القائمقام أبوعَـزام ! الجزء الأول / ح٤

                                                   

تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
 أستاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً


                  

القائمقام أبوعَـزام !
رواية واقعية تنقصها الصـراحة,من الحياة الأجتماعية
في العراق,.. في الحقبة بين سنة 1948- 1958م

الحلقة الرابعة

بعد مغادرة أبوعزام داره, تجهزالسيدة "صبرية كل ما تحتاجه من ملابس في حقيبة صغيرة, وتلبس العباءة وتطلب من الخادم أمحيسن رفع الحقيبة والتوجه معها الى بيت رئيس بلدية الشطرة, مخترقين شارع النهرومقهى عبيد التي تعتبر مقهي الطبقة المثقفة في الشطرة.
    

                        مقهى عبيد

* وما أن يصلا الى باب الدار الرئيس حتى يقرع أمحيسن الباب, وتطل منه الزوجة أم علي لتجد بمواجهتها "صبرية" زوجة القائمقام,..وبجنبها صبيها أمحيسن حاملاً حقيبتها,..فترحب بها وتدخلها البيت وتأمرأمحيسن أن يضع حقيبة سـته في غرفة الضيوف, فيمتثل لأمرها ويتمَ عمله بسرعة ويخرج,...ثم تصحب أم علي ضيفتها "صبرية" نحو الهول وتأخذ منها العباءة والبوشي, وتطلب منها الأستراحة لحين أن تحضر لها الشاي وتجلس معها لتحدثها على أللي صاروجرى,.. فتهز"صبرية" رأسها بالموافقة, والدموع تكاد تخرج من مقلتيها كالمزن, فتكتم عَبرتها,.. وتهون أم علي الأمر عليها,.. حيث وصل الى سمعها أشاعة لم تصدقها ولذا,.. طلبت من ضيفتها عدم سـَرد أي شيئ ما لم تنجلي كل الحقيقة ويتبين المستخبي والمستور!,.. وتتضح معالم المؤمرة التي دبرها أزلام الشيخ, للأيقاع بالرجل الأول المسؤل في المدينة حتى يعملون وفق قوانين القبيلة من دون أي خـشـية من القائمقام!
تجلس أم علي وضيفتها السيدة "صبرية" في الهول وبعد تبادل عبارات المودة والترحاب , تصل (أستكانات) الشاي والبقصم والبادم وقطع من الحلوى النادرة, وتطلب أم علي,عدم الكلام في الموضوع وترك الأمرلحين عودة حالتها الصحية وسماع القصة وملابساتها من أبو عزام!,
* وتعاود المضيفة كعادة نسوة أهل الجنوب الترحاب بضيفتها قائلة:أهلا بأختي "صبرية" ,كيف  حالك؟!,..(صارفترة طويله ما شفنه بعضنا!),..فتجيبها  ؟!, الحمد لله ,..هذوله الناس ما عندها شغل غير الأشاعات المغرضة والبلبة بين الناس,ما يخافون الله؟!  
*والله يا أختي يا أم علي,..قبل كل شيئ آني خجلانه من هَل الزيارة,ولكن ما العمل, فقد أمرني أبو هزام بالمبيت عندكم هذه الليلة,ولم يخبرني السبب الحقيقي لسفره بهذه السرعة, وقلت ليه ؟ فقال من غير ليه !,.. وسابقاً كان يخرج بمهمات سرية,..ولم تظهرعليه الأنفعال كما حـدث له الآن ؟ وصرت أصدق الأشاعات التي تحاك ضده في أدارة قضاء الشطرة,وخاصة عندما قال:  * من المحتمل أن أغيب خارج البيت لعدة أيام؟!  
* فقلتُ له ولا يهمك حبيبتي,.. وأكد لي معرفة الحقيقة حينما يصل مركزاللواء (المحافظة)!,
* ومن كم يوم لا حظته غير طبيعي ولم أستطع معرفة السبب ولم يحدثني عن أي شيئ سوى عن الأشاعات المغرضة, ولكنه كان مرتبكاً, وغير طبيعي,.. ويرتجف كالسعفة,ووجهه أصفر كالليمون من دون أن ينطق بكلمة يفصح فيها عن ألـَمه !, فتجبر أم علي بخاطر ضيفتها قائلة:
* أنشاء الله لا يظهرشـيئ مهم, وما هي ألا أيام وسيعود بعدها أبوعزام, وقد أنجلت الحقائق,.. وتبخرت الأشاعات وبان مصدرها الردي, فلا تجزعي,الآن أنت في بيت أختك وأذا هل العين لا تسَعـك سأفتح العين الثانية لك!,هذه هي خال كل من يعمل في دوائرالدولة فهولايحصد سوى العقوبات غيرالمبنية على الحقائق وأنما تربط دائماً بأقوال المغرضين المنتفعين من زرع الفتنة والبلبة في المدينة التي تنام وتصحوعلى القال والقيل من دون أي وازع خلقي!, ولذا فأن معظم موظفي الحكومة عاجزون عن ردع مثل هؤلاء,...حيث أنها لا تملك سوى تطبيق القانون ضد كل من يسيئ للدولة ولا تخنع للمجاملة,وعلى أية حال, فالمسيئ سينال جزاءه عاجلاً أم آجلاً !,
ومن الجدير بالذكر أن الأهالي تخاف من نقد أعمال أي موظف مهما كانت درجته الوظيفية!,
عندما تتدهورأعماله الرسمية وعلائقة بالأهالي , خوفاً من التهم التي سـتكال على من يفتح فمه ويتقدم بشكوى على موظف يعرقل حقوقه أو يردع ظلماً وقع عليه حتى من أبسط موظف!,...
وهكذا نجد المسؤل الأول في المدينة مغمض العينين والأذنين عن مظالم الناس, أي لا يسمع ولا يرى,..حتى تفوح رائحة عمل ما تـُزكم الأنوف,..فتضطرالحكومة لأبعاده عن المدينة حتى  تتجنب غضب الأهالي ووصول الأمرالى مركز اللواء,أوالوزارة في العاصمة!, ولذا, تسـرع الجهة ذات العلاقة بسحب الموظف ومعاقبته, لأمتصاص غضب الجماهيرفي القضاء!,.. وقد ُيرقى في بعض الأحيان أن كان له سند قوي في الدولة,..لكي لا ينفضح أمام المجتمع!
* تستوعب" صبرية " القصد من وراء محاضرة أم علي,... وتتقبل وجة نظرها برحابة صـدر وتقول : أختي أم علي,أن كل ما ذكرتيه لي قد زاد من خوفي على أبوعزام , فلربما قد تجاوز حدوده القانونية,وتورط بعمل ما, لا يرضى الحكومة والأهالي وشيخ المدينة,وتستطرد أم علي *قائلة: أن حدسي لا يخيب فهو يتصرف وكانه الحاكم بامره,..وكم من مرة نبهته من الغطرسة,وأن الشطرة ليست بغداد, ثم تصمت "صبرية",..وتحاول أم علي تهدئتها, وتقسم لها أنها لا تعرف شيئ عن مهمة أبو عزام المكلف بها, وكل ما طُلب مني هو العناية بك في بيتي لحين عودة زوجك من المهمة المكلف بها!,ولم تصدق "صبرية" وبكت, وندبت حضها المنيل!
وتعترف لأم علي بسوء تصرفاته التي لاتليق به كقائمقام لبلدة لها عاداتها, وتعتبركعائلة واحدة  ولايُسمح لأي مخلوق بالتطاول على نساءها  مهما بلغ مستواها الأقتصادي,ألا أن أبو عزام لم يعترف بتلك الحقيقة ولم يلتزم بالأعراف والتقاليد القروية وخاصة التحرش بالنساء, والمطلوب من الغريب أن يلتزم ألأدب أذا ما واجه أمرأة أو تحدث معها, فالويل له أذا ما تجاوزالخطوط الحمراء المتعارف عليها, فالشطرة تعتبر عائلة واحدة والشيخ أبوها الروحي, يهرع له الأهالي لحمايتهم من المعتدي وبخاصة الغريب!, ولكنني وكما عرفت أبوعزام,.. لم يكترثلذلك العـُرف فهو زيرنساء لا يترك أي فتاة مهما يكن جمالها وعمرها,.. حتى يغازلها,..أضافة الى تردده على الغجر بأطراف المدينة وهيامه ببائعة الكيمرالصبية" نسمة " ومحاولته يوم امس التحرش بها, فرمت عليه صينية صحون الكيمروقفزت من فوق السياج, وشاهدت ذلك بعيني!,.. ولكنه  أنكرعندما فاتحته بالحقيقة,.. وأن الأهالي وشيخها سوف لن يسكتوا على فعلته وسوف ينال العقاب على تصرفه الأرعن,أن لم يكن اليوم فسيكون في الغد أو بعده! أنني لم أهتم بأفعاله لو لم أكن حاملاً منه, فما عساني فاعلة أذا فصل من وظيفته ومنع من مزاولة المحاماة؟!!!
*تـُعَـقـب أم علي على ما سردته " صبرية ", وتطلب منها التريث والصبر,لكونها حامل, وأنفعالها سيؤثرعلى الجنين في بطنها,..لحين نهاية المشكلة من دون مضاعفات!,..وبعد فترة تهدأ " صبرية " قليلاً,..ثم فجأة تنفجر بالبكاء ويزداد نحيبها, فتحتضنها أم علي وُتقبلها لتخيف معاناتها وألمها من أفعال زوجها التي ستؤدي لطرده من الوظيفة!
***
 يصل أبو عزام الى مركز اللواء, يجرأذيال الفشل خلفه, ويذهب مباشرة الى بيت المتصرف
(المحافظ),.. وعند البوابة يستقبله الحارس , ويطلب منه التريث لأعلام أهل البيت بوصوله,..فيخرج كبيرالخدم لأستقبال الضيف,ويهرع لفتح باب البهو, ويطلب من ضيفه التفضل بالدخول مع عبارات الترحيب,فيجلس القائمقام على كنبة منزوية في الغرفة, ثم يسرح قليلاً,.. وتعود له الطمأنينة, فيتطلع الى جمال الغرفة والتخف والسجاد الثمين, وصورة كبيرة لصاحب الجلالة الملك فيصل الثاني, وبعد لحظات يدخل المتصرف وهومقطب الجبين ومنزعج,...فينهض أبو عزام أحتراماً لسيادة المتصرف, فيصافحه المتصرف ويقول: أهلاً أبوعزام, كيف أحوالك؟, وما الجديد في قضاء الشطرة ؟!,فيجيب بكل خجل وكأنه طالب روضه!,

* أهلاً بـسعادتكم,..اليوم صباحاً أتصل بي معالي وزيرالداخلية وطلب مني مغادرة قضاء الشطرة بأسرع وقت, ومقابلتكم للدفاع عن الشكوى التي تقدم بها الأهالي وشيخهم,..ولذا جأتكم فوراً لأبين لكم وبكل صراحة أن كل ما أشيع حولي من تهم لا أساس لها من الصحة, فأنا لم أعمل شيئاً ضد الدولة أو الحكومة,..وكل مطالب سـعادتكم تـُلبى بسرعة من دون تردد, وكما تعلم لم أتأخرعن أرسال السمك والبط والدجاج والرز العنبر,..أليس كذلك؟!,..فيهم سعادة المتصرف ما قصده القائمقام,
* هذا صحيح!,.. ألا أن الأمر خرج من يدي وغير متعلق بي,... لأنك تجاوزت حدودك, ولم تراعي حقوق وعادات أهل الشطرة!,..أنا لا أفهم ما الذي تكتسبه من وقوفك الساعات اطويلة أمام الشريعة تراقب فتيات بعمرأحفادك وهن يغسلن الصحون والملابس, فهل تعتقد أنك على ساحل الريفيرا في فرنسا أو الأسكندرية في مصر؟!,أوأنك جاووش بلديه,أي (مراقب),؟!, وما الذي يـستهوي نظرك بهن؟, فهل من بينهن حسـناوات يسبحن بالمايوه؟!, مثل: "صوفيا لورين أو مارلين مونرو,أوأليزابيث تايلور؟,(أجمل ممثلات أمريكا في تلك الحقبة)", ألا تعلم أن مدينة الشطرة عبارة عن أسرة واحدة ,.. وكل صغيرة وكبيرة تحدث فيها تصل فوراً ومباشرة الى معالي عضو مجلس الأعيان وشيخ المدينة خيون,.. وأضافة الى ذلك غطرستك وتكبرك على الأهالي,..فقل لي بربك هل زرت مرة ديوان الشيخ بمناسبة ما؟,أم كنت مع زمرة الشباب من المقربين لك تسهرون عند الغجر لوجه الفجر!, .. وتعودون سكارى الى بيوتكم ولا تعرفون من أمور البلد أي شيئ, ولم تتوقفون عند حدودكم التي لا يقر بتجاوزها, لا العرف ولا الشريعة ولا القانون, ثم زاد الطين بَله, تحرشك بصبية تساعد أمها لتوصيل الكيمر لك ولعروستك التي تزوجتها بالسر!, وكل هذا وأنت غافل لم تدرك بأن بقاء الحال من المحال, فأنكشف أمرك وفاحت روائح أعملك المشينة!,... و لم تدرك ولم تحس بالمسؤلية الجسيمة التي أولاك أياها القانون,.. فالمفروض أن تكون قدوة بالمُثل والأخلاق الحميدة,أما النساء؟!, فأمامك بغداد ُمكتظة بالملاهي ودورالمتعة المحرمة, أذا كنت ليومنا هذا مراهقاً ؟!  
***  
يظهر الأرهاق والأنفعال على المتصرف,..ويستغفر الله ,..وينظر بعين العطف الى ضيفه, ولا يدري ما الذي يمكن أن يفعله لرفع العقوبة عنه,.. ثم ينطق ابو عزام, فقد أتضح الموقف أمامه  فقد صار أمام الأمر الواقع, وقال : يا سيادة المتصرف,... أن كل ما تفضلت به حول سلوكي في القضاء محض أفتراء وأشاعات مغرضة ومدسوسة من عناصر تعمل على تهديم كيان الولة,..وخاصة زمرة المثقفين من أبناء البلدة والمنطوين تحت راية الأحزاب المتطرفة التي تعمل على أسقاط الملكية!,أما التردد على الغجر,فسببه تشجيع الفن الشعبي وأمتصاص شهوات الشباب لمنع التحرش الجنسي بالفتيات!,.. فيرد عليه سعادة المتصرف:      
* لنفترض صحة كلامك,..فهل يمكنك ذكرالفئة التي تتردد على مثل تلك الأماكن؟!,..هل رأيت واحداً من أبناء وجهاء المدينة هناك؟!,أم أن المترددين هم الصعاليك من أبناء المدينة,... أو من من تجار المخدرات والتهريب المتعاونين معكم؟!,..أليس كذلك؟,كيف تسمح لنفسك وأنت ممثل الحكومة أن تختلط بمثل تلك الزمر الفاسدة؟!,.. ولم تفكربمثل هذا اليوم الأسـود !
*  فعلا,.. كنت أعتبرأن الأمر شخصي, وليس له علاقة بالوظيفة, أوبأهل المدينة!,...ثم يبتسم المتصرف ويقول: ووقوفك أمام الشريعة تراقب الصبايا صباح كل يوم ,..وتحرشـك  بالصبية " نسمة ",.. أبنة بائعة الكيمر, فهل هو عمل شخصي أيضاً ؟!, ورميك للحاج راضي بالتوقيف من دون أي ذنب أقترفه,..فهل يمكن أن تفسره,..على أنه عمل شخصي أيضاً ؟!,..فيجيب بذلة
* صدقني سيدي,..أن ما تعرض له الحاج راضي لم يكن بعلمي البته!, فيرد عليه : كلامك هذا غير مقبول او كما يقال: (العذراقبح من الفعل), أنت المسؤل الأول في المدينة, والمفروض أن تتطلع على الصغيرة والكبيرة, وعلى الحدث قبل وقوعه!,وخاصة الأمورالمتعلقة بالقانون ,.. فليس لديك الآن أي عذر فالمفروض أن تتصرف وفق القانون وتنفذ ما يخوله من صلاحيات وتراقب من هم تحت امرتك من الأنحراف,...لأن أي عمل مشين يصدرمنهم يحسـب عليك,  والمؤلم أن أسمع منك أعذاراً واهية!  
يـستجمع القائمقام قوته محاولاً أن يعبر عما يختلج في صدره من حجج للدفاع عن وجهة نظره, ألا أن الكلمات راحت تتعثر في فمه, ولم يستطع, وأستمرالمتصرف بالكلام قائلاً: هل كلامي صحيح وواضح,..أم تعتبره هراء؟!,على أية حال, أذهب الآن الى النادي للأستراحة وليلاً أستقل القطارالنازل الى بغداد, وطلبت أن يحجزوا لك مقعداً في الدرجة الأولى,وسـتصل أليك بعد أذان العشاء سيارة من المحافظة يقودها شرطي يحمل التذاكر وسيرافقك حتى صعودك المقصورة المخصصة لك!, في مفرك (محطة) وعند وصولك بغداد أنشاء الله بالسلامة ,أذهب فوراً الى الوزارة, وهناك ستبلغ بالعقوبة المتخذة بحقك بناءاً على الشكوى المقدمة من معالي عضومجلس الأعيان !, ومن المحتمل أن تنقل لوظيفة أخرى ,أو تنزل درجتك ؟ , وقد يكون فصل مؤقت أو نهائي,..لأن خصمك من كباررجال الدولة!

      
                                       
      مدير محطة أور وعائلته يستعدون لأستقبال القائمقام أبو عزام

ينفعل القائمقام عندما يشعر بتهكم المتصرف عليه وعديم أبداء أية رغبة في المساعدة لتخفيف الحكم عليه,..وهو الذي أغدق الهدايا عليه,فينظربصمت نظرة عتاب الى المتصرف,
ثم ينتصب بوجه المتصرف كالأسد الجريح ويقول له:
* صدق من قال: الذيب من يوكع تاكله الذئاب!, ولكن سيدي أنك أدرى من غيرك, التهم التي ذكرتها بحقي ليس لها أي أرتباط بعملي!,.. فأنا لم أختلط بعامة الناس ولا بالمتملقين الى شيخ المدينة حتى لا أرفع بيني وبينهم السواتر,... وأكون أداة بيدهم لتنفيذ مآربهم وتهريب البضائع غير المكمركة, والأسماك والتمن العنبر لبيعه في أسواق البصرة,..لتهريبه الى دول الخليج!,..أما وقوفي أمام الشريعة فهو ليس من أجل التمتع بمنظرالصبايا الفاتنات!,(يقولها بأستهزاء), بل كنت أنتظر موعد ذهاب الأطفال الى مدرستهم المجاورة لبيتي,..حتى أسلي نفسي الحزينة وأخفف عن كربي بفقدان ولدي البكر والوحيد الذي رزقني الله به وهو بعمر الزهر!,وزوجتي طريحة الفراش في بغداد بسبب أصابتها بمرض خبيث لا يرجى شفاؤه,وهي من أقارب فخامة رئيس الوزراء,..وأنا عن طريقها عينت قائمقاماً بعد أن كنت محامياً في بغداد,.. وقد تزوجت ثانية, آملاً أن يرزقني الله بصبي أو بنت,..وخوفاً على صحة زوجتي أم عزام لم أعلن زواجي وجعلته سرياً,..(زواج مؤقت), وليس كما يدعي المغرضون من أن زواجي هوللمتعة,...لأنني أعتبرأي زواج خارج عن الشرعية,هو زواج ناقص!,وسوف أعلن زواجنا في الوقت المناسب فهل يا سيادة المتصرف أن أعاقب على أعمال لم تسيئ لأحد,..ولكن ما نفع الكلام الآن؟!,..
* يَمد القائمقام يده ليصافح المتصرف ويودعه,..فيبادله المتصرف نظرات مفعمة بالأسى ويكلم نفسه بصمت قائلاً: لربما ما يدعيه عين الصواب, ولكن من يصدقه ويكذب شيخ المدينة, وعلى ما يبدو قد تأثرالمتصرف بأقوال القائمقام وتبدوالحيرة عليه, ويسرح قليلاً, ليقارن بين ما سمعه من الجهات العليا وبين ما يدعيه ضيفه, وللضيف حرمة, وللهدايا تأثيرعجيب, ولكن ما العمل؟  وماذا يستطيع فعله لأنقاذ هذا القائمقام, وليس له من معين ألا الله!
*تغمر المتصرف حيرة لا مثيل لها ,..فيلتفت لأبي عزام قائلاً له, ولوأنني صدقتُ قولكَ,..
ولكن هل يمكن أن يصدقك وزير الداخلية؟!,.. وأنت تعلم صلة الحكومة بمعالي شــيخ المدينة وعضو مجلس الأعيان الذي لا يُرد له طلباًالبته!,..فمن سوء حظك أن قضيتك صارلها أرتباط بتوقيف الحاج راضي الناطق الرسمي لأوامرالشيخ والمتكلم بأسم الأهلي في مُضيفه !,فمن له الجرأة بقول الحق والوقوف بجانبك ؟,..أن ذلك من رابع المستحيلات!,.. أذهب وقابل الوزير, وأنت وربك ياموسى, فعسى ولعلَ,.. أن يلتفت أليك بعين الرحمة أكراماً لقريبته أم عزام!
 * يقترب المتصرف من أبا عزام,..ويضع يده على كتفه ويبتسم له لتخفيف معاناته,.. ويواصل كلامه بنبرة الناصح له,..وفاءاً منه لما كان يغدقه أبو عزام عليه من هدايا فاخرة يوم كان بعز مجده قائلاً: لتكن هذه المشكلة درساً لك ,..وحاول أن حالفك الحظ وعدت لوظيفتك,..أن توطد علائقك بالناس وخاصة بالطبقة المتنفذة منهم,..ولا تصدق أن فرض العدالة سـتحببك للناس!, الناس تركض وراء المنافع ومراكز القوى,والله يكون بعون المغفل أمثالك,وياغافل ألك الله,.. ولا تأمن المنافقين من حولك, ولتكن الرغبات الخاصة بك سرية وبعيدة عن موقع العمل,.. فأن شعرت يوماً بالضجر والرغبة في ترويح النفس, فعليك السفرالى شمال الوطن!,ثم يقول:
لا أريد أن تتأخر,..أذهب في أمان الله!, ثم يتقدم أبو عزام نحو المتصرف ويعانقه, ويبادله المتصرف نفس الشعور, ويودعه بكل حرارة!
يتبع في الحلقة الخامسـة
للراغبين الأطلاع على الحلقة الثالثة:

http://www.algardenia.com/maqalat/19106-2015-09-22-07-42-32.html

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

658 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع