تقسيم عراق ما بعد داعش حلال أم حرام؟

                                               

                           إبراهيم الزبيدي


إلى عهد غير بعيد كان الحديث عن تقسيم العراق إلى ثلاث دول شبه مستقلة في دولة فيدرالية، أو مستقلة متحدة في كيان كونفيدرالي، شيعية في الجنوب، وسنية في الوسط والغرب، وكوردية في الشمال، حديثا يُشبه (تحليل) الخمر بعد (تحريمه) من قبل برلمان  حزب الدعوة ومجلس الحكيم.

فهو حديث مرفوض، وطنيا وأخلاقيا، باعتباره دعوةً لتقزيم الوطن بتمزيق وحدة ترابه الوطني، وتشتيت شمل شعبه، وهو، فوق كهذا وذاك، خدمة للقوى الإمبريالية والصهيونية الساعية إلى جعل المنطقة كيانات طائفية وعرقية ودينية صغيرة ضعيفة متطاحنة فيما بينها يمكن ترويضها والتحكم بها بسهولة.
نعم، إن التقسيم، أي تقسيم لأية دولة موحدة ومستقرة ومستقلة وتحكمها سلطة قانون، وتتمسك بوحدتها وسيادتها واستقلالها جماهيرُها المتآخية المتمتعة بكامل حريتها وكرامتها وحقوقها، لابد أن تكون جريمةً منكرة، بكل المقاييس والموازين.
ولكن حين تكون الدولة ليست دولة، بل وطنا للصرارير والخفافيش والثعابين والعقارب والشياطين، وحين تكون مَنبتا للخوف والرعب والتخلف والفقر والمرض، وتحكمها مليشيات منفلتة من أي خُلق ودين تعمل لحساب دولة أجنبية غازية، وحين تكون أرضا مشاعة تحتل إيران وسطها وجنوبها، بالكامل، دون منازع، وتسعى، بكل ما لديها من خبث وقوة، لمد احتلالها إلى ما تبقى من وسطها وغربها وشمالها، فلن يكون الحديث عن التقسيم، وعن الأقاليم جريمة، بل يصبح دواءً لا دواءَ بعده لحفظ ما تبقى لأرباب هذا الوطن  من كرامة وحرية وأمن وحقوق.
فإن كانت إيران تريد العراق كله، فمن الواجب الوطني والقومي والإنساني، ومن الحنكة والشطارة والدفاع الشرعي عن النفس، أن نحرمها من نصفه الذي ما زال بعيدا عن شوارب وليِّها الفقيه ولحيته، وننجو بما تبقى من عراقيين لم يذوقوا، بعدُ، مرارة احتلالها، ونُنقذهم من أحقادها وأحقاد وكلائها، قبل فوات الأوان.
فالثابت، وفقا لوكالات الأنباء المحايدة، أن العشرات من الخبراء العسكريين من حزب الله اللبناني والمستشارين الايرانيين التابعين لقوة القدس في الحرس الثوري متورطة في إدارة العمليات العسكرية لاقتحام مدينة تلعفر، وفتح طريقها الآمن إلى سوريا.
وأيُ مطلع على بواطن الأمور العراقية والإيرانية لابد أن يفهم سبب استقتال أيران المسلحة، واستماتة (أولادها) الحشديين الصارخين بثأر الإمام الحسين  من أحفاد يزيد على احتلال تلعفر وما حولها.
أولا: لإطباق كماشتها على فكرة إقليم نينوى وقتلها قبل ولادتها، لما تحمله من مخاطر حقيقية على هلالها الشيعي المهدد بالانكسار.
وثانيا: تأمين طريق قوافل أسلحتها وضباط حرسها الثوري ومخابراتها الإيرانيين ووكلائها العراقيين إلى سوريا، لا لنجدة نظام بشار الأسد، بل لتأمين ظهرها في عراق الوسط والجنوب.
فبالرغم من أن لها في سوريا ما يكفي من جحوش وجيوش ونعوش، إلا أنها تدرك جيدا أن استقلال نينوى، كإقليم أو دويلة، قد يُغري الأنبار بالانضمام إليها، وربما صلاح الدين، ومساحات واسعة من بغداد، وقد تتحالف معها الدولة الكوردية الآتية التي لا ريب فيها.
وفي هذا أخطار ثلاثة تمهد لنكبة الإيرانيين ووكلائهم، وأيٌ منها، لو تحقق، ستكون عواقبه عليهم كارثية بامتياز.
الأول: إفلات نينوى وصلاح الدين وكردستان من قبضتهم وقبضة طابورهم العراقي الخامس.

والثاني: بداية تحرشات ومشاكسات، وربما معارك كر وفر، ضد الوجود الإيراني نفسِه في وسط العراق وجنوبه.
والثالث: عرقلة مرور قوافلهم إلى سوريا، الأمر الذي يحرمهم من مواصلة دعم نظام الأسد، ويعجل بسقوطه، حتى بوجود الحليف الروسي.  
ويعرف حتى المبتدئون في السياسة أن سقوط بشار الأسد، يعني نهاية حزب الله في لبنان، وهزيمة كارثية على جميع المليشيات العراقية والأفغانية التي زج بها قاسم سليماني في سوريا،  وعلى الداخل الإيراني، نفسه، دون ريب.
 ولقيام إقليم نينوى والأنبار وصلاح الدين، ولإمكان تحالفِه مع كردستان، وانفتاحه على الأردن وتركيا، منافع أخرى أهمها:
أولا: غياب خطر البعبع السني على دولة الطائفة، وهي الذريعة التي يشحن بها الإيرانيون خواطر الشيعة العراقيين،
وثانيا: إشعال الاقتتال الداخلي المدمر بين أحزاب السلطة على المناصب والرواتب والمكاسب،

ثالثا: وضع الفريق العراقي الإيراني وجها لوجه مع شارع شيعي منتفض أدرك حقيقة المؤامرة، وذاق مرارة (الجهاد الإسلامي)، وحان أوان انتقامه وانتزاع حريته وكرامته من جديد.
هذا فيما يخص إيران ووكلاءها. أما فيما يخص الشارع السني والكوردي فإن التقسيم سيشعل حرب المصالح بين الرؤوس الكبيرة التي أثبتت خيانتها وعمالتها ومتاجرتها بأرواح أبناء الطائفة وأرزاقهم، وبين جماهير محرومة لابد أن تصحو من خدرها الطائفي، وتنتزع قرارها المستقل من أيدي غاصبيه المنافقين الانتهازيين تجار الشعارات الكاذبة.
هذا ما سوف تأتي به إقامة كيان مستقل في محافظات السنة، ودولة مستقلة في كردستان العراق، ليس فيهما لإيران، ولا لوكلائها المحليين، نفوذ ولا سلطان.
ويبقى الخوف كل الخوف من أن يبقى للمال الحرام ولخبث المخابرات الأجنبية قدرتهما الساحقة على إعادة تسليط نوري المالكي وهادي العامري وعمار الحكيم وابراهيم الجعفري وإخوتهم على أهلنا في الجنوب، وحماية كراسي أسامة النجيفي وأخيه أثيل وصالح المطلق وسليم الجبوري على شعبنا في الإقليم السني، مع إبقاء الهيمنة في كردستان العراق لنفس الشلل الحاكمة المتناطحة على المنافع الحزبية والقبلية والمناطقية، والمستسلمة لتوجيهات مخابرات الدول الأجنبية، ونعود نقاتلهم من جديد.  
فهل يختار شعبنا المرتهن والمخدوع والمختلَس سلطة المليشيات والإقطاع السياسي، أم الوطن؟ هذا هو السؤال.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

999 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع