الـجـنـرال سـتـانـلي مـود يـفـتـح بـغـداد ثـمّ يـمـوت فـيـهـا

    

   الـجـنـرال سـتـانـلي مـود يـفـتـح بـغـداد ثـمّ يـمـوت فـيـهـا

دخـل الـلـيـوتـنـات ــ جـنـرال فـريـدريـك سـتـانـلي مـود Lieutenant General Frederick Stanley MAUDE بـغـداد عـلى رأس قـوّاتـه الـبـريـطـانـيـة في 11 آذار 1917 بـعـد أن انـسـحـبـت الـقـوّات الـعـثـمـانـيـة مـنـهـا. ولـم يـقـرأ خـطـابـه الـمـوجّـه لـلـبـغـداديـيـن، والـمـعـروف بـ Proclamation of Baghdad، إلّا في 19 آذار.

            

ثـمّ أكـمـلـت قـوّاتـه مـسـيـرتـهـا نـحـو سـامـراء لـتـكـمـل سـيـطـرتـهـا عـلى ولايـة بـغـداد وعـلى ولايـة الـمـوصـل.

وفي شـهـر تـشـريـن الـثّـاني مـن نـفـس الـعـام، أقـيـم حـفـلٌ احـتـفـاءً بـه في مـدرسـة يـهـوديـة : الألـيـانـس الإسـرائـيـلـيـة، قـدمـت فـيـه مـسـرحـيـة هـامـلـت لـشـكـسـبـيـر بـالـعـربـيـة، وشـرب كـلّ الـحـاضـريـن فـنـاجـيـن قـهـوة. وذكـرت الـصّـحـفـيـة الأمـريـكـيـة إلـيـانـور إغـن Eleanor Egan الّـتي حـضـرت الـحـفـل أنّ الـجـنـرال مـود طـلـب حـلـيـبـاً. وجُـلـب لـه حـلـيـب لـم يـسـخـن إلى درجـة الـغـلـيـان، فـأضـافـه إلى قـهـوتـه وشـربـه.

وفي الـيـوم الـتّـالي سـقـط مـريـضـاً، وشـخّـص طـبـيـبـه الـبـريـطـاني حـالـة كـولـيـرا مـن أخـطـر الأنـواع يـبـدو أن عـدواهـا انـتـقـلـت إلـيـه مـن الـحـلـيـب. وسـرت شـائـعـات بـأنّـه سُـمّـم، لأنّ الـكـابـتـن ولـسـن الّـذي وضـع نـفـس الـحـلـيـب في قـهـوتـه في نـفـس الـحـفـل لـم يـصـب بـشئ.

ومـات الـلـيـوتـنـات ــ جـنـرال سـتـانـلي مـود في 18 تـشـريـن الـثّـاني 1917 

ويـذكـر عـدد مـن الّـذيـن كـتـبـوا عـنـه أنّـه مـات في نـفـس الـدّار الّـتي كـان قـد مـات فـيـهـا الـفـيـلـد مـرشـال الألـمـاني فـون ديـر غـولـتـز Field Marshal Von der Goltz تـسـعـة عـشـر شـهـراً قـبـل ذلـك.

     

ودفـن الـجـنـرال مـود في الـمـقـبـرة الـعـسـكـريـة الـبـريـطـانـيـة قـرب بـاب الـمـعـظـم:

وقـد أقـيـم لـه تـمـثـال مـن الـبـرونـز يـمـثّـلـه بـزيّـه الـعـسـكـري مـمـتـطـيـاً صـهـوة حـصـان، أزيـح عـنـه الـسّـتـار عـام 1923 أمـام دار الـمـنـدوبـيـة الـبـريـطـانـيـة الـسّـامـيـة في الـكـرخ :

  

وقـد بـقي الـتّـمـثـال مـنـتـصـبـاً إلى أن أسـقـطـتـه الـجـمـوع الـثّـائـرة وحـطـمـتـه في 14 تـمّـوز 1958 :

           

أيـن كـانـت دار الـجـنـرال مـود ؟

ومـا ذكـرنـاه يـثـيـر تـسـاؤلات لـم أجـد عـلـيـهـا بـعـد أجـوبـة أكـيـدة، فـقـد وجـدت في كـتـاب إيـدا دونـغـيـس سـتـاوت Staudt Ida Donges : “مـذكّـرات أمـريـكـيـة عـن الـتـدريـس والـسّـفـر في الـعـراق مـن 1924 إلى1947” الّـذي سـبـق لي أن كـتـبـت عـنـه مـقـالاً ، أنّـهـا سـمـعـت بـعـد وصـولـهـا إلى بـغـداد مـع زوجـهـا في 1924 بـأنّ : “داراً كـبـيـرة فـرغـت قـرب نـادي الـضّـبّـاط الـبـريـطـانـيـيـن، في حيّ حـديـث مـن الـمـديـنـة، تـحـيـطـه غـابـات الـنّـخـيـل. وعـنـدمـا زرتـهـا حـلـت لـعـيـنيّ فـأجـرتـهـا حـالاً وبـلا تـردد. وبـانـتـقـالـنـا إلـيـهـا في الـخـريـف بـدأت حـيـاتـنـا الـعـمـلـيـة حـقّـاً. وكـانـت الـدّار تـنـاسـب تـمـامـاً مـا نـريـد، وإن اعـتـبـر الـبـعـض أنّـهـا بـعـيـدة عـن مـركـز الـمـديـنـة. وقـد أصـبـحـت الآن في وسـط الـمـديـنـة لـشـدّة مـا تـوسـعـت بـغـداد وامـتـدّت. وكـانـت داراً كـبـيـرة فـيـهـا 20 غـرفـة واسـعـة حـول حـوش مـفـتـوح، أمـامـهـا شـرفـات عـريـضـة”.

ثـمّ تـكـمـل إيـدا سـتـاوت : ” وكـان لـهـذا “الـقـصـر” الـمـهـيـب قـصّـة مـدهـشـة، فـقـد اسـتـعـمـلـه الـبـريـطـانـيـون نـاديـاً لـضـبّـاطـهـم. وكـان الإيـطـالـيـون قـد اتـخـذوه قـنـصـلـيـة لـهـم، ووجـدنـا بـقـايـا رايـتـهـم عـلى الـسّـطـح حـيـنـمـا أجّـرنـا الـقـصـر. وخـلال الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى إخـتـارتـه الـقـيـادة الألـمـانـيـة مـقـرّاً لـهـا. وغـالـبـاً مـا حـذرونـا مـن أنّ شـبـح الـجـنـرال فـون ديـر غـولـتـز كـان يـتـجـوّل في أنـحـائـه”.

وقـد أخـطـأت إيـدا سـتـاوت في بـعـض مـعـلـومـاتـهـا لأنّ فـون ديـر غـولـتـز لـم يـكـن تـحـت أوامـر الـقـيـادة الـعـلـيـا لـلـقـوات الألـمـانـيـة وإنّـمـا كـان يـعـمـل في الـقـوات الـعـثـمـانـيـة، وحـصـل عـلى رتـبـة بـاشـا، ولـهـذا كـان يـدعى بـغـولـتـز بـاشـا. وقـد عـهـد إلـيـه أنـور بـاشـا في 1915 بـالـجـيـش الـخـامـس الـعـثـمـاني. وسـار غـولـتـز بـاشـا بـالـجـيـش الـخـامـس إلى جـنـوب بـغـداد وأوقـف تـقـدّم الـقـوات الـبـريـطـانـيـة. ولـكـنّـه أصـيـب في 1916 بـالـتّـيـفـوئـيـد ومـات مـنـه في بـغـداد.

وإذا كـانـت الأمـريـكـيـة إيـدا سـتـاوت تـعـرف أنّ الألـمـاني فـون ديـر غـولـتـز مـات في تـلـك الـدّار فـكـيـف لـم تـسـمـع بـأنّ الـجـنـرال سـتـانـلي مـود مـات فـيـهـا أيـضـاً في 1917 ؟

وهي تـذكـر أنّ الـبـريـطـانـيـيـن اسـتـعـمـلـوه نـاديـاً لـضـبّـاطـهـم، فـهـل سـكـن الـجـنـرال مـود ومـات في مـا أصـبـح بـعـد ذلـك نـاديـاً لـضـبّـاطـه ؟

تـسـاؤلات كـنـت أودّ أن أجـد عـلـيـهـا أجـوبـة !

ولـم أجـد إلّا صـورة واحـدة مـا زالـت مـحـفـوظـة في أرشـيـفـات وكـالـة رول Rol لـتـصـويـر الأنـبـاء ذكـر الـتّـعـلـيـق الّـذي يـصـاحـبـهـا أنّـهـا لـلـدّار الّـتي سـكـنـهـا الـجـنـرال مـود في بـغـداد (وضـعـتـهـا في بـدايـة الـمـقـال) (6)، ولـكـنّ الأسـتـاذ أحـمـد رؤوف كـتـب لي بـأنّ الـبـعـض أشـار إلى أنّ الـمـنـزل الّـذي في هـذه الـصـورة كـان في الأصـل مـلـكـاً لأحـد الـوجـهـاء مـن عـائـلـة الـكـيـلاني، أو مـكـان إقـامـة آخـر ولاة الـعـثـمـانـيـيـن في بـغـداد، ومـكـانـه في شـارع الـرّشـيـد مـقـابـل سـيـنـمـا ومـسـرح الـنّـجـاح (سـيـنـمـا روكـسي سـابـقـاً). وقـد رمـم وأصـبـح مـتـحـفـاً لـمـقـتـنـيـات وهـدايـا الـزّعـيـم عـبـد الـكـريـم قـاسـم.

الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

المصدر/ المدى

    

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

707 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع