تراثيات ..ساعات الزمن الجميل لم تزل تدق..

      

      تراثيات .. ساعات الزمن الجميل لم تزل تدق

   

المدى/تحقيق وتصوير/ فرات إبراهيم

لم تخطأ سيدة الغناء العربي وهي تشدو برائعتها (حسيبك للزمن)، الحكم المقتص والمقاضاة الأخيرة لكل ما ارتكبناه، هذا المتسلط الذي لا يخضع لأية قوانين كونية غير التي يضعها، وحتى يتحول إلى حالة مادية نلمسها، ونتابع حركتها كان لا بد أن تكون ممثلة بجهاز له صورة وأسم، اشتغل عليه علم الميكانيك، تلك التي تدعى الميكانيكية المصغرة ذات العقارب والمسننات الصغيرة، التي ما زالت تدهشنا وتشدنا للبحث عن الأجمل، فهي ليست أداة لمعرفة الوقت فقط لأننا بذلك نستطيع معرفته من خلال هاتفنا المحمول، أما إذا أردنا أن نؤطر معصمنا بشيء يجمع بين الحلم والتاريخ والجمال فنتجه صوب الساعة الميكانيكية.

      

وهكذا كان، فالدراسات التي تنشر على صفحات الانترنت تذكر أن العراق كان البلد الأول في منطقة الشرق الأوسط الذي يملك وكالات عالمية لأكبر الشركات العالمية في صناعة الساعات اليدوية ومنها الاوميغا والراديو واللونجين وغيرها من الماركات المعروفة..

وشيئا فشيئا بدت تلك الوكالات تنحصر، أما الانزواء عن ممارسة تلك المهنة أو السفر للخارج لمتابعة عشقه الجميل مع عالم الساعات ، بدأت الأسواق الحكومية تقوم بمهمة بيع هذه الساعات وبالفعل كانت الأسواق المركزية تبيع أفضل أنواع الساعات وأشهر الماركات في العالم، وانتهى عصر الساعات الفاخرة مع حالة الحرب المستمرة التي ما زلنا نعانيها.

                      

كوبرا وتايتنك
علي البنا صاحب محل ساعات في شارع السعدون يقول :
كان الوالد يعمل في الساعات، فتحت عيني وجدته يعمل فيها فعملت معه كثيرا من الساعات التي عملت عليها، الماركات والعادي القديم والجديد، القديم تصليحه أفضل من الحديث الذي فيه تقنية تكنولوجية ويحتاج إلى دراية بالالكترونيات، أدوات الساعة الاحتياطية عادة ما نأخذها من أصدقائنا، كثيرة هي الماركات التي لها صدى طيب في السوق والماركات القديمة هي المهيمنة على سوق الساعات واشهر تلك الساعات من ناحية الثمن (رومانسن) و(كوبلر) و(موريال موند) (وتايتنك) موديل جديد في الأسواق العراقية، يبدأ سعرها من 75 دولار إلى 500 دولار، أما عن سبب عدم عمل وكالات لهم من قبل الشركات العالمية كما في السابق فقال:

لا نستطيع عمل وكالات ساعات في بغداد بسبب عدم توفر الإمكانية المادية، وعدم مساعدة اتحاد الصناعات لنا، إضافة الى قلة الطلب عليها ، حيث يلجأ اغلب الناس إلى الساعات الرخيصة والتي تضخ إلى السوق العراقية بشكل كبير، وتتراوح أسعارها بين 2000 دينار وأكثر.


وأضاف قائلا:
وبالنسبة لي لا أتعامل بهذه الساعات لأنها غير جيدة وغير متينة وما يفرقها عن الساعات الأصلية هو المعدن فهو رخيص وله تأثير جانبي على الجلد و يسبب الحساسية لدى بعض الأفراد كما أن تقنية الساعة الأصلية لا يمكن النقاش فيها فهي ماركات عالمية ولها سمعتها في السوق العالمي ومن الصعب جدا أن يغامروا بسمعتهم التي تكونت خلال هذه السنين لأجل بعض الدولارات، أما الشركات التجارية فلا يهمها اسمها لأنها شركات وهمية فتقوم بصناعة وتقليد الماركات العالمية لكن هذا الأمر، لا ينطلي على أصحاب المهنة، وعن طريقة حصولهم على الساعات الأصلية قال: نأتي بهذه الساعات من وكلاء في الخارج نتسوق منهم الساعات الجيدة وحسب طلب الزبون العراقي.


زبائن الذوق الرفيع

أما عن أهم زبائنه فيقول:اغلبهم غادروا العراق وهم زبائن الذوق الرفيع كانوا يحترمون هذه الماركات العالمية، ويدفعون من اجل اقتناء افخر الساعات، أما الآن فنادرا ما نجد من يسأل عن هذه الماركات، بالأمس جاءني شخص يطلب ساعة صناعة يابانية، فنصحته بوجود ساعة سويسرية أصلية فرفض وأصر على الساعة اليابانية ظنا منه أن الصناعة اليابانية هي الأفضل في كل شيء،

       

أما عن أشهر الأسماء التي يتذكرها والتي كانت تتاجر بالساعات الفاخرة فقال: كان السيد حسين فخري جواد وكيلاً لشركة (رادو) العالمية وحسن فخري جواد وارتين دوش وهو الوكيل الرسمي لشركة (باتك فيليب) وهي من أرقى الماركات في العالم وكذلك جوزيف يعقوب وهو وكيل شركة (اوميكا) والحاج داود سلمان وهو وكيل شركة (نيفادا) واغلب هؤلاء غادروا العراق فيما توفي البعض منهم، أما عن أرقى الماركات العالمية والمتداولة في السوق العراقية فقد قال:

لا يمكن القول إن هذه الساعة أفضل من تلك إلا أن الكل يجمع على أن ساعة (الفاشيرون قسطنطين) هي أعظم الماركات العالمية بلا منازع ويصل سعرها في أحيان كثيرة إلى خمسمئة ألف دولار، أما على صعيد العراق فتعد ساعة الـ(باتيك فيليب) هي الأرقى والأفضل.


تجار الربح السريع
كريم جاسم (أبو احمد) صاحب محل ساعات سور في منطقة الشواكة يقول: اخترت تلك المهنة في الثمانينات من القرن الماضي وذلك بسبب ولعي الشديد بعالم الساعات، ودخلت هذا العالم الجميل من خلال اقتناء الساعات وبيعها حتى تمكنت أخيرا من شراء محل خاص بي لأمارس فيه مهنتي التي صارت في ما بعد مصدر رزقي.

الساعة الاولى التي تعرفت على قيمتها وطرق تصليحها هي (الاوميكا)، والتي كان سعرها في حينها 300 دينار أي ما يعادل 500 دولار وهي تقريبا حاليا بنفس السعر إضافة الى وجود ماركات أخرى مثل رادو ولونجين والرول ليكس وغيرها من الماركات العالمية والتي كان العراق من أكثر الدول تداولا بها إلا أن الوقت تغير وصارت تلك الماركات ابعد ما تكون عن العراقيين، وعلل سبب قلة تواجد هذه الماركات بغياب اغلب التجار المعروفين وعدم وجود وكالات تجارية كما كان يحدث في السابق.

كما ان شركة الأجهزة الدقيقة كانت تأتي بأشهر الماركات العالمية وتبيعها في الأسواق (الاورزدي). اما الآن فقد أصبح الأمر بيد تجار آخرين يبحثون عن الربح بغض النظر عن نوعية الساعة أو قيمتها.

            

ماذا عن حركة بيع الساعات الآن وهل ما زال بيننا من يهتم بتلك الماركات؟
-  نعم أنا كل يوم أبيع هذه الساعات وبالأمس جاءني شخص يطلب ساعة (لونجين سنبرينا) وقام بشرائها بمبلغ 1500 دولار وكل الساعات الأصلية فيها ضمان من الشركة في حالة تعرضها لأي ضرر.
* يتم تداول ساعات صينية وبأسعار تصل إلى 2000 دينار، لماذا المبالغة في الأسعار؟
- هناك فرق كبير في الصناعة والمتانة، ولا يمكن مقارنة الساعات السويسرية غالية الثمن بغيرها، إذ أن اغلب الساعات الصينية حين تتوقف عن العمل لا يمكن تصليحها وهي ساعات غير متينة ومصنوعة من أردء المعادن، اقول لك بأنه حتى الماركات العالمية التي كانت تأتي للسوق العراقية مثل الاوميكا واللونجين والرادو، الماركات الحالية من نفس النوع لا تملك مواصفاتها السابقة وهي اقل كفاءة من القديم على الرغم من أن الشركة الأم هي واحدة وإذا أرادت الشركة إعادة عمل نفس الساعات القديمة فلا يمكنها أن تبيعها بنفس السعر القديم سوف تضاعف السعر فالساعات السويسرية معروفة بدقتها ومتانتها.

تأتي بعدها الساعة اليابانية ومنها الماركات المعروفة لدى العراقيين مثل الستيزن والسايكة والاورينت وهي حاليا تضاهي الساعات السويسرية من حيث السعر فبعضها يصل سعره إلى عشرة آلاف دولار نزولا إلى المئة دولار.


* هل حدث وان عرض عليك احدهم ساعة ثمينة بسعر بسيط وهل تقول له حقيقة سعرها؟
- يحدث هذا كثيرا ولست من الذين يستغلون عدم معرفة البائع بسعر ساعته  نعم أقول له سعرها خارج العراق بكذا مبلغ، ولكن في العراق سعرها دون هذا السعر فإذا قبل اشتريها وطبعا اسأل عن مصدرها. وهنا أنا لا استغل جهل المواطن بسعرها إنما استغل قيمة الساعة..

أما عن أقدم من عملوا في هذه المهنة من الأوائل فقد قال:

سي كمر في شارع النهر أقدم العاملين في مجال الساعات يتقن العمل على جميع الساعات الجديدة والقديمة وحتى هذا الوقت يمارس عمله في الساعات كذلك (أبو طارق) في منطقة الميدان والكثير منهم غادر المهنة أو سافر إلى الخارج وافتتح محال ووكالات عالمية للساعات ونحن متواصلون معهم فهم يرسلون لنا حتى هذا الوقت الكثير من الماركات العالمية.
اختتم ابو احمد حديثه بالطلب من الجهات المعنية أن تسمح بفتح وكالات خاصة لشركات السعات العالمية على غرار ما موجود في كل الدول المحيطة بالعراق لكي يعود العراق يمارس أبناؤه أعمالهم وتجارتهم وتنتهي مواسم هجرة أبنائه إلى الخارج بحثا عن عمل.


قطعة نادرة
فيما تحدث علي (أبو كرار) صاحب محل (بغداد) في شارع السعدون قائلا:
إن اغلب أعطال الساعات تحدث في الرقاص الذي هو الجزء المهم في الساعة كما أن الماء عدو الساعة فإذا ما دخل إليها قضى عليها، وان الساعات التي تدوم بيد صاحبها لفترة طويلة دون عطل تكون من الساعات الأصلية والتي تصنع بدقة متناهية إضافة الى ما تتكون منه الساعة من مواد أصلية لا تتأثر بعوامل البيئة هو ما يزيد من سعرها في السوق ولهذا فإنها تكون كقطعة نادرة تزيد قيمتها كلما مضى الزمن عليها كما أن الأضرار تحدث بسبب سوء الاستخدام .

  


يبقى أن نقول أن أرصفة بغداد تعج بأنواع الساعات وأشكالها وأثمانها، ولنا أن نختار أيهم أجمل وأيهم تليق بزمننا الذي لم يعد بحاجة إلى عداد..

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

493 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع