يا واهب الشباب اليُتْمَ والردى ـ ـ
عُد الى رُشدكَ يا عراقْ ـ ـ
عُد الى الوفاقْ ـ ـ
وخلّي شباب العراقْ مرّة أبعُمرَه يتْهنّا ـ ـ
ومن أحَب وأوفى للعراق أكثر من حبِ الصابئي المندائي الشاعر الكبير عبدالرزاق عبدالواحد الذي توفي بعيداً عن وطنه حين بلغ ذروة حبه في قصيدته الخالدة "سفر التكوين"؟، ومَنْ وصَلَ الى ذروةِ وجعهِ على العراقِ حين صدح في إحدى قصائدهِ قائلاً؟؟:
ما قلتُ يوماً سوف أفتحُ منفذاً لدمي على هذه القصيدة لأرى بها وجعي يراقْ ـ ـ
إلاّ وجدتُ منافذي سدّت بأوجاعِ العراقْ ـ ـ
وقالَ في قصيدةٍ أخرى مهنئاً مَنْ أحبَّ العراق!!:
هنيئاً لِمَنْ لا يخوُنكْ ـ ـ هنيئاً لِمَنْ إذ تكوُنُ طعيناً يكوُنكْ ـ ـ
هنيئاً لِمَنْ وهو يَلفظُ آخرَ أنفاسه ـ ـ تتلاقى عليهِ جُفونُكْ ـ ـ
وأقسى الشعور أن يشعر أحد الأبناء في البيت الواحد لظلمِ والده له وتفضيل بقية أبنائه وتمييزهم عنه لأنهم من رحمٍ ثانٍ، هكذا يشعر يا إخواننا من (الأكثرية) إخوانكم من (الأقليات) طوال حياتهم، لكنهم لا يجاهروا بشعورهم هذا خوفاً مما لا يحمد عقباه!!.
وحسناً فعلتا رئاستي الجمهورية والوزراء بالإقتراح المقدم للبرلمان للموافقة على تخصيص مقعداً برلمانياً للأرمن وحيثُ أعتبرهم أنا نموذجاً رائعاً في إخلاصهم للإنتماء الوطني العراقي، فلربما الكثير منهم آخر مَنْ إستوطنوا في العراق بحساب الزمن وبأعداد كبيرة، لكنهم أثبتوا ولائهم المطلق للعراق وقبلهم فعلوا التركمان في إثبات ولائهم للأرض التي إحتضنتهم، وهذان النموذجان يعطيان الدليل القاطع على وفاء كل من شرب من نهري دجلة والفرات، فهل (للأكثرية) العددية الحق في سلب كل تلك (الأقليات) كما يطلقون عليها لحقوقهم المشروعة؟؟!!، لا بل طردهم وإباحة قتلهم وتشريدهم وإنهاء تواجدهم على أرضهم وأرض أجدادهم التي أخلصوا لها ودافعوا عنها وسالت دمائهم عليها وشاركوا في بناء صروحها.
وهل سيستمر العمل للبعض من (الأكثرية) على تهجير ما تبقى من (الأقلية) ثمّ يجلسوا بعد هنيهة من الزمن ومن معهم يندبون تلك الساعة الشيطانية المتسرعة ويشحذون هممهم وأقلامهم بعد حدوث التهجير في تعداد خصائل تلك المكونات وإخلاصها للوطن ويعددون مَنَاقِبُها وأفعالها الحميدة وما فعله مواطنيها للعراق من خير وإيثار، ثمّ ينهي المجتمعون مناحتهم هذه بإستغفار ربّ العالمين وجملة "لا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم" ويذهب كلٌ الى داره وينتهي الأمر؟!!.
فلو كان عضو البرلمان يمثل بحق كل أبناء الشعب العراقي دون تخصص طائفي لإنتفت الحاجة الى مطالبات تلك المكونات بمقاعد لها في البرلمان للحفاظ على حقوقها، لكن الذي نراه على أرض الواقع نخجل من ذكره لما فيه من صلافة المجاهرين بتعصبهم الطائفي العِرْقي والديني بشقيه المذهبي من البرلمانيين وغيرهم من السياسيين.
ولقد أثبتت النتائج من أنّ المتشددين قد أضرّوا معتقداتهم وإنتماءاتهم الفكرية والروحية أكثر مما أضرّوا معتقدات الآخرين، فمن أراد لإنتمائه الخير والسمو والقوة والإستمرارية من أي دينٍ أو مذهبٍ أو عرقٍ أو حتى فكر سياسي عليه أن يدعمهُ بتحديث خطابه وإنفتاحه على مجتمعه المتعدد الأديان والمذاهب والأعراق والأفكار وتفاعله إيجابياً مع البيئة التي يحيا عليها ومع العالم أجمع، ـ ـ وليقف لحظة كل من ينتصر لإنتمائه بالقوة المسلحة والتشدد بالقوانين المفروضة قسراً على بيئته ويفكر بنتيجة تشدده هل إنعكست إيجاباً على إنتمائه أم سلباً؟؟!!، إذن فليجرب الإنفتاح والتحديث في كيفية عرض قناعاته بالنقاش والحجج وليس بقوة السلاح والقوانين الوضعية الجائرة أو بالإقصاء القسري لمكونات كاملة وتهميشها.
ولقد أثبتت النتائج بكل مآسيها على أرض الواقع من أنّ سبب كل مصائب العراق وعدم تقدمه خطوة واحدة الى أمام هو تمسك السياسيون المحسوبين على (الأكثرية) بأرائهم في فرض إنتماءاتهم الشخصية وتعميمها على الجميع بقوة السلاح تارة أو قوة القوانين التي يشرعونها تارةً أخرى وبخصوصيتها التي يستحيل تعميمها إلا إذا تجاوزوا عصرهم وأعرافه السائدة دولياً بإحترام حقوق الإنسان وهذا ما حصل ويحصل الآن!!!.
ولأكن صريحاً أكثر، فمَنْ أرادَ أن يكون وطنياً فينبغي له أن لا يكون طائفياً ويحتفظ بإنتماءاته وخصوصياتها لنفسه ولعائلته على أبعد حد!!!، وإبعادها وفصلها عن العيش المجتمعي المتنوع الأعراق والأديان والمذاهب، وحيثُ أصبحت تتعارض بشكلٍ واضحٍ مع نقاوة الإنتماء الوطني العام ومستحقاته والذي تستظل تحت مظلته كل مكوّنات الشعب العراقي، وحيثُ أثبتت النتائج المأساوية والكارثية التي لحقت بالجميع تعارض الولاءات الخاصة مع الولاء للوطن، فما دام هنالك أكثرية وأقلية فإنّ نهر الدم سيستمر وتستمر معه المآسي والويلات.
وهذه دعوة صريحة للوطنيين لتغيير واقع عنصري مرير منذ عشرات أو مئات السنين والذي أوصل البلد الى ما هو عليه الآن من تدهور مريع، وليرقى الجميع بأفكارهم الى المستوى الحضاري والإنساني للقرن الواحد والعشرين، وليعبّر الدستور بفقراته عن تمثيله لجميع المواطنين على حدٍ سواءٍ، وليكن الولاء أولاً للوطن الذي إذا تعافى فستتعافى معه كل الولاءات الشخصية الأخرى بكل تأكيد.
939 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع