مفارقات من الحياة ــ ٤ ــ التجنيد الإلزامي في ذاكرة العراقيين

      

 مفارقات من الحياة ــ ٤ ــ التجنيد الإلزامي في ذاكرة العراقيين

      

تجدد الحديث عن التجنيد الإلزامي بعد الانتهاء من اعداد مشروع قانون جديد عرض على البرلمان العراقي بغية المصادقة عليه واحتدمت النقاشات الحادة في مختلف الوسائل والمنابر بين مؤيد ومعارض لهذا الإنجاز المختلف عليه فمنهم من يعده انجازا ايجابيا على الصعيد الوطني والاجتماعي ومنهم من يعده باباً جديدا من أبواب الفساد والاستغلال وبين ذاك وهذا رأينا من الصواب ان ندلي برأينا الذي تكون لدينا من تجارب العمر التي مرت للحديث عن التجنيد الإلزامي وتقييم احياءه والعمل به بشكل صحيح وواقعي بعد ان نترك الدوافع المصلحية والعاطفية جانباً.

    

  الفريق جعفر العسكري اول وزير دفاع في العهد الملكي


نبذة تاريخية عن التجنيد الإلزامي في العراق:

     

تأسست الدولة العراقية بحدودها الحالية المعترف بها دولياً في عام 1921 وتم تأسيس الجيش العراقي في 6 كانون الثاني من نفس العام في عهد المملكة العراقية وفي ظل حكم الملك فيصل الأول حيث تأسست أولى وحدات القوات المسلحة خلال عهد الانتداب البريطاني للعراق وتشكلت وزارة الدفاع العراقية وكان اول وزير لها الفريق جعفر العسكري من المتطوعين في بادئ الأمر واستمر ذلك لغاية عام 1935 حيث شرع قانون التجنيد الإلزامي (الإجباري) المتعارف عليه عند عامة الناس واستمر العمل به لغاية سقوط النظام العراقي الذي كان يقوده صدام حسين على يد القوات الأمريكية والقوات لمتحالفة معها في عام 2003 حيث اصدر الحاكم الأمريكي بول بريمر قراراً في 23 مايس 2003 يقضي بحل الجيش العراقي السابق ومع هذا القرار توقف العمل بقانون التجنيد الإلزامي والتحول الكلي للعمل بنظام التطوع والخدمة غير الإلزامية.

الجوانب الإيجابية والسلبية للتجنيد الإلزامي:

نحن العراقيين عندما نستذكر التجنيد الإلزامي فأننا نتذكر فيه الجوانب الحلوة والجوانب المرة فقد كان العمل به في ظل النظام الملكي منذ تشريعه ولحين سقوطه في انقلاب 14 تموز 1958 يتسم بجوانب مشرقة ومفيدة بشكل عام حيث لا يخلو أي عمل او تشريع من جوانب سلبية فكانت وجبات المكلفين تساق الى مراكز الخدمة والوحدات العسكرية وفق مواعيد استحقاقاتهم ومن جميع الوية (محافظات) العراق وبدون استثناء والمجند الذي يلبي دعوة خدمة العلم بعد قضاء المدة المحددة لثمانية عشر شهراً يعود إلى اهله وذويه وقد تغير حاله المتدني الى احسن حال في بناء وصقل شخصيته من خلال الاختلاط مع الآخرين ومن خلال برامج التثقيف والتدريب العسكري وبهذه المناسبة أتذكر سوق قريبي المرحوم حسن حمد للخدمة العسكرية في عام 1961 وكان رجلاً امياً وعند نهاية خدمته الإلزامية التي قضاها في بغداد والحلة وعودته الى مهنته الأصلية فلاحاً تغير سلوكه وتصرفه وملبسه ومسيره وحديثه والظاهرة الملفتة فيه هو عدم تخليه عن الملابس العسكرية في اجازاته التي كان يقضيها في قريته (زاركَلي) التابعة لناحية خليفان الحالية ضمن محافظة أربيل ويزهو بها متفاخراً امام اهله واقاربه وأصدقائه واهل المنطقة، ما دمنا نتحدث عن الخدمة الإلزامية في ظل النظام الملكي لابد ان اشير الى استثناء المكون العراقي الإيزيدي المساقين للخدمة من حلاقة الوجه (اللحى) التزاماً من الدولة واحتراماً للمعتقدات الدينية لهذا المكون كما لابد ان اتطرق الى جواز استيفاء مبالغ نقدية محددة لقاء عدم أداء الخدمة الإلزامية لها (البدل النقدي) في بعض الحالات والأوقات كذلك كان يستثنى من أداء الخدمة الإلزامية المتزوج من اليتيمة والمعيل الوحيد لعائلته.

اولاً: الجوانب الإيجابية لتشريع قانون التجنيد الإلزامي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع قانون الخدمة الإلزامية المطروح على البرلمان العراقي لغرض التصويت عليه وتفعيله بعد توقف دام عشرون عاماً وحجج المؤيدين لأصداره تنحصر في الجوانب الإيجابية التالية حسب وجهة نظرهم:
1 ــ القضاء على البطالة بين الشباب من الأعمار 18 ولغاية 45 لقاء الراتب المخصص لكل مجند والبالغ 700 ألف دينار.
2 ــ تعزيز الروح الوطنية والولاء للوطن.
3 ــ انتشال الشباب من آفة المخدرات والسلوك السيئ.
4 ــ اعداد جيل جديد قادر على مواجهة التحديات والتهديدات التي تواجه العراق حيث ان الإرهاب لايزال يشكل خطراً على البلد.
5 ــ التجنيد يشمل كافة محافظات العراق بدون استثناء ويساهم ذلك في جمع الشباب العراقي واختلاطهم سيؤدي الى زيادة وعيهم ولحمتهم الوطنية.

       

               المرحومين حسن حمد وأبنه زياد

ثانياً: الجوانب السلبية لتشريع قانون التجنيد لإلزامي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وعندما نأتي على اراء الرافضين لإصدار هذا القانون واعتباره يلحق الضرر بالمصالح الوطنية للعراق فأنهم يذكرون الجوانب السيئة والتي تنحصر فيما يلي:
1 ــ ارتباط الذاكرة العراقية الشعبية بما ورثته من مآسي وويلات في مجال التجنيد لإلزامي في حقبة نظام صدام حسين، حيث كان يتم تجنيد الشباب وسوقهم للخدمة العسكرية الإلزامية لفترات قد تمتد لعشر سنوات او اكثير وكان من تداعيات ذلك ان بعض المواليد قد تناقصت اعدادهم بشكل ملحوظ بسبب بقاءهم في الخدمة لفترة طويلة وزجهم في الحروب التي كانت من هوايات القائد الضرورة ومنهم مواليد 1949.
2 ــ الموجود الحالي للمتطوعين في الجيش العراقي والحشد الشعبي يتجاوز المليون ومائتي ألف فرد باستثناء البيشمركة في إقليم كرد ستان العراق فما حاجة العراق لهذا العدد الهائل من المقاتلين لكي نظيف اليهم اعداد جديدة من مستحقي السوق للخدمة الإلزامية لاسيما وان العبرة ليس بالعدد بقدر ما هو مرتبط بالنوعية من الرجال المقاتلين وتهيئة المستلزمات الضرورية لهم من سلاح وامكانيات لوجستية فهذه روسيا ورغم امكانياتها البشرية والمادية من مختلف أنواع الأسلحة أصبحت عاجزة عن تحقيق أهدافها في احتلال اوكرانيا واخضاعها لسيطرتها ولم تتحقق النتائج التي خطط لها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عند اقدامه على غزو هذا البلد لقصور تصوره في قدرات جيشه والشجاعة والبسالة للشعب الأوكراني وجيشه وحجم الدعم الخارجي.
3 ــ الظروف الدولية الحالية أدت الى ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية وحصول العراق على مردودات مالية كبيرة وزيادة مدخولاته وارتفاع قيمة احتياطاته أدى الى محاولة البعض بالتفكير بأوجه صرف جديدة لهذا الخزين النقدي الهائل وإيجاد منفذ آخر لسرقة المال العام.
4 ــ عسكرة المجتمع لن تكون سبباً في زيادة الولاء للوطن والإخلاص له.
5 ــ المبالغ الهائلة التي تكلف خزينة الدولة وزيادة اعبائها لتأمين رواتب الضباط والمجندين وشراء الأرزاق ووقود السيارات وبناء المعسكرات وشراء الأسلحة والمستلزمات من اثاث وملابس وافرشة واسرة.
6 ــ لا توجد مبررات منطقية للتفريق من حيث مدة الخدمة حسب شهادات المجندين وكما هو مدرج في مشروع القانون.
7 ــ سيؤدي تطبيق هذا القانون الى اقبال العاطلين الشباب معدومي الإمكانية المادية في سبيل رفع مستواهم المعيشي اما الشباب ميسوري الحال وأصحاب المصالح فأنهم لن يتقبلوا هذا القانون ولن ينخرطوا في صفوف هذا الجيش ونكون امام امرين فبعضهم سوف يتخلف عن السوق او يهرب من الخدمة وتعود حليمة إلى عادتها القديمة في تعقب الهاربين والمتخلفين ومآسيها ومشاكلها الاجتماعية والنفسية ومجالات الفساد في التستر على المطلوبين، اما الأمر الثاني هو ان هذا القانون هو اذلال للفقير والغني سيدفع الإتاوات ويذهب لداره مجازاً وبقاء أولاد المسؤولين في أمريكا وأوروبا يتمتعون بنعم الحياة.
8 ــ باب جديد لنهب المال العام والخاص.
9 ــ يتنافى مع النظم الديمقراطية وهو نوع من أنواع الإكراه.
10 ــ عسكرة المجتمع تشجع الحاكم عل الدخول في الحروب والنزاعات.
11 ــ موضوع التجنيد الإلزامي لايزال محل خلاف بين القيادات السياسية المختلفة حيث كل جهة تريد تجيير الموضوع لمصلحتها على حساب الجهات الأخرى.

  

                     عرض للجيش العراقي

وفي الختام وبدلاً من إعادة العمل بالتجنيد الإلزامي وما ينتج عنة كل ما سلف من سلبيات فالأولى الاهتمام بالجوانب التالية وما يرصد من أموال ان يصرف على:
ا ــ تطوير التعليم والرفع من مستواه وقد يكون فرض التعليم الإلزامي بدلاً من التجنيد الإلزامي وبناء مدارس جديدة بدل المعسكرات.
ب ــ مكافحة المخدرات ويناء مصحات لمعالجة المدمنين.
ج ـ رفع مستولى الخدمات الصحية وبناء مستشفيات بدل السفر للعلاج في البلدان الأجنبية او في المستشفيات الخاصة التي ترهق اجورها كاهل الفقراء.
د ــ الاهتمام بالزراعة وتأمين مصادر الري للزراعة والسكان.
هـ ــ الاهتمام بالصناعة وانشاء مصانع جديدة لخدمة اقتصاد العراق.
وفي الآخر لابد من التأكيد ان هناك جوانب عديدة يحتاجها العراق في هذه المرحلة التي يمر بها ولها أهميتها الشديدة. وتطبيق التجنيد الإلزامي في الوقت الحالي مضيعة للوقت وهدر للمال العام ونحن نعيش في هذه الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية العشوائية غير المنضبطة ومساراته المستقبلية المجهولة ونعود فنؤكد على أن قوة أي جيش لا يقاس بعدد منتسبيه وانما بنوعيتهم والإمكانيات المتاحة لهم ليكونوا في أهبة الاستعداد للدفاع عن العراق والحفاظ على سيادته واستقلاله في كل الأوقات والظروف بعيداً عن الغايات الطائفية والعرقية والمصلحية وتشكيل جيش من سبعة او ثمانية فرق عسكرية بمواصفات نوعية من كافة الوجوه كفيل بتحقيق هذه الغاية.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

824 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع