حصول السوداني على ولاية ثانية على رأس الحكومة يجعله أكثر جرأة في التعامل مع طهران بندية.
تراجع قوة المحور الإيراني العابر لحدود بلدان المنطقة وضعف الأذرع المحلية المشكلة له وخضوعها لضغوط أميركية شديدة، والتوجه السياسي للحكومة العراقية نحو تنفيذ خيار النأي بالنفس ودخول قوى أخرى حلبة المنافسة على النفوذ في العراق، عوامل تشكل مجتمعة مبعث قلق طهران على نفوذها في البلد ودافعها إلى التحرّك السريع للحفاظ على ما تبقى من ذلك النفوذ.
العرب/بغداد – تحمل القيادة الإيرانية على محمل الجدّ إمكانية تراجع وانحسار نفوذ إيران داخل العراق وصولا إلى خسارته بالكامل كنتيجة لضعف محورها في المنطقة ككل في مقابل ظهور تركيا كمنافس جدّي لها على النفوذ في البلد جنبا إلى جنب مع تكثيف الولايات المتحدة ضغوطها على بغداد بهدف دفعها لفك الارتباط السياسي والأمني والاقتصادي، وخصوصا في مجال الطاقة، مع طهران.
وتذكي الهواجسَ الإيرانية بوادرُ الاستجابة العراقية لتلك الضغوط وظهور ملامح نهج سيادي داخل أروقة الحكم في العراق يجسّدها ما بات يعلنه رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني وبعض أركان حكومته من نأي بالنفس عن مشاكل المنطقة وصراعاتها في مقابل انفتاح أكبر على التعاون مع قوى إقليمية أخرى غير إيران.
كما يذكيها التراجع النسبي في قدرة الأذرع المحلية من ميليشيات مسلّحة وأحزاب طائفية على لعب دور الحارس للنفوذ الإيراني بنفس المستوى من الكفاءة الذي كانت عليه من قبل سواء بسبب وقوع الميليشيات أكثر من أي وقت مضى تحت مجهر ملاحظة واشنطن وتهديداتها بضربها وإلحاقها بمصير حزب الله اللبناني، أو بسبب استغراق الأحزاب الشيعية في تجربة الحكم في العراق وتشكيلها منظومة مصالح واسعة ومتشابكة تتعيّن حمايتها بمسايرة السياسة الرسمية للدولة التي تشكّل مظلة لتلك القوى ذاتها.
ويسعى السوداني للحصول على ولاية ثانية على رأس الحكومة من خلال مشاركته في الانتخابات البرلمانية المقرّرة لشهر نوفمبر القادم والتي أصبح الحفاظ على مصالح العراق وتحقيق سيادته وتقليص النفوذ الخارجي داخله أحد الشعارات المرفوعة علنا في حملاتها من قبل عدد من القوى والشخصيات المشاركة فيها.
وسيتعيّن على السوداني خلال ما تبقى من ولايته الحالية مهادنة أتباع إيران المحليين لتجنّب ضغوطهم في مرحلة المسير نحو الانتخابات، دون أن يتخلّى عن شعاراته السيادية المطلوبة أصلا من جمهور الناخبين الذي يضمّ أعدادا متزايدة من الناقمين على إيران وأذرعها.
ويتوقّع مطّلعون على الشأن العراقي أن يكون السوداني في ولايته الثانية، إذا تمكّن من الفوز بها، أكثر قوّة إزاء أذرع إيران المشاركة له في الحكم حاليا وأشدّ إصرارا على ترسيخ نهجه السيادي في صياغة علاقات بلاده بالجمهورية الإسلامية.
وجزء كبير من ضغوط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الحكومة العراقية الحالية ينصبّ على تقليص نفوذ تلك الأذرع، وتحديدا الميليشيات المسلّحة، ولجمها. وهي مهمّة لا تزال معقّدة بالنسبة إلى رئيس الوزراء نظرا لكون تلك الأذرع ذاتها هي الطرف الرئيسي المشكّل لحكومته من خلال الإطار التنسيقي الشيعي.
ويصنّف ضمن تلك الضغوط المسعى الأخير لعرقلة صرف رواتب عشرات الآلاف من عناصر الميليشيات المشكّلة للحشد الشعبي حيث ألقت أوساط مقرّبة من الحكومة العراقية مسؤولية تأخير صرف تلك الرواتب على عاتق الولايات المتحدة من خلال توجيهها أمرا لمنظومة كي كارد التي تؤمّن توزيع الرواتب بوقف صرفها وأيضا تهديدها مصرف الرافدين بعقوبات في حال خالف قرار تعطيل الصرف.
وبعد الضربات التي وجهتها تل أبيب وحليفتها واشنطن لقدرات إيران النووية والعسكرية وهزيمة ذراع إيران الأبرز في المنطقة حزب الله اللبناني، ينتظر أن تواصل الولايات المتحدة سياسة إضعاف النفوذ الإيراني والميليشيات الحليفة على نطاق واسع في العراق والمنطقة ككل بضرب شبكات التمويل والاستقطاب عبر مراقبة دقيقة لأنشطة البنوك وفرض إجراءات أكثر صرامة على التحويلات المالية خارج العراق بالتعاون مع البنك المركزي العراقي لمنع استفادة إيران والميليشيات من عملة الدولار التي يحصل عليها البلد من أميركا نفسها.
كما يتمحور جزء هام من الضغوط الأميركية على العراق حول مجال الطاقة حيث تسعى واشنطن بشكل معلن إلى فكّ ارتباطه بإيران وارتهانه بها في مجال الطاقة الكهربائية والغاز المستخدم في توليدها.
وأعلنت حكومة السوداني مرارا وتكرارا عن نيتها تنفيذ برامج هادفة إلى خلق قدرات ذاتية في مجال توريد الكهرباء. وإذ لم تقطع الحكومة خطوات حقيقية في ذلك الاتّجاه إلاّ أن الأمر يظل ميسّرا للبلد النفطي الذي يتوفّر على قدرات هائلة في مجال الطاقة والذي يهدر سنويا كميات ضخمة من الغاز المصاحب لاستخراج الخام يقول الخبراء إنّ التخلي عن حرقها والشروع في استغلالها بدلا من ذلك كفيلان بأن يحقّقا للعراق اكتفاء ذاتيا من الطاقة الكهربائية، ويجعلاه في غنى عن الكهرباء والغاز الإيرانيين اللذين لا يزالان يستخدمان كسلاح وأداة للضغط على سلطاته كلما ظهرت لطهران بوادر استقلال عن دائرة التأثير والنفوذ الإيرانيين.
وغير بعيد عن هذا السياق أعلنت وزارة الكهرباء العراقية عن فقدان نحو 3800 ميغاواط من القدرة التوليدية للطاقة الكهربائية نتيجة انخفاض في كميات الغاز المستورد من إيران، في وقت تشهد فيه البلاد موجة حر شديدة تجاوزت نصف درجة الغليان في بعض المحافظات.
وقال مدير مديرية الوقود في الوزارة سعد فريح إن “كميات الغاز الإيراني انخفضت إلى 25 مليون متر مكعب يوميا، مقارنة بـ55 مليون متر مكعب تم التعاقد عليها، ما أدى إلى خروج عدد من محطات الإنتاج الغازية عن الخدمة.” ولا تحتمل حكومة السوداني مثل ذلك الضغط باستخدام الغاز والكهرباء في فصل الصيف تحديدا مخافة أن يطلق نقص الكهرباء مجدّدا شرارة الغضب الشعبي على غرار ما حدث في سنوات سابقة وخلال الفصل ذاته.
وأكد فريح أن “الوزارة وبمتابعة مباشرة من الوزير زياد علي فاضل، تبذل جهودا استثنائية لإعادة التوازن إلى منظومة التوليد، من خلال التنسيق مع وزارة النفط لتوفير الوقود البديل رغم الفارق الكبير في الكفاءة مقارنة بالغاز الطبيعي.”
وأشار إلى أن “الوزارة تدرك حجم الضغوط التي يتحملها المواطنون في ظل هذه الظروف المناخية القاسية، وتتابع الأزمة على مدار الساعة لتقليل آثارها وضمان استقرار التجهيز الكهربائي.”
ويعاني العراق وضعا بالغ الحساسية في ما يتعلّق بملف الكهرباء، وكثيرا ما يجد نفسه عالقا بين الارتهان بإيران وضغوط الولايات المتحدة لفك ذلك الارتباط حيث لم تعد واشنطن مستعدة لتجديد الإعفاء الاستثنائي من تطبيق العقوبات الأميركية على طهران والممنوح له منذ نحو سبع سنوات ما مكّنه من مواصلة استيراد الطاقة الإيرانية التي لا تزال تشكّل رابطا مصلحيا وعمليا قويا بين بغداد وطهران تسعى الأخيرة بشتى الطرق للإبقاء عليه.
612 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع