السيدة نزهت سـتّو، قاهـرة السرطان: آمل ان اعيش 100 عام!

   

                                               السيدة نزهت / 2013

      


السيدة نزهت سـتّو، قاهـرة السرطان: آمل ان اعيش 100 عام!

 

                          

      

         

يقول الروائي الأمريكي والباحث في الأساطير جوزيف كامبيل: "حاول ان تبحث في دواخلك عن المكان الذي يشع منه الفرح، هذا الفرح هو الذي سـيقضي على الألم". بهذه الرؤيا ومن هذه الأسطر رسـمت السيدة نزهت سـتو مسيرة حياتها اللاحقة بعد ان شــخّص الأطباء بما لالبس فيه مرضها، والذي كان ســـرطان منتشر في الطبقة العليا من الدماغ وبتشكيلة تشــبه اطراف العنكبوت وقد استقرت بين اخاديد الدماغ الكثيرة ، لتؤثر على مجمل حركات الأنسان ووظائفه الطبيعية، في السمع والنطق والتذوق والتوازن وغيرها.

                   

        صورة التخرج من كلية الآداب بجامعة بغداد عام 1970

1988 العام الفاصل
مازلت اتذكر جيدا هذا العام، وكيف جرت التغيرات في جسـمي، فقد تحولت كثيرا ولم اعد كما كنت سابقا، صـرت اتعـرّق بشدة، ورافقني شــحوب، وحالات متقطعة من اختلال التوزان او مشاكل في التذوق والسمع. كان التوجه للطبيب هو الحل الوحيد بيدنا. فبعد طبيب العائلة، احالوا نزهت الى ( مستشفى بروفيدنس) في ديترويت، وقد اجريت لها العديد من الفحوصات والأشعات وانتهى الأطباء الى طمئنة العائلة بأن لها (منطقة رمادية) في الدماغ بمساحة 2سنتم ونصف وهي لا تشكل اي خطر ويمكنها الذهاب للبيت. هذه النيجة بعثت ببعض الطمأنينة داخل نزهت والعائلة. لكن وضعها لم يتحسن بل ازداد سـؤا، فراجعت الأطباء ولكن هذه المرة في مستشفى (هنري فورد) بديترويت، والذين بدورهم احالوا قضيتها الى المستشفى التعليمي التابع لجامعة  "آن آربر" حيث يوجد فريق طبي اختصاصي بهذا المرض. وكان لابد لمحاسن الصدف ان تلعب دورها هذه المرة، فقد تمكنت اللجنة من حجز موعد مع (د. كريكوري تومسن) المتخصص بالحجيرة تحت الدماغ والتي تلتقي بها كل الأعصاب الحسية. عقد الأطباء عدة اجتماعات، ليصلوا الى النتيجة بأن علاج هذه الحالة سيكون بالأشعاع وليس بالسكين!
هذه النتائج، وكلمات الأطباء ووعودهم شجعت نزهت والعائلة للخطوة اللاحقة، وفعلا بداءت  اولى جلسات العلاج بالأشعة بعد ان عملوا (قالبا) للرأس والكتف مزورد بالأسلاك لتسهيل المهمة.

                 

                صورة الزفاف عام 1968 في بغداد

 
القلق سيد الموقف
ولأن حالتها لم تكن سهلة، وصبرنا صار ضيقا، اصبح القلق يساورنا في اية حركة او (أنـّة) تصدر من نزهت، فقد آثرنا استشارة الأطباء في مستشفى "مايو كلينك" المشهورة عســـى ان نجد من يعيننا في هذا المصاب، لكنهم وبعد الأطلاع على التقارير الطبية ، طمأنونا بالقول: ان ما يقوم به الأطباء في مستشفى "آن آربر" هو الأتجاه الصحيح، عند ذاك ارتحنا قليلا. مع اطلالة العام 1989 انجز الأطباء كل عمليات العلاج بالأشعاع، ثم اجروا آخر الفحوصات، وكانت قلوبنا قد توقفت للحظة،  وعيوننا مسمّرة نحو الباب بأنتظار خروج احدهم، وفعلا تم ذلك، وصافحونا وهنؤها  وقالوا لنزهت: ان ما جرى  لك في العلاج هو معجزة طبية، فقد بينت النتائج بأن السرطان الذي كان منتشرا  في دماغها قد جرى ايقاف نشاطه بالكامل، وأن الأمر يستلزم لمراجعة سنوية مستمرة وانتباه لأي تطور صحي.

           

         في احدى المناسبات العائلية مع زوجها السيد نوري ستو

اين يكمن الـســر؟
عندما سألت السيدة نزهـت عـن ســر صمودها ونجاح علاجها قالت: في البداية لابد لي من ان
اشكر زوجي وشريك حياتي نوري ستو، الذي رافقني في كل هذه الرحلات المتعبة وأمدني بالصبر والحنان، وأشكر عائلتي التي غمرتني بالمحبة، ثم اتوجه بالشكر الى لجان الأطباء المختلفة الذين اشرفوا على علاجي، وحسن الطالع في التشخيص السليم الذي ساعد في انقاذ حياتي. استدركت القول وسألتها مرة اخرى ، ولكن معظم الناس  هنا يتوفر لهم ما توفر لك، هناك شئ آخر، ما هو؟ قالت نزهت، وكأني اريد ان انتزع منها اعترافا بالقوة، لا اخفيك سرا، انا اعشق الحياة، واحب اسرتي وقد سعدت كثيرا لولادة حفيدتي الأولى (كريستينا)، وخلفيتي الأكاديمية والمهنية في علم الأجتماع ساعداني على التعامل مع المرض بشكل طبيعي. صحيح ان في جاليتنا اناس ترفض حتى لفظ اسم مرض السرطان وتقول (هذا اللذي لا نسميه) أو (هذا الخبيث) أو (ذاك المرض) في اشارات تدل على الرعب حتى من تداول اسم المرض. انا شخصيا لم اذعن للمخاوف ، وقبلت الأمر، وكنت اجيب الناس عندما تسألني، وكنت امارس حياتي بشكل طبيعي، رغم اني كنت متعبة نفسيا وجسديا. اعتقد ان جزء من السر يكمن في طريقة تعامل الأنسان مع المرض ونتائجه اللاحقة. شخصيا، خسرت العديد من الصديقات والأصدقاء لهذا المرض، وكانت الهواجس تهاجمني مرارا بأني سأكون الضحية اللاحقة للمرض، وكنت أمنّي نفسي بالقول: اهلا وسهلا به متى ما جاء!

             

النشأة الأولى
ولدت السيدة نزهت ستو  في العام 1944 من السيد عزيز القروي والسيدة مريم اوراها عكاش في منطقة سوق الغزل/ صبابيغ الآل. ادخلوها مدرسة الراهبات القريبة من سكنها، وبعد ان انهت الأعدادية دخلت كلية الآداب وأختارت قسم علم الأجتماع والذي كان قد افتتح للتو. اقترنت من السيد نوري ستو عام  1968 وهي لما تزل طالبة جامعية
، وتخرجت عام 1970، وعملت في مدينة الطب بصفة باحثة اجتماعية، ثم  مشرفة على مدارس التمريض بذات الأختصاص. رزقت بهيثم، ثم يوسف وايفا في نهاية العنقود كما يقولون! هاجرت مع عائلتها الى الولايات المتحدة في العام 1976، ورغم التزاماتها الكبيرة في تنشئة ورعاية ابنائها الثلاثة، الا ان ذلك لم يمنعها من مزاولة  الأعمال الحرة، حتى اقعدها المرض عام 1988.
السيدة نزهت ستو نشطة في مجال الدفاع عن حقوق الشعب العراقي والمرأة ابان الحكم الدكتاتوري ولليوم، وقد عملت لسنين في صفوف الأتحاد الديمقراطي العراقي ومازالت تحضر نشاطاته وأماسيه، على الرغم مما يبدو عليها احيانا من تعب او ارهاق.

الصراع لم ينتهي
في العام 2010، وفي اليوم التالي لزيارة طبيب العائلة، انتبهت نزهت الى نتوء كبير في احد الأثداء، مما بعث مجددا بكل صفارات الأنذار، وعادة ظلال القلق والخوف مرة اخرى لتخيم على الوضع. ولأن طريق الأطباء والفحوصات صار مألوفا لنا، فبعد مراجعة  "د.ايرك براون" في مستشفى "بومانت" بديترويت والمتخصص بالغدد اللمفاوية، اذ جرى التشخيص بأن هناك التهابا  بالجهاز اللمفاوي، والذي يعمل بصفة (فلتر) للدم في كل الجسم، وأصابته معناها اصابة كل الجسم.  بعد ذلك  اتصلت بالدكتورة العراقية المتخصصة بالأورام السرطانية (مها الصراف) في مدينة آن آربر والتي قالت لنا: ان نزهت محضوظة، وسأدلكم على" د.كيمنسكي" من المستشفى التعليمي التابع ل "جامعة آن آربر"  وهو مرشح لنيل جائزة "نوبل"  في الطب لأبحاثه المتقدمة في علاج السرطان اللمفاوي. عندها ارتحنا قليلا، وفعلا تمت الأجراءات ، وعولجت نزهت من هذا المرض الجديد  بجرعات من (كيمو ثيربي) و بالأشعة ايضا، وتعافت نهائيا من المرض الثاني.

                         

ما اقوم به اليوم
قلت للسيدة نزهت ستو بأنك انسانة رائعة بصبرك ومقاومتك للمرض، فردتني مضيفة بالقول:اشكرك، مثلما اشكر كل من اسمعني كلمة تشجيع حلوة، واليوم انا احاول ان ارد الجميل للعديد من النساء اللواتي يعالجن من هذا المرض او من الرجال، وأعمل لأكون مثلا حيا  لهم بالأنتصار على مرض السرطان. ازور البعض، واتحدث للآخرين بالتلفون، وكلما ساعدتني صحتي او صحة زوجي الذي يتعافى من المرض ايضا. قد اقول لك بأني الأسعد في هذا العالم، فقد عشت الأسوء  وأجتزته، واليوم انا اتمتع بســني التقاعد مع زوجي، ومع احفادي الستة، ثلاثة من ابني هيثم، وثلاثة من ابنتي ايفا، وأتطلع لليوم الذي احضر عرس ابني  يوسف وألاعب ابنائه، اوقفتها قليلا وقلت، ان هذا سيستغرق وقتا طويلا، فكم ستعيشين، ضحكت نزهت وقالت: 100 عام ، وأشارة الى زوجها وأومأت الى صورة  (عمتها) السيدة  مريم جـجو كنّو والدة نوري ستو والتي كانت  تعيش معهم في البيت، فقد عـمّرت حوالي ال 100 عام!

كمال يلدو
كانون ثان 2014

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1108 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع