الوطن مابين مد الحنين وجزر الاغتراب

                                                                     

                   توجعات بقلم:عهود الشكرجي

  

منذ ان تركت الوطن عام 2007 تركت ورائي قطعه من كبدي، تحمل فيها كل ذكرياتي، وطفوله ترسم على اعتاب الدور، قصصنا التي تحملني ليل نهار، لذلك الرواق المورد بالقداح وظل اشجار الرمان التي حفظت ضحكاتنا ولهونا ونحن نحمل براءتنا النقيه التي لا تعرف الحقد وماعرفت غير وجع فقد الاحبه.
مرت سنين الغربه وانا احمل بطيات قلبي حنيني لكل لحظة عشتها في احضان امي، أمي التي لم تنزع السواد طيله سنوات عمرها فكلما ارادت ان تنزع ثياب الحزن ، تفجع بفقيد آخر، كما لو ان السواد اصبح لون نسوتنا الكبيرات الملتاعات بلوعة فراق الأحبة.
كانت لدي "فوبيا" لمجرد التفكير بزياره العراق، مزيج معقد من الاحاسيس والتخيلات والخوف من المجهول ولم اكن استطيع اخفاء شعوري بما تغير. هناك في عالم بُت اجهل عنه الكثير تارة واحن اليه تارة اخرى. فمازلت اشتاق للنخيل الشامخ ورائحة المطر وزقزقه العصافير. وحضن امي التي تركتها هناك بلا وداع , رغم اني عاصرت ماحل بالعراق زمن الطائفية التي بدات عام 2004 التي نهشت كل ماهو جميل في عراق الامس خفت ان لا اجد تلك الصورة التي حفرت في مخيلتي طيله تلك السنين، صورة الكبرياء والشهامة والنخوة, وكنت اسال نفسي هل ساجد بلدي كما عهدته؟ كما تركته يصارع الموت كما السقيم؟.ام انه تعافى وعادت الحياة تدب في جسده كجندي عاد من القتال ومن موت محقق! .
ربما يكون الاعلام مجحف بحق مايعيشه الناس هناك وربما ألف الناس الموت كأنه رديفهم كل يوم .
خفت ان يهدم ذلك الصرح امامي كما تهدمت صروح بغداد ولم تعد معالمها تعرف بعضها البعض. فكل شيء اصبح غريبا ومثيرا في لحظة خذلان عاشها الواقع من اناس تغيرفيهم الضمير، ولبست اجسادهم ارواحاَ لا تعرف الرحمة، وتحولت تلك الوجوه الباسمه البريئة لوجوه ترسم التهكم في كل تعابيرها,قهقهة فظة ونظرات جريئة لا تعرف الخجل, لم تعد تلك الازقه كما ألفتها، ولا تحمل ارصفة الشوارع نفس الخطوات , لم يعد ظل الاشجار كما كان يلف العشاق تحت ظلالها. لحظات شوق وامل في رسم مستقبل بتلك العفة التي تربينا عليها, ولم اجد ضفاف النهر بنفس ذلك الحنين الذي يحمل مع مده الهادئ ساعات السمر بين الرفاق, لم اجد حدائق الدور تفوح منها نسائم القرنفل والياسمين ولا سطوح المنازل يسرق منها الفتية نظرات الترقب لبنت الجيران, لم المس بعيون الناس اي وجل من الساعة القادمة ,فلم يعد الموت ذلك المارد الذي يرعب تلك المدينه النقية.
المضحك المبكي اني شعرت وكاني كائن غريب عن هذا المكان رغم عشقي لترابه ورغم اني حاولت ان اعتاد على الحياة هناك التي تغير فيها كل شيء ولم يعد الناس كما تركتهم , خفت ان اصعق بالواقع ..الواقع الذي تغير بوتائر سريعة هي اسرع من ومضة سناء في حلكة ليل اسود.
التجربة اكبر برهان فكل القصص التي سمعتها لم تكن كما الواقع وادركت الان ان الغربة ليست فقط بالبعد عن الاوطان .

        

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

781 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع