القائمقام أبوعَـزام ! الجزء الأول / ٧

                                                 

تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
 أستاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً

              

القائمقام أبوعَـزام !
رواية واقعية تنقصها الصـراحة,من الحياة الأجتماعية
في العراق,.. في الحقبة بين سنة 1948- 1958م

 

في اليوم التالي لتوقيف (الحاج راضي), يكررالقائمقام ما يفعله صباح كل يوم,..حيث يقف مزهواً أمام باب داره بدشداشته البيضاء, مسـروراً لمشاهدته صبايا المدينة في الشريعة المقابلة لبيته, ثم ينظرلساعته, ويدخل مذعوراً خوفاً من أن تجده زوجته متلبساً بجرمه المشهود!,.. فقد كانت "صبرية" في ذلك الصباح تتقلب على فراشها وكانها فراشة حائرة,وفجأة يخطر ببالها  زوجها المراهق, فيتكدرحالها, وتتوشـح بالحزن, ويشـتد غـَضبها, وتخلد تكلم نفسها بصمت:

*ماذا يفعل هذا الوغد منذ الفجر؟,.. وراحت تستعرض تصرفاته, وتستمر بتلك الحالة لفترة, ثم تسمع رنين جرس الباب, وتنهض لتستطلع ما يدورفي الحديقة, فتلاحظ زوجها وهو بدشداشته البيضاء, مُسـرعاً نحو الباب الخارجي,.. فترفع سـتارة غرفة النوم,.. ويقع نظرها على زوجها  يستطلع الطارق من ثقب الباب, ويباغـَت بوجود " نسمة " ووالدها, فيرتبك,ويعود بسرعة الى غرفة النوم , وتسـرع "صبرية",بالعودة الى سريرها, وتتقمص دورالنائمة, فيجدها تتقلب على سريرها, سارحة بأحلامها,ولما أقترب منها, همت بسـتر نفسها بـ (الشرشف),...لأنها بملابس النوم الشفافة, فتقع عينه على بعض مفاتنها, وتزيحه عن طريقها, وتتوجه نحو(طاولة المكياج) ولم تعرأهمية لنظراته, وتنهمك بتعديل خصلات شعرها, ووضع الكحل في عيونها وتنظر أليه بأستغراب,قائلة : لماذا تركت مكان رصدك للصبايا وجأت مهرولاً الى غرفتي؟ا  
* فيقول لها : راح تعرفين كل شـيي!, (بـَس),غـَيري ملابسك, و(روحي) أفتحي  باب الحديقة ورحبي بـ " نسمة " ووالدها, وأعتذري لما حدث يوم أمس, لما عثرت " نسمة " وسقطت من يدها صينية الكيمر, وتلطخت دشداشـتي,..و" نسمة " هربت لعدم معرفتها بوجودي أنا !,...فترد عليه " صبرية ", ومن يدري, هل سيصدق كلامي؟!,..أم يصدق رواية أبنته؟!,.. أذهب
• أنت بنفسك , أن كنت صادقاً في روايتك,..فقد كنت تستقبلها بنفسك فما الذي تغير, حتى  تريدني أن أقوم بهذه المهمة ؟,..ثم يكررتوسله بها!,..فتقول له: عجيب أمرك يارجال؟!
* عزيزتي,..فقط ساعديني هذا اليوم, وبعدين راح أشرح لك كل شيئ بالتفصيل الممل!,..
 * تنظر له " صبرية " فقد حدست بما أقترفه زوجها فصارخائفاً فشفقت عليه!,.. وطلبت منه وقتاً لتغيير ملابسها, وقالت: ليس من المعقول أن أخرج الى باب الحديقة المطل على الشارع  
العام وأنا مرتدية دشداشة نومي الشفافة,..فهل فقدت غيرتك , يا.... ثم تتعوذ من الشيطان!,..وعلى الفور يرفع أبو عزام عباءتها من على المشجب ويسلمها لها, طالباً منها التوجه بسرعة نحوالباب, فتمتثل لأمره على مضض, وتتوجه بسرعة لفتح باب الحديقة, فتجد" نسمة " ووالدها عند باب الحديقة الخارجي,..وتـُصبح عليهما بلهجة أهل المدينة, قائلة :
* الله يصبحكم بالخير,..فيردان عليها التحية بكل أحترام, وهم بأشد الغرابة فهم يعرفون زوجة القائمقام أم عزام عجوز,.. وهذه أمرأة بغاية الجمال,..فيكتم أبو " نسمة " أسـتغرابه ويقول:  
* صباح الخيرأم عزام!,..فتقول له " صبرية ",أنا لست أم عزام,أنا زوجته الجديدة,.. فيرحب بها أبو " نسمة " مرة أخرى, فتسعد " صبرية " بعبارات التهنئة, ويعتذرعما حدث يوم أمس لأن زوجتي مانعه " نسمة " من الدخول لصـحن الدار,.. ألا أذا شافت بعيونها أم البيت, نحن أنخاف على شرفنه من أولاد الحرام, ولما شافت القائمقام, خافت ورمت صينية الكيمر عليه!
* أطمأن أبو" نسمة " لما شاهد بعينه زوجة القائمقام الجديدة الجميلة, وكلامها (اليقطرعسل)!, فيامرأبنته بحمل صحن الكيمر, والتوجه مع عمتها السيدة "صبرية" الى داخل الدار,وتتوجهان الى المطبخ,.. ويدور بينهن الحديث التالي:
*كيف حالك يا" نسمة " ..كم هو طيب كيمركم!, لم أذق مثله في بغداد حتى أنه أطيب من كيمر السـده المشهور,..فتبتسم " نسمة " لهذا الأطراء وتجيبها : شكراً ياخاله !,..وتشرح لها:
*  أسمعي يا " نسمة",..أنا زوجة القائمقام الجديدة وأم عزام زوجته الأولى مريضة وأرسلها للعلاج في بغداد, فهل تعرفتي عليها؟, فتنفي "نسمة" وتقول لها أراها أبداً, فتعانقها " صبرية" بحنان لتكسب ودها وتجعلها مطمأنة لها فتدخل في الموضوع وتسألها,.. عن ما حدث لها يوم أمـس من دون خوف البته!
* البارحة, طلب مني القائمقام أن أحمل صحن الكيمر لزوجته لأنها مريضة,.. وهو سيبقى في الباب الى ان أرجع , فصدقته, وما أن دخلت الحديقة حتى وجدته خلفي وطلب مني التوجه الى غرفة الفلاح في طرف الحديقة, وراح يتوسل بي ويرتجف,... ويقترب مني رويداً,..رويداً, ثم هجم علي وأراد أن يحضنني بكلتا يديه !, ففزعت,.. وأيقنت بنيته السوداء وتذكرت تحذيرأمي من الدخول الى صحن الدار, ومن دون أن أدري قذفته بصينية صحون الكيمر,... فجن جنونه وكاد أن يبطش بي, فتسلقتُ سياج الحديقة حيث وجدت بابها مقفلاً, ولم يستطع اللحاق بي!,..
وما أن وصلت العلوة, حَدثتُ أمي باللي صاروجرى!,...وَطلبت مني السكوت حتى لا تتشوه سمعتنا بين القرويات, وفي المساء وصل عريف الشرطة وطلب منا الحضورلبيتكم !
* تبكي "نسمة" بمرارة,..وتقول لـ "صبرية" : هل من المعقول أن يعتدي رجل على صبية في وضح النهار وزوجته في الغرفة المطلة على الحديقة,.. والله ياخالة انتم فاهمين القرويات بلا شرف,.. والله يا خاله البنت في القرية أذا ما زلت فمصيرها القتل!, وتستمربالبكاء,... ثم تهدأعلى مضض,..بناءاً لطلب "صبرية",..حتى لا يصل الخبر الى شيخ المدينة لا سامح الله!,ولم تستغرب "صبرية" من تصرفات زوجها, فقد نشأت في بغداد وسمعت عن التحرش الجنسي والأغتصاب, وأنطلقت بالنصائح, وقالت : بارك الله فيك يا "نسمة" أنك بطله,.. ثم أستمرت في الحديث معها قائلة :
 * أسـمعي يا "نسمة", البنت لازم تكون قوية الشخصية وأن لا تكون ذليلة لأرادة الرجل عندما تتبين نواياه السيئة, وأن توقفه عند حده وأن لا تسمح له بالتمادي وتجاوزالخطوط الحمراء التي يحتمها علينا الشرع والأعراف!,.. ثم تطرح سؤال لم تستوعبه,فتسأل "صبرية":
* لماذا يا خاله,..رجال مثل زوجك القائمقام ما عنده حـشمه ولا أخلاق؟ ,.. ألم يردعه جمالك عن العدوان على صبية (غلبانه) َرثة الثياب وريحته معفنه!, وعنده مثل هذي المرأة الحلوه ؟!
* أنت غير مطلعة على أهل المدينة, ولا تعرفين الوحوش البشرية!, فمنهم من فقد أبسط قواعد الشرف منذ الولادة, ولم يردعة العرف أو الشرع أو القوانين,.. فيحاول السيطرة على أي صيد يقع بين يديه فيتظاهر في البداية بنيته الشريفة أمام الآخرين ولكنه يغدرفي أول فرصة تسنح!
* يا خاله " صبرية ", آني أعتقد أن الرجال لما يتزوج,.. يهدأ ويحرص على شرف الناس,.. كحرصه على شرفه, ويمكن معذرة الشباب أذا تجاوزوا حدهم, وتصرفوا بأعمال غير لائقة, ولكن ما الذي يجب قوله لحامي المدينة وهو يتحرش بصبية ؟!,هل يمكن أن نسامحه؟!!,...   فتجيبها " صبرية " : الكثيرمن الرجال مراهقون من الدرجة الثانية, وخاصة الذين حرموا من الذرية لسبب أو آخر, لأنهم لا يملكون الأحساس بالأبوة, والفراغ في حياتهم مقرف وممل, لذا يتسكعون في الملاهي الليلية ومعاقرة الخمرومعاشرة بنات الليل (المومسات),... والعياذ بالله ووقانا الله منهن, لحملهن (فايروس الأيدز), الذي لا يرجى منه الشفاء,..كما أن العديد منهن يحملن هذا الفيروس ولا تظهرعليهن أعراضه, ثم ينتقل بسهولة للرجل الزائر, وبدوره ينقله لزوجته,.. وهكذا تستمرعملية العدوى, أذا مارس الشخص الجنـس معهن !
* تستوعب " نسمة " الدرس , ثم تستأذن منها لتلتحق بوالدها كي تقص عليه ما سمعته !,
* وعند توديع " صبرية " لـ " نسمة " , تعانقها وتطلب منها عدم نشـرقصتها حتى لا تعطي فرصة للناس بتوسيعها وأضافة البهارات لها, ومن ثم يصل الخبرلشيخ المدينة!
 *** تعود " صبرية " مسرعة لداخل البيت, فتجد زوجها بأنتظارها,.. ويستقبلها بحرارة, ثم يقودها نحو مائدة الفطور, التي وضع عليها كل ما لذ وطاب من المأكولات الشهية المعروفة في الشطرة, مثل الكيمروالزبده والجبن والعسل والدبس والراشي (الطحينية),وأجود نوع من التمر,.. وأضافة الى ذلك الحليب الساخن وقوري الشاي!,..وتنظر" صبرية" بدهشة لما تراه,ثم يجلس الأثنان بصمت رهيب يشبه صمت (أهل القبور), ثم يخرج أبو عزام عن صمته,.. ويسأل زوجته عن ما دار بينها وبين " نسمه " ؟!, فتقول: البنت مثقفة ومؤدبة ولطيفة وجميلة, فهل ترغب معرفة شيئ آخر,.. يا سعادة القائمقام؟
* هل دار الحديث عما فعلته تلك اللعينة بي يوم أمس! وهل أعترفت لك بأنني لم أعتدي عليها ولم أمسها بسوء, وقد عثرت, وسقطت منها صينية الكيميرعلى دشداشتي!؟, فتنفعل" صبرية", لأنها رأت كل شيئ وسمعت الحقيقة من " نسمة " ولم تكبت مشاعرها نحوه, فصرخت بوجهه و كاد ت أن تخلع شـعـر رأسها,.. وقالت له :  
*أرجوك يا محترم أن تكرمنا بسكوتك!,.. وألا سأمزق ملابسي وأخرج الى الشارع لأخبر أهالي الشطرة عن كل المصائب التي أقترفتها بحق هذه المدينة التي من سوء حظها أن تكون قائمقاماً فيها,..فوالله لا تستحق أن تكون عساساً فيها, ولكن ما العمل هذه نتيجةالمخاصصة!!!
تهدأ"صبرية" قليلاً, وتجر أنفاسها وتكلمه بأدب وأحترام, خوفاً من وصول الخبر الى ديوان الشيخ, فيطرده وتتهدم كل أحلامها التي بنتها يوم أحبته ووثقت به,..ولكن ما نفع الندم الآن؟!
* وتمسك أعصابها وتقول: أسمع يا أبا عزام,..أنا لا أضمر لك الشـروأريد مساعدتك للخروج من هذه الورطة,.. وتقول لي بصراحة,..ألم تشعر بالحياء عندما هَممتَ ببنت صغيرة ؟!,... فيصمت ويعتريه الخجل مما فعله,..وتطلب منه عدم الوقوف بباب الحديقة لمراقبة الصبايا في الشريعة, وألا سترسل الخبر الى المتصرف!,(المحافظ),... فالمدينة صغيرة وفيها أعراف لا تحيد عنها,..فماذا سيقول الناس حينما يشاهدون المسؤول الأول وهو يتصرف كمراهق,.. ثم تصمت وتصرخ به قائلة : لا أدري أي نوع من البشر أنت, ألا تمُلَ من النساء؟!,...ثم تنهـش بالبكاء وتترك المائدة,.. ويهب أبو عزام خلفها, وهو في حالة أنهيارلا مثيل لها,.. فلأول مرة يشـعـر بخزي تصرفاته فقد فاحت وصارت تهدد مستقبله!,فما هوالسبيل لأصلاح الموقف؟
يتبع في الحلقة/ 8 ,..مع محبتي

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

http://www.algardenia.com/maqalat/19466-2015-10-11-08-20-30.html

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

916 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع