١٦٤ نائبا أغلبهم من كتل الإطار التنسيقي عرقلوا جلسة السبت
الإطار التنسيقي يهدف من وراء تأجيل عرض قانون الحشد الشعبي على التصويت إلى شراء الوقت على أمل أن يحدث تغيير في السياسة الأميركية.
العرب/بغداد- رغم جهوزية قانون الحشد الشعبي وإحالته على الجلسة الأخيرة للبرلمان في دورته الحالية، إلا أن الكتل التابعة للإطار التنسيقي عرقلت عقد الجلسة من خلال الإيعاز لعدد كبير من نوابها بعدم الحضور، ما حال دون مناقشة القانون وعرضه للتصويت، في خطوة يقول مراقبون إن الهدف منها ترحيل مشروع القانون للدورة البرلمانية الجديدة لربح الوقت وتجنب الصدام مع الولايات المتحدة التي تبدو في حالة استنفار سياسي وأمني لمنع ميليشيا الحشد من الحصول على غطاء قانوني لأنشطتها.
ويمثل التأجيل متنفسا لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي يسعى لعدم إغضاب الولايات المتحدة، وفي ظل حالة البرود بين حكومته وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بسبب سياسة اللعب على الحبال التي يراهن السوداني على نجاحها بأن يكون في صف أميركا وإيران في نفس الوقت ويكسب من الجهتين.
ويشير المراقبون إلى أن تأجيل عرض القانون على التصويت مع وجود فرصة كبيرة لتمريره يهدف الإطار التنسيقي من ورائها إلى شراء الوقت على أمل أن يحدث تغيير في السياسة الأميركية، وأن تستعيد إيران نفسها بعد الحرب الأخيرة وتفكر في كيفية استخدام الميليشيات لإزعاج الوجود الأميركي، لكن أيّ تحرك في الوقت الحالي سيعني إعطاء مبرر لإدارة ترامب ولإسرائيل، كذلك، لتنفيذ عمليات تستهدف قدرات الميليشيات وقادتها.
وأكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية علي البنداوي، يوم السبت، إكمال التعديلات على قانون هيكلة الحشد الشعبي، وأن اللجنة قدمت طلبا رسميا لإدراجه ضمن الجلسة. لكن الذي حصل أن الجلسة لم تنعقد بسبب غياب 164 نائبا قالت مصادر إن أغلبهم من الكتل الكبيرة المحسوبة على الاطار التنسيقي مثل كتلة دولة القانون وكتلة صادقون النيابية (العصائب) وكتلة بدر الذين اختاروا أن يبعثوا نوابا للجلسة ويغيبوا نوابا آخرين لعرقلة عقد الجلسة وتجنب الإحراج سواء بتمرير القانون أو إسقاطه.
وكشف النائب سعود الساعدي عن إصرار بعض أعضاء مجلس النواب على تعطيل الدور الرقابي والتشريعي للمجلس، مشيراً إلى تأجيل الجلسة رغم حضور 149 نائباً.
وقال الساعدي، خلال مؤتمر صحفي عقده في مبنى البرلمان بمشاركة عدد من النواب، إن “رئاسة مجلس النواب تتحمل مسؤولية تعطيل المجلس،” مؤكداً أنه “لا يوجد في النظام الداخلي أيّ شيء تحت مسمى تعليق انعقاد جلسات مجلس النواب”.
وكان ائتلاف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، استبعد يوم الخميس الماضي، إقرار قانون الحشد الشعبي في الدورة البرلمانية الحالية، مرجعا السبب في ذلك لوجود اعتراض داخل العراق وخارجه على القانون.
وقال عضو الائتلاف حسين المالكي، لوكالة شفق نيوز، في حينها إن “قانون الحشد الشعبي لن يمرّر خلال الدورة البرلمانية الحالية وسيرحّل إلى الدورة البرلمانية المقبلة،” مبيناً أن “هذا وفق إرادة سياسية داخلية وكذلك إرادة دولية خارجية، فهناك معارضة داخلية وهناك إرادة خارجية لمنع تمرير قانون الحشد الشعبي”.
وأعلنت الولايات المتحدة سابقا معارضتها بشدة لأيّ مشروع قانون لا يتماشى مع أهداف الشراكة الأمنية الثنائية مع العراق ويتعارض مع تقوية مؤسسات الأمن الرسمية والسيادة في العراق.
وتخشى الولايات المتحدة من أن يكرّس القانون المقترح وضع الحشد الشعبي كقوة مستقلة عن الجيش العراقي، ويمنح شرعية لفصائل مصنفة أميركيا كجماعات إرهابية.
وقد نقل مسؤولون أميركيون هذه المخاوف إلى الحكومة العراقية خلال محادثات ثنائية في الأسابيع الماضية، مطالبين بـ”حصر سلاح الفصائل” ومحذرين من “تدخل دولي يحسم مصير هذا السلاح في حال فشل السوداني في حسمه”.
وكان رئيس البرلمان محمود المشهداني كشف في 14 يوليو الماضي، عن رسائل أميركية رافضة لتمرير قانون الحشد، محذرا من تظاهرات قد تشهدها المدن العراقية خلال الفترة المقبلة، ما سيدفع البلاد إلى إعلان “حكومة طوارئ”.
وتأتي هذه المخاوف في ظل تصريح رسمي للخارجية الأميركية، أعربت فيه عن قلقها المستمر من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، والتي تعمل ضمن قوات الحشد الشعبي في العراق، مشيرة إلى أن بعض تلك الجماعات والأفراد مرتبطون بمنظمات مصنفة كـ”إرهابية”.
وأنشئ الحشد الشعبي بالاستناد إلى فتوى دينية من المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني سنة 2014 لمواجهة تنظيم داعش الذي غزا آنذاك مساحات شاسعة من العراق وسيطر عليها، وانضمت عدة ميليشيات شيعية عراقية قوية، مدعومة من إيران، إلى صفوفه بعد فترة وجيزة، وكان بعضها يقاتل إلى جانب قوات الرئيس السابق بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية.
وقاتلت قوات الحشد الشعبي بالتوازي مع الجيش العراقي، الذي تلقى مساعدة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش. واتُّهمت العديد من فصائلها بانتهاك حقوق الإنسان للمدنيين، وهو ما أقرته الحكومة وقوات الحشد الشعبي بأنها “أفعال فردية”.
وفي عام 2020، جرت معادلة راتب عنصر “الحشد الشعبي” برواتب الجنود في الجيش العراقي البالغ واحدها مليونا و250 ألف دينار، أي ما يعادل قرابة ألف دولار شهريا، إلى جانب منحهم المخصصات نفسها المتعلقة بالسكن وغيرها، مع تأكيد توزيعهم وفقاً لنظام الألوية العسكرية. لكن عمليا، ما زال كل فصيل مسلح في الحشد يحافظ على اسمه وعناصره وارتباطاته السياسية والعقائدية، فضلا عن تقاسم مناطق النفوذ والوجود بين مختلف المحافظات التي ينتشر فيها.
وكان البرلمان العراقي قد أقرّ قانون الحشد الشعبي لأول مرة عام 2016، لكنه كان يفتقر إلى تفاصيل تنظيمية وهيكلية، فيما يُنظر إلى التعديلات الحالية على أنها محاولة لإعادة صياغة دور الحشد ضمن المؤسسات الأمنية الرسمية في البلاد.
ويمرّ العراق بمرحلة حساسة مع اقتراب تمرير قانون الحشد الشعبي المعدل، الذي يُتوقع أن يُلقي بظلاله على استقرار البلاد وعلاقاتها الخارجية على حد سواء. فداخليا، قد يؤدي هذا القانون، رغم ما يحمله من نية لدمج الحشد في المؤسسات الرسمية، إلى ترسيخ نفوذ الفصائل المسلحة المدعومة من إيران.
هذا التثبيت المحتمل قد يضعف بشكل كبير سلطة الدولة المركزية، ويعرقل جهود بناء جيش وطني موحد وفعال، ما قد يزيد من حدة الانقسامات الداخلية، خاصة مع استمرار الحشد في الاحتفاظ بهياكله المستقلة وارتباطاته العقائدية. علاوة على ذلك، فإن الشرعية التي قد يمنحها القانون لبعض الفصائل المتهمة بانتهاكات حقوق الإنسان قد تُثير استياء شعبيا واسعا، ما قد يُفضي إلى تجدد الاحتجاجات التي تُهدد الاستقرار السياسي، وهو ما حذر منه رئيس البرلمان.
1427 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع