علاء الدين الأعرجي
مفكر عربي/عراقي متخصص بأزمة التخلف العربي
يقول تقرير صدر عن منظمة العمل الدولية في شباط-فبراير من العام 2014 أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أصبحت تحتل ثاني أعلى نسبة بطالة في العالم. وقدر التقرير هذه النسبة بـ11.5 في المئة في العام 2013، في حين أنها تبلغ 6 في المئة حول العالم في العام نفسه.
(صحيفة "الحياة"، 27 شباط-فبراير 2014). وهذه تقديرات متواضعة لأنها تعتمد على التقارير الرسمية الصادرة عن الحكومات التي تخفف من حجم الأزمة. من جهة أخرى فإن جمع بلدان منطقة الشرق الأوسط في سلة واحدة لا يعطيك صورة حقيقية لوضع البلدان العربية. وتقول بعص الإحصاءات أن حجم البطالة في البلدان العربية تبلغ 15-20 في المائة مع تفاوت كبير بين حجمها بين مختلف البلدان العربية. إذ تقول بعض التقارير إن حجمها في مصر قرابة 70 % وفي العراق حوالى 50%.
وتقول المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو" (حسب تقرير صدر في العام 2013) إن أكثر من ربع سكان الوطن العربي ما زالوا محرومين من التعليم ومواصلة التعلم.
وفي حين أن نسبة الأمية في العالم (حسب تقرير لمنظمة اليونسكو صدر في العام 2015) بلغت 16%، فان نسبة الأمية في العالم العربي تصل إلى 27.1 في المائة.
وقالت "ألكسو" في تقرير "الرصد العالمي للتعليم للجميع" للعام 2011، أن 60% من الأميين في الوطن العربي هم من الإناث، ونقلت عن أن هناك 6.188 ملايين طفل وطفلة في الدول العربية غير ملتحقين بالتعليم ممن هم في سن الالتحاق بالتعليم. ("الجزيرة.نت"، 7/1/2013)
هذا هو حالنا. ولكن السوء فيه لم يقف عند هذا الحد. فلا أرض تحررت، ولا تقدم ثقافي أو اجتماعي تحقق. بل على العكس من ذلك تماماً، فقد انفجرت الأوضاع عما يسمى "ربيعأً عربيأً " تحول إلى كارثة، أسفرت بدورها عن تحول الإرهاب من ظاهرة فردية، تمارسها منظمات معزولة، إلى "دولة داعشية" لها رئيس، ومدعومة بجيش نظامي، تشغل أراضٍ شاسعة منتزعة من عدة دول عربية: العراق، سوريا، الصومال، ليبيا واليمن! وتساوي مساحتها مساحة دولة غربية كبرى هي بريطانيا العظمى.
وما تشير إليه الإحصاءات يفيد، بأن مستويات التنمية لم تحقق تقدما كبيراً، حتى عندما سجلت أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً. وعندما عادت لتنخفض فان معدلات التنمية سجلت هبوطاً مريعاً، وإن عائد الثروات لم يصل إلى تحقيق تنمية اجتماعية، ولا وصل إلى توفير عمل لملايين الشباب الذين انتفضوا طلباً للحرية والكرامة والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية .
ومن جهة أخرى، فإن الأثر البسيط الذي تحقق في مجال التعليم، لمن كسبوا هذه النعمة، ظل يراوح في قشرة السطح. فإذا اقتبسنا ما اقتبسنا من الغرب، من وسائل الحضارة كاستخدام وسائط الانتقال السريع والاتصالات عبر الحواسيب وحتى الأقمار الاصطناعية، فإن هذه وتلك مرهونة بما يسمح به الآخر، لمضاعفة استثماراته وأرباحه في المنطقة، وزيادة هيمنته التكنولوجية والإعلامية.
أكرر فأقول إن التقدم العلمي لم يدخل العمق بل ظل يتردد على السطح لأن الفرد العربي العادي لم يفقه أو يتفقه أبعاد الحضارة والتقدم العلمي، بل استخدم الطائرة والحواسيب بعقلية تقليدية لا إبداعية، كما أنه لم يستوعب فلسفة ذلك التقدم والحضارة الحديثة، وظل مزدوج العقلية، ففي الوقت الذي يستخدم فيه آخر المبتكرات العلمية، فانه يمنع المرأة من قيادة السيارة في بعض البلدان ويؤمن بالقيم العشائرية، ويقتل غسلا للعار حتى لمجرد الشبهة أحيانا، خلافا للشريعة الإسلامية، ويعتقد أن عيشه المزري هو قضاء من الله تعالى فيجب أن يتقبله بصبر ، والله مع الصابرين.
نحن إذن، بحاجة ماسة إلى "إعادة نظر" في الكثير من الجزئيات الحيوية المتعلقة بسبل توظيف عائد الثروات الطبيعية، وسبل تنمية الثروات البشرية، وغير ذلك. ولكن "إعادة النظر" تلك لن تحقق الهدف منها من دون بناء "صورة" معرفية شاملة عن الذات.
المرء قد يعرف ما يريد الوصول إليه، إلا أنه لن يتمكن من تحقيقه من دون أن يعرف بُعد المكان الذي يقف فيه، بالنسبة للهدف والطريق الذي يجب أن يسلكه ليجد نفسه فيه.
إن العملية الحضارية تقتضي شروطاً لا يمكن لأي شخص أن يدعي امتلاك معرفتها بل تطبيقها على شعب عقّدته أزماته وتاريخه وموقعه الجغرافي والاقتصادي، وتكالب الآخر على نهشه. ومع ذلك فإن العمل المؤسساتي، أي القائم على مؤسسات ثقافية و/أو اجتماعية و/أو علمية، قد ينجح في قطع بعض الخطوات على طريق التقدم، ولو على المدى البعيد، مما يزيد من احتمالات تحقيق التقدم، ويقلل من احتمالات تحقق التخلف -.
إن قيام مؤسسة موسوعية في المهجر، تجمع أكبر عدد من المثقفين الواعين، والمقدرين لأبعاد الكارثة التي تتردى فيها الأمة في كل يوم، والمدركين لمسؤوليتهم وجدارتهم في تكوين نواة ثقافية وعلمية متطورة، يشكل مشروعاً حضارياً رائداَ يبدأ في المهجر وينتهي في الوطن العربي الكبير.
ونحن نعتبر "مجلس الفكر العربي"،(واشنطن) الذي تَشَكَّــل هذه السنه بمبادرة رائدة من البروفيسور محمد ربيع، نواة صالحة لتشكيل هذه المؤسسة الموسوعية في المهجر، لاسيما أنه يضم نُخبة من المثقفين والأكاديميين العروبيين الواعين ، المتعطشين لخدمة بلدهم الامّ.
علماً أننا أصدرنا مؤخراً كتاباً يبحث أهمية إنشاء مثل هذه المؤسسة في إنقاذ هذه الأمة من هذه الغُمة.
ويسرنا أن نهديه إلى جميع القراء الكرام وأصدقائهم على الرابط التالي:
https://drive.google.com/file/d/0B7-yP9NKQgUrdFk4SEVzeVoxRU0/view?usp=sharing
887 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع